قصص ملهمة (2) .. الشعب الألماني من الإذلال إلى العظمة بفضل هيربرجر

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • سيب هيربرجر

    قصة مختلفة تماماً عن قصة إلهام مدرب إشبيلية للاعبيه بعد إصابته للسرطان، فالمسألة تتخطى مرض المدرب أو الانتفاضة في لقاء وحيد، إنها قضية أمة بأكملها، قضية شعب مهزوم، مرهق، يتعرض لحالة أشبه بالإذلال، شعب بدون هوية، لكنه استطاع تقديم منتخب كروي عظيم بدلاً من أن ينتج منتخب ذليل، لتكون واحدة من أكثر القصص الملهمة في تاريخ كرة القدم، فريق تأثر بحالة البلاد الكارثية لتكون وقوداً لتحقيق النجاح، ثم بدوره أثر بالبلاد لبدء حقبة جديدة من النجاح.

    حديثنا هنا عن منتخب ألمانيا، الفريق الذي توج بلقب كأس العالم 1954 في ظروف استثنائية تمر بها البلاد، حيث الشعور بالانتماء للوطن كان معدوم، بل هناك حالة فصام قومية إن صح التعبير، فلا يوجد هوية واضحة للشعب، الألمان لم يكونوا قادرين على التعريف عن أنفسهم في تلك الفترة، كما أن روح الأمة انقرضت، والبلد منقسمة بين ألمانيتين شرقية وغربية، كل ذلك حدث بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية عام 1945.

    الخبير والمؤرخ كيت هولدن قال عن ذلك “شعب ألمانيا الغربية لم يكن لديهم أي فكرة عن كيفية تعريف أنفسهم، الوطنية والقومية كانت شيء محظور حينها، كان التفكير بوحدة الألمانيتين شيئاً مستبعداً. العديد من المدن دمرت إلى درجة الانهيار التام، والاقتصاد كان في الحضيض”.

    من هنا أتى دور سيب هيربرجر، العبقري، أو الرئيس كما يحلو للألمان ولاعبيه بمناداته، هيربرجر لعب دور الأب الروحي، القائد العسكري، للاعبيه، فبعد عودته للعمل عام 1950، وبعد سنوات من التواصل بصعوبة مع لاعبيه خلال الحرب العالمية الثانية استطاع صنع فريق عنوانه وأساسه المثابرة، عدم الاستسلام، التحلي بروح المجموعة.

    هيربرجر وضع لاعبيه في معسكرات تدريبية صارمة قبل كأس العالم1954، لم يكن مدرب يحب التكاسل، كان مدرباً يؤمن بالعمل الدؤوب وعدم الاستسلام، كان قاسياً على لاعبيه لدرجة أنهم استنزفوا بدنياً وانهاروا في الأيام الأولى، لكن مع مرور الأيام أصبح كل شيئ سهلاً بالنسبة لهم، ومع جملة “كونوا 11 صديقاً في الملعب” التي كررها هيربرجر على مسامعهم، أصبحت روح المجموعة هو المحرك الرئيسي لمنتخب ألمانيا.

    رغم كل ذلك لم يكن يعتقد أحد قبل المباراة النهائية بأن ألمانيا قادرة على تحقيق لقب كأس العالم ضد المجر التي هزمتهم في دور المجموعات بنتيجة 8-3 ، المجر لم تهزم على مدار 4 أعوام، كانت مواجهة بين ملاكم من الوزن الثقيل ضد ملاكم من وزن الريشة كما وصفها الفيفا عبر موقعه الرسمي.

    لكنها روح الشعب المهزوم، الشعب بلا هوية وبدون روح هي من حفزت الألمان على النهوض بفضل وجود هيربرجر الذي لا يستسلم، ورغم أن المباراة النهائية بدأت بشكل سيء للألمان بتلقيهم هدفين في الدقائق الأولى، إلا أن عقلية سيب كانت مزروعة في الفريق لتحقيق العودة، كيف لا وهو الذي عرف بجملة “الكرة دائرية وتغير اتجاهها… كرة القدم تستمر لتسعين دقيقة”.

    اللاعب الراحل فريتز فالتر قال في كتابه “ماكس مورولك حفزنا بأفضل طريقة بعد تلقي الهدف الثاني، أخذ بالبكاء وقال لنا: لا يهم، سنعود… فيما قال لي أوتمار: فريتز، استمر بالعطاء، نستطيع قلب الأمور لصالحنا”.

    وهذا ما كان، ألمانيا عادت من الهزيمة 0-2 إلى الفوز 3-2 على واحد من أقوى فرق كرة القدم عبر التاريخ، إنجاز عرف بمعجزة برن، إنجاز لم يؤمن أحد بأنه سيحدث قبل موعد اللقاء الختامي سوى هيربرجر والمقاتلين الأحد عشر الذين لعبوا تحت الأمطار الغزيرة.

    الكثير من الألمان يؤمنون حتى اليوم بأن الفوز بكأس العالم 1954 هو نقطة الانطلاق الحقيقية لهم بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، ليس الانطلاق رياضياً، بل الانطلاق لبناء ألمانيا قوية وجديدة اقتصادياً وثقافياً.

    هذا ما يؤمن به المؤرخان آرثر هينريخ ويواكيم فيست واللذان يعتقدان بأن معجزة برن هي نقطة التحول الحقيقية في مسار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لتولد أمة جديدة، أمة ناجحة ومتفوقة في جميع المجالات، من الهزيمة إلى النجاح والشعور بالانتماء والتفوق.

    ** اقرأ أيضاً: قصص ملهمة (1) .. بينيتيز رجل أفضل نهائي بالتاريخ