زين الدين زيدان - ريال مدريد - الدوري الإسباني

سبورت 360 – لو عدت بالزمن لمدة عامين وأخبرت نسختك الأصغر سناً أن ريال مدريد سيفوز بلقب الدوري الإسباني وكأس السوبر في موسم زين الدين زيدان الأول بعد عودته إلى النادي، كما أنه سيهزم الغريم التقليدي في مباراتين ويتعادل بواحدة بدون أي خسارة، أخبرني كيف ستكون ردة فعلك على ذلك؟ تذكر هذا السؤال جيداً لأننا سنعود إليه لاحقاً.

في الفترة الماضية، تعرض زيدان لهجوم عنيف من الصحافة والجماهير على حدٍ سواء، النسبة الأكبر اتفقت أنه السبب وراء تدهور مستوى الفريق في الموسم الحالي، وأنه تسبب في القضاء على مواهب ريال مدريد، وهمش الكثير من اللاعبين لدرجة جعلتهم يغادرون النادي أو يدخلون في نفق مظلم يصعب الخروج منه.

زيدان في نظر الكثيرين بات الرجل السيء الذي يفسد خطط النادي، ويدمر الجيل الذهبي، ويقتل آمال الجماهير. زيزو بين ليلة وضحاها تحول من واحد من أنجح مدربي العالم في العقدين الماضيين، إلا مدرب سيء لا يفهم بالتكتيك، ولا يجيد تطوير اللاعبين، وكل الألقاب التي حصدها في الماضي كانت بفضل الأسماء المرعبة التي يملكها.

قبل أن نتطرق للحديث عن أي قضية سواء في كرة القدم أو في أي مجال آخر، يجب أن نعود للأمور منذ بدايتها، وبداية حقبة ريال مدريد الجديدة كانت في صيف 2018 الذي رحل فيه كريستيانو رونالدو عن النادي، والجميع شاهد الانهيار العجيب الذي حدث للفريق في الموسم التالي، حتى جاء زين الدين زيدان وأعاد تصحيح الأمور قليلاً.

في الحقيقة الكلام الذي يقال عن زيدان في الوقت الحالي قاسي جداً، ومبالغ به، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التعامل معه على أنه الصواب، فالانتقاد شيء، والانتقاص من قيمة مدرب حقق نجاحات لم يستطع أحد غيره تحقيقها شيء آخر، وفي هذا التقرير سوف نوضح لماذا زيدان هو المظلوم في ريال مدريد وليس الظالم:-

المرحلة الأولى .. ريال مدريد كان قوياً ولكن!

لنعد إلى ولاية زين الدين زيدان الأولى التي بدأ البعض ينتقص منها ويعيد الفضل بالإنجازات للاعبين، وبالأخص لكريستيانو رونالدو. الفريق حقق في تلك الفترة 3 ألقاب دوري أبطال أوروبا، ولقب ليجا من أصل لقبين متاحين، بالإضافة إلى ألقاب أخرى مثل كأس السوبر الإسباني مرتين، وكأس السوبر الأوروبي مرتين، وكأس العالم للأندية مرتين أيضاً.

نعم، ريال مدريد كان يملك قائمة قوية جداً من اللاعبين، سواء في التشكيلة الأساسية أو حتى على دكة البدلاء، لكن هناك عشرات الفرق على مر التاريخ امتلكت مجموعة مميزة من اللاعبين في فترة ما، ولم تنجح في تحقيق نصف نجاحات زيزو. أليس هو نفس الفريق الذي امتلكه رافا بينيتيز وتلقى فيه خسائر فادحة من برشلونة وأتلتيكو مدريد؟ ألم يملك كارلو أنشيلوتي نفس الأسماء وخرج بها بالعاشرة وكأس الملك فقط؟ وماذا عن جوزيه مورينيو الذي كان يملك فريقاً مرعباً جداً ولم يحصد بالنهاية سوى 3 ألقاب محلية خلال 3 سنوات؟

لكي ندرك مدى الإنجاز الذي حققه زيدان، يجب أن ننظر أيضاً إلى الفرق الأخرى ولا نحصر أنفسنا في ريال مدريد، وبهذا سوف نكتشف أنه لم ينجح أي مدرب في تحقيق نفس النجاحات التي حققها زيزو خلال مدة زمنية قصيرة، بيب جوارديولا مثلاً الذي امتلك جيل تاريخي في برشلونة وقدم أفضل كرة قدم على مر العصور حسب رأي الكثيرين، حقق لقبي دوري أبطال أوروبا خلال 4 سنوات، بالطبع هو أحد أعظم الإنجازات في العقد الماضي، وإلى الآن يتم الإشادة به على ذلك، لكن بالنهاية ما حققه زيدان كان أكثر صعوبة ورونقاً.

