كريستيانو رونالدو في مباراة يوفنتوس ضد ميلان

موقع سبورت 360 – مع التقدم في السن تصبح الأمور أصعب على النجوم الكبار في عالم كرة القدم، أكثر تعقيداً، ومرهقة على الصعيد النفسي، فهو من جانب ما زال يرى نفسه كأحد أفضل اللاعبين على الإطلاق، ومن جانب آخر لم يعد يستطع تقديم نفس العطاء البدني والفني على المستوى العالي باستمرار، ليصبح تحت نار الانتقادات إعلامياً أحياناً، والضغط من مدربه وجماهير فريقه في أحيانٍ أخرى.

النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو والمتوج بجائزتي أفضل لاعب في العالم والكرة الذهبية 5 مرات في مسيرته، أصبح في بداية هذه المرحلة، لا أقول أن كريستيانو فقد ثقة مدربه أو لم يعد يستطيع تقديم الأداء المبهر في المستوى العالي من اللعبة، كل ما أقوله أن هناك بعض الملامح التي توحي بأن الضغط سيكون شديداً عليه في قادم السنوات، وسيخوض مرحلة الصراع النفسي ما بين أحكام الزمن ورغباته الداخلية.

ما الذي يحصل مع كريستيانو رونالدو؟ وما سبب غضبه؟

4 أيام فقط كانت الفاصل بين حالتي استبدال كريستيانو رونالدو من قبل مدربه ماوريزو ساري، الأولى في مباراة يوفنتوس ضد لوكوموتيف الروسي، والثانية ضد ميلان في الدوري الإيطالي، وفي كلا الحالتين لم يتقبل رونالدو قرار مدربه بصدرٍ رحب رغم أنه كان يقدم مستوى غير مقنع في أرض الملعب.

غضب رونالدو من ساري كان منتظراً منه، المدرب الإيطالي تخلى عن نجمه في وقتٍ مبكر من كلا اللقائين، فيما يرى كريستيانو نفسه أفضل لاعبي الفريق ولا يمكن أن تقوم باستبداله وأنت بحاجة لتسجيل الأهداف.

ساري فاقم المشكلة أيضاً بعد مباراة لوكوموتيف حينما أشار إلى أن رونالدو يعاني من إصابة في ركبته، مشيراً إلى أن حالته البدنية بشكلٍ عام هي سبب استبداله، قبل أن يؤكد في وقتٍ لاحق بأن قرار الاستبدال كان صحيحاً من وجهة نظره.

هذه التصريحات يبدو أنها لم تعجب النجم البرتغالي وهو ما دفعه لمغادرة الملعب بشكلٍ كامل بعد استبداله ضد ميلان، قبل أن يصرح فور انضمامه لمنتخب البرتغال بأنه لا يعاني من أية إصابات، وحالته البدنية ممتازة، مما يعني بأن الخلاف بين المدرب واللاعب عميق ولا يرتكز على قرار فني فقط، بل على عدم قناعة ساري بقدرة رونالدو _بدنياً_ على تنفيذ ما يريده من مهام في أرض الملعب.

الملفت في هذا كله، بأن رونالدو في أول مباراة خاضها مع منتخب بلاده البرتغال بعد كل هذه المعمة استطاع تسجيل 3 أهداف (هاتريك) ومساعدة بلاده على التفوق بنتيجة 6-0 ، ولم يظهر عليه أي علامات للتعب أو الإصابة.

الموقف الصحيح من تصرفات كريستيانو رونالدو في يوفنتوس

وسط الجدل القائم حول تصرفات رونالدو، أعتقد أنني أنحاز لأحد الطرفين، فمن غير المنطقي _بالنسبة لي_ تبرير تصرف رونالدو أو غيره بعد خروجه من الملعب ورفضه البقاء على دكة البدلاء إثر استبداله في أي مباراة.

تصرف رونالدو غير مقبول، فهو لم يكترث لإمكانية فقدان فريقه لصدارة ترتيب الدوري الإيطالي، ولم يساند زملاءه على الدكة أثناء معاناتهم في الملعب، كما لم يتصرف كلاعب محترف وصاحب خبرة واسعة ليعي بأن تصرفاته ربما تؤثر على وحدة غرفة خلع الملابس في قادم المواعيد، رونالدو لم يهمه سوى نفسه في هذه اللحظات، ولا يجب القبول بتصرفه مهما كانت الظروف.

ليس هذا فقط هو المزعج في تصرف رونالدو، فشخصيته بشكلٍ عام لها جانبٌ سلبي، النجم البرتغالي لم يستوعب مسألة تقدمه في السن، وهو ما يجعل المدرب مضطر أحياناً لاستبداله لأنه يكون بحاجة لتطبيق بعض الأفكار التي لن يستطيع في سنه المتقدم تطبيقها، وبمعنى أصح؛ قيام المدرب باستبداله أو إجلاسه على الدكة قبل إنطلاق إحدى المباريات هو أمرٌ محتوم في لعبة كرة القدم بعد أن يصل النجم لهذا العمر، فهذه أحكام اللعبة ومر بها جميع النجوم في الماضي.

