بول جاسكوين .. الرجل المكسور خلف اللاعب العبقري

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • بول جاسكوين بقميص منتخب إنجلترا يمين وبعد إدانته في المحكمة يسار

    سبورت 360 – في كل دولة هناك لاعب يجمع الجميع، باختلاف الأندية التي يشجعونها، على حبه بالرغم من كل أخطائه الشخصية. دييجو أرماندو مارادونا، بالرغم من تاريخه الطويل مع المخدرات، مازال أقرب ما تملكه الأرجنتين لملك؛ وغريمه الأزلي بيليه مازال معشوق جماهير السامبا الأوحد رغم خياناته المتكررة لزوجاته الثلاث. حبنا لمثل هذه الشخصيات ينبع من كونها تشبه طبيعتنا البشرية الناقصة بالرغم من كونها تملك قدرات كروية غير طبيعية ولذلك فإنهم قادرون على كسب تعاطفنا. في انجلترا، يوجد رجل واحد استطاع أن يكسب قلوب الأمة بأكملها بمهاراته الرائعة وتصرفاته التي تراوحت بين الصبيانية والمدمرة؛ الرجل الذي ملك العالم بين قدميه ولكنه لم يستطع أن يحارب إدمانه على الكحول: بول جاسكوين.

    جاسكوين كان، منذ صغره، مثيراً للجدل. موهبة الفتى المولود في ضواحي نيوكاسل لم تكن يوماً محط شك لكن وزنه الزائد وافتقاره لأي نوع من أنواع الانضباط كانا عائقين كبيرين لكنهما لم يمنعا نيوكاسل يونايتد من ضمه في عمر الخامسة عشر. مشكلة جاسكوين مع وزنه استمرت حتى بعد وصوله للفريق الأول عام  مما قاد لحادثة شهيرة عندما أطلق عليه جيمي جريفز (اسطورة الكرة الانجليزية وتوتنهام سبيرز) لقب (فتى الـ”مارس”) في إشارة لنوع الحلوى التي كان من المعروف عن جاسكوين تناولها بكثرة.

    وبالرغم من كل هذا، فإن موهبة الفتى الاسثتنائية وشخصيته الطفولية التي جعلته قريباً من قلوب جماهير “الماجبايز” ولفتت نظرعديد الأندية الاخرى قبل أن ينجح توتنهام بالظفر بخدمات جاسكوين عام 1988 بعد أن منافسة شرسة مع مانشستر يونايتد تمكن مدرب توتنهام تيري فينابيلز من حسمها بعد أن أقنع جاسكوين أنه سيساعده على حجز مكان في تشكيلة انجلترا قبل كأس العالم 1990

    موهبة جاسكوين كانت واضحة منذ نعومة أظفاره مما لفت أنظار نيوكاسل يونايتد الذي وضعه على دفاتر الفريق في عمر الخامسة عشر بعد أن شبه عدة كشافين موهبته بموهبة جورج بيست. لكن مشكلة جاسكوين في صغره كانت نفس المشكلة التي سيعاني معها طوال حياته وهي عدم قدرته على ضبط نفسه سواء داخل الملعب أو خارجه. فداخل الملعب فإن أداء جاسكوين كان ساحراً ولكنه يفتقر لأي نوع من أنواع الانضباط وأما خارجه فإن وزنه كان يزيد عن الوزن الملائم للاعب محترف لدرجة دفعت عدة معلقين وصحفيين لتلقيبه بالفتى السمين أو فتى الشوكولا.  موهبة جاسكوين بدأت تلفت الأنظار عام 1988 عندما دخل مانشستر يونايتد وتوتنهام هوتسبيرز في صراع مباشر للحصول على توقيعه فاز به توتنهام بعد أن وعد تيري فينابيلز مدرب توتنهام جاسكوين بإيصاله إلى تشكيلة منتخب انجلترا المشاركة في كأس العالم 1990.

    فينابيلز أوفى بوعده وأوصل جاسكوين إلى تشكيلة منتخب الأسود الثلاثة وكان أحد أكثر المواهب المثيرة للإهتمام والمعتمد عليها رغم سنه الصغير في وقتها (23 سنة).  وبعد بداية بطيئة نوعاً ما في ايطاليا 1990 بدأ جاسكوين في كسب قلوب الأمة شيئاً فشيئاً بعد سلسلة من المباريات المميزة التي وصلت بمنتخب الأسود الثلاثة إلى نصف النهائي أمام المانيا الغربية وهي المباراة التي حملت جاسكوين من مرحلة “الفتى الموهوب” إلى محبوب انجلترا الأول.

    بعد مباراة صعبة قضاها جاسكوين وهو يلاحق كل كرة ويحاول بكل ما أوتي من قوة أن يصل بمنتخبه إلى النهائي الحلم نال جاسكوين بطاقة صفراء بعد تدخل على توماس بيرثهولد مما عنى أنه لن يستطيع لعب النهائي في حال تأهلت انجلترا. في تلك اللحظة لم يستطع جاسكوين تمالك أعصابه بعد أن رأى حلمه يتبخر فبدأت الدموع تنهمر من عينيه أمام مرأى من العالم كله.  في تلك اللحظة لم يعد جاسكوين في نظر الانجليز لاعباً مشهوراً يتقاضى مبالغ كبيرة مقابل “اللعب”، بل رؤوا فيه شخصاً عادياً وطبيعياً، وقد يكون صديقهم أو جارهم، وهو يعاني عاطفياً دون أن تستطيع كل الأموال التي يتقضاها أن تعوضه عن ضياع حلمه. وفي تلك اللحظة تم تشكيل رابط بين أغلب الانجليز، سواء كانوا من متابعي كرة القدم أم لا، وجاسكوين. رابط سيجعله مقرباً من قلوب الأمة بالرغم من كل السقطات التي سيمر بها بعد ذلك. رابط لم يسكر حتى اليوم.

