مورينيو وكونتي (Getty Images)

الذكاء العاطفي مصطلح مهم بدأ بالانتشار في أواخر العقد الماضي حيث بدأ يأخذ مكانه كأحد أسس الإدارة الحديثة . وهو بحسب الباحث كولمان : القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين، وذلك لتحفيز أنفسنا ولإدارة عاطفتنا بشكل سليم في علاقتنا مع الآخرين.

الذكاء العاطفي يشمل الذكاء الاجتماعي وأنواعاً أخرى من الذكاء ، ويختلف مستواه من شخص إلى آخر .وتمثل قدرات الذكاء العاطفي أكثر من 85% من الأشياء التي تميز المدير اللامع عن غيره . بمعنى  أن المهارات التقنية والمعارف  لا تكفي من دون المهارات العاطفية التي يمكن أن تختصر في :

معرفة كيف تشعر أنت والأخرون وكيفية التصرف حيال هذا الأمر

معرفة ما يجعلك تشعر بأنك بحالة جيدة، وما يجعلك تشعر أنك بحالة سيئة، وكيف تحول الوضعية السيئة  إلى جيدة.
امتلاك الوعي العاطفي، والحساسية والمهارات التي تساعدك في البقاء إيجابياً وزيادة سعادتك على المدى الطويل.

الحديث السابق ينطبق بحذافيره على مدربي كرة القدم خصوصاً في عصرنا الحالي . حيث يحتاج المدرب إلى تنمية ذكائه العاطفي بالقدر نفسه الذي ينمي به ذكائه التكتيكي والفني وربما أكثر بكثير . لأن عالم كرة القدم الحالي (وهو جزء من عالم اليوم ) متصل مع بعضه بشكل كبير ..والمدرب الذي كانت مهمته يوماً  تدريب اللاعبين ووضع خطط واستراتيجيات اللعب بات مطالباً بأن يكون مديراً لعدد كبير من طواقم التدريب ويتعامل معها على أساس يومي ونذكر قول أرسين فينجر : ” في الماضي كان المدرب يعمل مع طاقم يتراوح بين 5  إلى 10 أشخاص في الحد الأعلى، أما اليوم فهو يعمل مع أكثر من 25 شخصاً مابين مساعدين ومحللي أداء ومعدين بدنيين إلخ ..ناهيك عن اللاعبين أنفسهم.”

ماسيمليانو أليجري يشخص الأمور بشكل واضح في مقابلة مع الليكيب الفرنسية : ” لن أؤلف كتاباً حول التكتيك فهناك الكثيرون أقدر مني ، إن أردت أن أؤلف كتاباً فسيكون حول الموارد البشرية التي تصنع الفارق بالنسبة للمدرب. الأندية تطورت كثيراً في السنوات الـ 30  الأخيرة. وسائل التواصل غيرت الكثير ..علينا أن نجعل مدربي المستقبل لا يتوقفون عند الميدان ، إنه عامل مهم ولكنه ليس حاسماً.”

ماسيميليانو اليجري (Getty Images)

ماسيميليانو اليجري (Getty Images)

لم يستخدم أليجري كلمة الذكاء العاطفي بحذافيرها لكنه أكد على كل جانب فيها من خلال التشديد على التعامل الصحيح مع الموارد البشرية في ظل تغيرات كرة القدم الحديثة والحياة عموماً نتيجة لدخول التكنولوجيا إليها بشكل غير مسبوق.

بناء على ذلك فإننا نستطيع القول بأن المدرب الناجح ليس صاحب الحنكة التكتيكية وحسب بل من يملك القدرة على قراءة لاعبيه نفسيا، يتحكم بعواطفه بشكل صحيح بما يضمن علاقة ناجحة مع لاعبيه أولاً فيخرج أفضل ما عندهم ومع الإدارة ثانياً بما يضمن استقرار العلاقة معهم وبالتالي استقرار غرفة الملابس على اعتبار أن الإدارة هي المتحكمة بعقده وعقود  ومصائرهم في النادي.