بنعطية وكريستيانو رونالدو

رغم ذلك .. ساري أيضاً يرتكب جريمة بحق نفسه وحق يوفنتوس

حينما تُراجع الاستراتيجية التي لعب بها ماوريزيو ساري مواجهتي لوكوموتيف الروسي ثم ميلان الإيطالي، ستجد أن المدرب اعتمد على نهج 4-3-1-2 ، بل هي التشكيلة التي طبقها في معظم فترات الموسم الحالي، لكن في آخر مباراتين اختار الأرجنتيني جونزالو هيجواين بجانب زميله رونالدو في خط الهجوم.

حينما يقرر المدرب إشراك مهاجمين سوياً في المقدمة، فحينها إما أن يسمح لأحدهما بالتقدم كرأس حربة، على أن يتواجد الآخر خلفه على مشارف منطقة الجزاء ويتقدم في بعض الحالات ليكون مهاجم ثاني مساعد (يمكن أن يؤدي دور رأس الحربة الوهمي) ، وإما أن يطلب من أحد اللاعبين أن يتمركز في أحد الجناحين أكثر، ويبتعد عن العمق حتى يساهم في تحرير زميله الذي سيواجه المرمى.

في حالة يوفنتوس فإن ساري مضطر لاستخدام الحل الثاني لأنه يملك صانع ألعاب بالفعل خلف المهاجمين، أي أن وجود مهاجم ثاني بجانب صانع ألعاب سيؤدي إلى تضارب في الأدوار على أرض الملعب بشكلٍ واضح، أو ربما سيؤدي لزيادة تكتل المدافعين حول لاعبي يوفنتوس في مساحة ضيقة وهم لا يتمتعون بالقدرة الكافية على اللعب في المساحات الضيقة.

لذلك طلب ساري من أحد مهاجميه بأن يلعب على الأطراف أكثر، ويترك العمق لزميله، وكان اختياره في هذا الجانب على البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي سبق وأن لعب في مانشستر يونايتد ثم ريال مدريد كجناح هجومي (أو كجناح في خط الوسط خلال بداية مسيرته)، وهو ما حصل في الكثير من المباريات مع يوفنتوس في الموسم الماضي.

بهذه الحالة نستطيع القول بأن ساري اختار أن يكون رونالدو هو المهاجم المتحرك بعيداً عن المرمى، فيما تناط مهمة الحسم بشكلٍ رئيسي بالأرجنتيني هيجواين، ومن يشكك بذلك فليراجع الخرائط الحرارية للاعبين ليشاهد تحركات رونالدو ضد ميلان، مقارنة بتحركات هيجواين، وحينها ستعرف أن البرتغالي كان بعيد تماماً عن المرمى، فيما يتمركز الأرجنتيني على مشارف وداخل منطقة الجزاء.

ماوريزيو ساري وكريستيانو رونالدو

هنا نجد أن ساري ارتكب جريمة بحق نفسه وبحق يوفنتوس لعدة أسباب:

1- أنت أبعدت أخطر لاعبيك وأفضلهم تهديفياً وأكثرهم جرأة عن المرمى، بل قيدته بأدوار وزملاء يجعلونه غير قادر على المساهمة هجومياً كما يريد، وبالتالي أنت خسرت سلاح فتاك يستطيع قتل المنافسين في أي لحظة.

2- خلال إبعادك لأفضل هدافيك عن المرمى، اعتمدت على لاعب آخر متمركز في العمق لا يمر بأفضل أحواله منذ أشهر طويلة، بل نستطيع القول أن مستواه متدني وغير مقنع، وفوق ذلك هو متقدم في السن أيضاً ولا ينتظر منه التطور أو قيادة الفريق في المستقبل، أي أنك ساهمت بتراجع قدرة فريقك على الحسم أمام المرمى.

3- أنت افتعلت مشكلة مع لاعب بشخصية نرجسية حينما وضعته بمركز لا يقدم فيه أفضل ما لديه خلال السنوات الأخيرة، ثم قمت باستبداله بعد أن أخفق في التكيف مع المهام التكتيكية الذي تريده منه.

4- هذه المشاكل التي خلقها ساري لنفسه وليوفنتوس أثرت بشكل واضح على قدرات الفريق هجومياً، فرونالدو أصبح مطالب بأن يشارك في بناء اللعب والاستحواذ أكثر وأكثر، وهي ليست من أفضل صفاته في الوقت الحالي.

المنطق يقول بأن المدرب مطالب باتستخدام أفضل مهاجميه فيما يجيده، فكيف إن كان ما يجيده سيساعد المدرب بالأساس على إبعاده عن عملية صناعة اللعب تقريباً بما يوفر له القدرة على استخدام لاعب آخر أكثر كفاءة منه في هذا الجانب؟

على الجانب الآخر فرناندو سانتوس مدرب منتخب البرتغال يفهم جيداً كيف يستخدم رونالدو، وكيف يجعل صناعة الهجمات تنتهي عنده لا تبدأ من عنده في الثلث الأخير، وهو ما يتضح من الخريطة الحرارية لكريستيانو ضد منتخب ليتوانيا حيث تواجد داخل منطقة الجزاء وعلى مشارفها في العمق طوال اللقاء تقريباً، مما ساهم في تسجيله 3 أهداف وتحقيق بلاده الانتصار بسداسية نظيفة.