بيب جوارديولا نفسه كان لديه فريق لا يقهر في بايرن ميونخ سبق له تحقيق الثلاثية قبل مجيئة، وبالنهاية لم ينجح في قيادته للفوز بلقب دوري الأبطال، والأمر نفسه تكرر في مانشستر سيتي. وفي باريس سان جيرمان هناك لاعبين من كوكب آخر في خطي الوسط والهجوم، وأقصى إنجاز تم تحقيقه هو الوصول إلى النهائي.

الأمثلة لا تنتهي، فكل عامين أو ثلاثة يكون هناك فريق يحظى بمجموعة مميزة من اللاعبين، لكن دور المدرب هو أن يعرف كيف يقود هذه المجموعة، سواء من الجانب النفسي أو الفني والتكتيكي، ولو كان زيدان مدرباً عادياً كما يدعي البعض وفاز بفضل لاعبيه، فلماذا لا يفعلها أي مدرب آخر عندما يملك لاعبين بجودة عالية؟

أما بالنسبة أن الفريق فاز بفضل رونالدو، وانهار بعد رحيله، فهذه فرضية ساذجة جداً، لأن الدون يقوم بدور واحد وهو تسجيل الأهداف، بينما لا يمكنه وضع الخطة في المباراة، واختيار التشكيلة، وإدارة الفريق في غرفة خلع الملابس، واتباع استراتيجية بخصوص المداورة بين اللاعبين، والتعامل مع الضغوط، وإجراء التبديلات، كل هذا وظيفة المدرب وليس اللاعب.

رونالدو ساهم بالفعل في ألقاب ريال مدريد مع زيدان، لكنه لعب أيضاً مع مدربين آخرين مثل مانويل بيليجريني، جوزيه مورينيو، كارلو أنشيلوتي ورافا بينيتيز ، كما لعب بعد رحيله عن ريال مدريد مع ماسيمليانو أليجري وماوريسيو ساري والآن مع أندريا بيرلو، وفي جميع هذه التجارب لم يحقق نصف ما حققه مع زيزو على صعيد الألقاب الجماعية، وبالتالي لا يمكن أن ننسب الفضل له وحده بهذه الإنجازات ونهضم حق المدرب الذي قاد المجموعة كاملة وتعامل مع كل شيء.

GettyImages-1300819224 (1)

المرحلة الثانية .. إدارة ريال مدريد تخلت عن زيدان

قبل أي شيء، دعونا نتذكر لماذا رحل زيدان عن ريال مدريد، السبب كان إيمانه الكامل بضرورة التغيير على جميع الأصعدة، وبالأخص تغيير اللاعبين والقيام بصفقات جديدة، لأنه كان على دراية تامة بموقف كريستيانو رونالدو من الرحيل.

بعد عودته للنادي، تحدث الجميع أن زيدان حصل على ضمانات مطلقة في سوق الانتقالات، وعاد بشروطه التي فرضها على الرئيس فلورنتينو بيريز، وبعد صرف 300 مليون يورو في صيف 2019، ظن الجميع أن الرؤية تتحقق، وعملية الإحلال والتجديد تسير على ما يرام، لكن الواقع كان مغاير تماماً.

إدارة ريال مدريد ظلت هي المتحكمة في سوق الانتقالات، حتى الأموال التي أنفقتها تم جلب فيها لاعبين شباب مثل رودريجو الذي هو مجرد حلقة في مسلسل هوس بيريز في إعادة نسخ نيمار، كما انتدب النادي فيرلاند ميندي بـ50 مليون، ولوكا يوفيتش الذي كان أبرز إنجازاته تسجيله 17 هدفاً في الدوري الألماني مقابل 60 مليون، بالإضافة إلى إيدير ميليتاو بـ50 مليون أيضاً لتدعيم الخط الخلفي، وأخيراً إدين هازارد الذي جاء كمعوض مباشر لكريستيانو رونالدو رغم أنه لم يكن هدافاً على الإطلاق في أي فترة من مسيرته.

لو راجعنا هذه الصفقات، سنجد أن هازارد هو اللاعب الوحيد الذي كان جاهزاً للدخول في التشكيلة الأساسية، أما بقية الأسماء فهي مجرد لاعبين متوسطي الجودة، وجميعهم صغار في السن أيضاً ويفتقدون للخبرة، ورغم ذلك، تمكن زيدان من تحقيق لقب الدوري الإسباني وكأس السوبر في موسم صعب للغاية.

