منتخب فيتنام .. حصان أسود لم يأت من فراغ

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • لحظة كتابة هذه السطور ..ينتظر المنتخب الفيتنامي لقاء اليابان بعد أن نجح رجال النجم الأحمر بتجاوز النشامى بضربات الترجيح بعد لقاء قدّم فيه الفيتناميون كرة متطورة تعتمد على الاستحواذ وبناء الهجمات بهدوء ودون استعجال تارة وبسرعة تارة أخرى . وبينما كانت فيتنام تصل ربع النهائي من كأس آسيا تساقطت المنتخبات العربية واحداً تلو الآخر ، وحتى كتابة هذه السطور لم ينجح سوى منتخب الإمارات في تجاوز دور الستة عشر وليضمن مقعداً ثانياً للعرب (على اعتبار أن هناك مقعداً محسوماً من لقاء العراق مع قطر) وبانتظار مقعد ثالث صعب للمنتخب البحريني إن تجاوز الشمشون الكوري الجنوبي .

    وهنا يطرح السؤال ..لماذا نجحت فيتنام في حين فشل العرب علماً ان مجموعتها كانت أكثر صعوبة من معظم مجموعات المنتخبات العربية ؟ هل بالصدفة أم بسبب جيل ذهبي حالي أم نتيجة تخطيط علمي ممنهج ؟

    الإجابة تجمع الأسباب الثلاثة السابقة معاً لكن بترتيب أولويات ، بمعنى أن التخطيط هو السبب الأول بعده تواجد جيل ذهبي (هو نتاج التخطيط طبعاً ) وثالثاً وأخيراً الصدفة التي تلعب دوراً في وصول أي فريق إلى الأدوار المتقدمة لكن هنا علينا أن نؤكد على مقولة المنتج السينمائي صامويل جولدوين الذي قال : ” كلما عملت أكثر ، نلت حظاً أكبر ” .

    بداية علينا أن نعرف أن كرة القدم الفيتنامية غارقة في المشاكل وفضائح ترتيب نتائج المباريات بسبب المراهنات والتي يتورط فيها لاعبون كبار سابقون وحاليون وآخرها كان العام 2015 والتي سجن على إثرها اللاعب الدولي السابق تران مانه ثلاثين شهراً بالإضافة إلى عدد من اللاعبين الآخرين .بمعنى أن الأوضاع ليست مثالية أبداً لكن من يرغب في العمل لن توقفه عقبة كهذه .

    البداية كانت عام 2007 ، تم افتتاح أكاديمية هوانغ أن جيا لاي أرسنال جي إم جي لليافين بتعاون ما بين أرسنال و أكاديمية جي إم جي المرموقة بالتعاون مع شركة هوانغ أن جيا لاي بهدف إعادة الحياة لكرة القدم الفيتامية التي دمرتها سنوات الحرب الأهلية وإنتاج عدد من المواهب الشابة لتقوية الفئات السنية الفيتنامية . وفي المستقبل سيكون الكثير من هذه المواهب المنتجة في الأكاديمية في عداد منتخب تحت 23 عام والذي بدوره سيغدو المحرك الرئيسي للمنتخب الأول

    بداية الحصاد كان بطولة آسيا تحت 23 عاماً عام 2016 أي بعد 9 أعوام بالتمام والكمال وليس بعد عام أو اثنين . حيث شارك منتخب فيتنام تحت 23 في البطولة لأول مرة لكنهم خسروا جميع مبارياتهم فيها . إلا أن المحاولة الثانية في عام 2018 كانت ناجحة للغاية ووصل الفيتناميون إلى النهائي كأول فريق جنوب شرق آسيوي يحقق هذا الإنجاز لكنهم خسروا أمام أوزبكستان التي حملت اللقب 2-1 . في نفس العام أيضاً وصل نفس الفريق إلى نصف نهائي دورة الألعاب الآسيوية حيث خسروا أمام كورية الجنوبية التي ضمت في صفوفها ثلاثة لاعبين من المنتخب الأول الذي لعب في نهائيات كأس العالم فيما بعد وعلى رأسهم لاعب توتنهام سونغ هيونغ مين ثم خسروا أمام الإمارات على البرونزية بعد ركلات الترجيح. واليوم يقف الفيتناميون على أعتاب ربع نهائي كأس آسيا منتظرين الساموراي الياباني في لقاء للتاريخ بمنتخب عموده الفقري من جيل تحت 23 الذهبي . وهذا المنتخب كان قد استبق كأس آسيا بالفوز بلقب كأس الآسيان لدول جنوب شرق آسيا وهو اللقب الذي لم تحرزه يوماً حيث كانت السيطرة في معظمها تايلاندية .

    في المرتين اعتمد المنتخب الفيتنامي على مدربين أجانب لكنهم كانوا مدربين من داخل القارة الصفراء ومن شرق آسيا تحديداً . ففي بطولة العام 2016 كان الياباني توشيا ميورا وفي الثانية كان الكوري الجنوبي بارك هانغ سيو . وفي الحالتين كان مدربا منتخب تحت 23 هما مدربا المنتخب الأول . سياسة ضمنت الاستمرارية بين المنتخبين وانسجام الفكر بينهما خصوصاً أن أحدهما هو عماد الآخر.

    فكرة الاعتماد على مدربين من شرق القارة الآسيوية استندت إلى ثلاث مسائل

    أولاً : الرغبة في العمل بأجور معقولة وليست كالتي يطلبها المدربون الأوروبيون والأمريكيون اللاتينيون .
    ثانياً: جلب مدربين من تجارب ناجحة داخل القارة تتقدم عليهم بعدة خطوات وليس أشواط كالتجارب الأوروبية أو الأمريكية اللاتينية مما قد يصعب من استيعاب اللاعبين لأفكارهم .
    ثالثاً : تشابه الثقافات الشرق آسيوية نسبياً مما يسهل على المدربين فهم نفسيات وعقليات لاعبيهم وهذا لوحده نصف العمل. فكم من منتخب عربي انقلب حاله بعد إقالة المدرب الأجنبي أو بتواجد مدرب عربي قادر على فهم اللاعبين العرب وعقلياتهم .

    في اللقاء القادم امام اليابان ستدخل فيتنام مرتاحة ومتحررة من كل الضغوط النفسية عكس الساموري . فما قدمه المدرب بارك هانغ سيو أكثر من كاف لهذه الدولة الصاعدة التي يعتبر وصولها لهذا الدور إنجازاً كبيراً  ناجماً عن تخطيط كبير تفتقده منتخباتنا العربية بوضوح. والأمل أن نتعلم الدرس لأننا في مكاننا ونتراجع في حين أن من كانوا يوماً جسر عبور للجميع يكبرون ويتقدمون للأمام وبخطى واثقة …أساسها تخطيط لا يمتلكه معظمنا .