إدارة يوفنتوس تساهم في تحجيم رونالدو

في عالم كرة القدم حينما تُقدم على التعاقد مع أغلى صفقة في تاريخك الكروي، حينها سأفترض بأنك ستجعل النجم المنتدب هو المحور الرئيسي لفريقك على أرض الملعب، لا يعني ذلك أن تبني حوله مشروع طويل الأمد، لكن على الأقل أن توفر السبل الكافية لاستغلال أفضل ما لديه بالطريقة المناسبة.

من هنا تبدأ المشكلة، يوفنتوس في الحقيقة لم يوفر السبل الرياضية المناسبة لاستغلال قدرات رونالدو فنياً، فالمسألة لا تعود للموسم الحالي بل للموسم الماضي حينما كان المدرب ماسيميليانو أليجري يوظف رونالدو في مركز الجناح الأيسر حتى شهر فبراير، حينها اكتشف حاجته لهداف يفتك بالشباك ويقود المنظومة فبدأ يعيده للعمق أكثر، وهو ما صنع الريمونتادا ضد أتلتيكو مدريد.

وحسب إحصاءات موقع ترانسفير ماركت نجد أن رونالدو لعب في مركز الجناح الأيسر في 27 مباراة (مقابل 17 مباراة شغل في مركز رأس الحربة)، وهو رقم ربما يكون أقل من الحقيقي وليس العكس، فمن كان يشاهد يوفنتوس في ثلثي الموسم الماضي لاحظ بأن النجم البرتغالي هو الذي يبتعد عن العمق من أجل زملائه، وهو الذي يلعب الكرات العرضية ويشغل مركز الجناح، وهو ما جعله يصنع عدة أهداف للكرواتي ماندزوكيتش.

المسألة لم تتوقف هنا، يوفنتوس في الصيف ذهب للتعاقد مع ماوريزو ساري الذي يبدو أن فلسفته في لعب كرة القدم لا تناسب رونالدو كثيراً، وحتى لو ناسبته فإن المدرب غير معني بتوظيف كريستيانو في المركز الذي يجيده في أرض الملعب في هذا السن المتقدم، مما يعني بأن استغلال قدرات النجم البرتغالي لم تكن من أولويات إدارة السيدة العجوز حين التفاوض مع ساري.

ما يؤكد هذه المعادلة هو طريقة تصرف يوفنتوس في سوق الانتقالات، حيث توجهت إدارة السيدة العجوز للتعاقد مع رأس حربة يميل أكثر للعب في العمق وداخل منطقة الجزاء، وهو ما سيحد بشكلٍ كبير من حرية رونالدو في اقتحام منطقة جزاء المنافس.

كريستيانو رونالدو وماوريسيو ساري

يوفنتوس أراد بوضوح التعاقد مع ماورو إيكاردي، لكن عدم قدرته على تسويق جونزالو هيجواين اضطره لغض النظر عن هذه الصفقة، رغم أن إيكاردي سيصبح هو النقطة الذي تصب عندها هجمات اليوفي في أرض الملعب.

وكما هو معلوم للجميع، إدارة السيدة العجوز كان لديها هدف اقتصادي في صفقة كريستيانو رونالدو، وبناءً على المعادلات السابقة فإن الهدف الرياضي لم يكن يعنيها كثيراً حين الإقدام على الصفقة.

لذلك نشاهد أن أهداف يوفنتوس الاقتصادية من صفقة رونالدو تتحقق فعلياً على أرض الواقع، حيث ارتفع دخل النادي بمقدار 58 مليون يورو الموسم الماضي، ناهيك عن زيادة قيمة أسهم النادي بشكل كبير، وقيام يوفنتوس بالضغط للحصول على عقود رعاية أكبر في المستقبل.

حتى على صعيد الشعبية والجماهيرية، تم إنشاء صفحة للنادي على أنستجرام والتي بلغ عدد متابعيها 38 مليون شخص، كما زاد عدد مشجعي النادي بمقدار 40 مليون شخص حول العالم، كل هذه المعلومات تؤكدها صحيفة لاجازيتا ديلو سبورت الإيطالية والتي توضح أن الهدف الرئيسي من صفقة البرتغالي اقتصادي – استراتيجي، لا رياضي.

طبعاً من حق يوفنتوس اختيار الطريقة التي يريد الاستفادة من رونالدو فيها، لكن الفكرة أنك إذا امتلكت منجماً من الذهب والألماس، فما المانع من توفير الأدوات المناسبة لاستخراج كلا المعدنين من باطن الأرض، ولماذا التركيز على الاستفادة من معدن واحد فقط؟ سؤال لن تجد له إجابة في تورينو…