ثم جاءت كورونا، وتحججت الإدارة أنها تعاني من مشاكل اقتصادية، وبسبب ذلك تم التخلي عن مجموعة كبيرة من اللاعبين، منهم المغربي أشرف حكيمي، ولسبب لا يعلمه أحد تم انتقاد زيدان على ذلك وليس الإدارة، وبالطبع لم ينتدب ريال مدريد أي لاعب في السوق واضطر المدرب للاعتماد على نفس الأسماء التي كان يملكها، وإدين هازارد الذي كان الجميع يعلق الآمال عليه أمضى معظم الوقت في العيادات والمستشفى.

ريال مدريد من أقل الفرق إنفاقاً في أوروبا خلال آخر 10 فترات انتقالات، فعندما نحسب فارق الشراء والبيع، سنجد أن النادي يحتل المركز رقم 58 على مستوى العالم، وأندية مثل الدحيل وبكين الصيني والهلال السعودي صرفت أموالاً أكثر.

وهناك مدربين أنفقوا أضعاف مضاعفة من ريال مدريد في حقبتي زيدان الأولى والثانية، نتحدث عن فارق يصل إلى 600 و700 مليون وبعضهم أكثر، وبالنهاية لم تنجح هذه الأندية في تحقيق شيء يذكر، ونقصد هنا عن برشلونة ومانشستر سيتي وإنتر ميلان وتشيلسي، بينما حقق الريال لقب الليجا وكأس السوبر، ورغم ذلك ما زال يرى الكثيرين أن زيدان هو المشكلة وليس الحل.

مواهب شابة وتوقعات هائلة لكن من سيصبر في ريال مدريد؟

لم يوجد ما هو أهم في ريال مدريد خلال السنوات الماضية أكثر من مشروع الشباب الذي أصدع فلورنتينو بيريز رؤوسنا به، وبعد مرور بضعة سنوات، اتضح أن المشروع فاشل للغاية، لكن كما هي العادة، لم ينتقد أحد الإدارة، وإنما توجهت الاتهامات مباشرة إلى زيدان.

زيدان لا يطور المواهب، وزيدان لا يمنح الفرصة للشباب، وزيدان تسبب في خسارة لاعبين كانوا سيصبحون نجوماً عالميين في المستقبل، وزيدان لا يعتمد سوى على حرسه القديم، وفي النهاية، زيدان لا يصلح لتدريب ريال مدريد في هذه المرحلة، اتهامات قاسية جداً لا تخضع للمنطق والواقع أبداً.

ماذا لو كانت المشكلة في التوقعات التي بنتها الصحافة والجماهير والإدارة حول هؤلاء الشباب من الأساس؟ لا أعرف السبب وراء التعامل مع فينيسيوس جونيور على أنه نيمار الجديد، وأن رودريجو سيصبح ريفالدو يوماً ما، بينما سيتحول مارتن أوديجارد إلى مسعود أوزيل، وبإمكان فيدريكو فالفيردي أن يتطور لمستوى ستيفن جيرارد، وإبراهيم دياز هو ديفيد سيلفا القادم، وكوبو ميسي اليابان بالطبع، ولوكا يوفيتش سيخلف عرش رود فان نيستلروي،

المشكلة كانت في الصفقات والتوقعات وليست في زيدان على الإطلاق، فجميع هذه الأسماء لم تقدم قبل زيدان ما يخولها لتستحق مركز أساسي في ريال مدريد، على سبيل المثال، شاهد مقاطع وأرقام نيمار في بداياته مع سانتوس وقارنها بفينيسيوس ورودريجو لتكتشف حجم الفارق المهول في الموهبة والمستوى.

الموهبة الحقيقة لا تحتاج لمدرب يظهرها، أنسو فاتي مثلاً تألق مع إرنستو فالفيردي ثم كيكي سيتيين وبسن أقل من رودريجيو وفينيسيوس، وبعدد دقائق أقل أيضاً، وجميعنا متفقين أنهما مدربين سيئين للغاية في كل شيء.

المواهب التي يملكها ريال مدريد ليست سيئة، ليس هذا ما نقصد قوله هنا، لكنها ليست الأفضل في العالم أيضاً، مشروع فلورنتينو بيريز تم بناءه بأساسات خاطئة، وحتى اللاعبين الموهوبين بحق مثل أشرف حكيمي وثيو هيرنانديز الإدارة هي من تخلت عنهم بسبب تطوير الملعب وجائحة كورونا، ولا علاقة لزيدان بهذا الأمر إطلاقاً.

