انتونيو كونتي

مسألة خروج أنتوينو كونتي من عباءة اليوفينتينو “المنتمي المُحب ليوفنتوس” وتحوله إلى الوجه الخائن ليست بالجديدة عليه وكانت له حالة مشابهة في مسيرته، فهو أفعى من داخله، إذا أردت ذلك الوصف.

هو ابن لمدينة ليتشي ولعب لليتشي وتعرق بقميصه لكن في النهاية عندما وصل له عرض من عدو ليتشي التاريخي، باري لتدريبه في العام 2007 وافق عليه وقبل به واختار لنفسه الطريق الخاص بدون أي مرجعيات أو نظريات أخلاقية وهو شىء الذي لا أستطيع الجزم بأنه جعله يؤنب نفسه بعده أو لا، ولكن على أية حال ينطلق الموسم الجديد 2019/2020 لكونتي كمدرب لإنتر ميلان من أرضية ملعب الفيا دِل ماري التي يعرفها جيداً، في ليتشي موطنه وموطن أجداده.

نعم هي ليتشي الذي يقول أنه تعلم فيها كل شىء، ركضه مع أصدقائه لتسلق الأشجار وحماسته للانتصار في تلك الألعاب الصغيرة والسهر في ساحاتها والتمتع بمعالمها الطبيعية التي هدأت كثيرًا من نفسه التي تشتعل كالنيران كلما أراد شيئًا بعيداً عن يده وهي المدينة التي لعنته عندما وافق على عرض الديوك في باري.

كان لاعب وسط ماهر ولكنه لم يكن اللاعب صاحب الرقم 9، أي رأس الحربة الذي يتلقى الإشادات ويتردي الأطفال قمصانه ويحلمون بأن يصبحوا يومًا ما في نفس مكانته ولذا فإن كونتي رغم أسطوريته كلاعب يقدره الجميع في ملعب “الديلي ألبي -ملعب النادي القديم الذي تم إغلاقه في عام 2006 وإغلاق صفحة يوفنتوس القديم معه”.

لم يكن نجم الشباك الأول وعندما اعتزل لم يذق حلاوة العسل دفعة واحدة أو بسهولة بل اجتاز عقبات صعبة ومدمرة أرهقته وأسقطت شعره في مرحلة من المراحل حتى وصل إلى أن يحمل العبء الكبير جداً وهو عبء إعادة يوفنتوس لكي يكون كبيراً.

أنتونيو كونتي

أنتونيو كونتي

كونتي حقق ما قد يعجز عنه الكثير من الرجال في عالم اللعبة وكثير من المدربين كانوا سيرفضون فكرة قبول عرض يوفنتوس في تلك الفترة 2011/2012 وأقصد بذلك الفئة الأولى من المدربين فكان فريق مهلهل يحلم فقط بالمشاركة في دوري الأبطال ويشاهد إنتر على القمة.

وافق على أن يحمل صخرة الكالتشيو بولي المُرة، وافق على قيادة يوفنتوس المُرهق من تبعات كالتشيو بولي الذي أسقطته أرضاً إلى الدرجة الثانية وجعلته يتردى اقتصاديًا وأبعدت عنه العديد من النجوم لسنوات طويلة وجعلته يذوق مرارة المركز السادس والسابع وخسارات على ملعبه من فرق كانت تحلم يوماً فقط بزيارة تورينو واللعب امام الأبيض والأسود.

وبعد ذلك، نعم هذا البيلو أنتونيو قاد السيدة العجوز بأفكاره وإصراره وإيمانه بالعمل الجاد وباستراتيجيته في اللعب للفوز بلقب الاسكوديتو بل والاحتفاظ به عاماً بعد آخر حتى استلم ماسيمليانو أليجري التركة وتذوق الحلاوة هنيئًا له.

أن تتذكر الابن الخائن..

إلا أن فكرة عودة كونتي لإيطاليا من بوابة إنتر ميلان تقتل ليس محب اليوفي فقط ولكن حتى المشاهد المحايد الذي كان يرى في هذا الرجل كل سمات السيدة العجوز على مستوى العقلية والمزاج والعمل الحربي الدؤوب، واليوم صباحاً شاهدت تغريدة من حساب يوفنتوس الرسمي تهنىء ابنها الُمخلص “سابقًا” بعيد ميلاده مما أثار بعض الغضب والحنق من جانب جماهير لطالما هتفت باسم البيلو أنتونيو، أو المُخادع أنتونيو.