    الاستقبال الذي حظي به جاسكوين لدى عودته كان أشبه بالترحيب الذي كان البيتلز يحظون به (وهو أمر مناسب كون والدي جاسكوين أسموه بول تيمناً ببول مكارتني). مسيرة جاسكوين مع توتنهام بعد كأس العالم بدأت بشكل جيد ووصل الفريق إلى نهائي كأس الاتحاد عام 1991 بعد أداء ممتاز من جاسكيون خلال البطولة. لكن حماسه الزائد خلال النهائي ومحاولاته الدائمة للفوز بكل كرة قاداه لإصابة خطيرة خلال النهائي أبعدته عن الملاعب لموسم كامل مما منحه وقت فراغ كبير لم يستطع ملئه سوى بشرب الكحول. ومن هنا بدأت مسيرة جاسكوين بالإنهيارحيث قضى ما تبقى من مسيرته بين شرب الكحول، محاولة الإقلاع عنه لاستعادة لياقته قبل أن يقدم أداء ممتاز يمكنه من العودة للمنتخب قبل أن يكرر السلسلة ذاتها.

    هذه السلسة بدأت مع انتقاله للازيو الإيطالي عام 1992 بمبلغ انتقال قياسي للاعب انجليزي في وقتها دون أن ينجح في اثبات نفسه بسبب قلة لياقته لدرجة دفعت بمدرب نسور العاصمة دينو زوف بمنحه مدة شهر لخسارة 13 كيلوجرام قبل بداية الموسم التالي لكي يضمن بقائه مع الفريق الأول، وهو التحدي الذي نجح جاسكوين في تجاوزه قبل أن يتم استبدال زوف بزيدنيك زيمان المعروف بصرامته والذي اتخذ قرار بيع جاسكوين بسرعة فتم بيعه لرينجرز الاسكتلندي بعد حوالي 3 سنوات مخيبة غيبته عن منتخب انجلترا حيث لم يلعب مع المنتخب سوى مرتين بين عام 1993 ومنتصف 1995.

    ومع ذلك فإن جاسكوين وجد نفسه في قائمة منتخب انجلترا قبل بطولة أمم أوروبا 1996 ولكنه كان قد فقد جزءاً من شعبيته بعد أن التقطت صورة شهيرة للاعبي المنتخب وهم يحتفلون بعيد ميلاد جاسكوين في أحد الحانات وهم سكارى خلال رحلة تحضيرية قبل البطولة في هونج كونج. تم لوم جاسكوين في الصحف والإعلام وأصبح رمزاً للاعب المستهتر الذي لا يعتبر اللعب بقميص منتخب مسؤولية مهمة. لكن سرعان ما تمكن جاسكوين من استعادة حب الجماهير بعد هدف تاريخي ضد الجار والعدو اللدود اسكتلندا بعد أن رفع الكرة بكل أناقة الكرة فوق رأس المدافع الاسكتلندي قبل أن يسجل الهدف. السلاسة التي رفع بها الكرة جعلت جاسكوين يبدو وكأنه يطفو على سطح الأرض بدل أن يركض وأعادته لمكانته كفتى انجلترا المفضل.

    هذه المكانة أدت إلى كمية غريبة من الغضب الشعبي عندما أقصى جلين هودل الفتى الذهبي من تشكيلة كأس العالم 1998. هذا الفضب يبدو غريباً ولا يمكن أن يقدم لأي لاعب آخر خصوصاً إن كان مثل جاسكوين كثير الإصابات وقليل الإنضباط. وحتى في عام 2002 عندما كان جاسكوين قد أصبح في نهاية مسيرته تقريباً وتراجع مستواه بشكل كبير بدأت الجماهير تطالب بضمه لتشكيلة كأس العالم بعد أن سجل هدفاً رائعأ ضد لايتون في كأس انجلترا. واليوم ينتاب انجلترا بأكملها شعور بالحزن عندما ترى شكل جاسكوين بعد أن أخذ ادمان الكحول الكثير من صحته وأصبح أشبه بشبح بول جاسكوين.

    العديد من نجوم كرة القدم الانجليزية حاولوا أخذ مكانة جاسكوين في قلوب الجماهيرولم ينجحوا، واشهرهم كان دايفيد بيكهام الذي كان يملك كل شيء  يريد الانجليز امتلاكه وكان كل شيء يتمنى كل مراهق انجليزي أن يكونه: الفتى الموهوب الذي نجح بموهبته وانضباطه من الوصول لأعلى درجات المجد الكروي وتمكن من الزواج من أجمل فتيات انجلترا. لكن البشر دائماً يفضلون “العباقرة الناقصين” الذين يملكون نقاط ضعف مثلنا، عباقرة كمارادونا، بيليه وجاسكوين.