ورغم كل ذلك، زيدان قام بتطوير فيدريكو فالفيردي وجعله أساسياً في بعض الفترات على حساب الفنان لوكا مودريتش، كما منح فينيسيوس ورودريجو عشرات الفرص في الموسمين الماضي والحالي، حتى مارتن أوديجار أشركه كأساسي في أولى المباريات قبل أن يدخل اللاعب في دوامة الإصابات وينهار بدنياً، وعندما بدأ يستعيد لياقته، طلب الرحيل بشكل مفاجئ.

زيدان كان المدرب الأكثر مداورة بين اللاعبين في أوروبا خلال الموسم الماضي، لدرجة أنه لم يشرك أي تشكيلة أساسية في مباراتين على التوالي طوال الموسم، واستمر الحال على هذا النحو حتى مطلع شهر ديسمبر الماضي، الذي اضطر فيه للعودة إلى الحرس القديم للخروج من الأزمة التي كانت تهدد منصبه وموسم الفريق بشكل عام.

زيزو حاول جاهداً الاعتماد على الشباب وتطويرهم، منحهم الكثير من الفرص، في النهاية هو من دفع ثمن ذلك عندما تراجعت النتائج بسببهم، وجميعنا نتذكر أنه حقق لقب الدوري الإسباني موسم 2017-2018 بالفريق الاحتياطي في آخر الجولات.

مواهب ريال مدريد ليست سوبر، وتحتاج للوقت كي تتطور وتنضج، والمشكلة تكمن أن زيدان لا يملك هذه الرفاهية الآن، إذا تعثر في أي مباراة سيبدأ التشكيك بقدراته التدريبية، ونسج قائمة تضم الخيارات التي ستخلفه بعد إقالته.

لو راجعنا أي مشروع آخر في أوروبا اعتمد على المواهب الشابة، سنجد أنه أخذ على الأقل 3 سنوات حتى بدأ يأتي بثماره، وفي ريال مدريد الجماهير لا تصبر أسبوع واحد فقط، وبالتالي كيف يمكن تطوير المواهب إذاً؟

لو لم يعتمد زيدان على الحرس القديم في آخر شهرين، لكان موسم ريال مدريد كارثياً بشكل أكبر، وكان سيخرج من المنافسة على جميع الألقاب، زيزو أشرك اللاعبين الأساسيين لأنه يعرف أنهم قادرين على الخروج به وبالفريق من هذه الأزمة، وبالفعل حققوا المطلوب منهم وانتصروا في جميع المباريات المهمة، حتى التعثرات التي سقط بها الفريق مؤخراً كانت في ظروف استثنائية، منها الطقس، ومنها طرد لاعب في الدقيقة التاسعة، أما الخروج من الكأس فكان بسبب المواهب التي يطالب الجميع بإشراكها.

فينيسيوس جونيور - ريال مدريد - الدوري الإسباني

الإنجازات التي حققها زيدان في ولايته الثانية رغم الصعوبات

دعونا نعود للسؤال الذي طرحناه في بداية المقال، هل كان مشجع ريال مدريد يتوقع أن يتوج الفريق بلقب الدوري الإسباني بهذا الفريق المتهالك؟ بالطبع لم يتوقع أحد، الجميع كان ينتظر موسماً سهلاً على برشلونة يحصد فيه جميع الألقاب المحلية، لكن زيدان كان له رأي آخر كعادته.

في الوقت الذي امتلك فيه الغريم التقليدي لاعبين بجودة عالية جداً مثل ليونيل ميسي ولويس سواريز، كان ريال مدريد يخسر لاعبيه المميزين بشكل مستمر بسبب الإصابة وانخفاض المستوى مثل إدين هازارد، جاريث بيل، إيسكو، بينما لم ينجح فينيسيوس بالتطور وتقديم الإضافة المطلوبة، ورغم كل هذه الصعوبات، حقق زيزو أهداف الموسم في نهاية المطاف، والغريب أن هذا لم ينجيه من الانتقادات أيضاً.

الأمر لا يتعلق بتحقيق الألقاب وحسب، ريال مدريد مع زيدان ما زال محتفظاً بهيبته، الفريق ما زال يملك شخصية الكبار، وهذا يتضح من خلال نتائج الفريق في المباريات الكبيرة في الموسمين الماضي والحالي، هزم أتلتيكو مدريد وبرشلونة مرتين ولم يخسر أي مباراة ضدهما، وتفوق أيضاً على إنتر ميلان في دوري الأبطال، والمواجهة الوحيدة التي خسرها كانت أمام مانشستر سيتي، والجميع يعلم أن هناك فارق مهول في إمكانيات الفريقين بالوقت الحالي.