كونتي مع إنتر ميلان

كونتي مع إنتر ميلان

صور الأدب اليوناني كثيراً صور الخيانة في مواطن عدة مع كتابه الكبار مثل هوميروس وأيسخولوس، وكتبوا منها العديد من المؤلفات الدرامية والتراجيديات وكان من بين أشهر تلك الشخصيات هو سيزيف التاجر المخادع والجشع الذي نجح في العديد من معاركه بالمكر والدهاء.

أين الحقيقة؟ كونتي لم يكن خداعه مثل خداع سيزيف في الأسطورة الإغريقية لثاناتوس ليقرر زيوس معاقبته بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل لأعلاه، وعلى عكس سيزيف الذي كان دائماً ما تنفلت الصخرة منه عندما يقترب من قمة الجبل وبقى في حيرة وعذاب أبدي، فإن كونتي كان المعاكس تماماً، كونتي فعل الخير وأعاد إنشاء مجد السيدة العجوز بالفعل لأنه استطاع تحقيق تلك المعجزة بانتشالها من القاع بالتأكيد بالتعاون مع ماروتا وآنييلي آنذاك.

تفرقت السبل والطرق وذهب هو وماروتا في اتجاه وآنييلي -رئيس النادي وسليل عائلة آنييلي العريقة المالكة للافيكيا سينيورا- وجماعته في اتجاه آخر، وبعد أن تسلم الآن هذا الابن مسؤولية إنتر العدو التقليدي والخالد ليوفنتوس فإنه تجرد من المشاعر السابقة التي جمعته باليوفي لاعباً ومدرباً ورفض أن يحمل صخرة اليوفي أكثر من ذلك.

وهو الذي خرج من النادي بعد معجزته في عام 2014 لأنه رأى أن الإدارة لا تريد أن تبذل المال أكثر من ذلك وكان قريباً من تحقيق معجزة أخرى مع منتخب إيطاليا في أمم أوروبا 2016 بجيل متوسط .

أن تنقلب على نفسك القديمة..

أما الآن لم يعد لليوفي أية حاجة به بل واستبعد فكرة رجوعه إلى تورينو وقرر منذ الموسم الماضي أخذ اتجاه وفكر مختلف من الناحية الاقتصادية والفنية في إدارة الفريق بجلب كريستيانو رونالدو إضافة إلى عديد من النجوم الآخرين هذا الصيف وهو مرشح فوق العادة للفوز ببطولة أوروبا، مع مدرب هجومي ثوري مثل ساري.

أندريا آنييلي رئيس يوفنتوس

أندريا آنييلي رئيس يوفنتوس

أما كونتي، الذي لم تعد على أكتافه الصخرة وتخلص من العذاب الحلو الذي جعله يحقق مجداً في اليوفي بدأ رحلة شاقة جديدة مع إنتر ميلان ولا أخفي عليكم أنها ربما تكون صعوبتها أشد خصوصا مع تردي الإنتر من الناحية الإدارية في السنوات الماضية، فهو يريد عمل إصلاح شامل وليس فني فقط.

أهدافه في ميلانو تختلف عن أهدافه سابقًا مع ناديه الأم، لكنه إن نجح في إقلاق يوفنتوس في صدارة الدوري الإيطالي بمنافسته أو حتى التغلب عليه في سباق البطولة وهو أمر مستبعد للغاية حالياً فسيكون هذا هدف ومكافأة إضافية على إيمانهم به، إلا أن أهم ما تنتظره جماهير الإنتر منه أن يبقى على مقربة من أول مركزين دائماً وأن يُحسن عطاء اللاعبين الفني والسلوكي.

ومازال المدرب الإيطالي الأكثر إثارة للجدل والتعليقات حوله ينتظر بضعة إضافات في تشكيلته خاصة على مستوى رأس الحربة لكن الأكيد أنه تخلص للأبد من فكرة واتهامه بالخيانة لانتقاله للغريم التقليدي متعللاً برصيده الذي اعترف به حساب النادي الأبيض والأسود على شبكة تويتر.

وربما ما فعله كونتي، فعله مثله في السابق جيوفاني تراباتوني بعد أن حقق كل شىء مع اليوفي ذهب للنيراتزوري وحقق معهم لقب الدوري الإيطالي فتاريخيًا الكالتشيو عرف العديد من تلك الأمور التي يُطلق عليها لقب “خيانة”، وصحيح أن شعور الخيانة يصيب حتى الرياضي ويؤلمه، وتجعل أفكاره ثقيلة على قلبه عندما يلتقي بوجه صديقه وشريكه السابق، لكن بالنسبة لكونتي..فلم تعد على أكتافه تلك الصخرة.