أبرز الأمثلة على الذكاء العاطفي هو مدرب ريال مدريد  زين الدين زيدان الذي لا يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال كأفضل المدربين تكتيكياً وفنياً لكنه من الأعلى ذكاء عاطفياً. فالمدرب القادر على إقناع رونالدو بأن يعلب مباريات محددة ويستطيع أن يعيد الحياة للاعبيه المخضرمين الذين تشبعوا بالألقاب ويدمج الشبان بنجاح معهم ليحصد ٣ ألقاب أبطال في ولايته الأولى (مع لقب للدوري ) ولقب الدوري في ولايته الثانية والأهم قدرته على اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت  يدل بوضوح على مقدار هذا الذكاء العاطفي لهذا الرجل.

زين الدين زيدان (Getty Images)

زين الدين زيدان (Getty Images)

هناك مدربون استطاعوا الجمع بين التفوق التكتيكي والذكاء العاطفي ومنهم كارلو أنشيلوتي ، بيب جوارديولا ويورجن كلوب . هؤلاء المدربون بصموا في لاعبيهم في أي مكان رحلوا إليه وبنوا علاقات ممتازة معهم ومع الإدارات مما جعلهم من المدربين المرغوبين في سوق الانتقالات دائماً .

بيب جواريولا ويورجن كلوب (Getty Images)

بيب جواريولا ويورجن كلوب (Getty Images)

على النقيض ، هناك مدربون كأنتونيو كونتي ، معرفة هائلة وقدرات فنية كبيرة لكن كما يقولون في المثل الشعبي الشهير ” لسانه متبرئ منه” ..بمعنى أنه لا يحسب كلماته أو تصرفاته جيداً . يدخل في مشاكل مع اللاعبين والإدارات علناً ويهمه فقط العمل داخل الملعب..والمحصلة يصل المدرب إلى مرحلة تبعد فيها عنه الأندية الكبرى لأنها بحاجة لمن يحلّ السلام في غرفة الملابس لا من يخربها . وقد أثرت قلة الذكاء العاطفي لدى كونتي مثلاً على فرصه في تدريب ريال مدريد خليفة للوبيتيجي وتسببت في خروجه من اليوفنتوس وتشلسي بعد معارك ضارية وربما تتسبب في رحيله عن الإنتر قريباً في ظل أخبار عن مشاكل مع الإدارة حول سوق الانتقالات وغيرها .

ما حدث مع كونتي حدث سابقاً مع جوزيه مورينيو الذي استطاع أن يحصد الكثير من الألقاب في بداياته وكان أسلوبه المعتمد على المواجهة والصراحة الشديدة والحرب مع الإعلام  يسير بالطريق الصحيح ومنحه شخصية مميزة. لكن مع تغير الحياة وازدياد قوة اللاعبين وتأثيرهم تحول أسلوب الصدام والصراحة من ميزة لمورينيو إلى عائق له كلفه الرحيل عن ريال مدريد و تشلسي ومانشستر يونايتد نتيجة لصدامه مع أعمدة الفريق . وتحول مورينيو نفسه من أكثر المدربين المرغوبين في العالم إلى مدرب لا يريده أحد حتى لا يؤلم رأسه بالمشاكل التي يسببها.

جوزيه مورينيو وأنطونيو كونتي ( Getty Images)

جوزيه مورينيو وأنطونيو كونتي ( Getty Images)

بالمحصلة ..فرض العصر الحالي شروطاً جديدة على كرة القدم وأسلوباً مختلفاً في التعامل مع النجوم الذين ازدادت قوتهم  والطاقم الفني الذي ازداد عدده والإدارات التي ازدادت أموالها في كثير من الأحيان . مما جعل الذكاء العاطفي ضرورة قصوى للمدرب ، فإن امتلكه نجح في مسيرته حتى ولو لم يكن من أفضل المدربين تكتيكياً وفنياً وإن لم يمتلكه فسيفشل حتماً في ظل المعطيات الجديدة لعصرنا الحالي.