فالفيردي مع بويول في مباراة برشلونة ضد ألافيس الأخيرة في عام 2019

سبورت 360 – قرأوا على شاشات هواتفهم بأن هناك نية لتجديد وتمديد إقامة إرنستو فالفيردي في برشلونة لعامٍ آخر..وكان هذا الخبر الذي قرأته جماهير البارسا مراً وجافاً لأنه لا يعدهم بمستقبل أفضل..مع المدرب الذي جاء في فترة نضبت فيها فنون الإمتاع المعروفة على الكرة الكاتالونية منذ عقدين من الزمان.

ووافق هذا الخبر العرض الرائع الذي قدمه ليفربول في كأس العالم للأندية ثم فوزه برباعية على ليستر سيتي كإنذار على ميلاد فريق جديد يفسح له الجميع ليأخذ مكانه -ربما- بين أعظم الفرق في تاريخ كرة القدم في القرن الجديد مع كلوب..وهو المدرب الألماني الذي يملك حيوية فكرية نقلها للاعبي الليفر من عامٍ لآخر حتى تحولوا لأساتذة نابغين في طريقة لعبهم داخل الميدان.

فهذا الليفر هو المرشح لخلافة فريق ساحر سابق في عالم كرة القدم في كاتالونيا والذي كان بقيادة بيب جوارديولا مع فطاحل مثل كارليس بويول وداني ألفيش وأبيدال وتشافي وإنييستا ودافيد فيّا وإيتو وميسي وبيدرو ولا تقف عند اسم بعينه..فلقد كانت منظومة محبوكة من الجمال الأصيل.


أدب كرة القدم ..مقال أسبوعي يربط عالم الرياضة وكرة القدم بلغة الأدب والفنون


أنقاض برشلونة تحت أعين فالفيردي

فالفيردي

فالفيردي

يقول شيخي بسام الدين ..يا بشر اصبر..دنيانا أجمل مما تذكر..ها أنت ترى الدنيا من قمة وجدك فلا تبصر إلا الأنقاص السوداء.. كانت تلك كلمات من مسرحية الحلاج لصلاح عبد الصبور..حينما كان “بشر” ينظر بطريقة متشائمة جافة نحو العالم.

وذلك أيضاً ما يقال في عهد برشلونة مع فالفيردي ..فمع مرور السنوات بدأ تأثير التيكي تاكا وتعاليم اللا ماسيا تتقلص..ولم يعد هناك تلاميذ نابغين في ذلك المكان الذي كان يضج ويزدحم بالنبهاء والذين يرون في تراث كرويف الطريقة الوحيدة للانتصار وتقديم الكرة البسيطة.

لكن فالفيردي لا ينظر إلا على الأنقاض السوداء .. ويترك اللاعبين وحدهم يتذكرون شيئاً من تلك الأمجاد والتعاليم إن كان الوقت مناسباً للمرح والغناء، ولكن سرعان ما تعود النظرة المتشائمة لفالفيردي في دراسته للمنافسين وتسيير المباراة..وقد نجح الرجل في إقناع إدارة النادي بأن هذه الطريقة الوحيدة للنجاح..والنتائج والأرقام في صفي أيها السادة.

تلك الأنقاض التي تركها جيل رائع في كاتالونيا مازالت حلماً يراود عشاق البلاوجرانا، والذين لا يريدون انتصارات وأرقام بل يأملون في رؤية شىء من المتعة الخطرة..والرهانات غير المكتملة والرعب اللذيذ الذي كانوا يرونه عندما كان البارسا ينزل لأرضية الميدان لإخضاع المنافس وتسديد اللكمات له في منطقته إلى أن يُجهز عليه..إنهم يتطلعون لذلك العنفوان المفقود..للفريق الذي كان يتناقل الكرة وكأنه مُبرمج على ذلك بدقة عالية وسحر بشري خاص في الأمتار الأخيرة من الميدان.

ولكل فريق سحره وفلسفته الخاصة، وخصوصاً تلك الفرق العظمى التي دائماً ما نتذكرها..والتي لم يكن وجودها في ذاكرتنا حتى الآن بسبب أرقاماً أو نتائج أو ألقاب..بل بسبب ذلك الشغف في أن تصبح خالداً، فمنتخب هولندا في السبعينيات -مثال لا على سبيل الحصر-  والذي كان أجمل مما يمكن أن تذكر لم يفز بلقب..لكنه صار خالداً..لأنها كانت كرة قدم مليئة بالمشاعر.

ليفربول.. أجمل مما نذكر

يورجين كلوب .. وعظمة ليفربول الراقص مع غزارة هجومية

يورجين كلوب .. وعظمة ليفربول الراقص مع غزارة هجومية

وفي ذلك العهد الذي سمعنا به نظريات عن أن كرة القدم الممتعة والمهيمنة قد انتهت..ومن مدينة الموسيقى الصاخبة في إنجلترا .. أعادنا ليفربول مع كلوب إلى سحر الواقع..وأكد لنا أن المتعة والهيمنة “على طريقة الألماني الخاصة” لازالت ممكنة.

فكلوب يضع لاعبيه كآلات ضغط متحركة على المنافس..ويأمرهم بتنفيذ الضغط تباعاً وكأنهم جنود مجبولين على فعل ذلك..قبل أن يحصلوا على الكرة ليطير ذاك الفيرمينو بها عالياً، أو ليراقصها ساديو ماني..ثم يمررها لصلاح الذي يطعمها بتسديدة في الشباك..مع عاملين “يخدمون رفاقهم” في وسط الميدان وعلى الأطراف مثل نابي كايتا وميلنر وفابينيو والأجنحة الإضافية للتحليق المتمثلة في آرنولد وربيرتسون ..كلهم جاهزين تماماً لتقديم دورهم في المعزوفة ومناطحة تلك الرقصات الفنية المتنوعة من كل بلد..هجين خاص وممتع في فريقٍ واحد يلعب كرة القدم وكأنه فريق من الميتال أو الهارد روك.

لقد كان ذلك الليفربول بمثابة صوتاً رائقاً بهيجاً في أذن “بشر بمسرحية الحلاج” أو “فالفيردي بمسرح الكاتالونيين” صوت يقول بحنانٍ دافىء ومشاعر الجندي الذي نجا من المعركة ووضع علم السعادة على أرضه بعد أن حقق انتصاراً مدهشاً: دنيانا أجمل مما تذكر.