يستغرب معظم متابعي كرة القدم ظهور إحصائيات تشير لتجاوز توماس مولر أسماء كبيرة مثل كيفين دي بروين وغيره من نجوم صناعة اللعب من حيث صناعة الأهداف ففي الموسم الماضي نجح مولر بتقديم 21 تمريرة حاسمة بالدوري مسجلاً رقماً قياسياً بتاريخ البوندسليغا ومتساوياً مع ليونيل ميسي كأفضل صانعي الأهداف في الدوريات الخمسة الكبرى بالموسم الماضي.
في الواقع يبدو هذا الاستغراب منطقياً فنحن نتحدث عن لاعب لم يتجاوز معدل مراوغاته حد “0,5 في المباراة الواحدة” بالموسم الماضي كما أن دقة تمريراته كانت 78% إضافة لعدم امتلاكه سرعة عالية وبالواقع تمثل موهبة مولر أحد أكثر الأسئلة إثارة للجدل بالسنوات الأخيرة ففي الوقت الذي قال هنري عنه أنه يتمنى لابنه أن يلعب بطريقة مولر شكك الكثيرون بإمكانياته منذ الصغر وبنظرة سريعة نرى أن “الدبور” هو واحد من القلائل الذين نشطوا بمنتخب ألمانيا الأول رغم عدم خوضه لأي بطولة رسمية مع أي من منتخبات الفئات العمرية حيث لم يقنع أي من مدربي هذه الفئات بظل عدم امتلاكه لأي موهبة واضحة فما الذي يجعل من مولر صانع الأهداف الأهم بفريقه؟
يلقّب دور مولر في ألمانيا بـ “Raumdeuter” أو كاشف المساحات فهو يبحث دائماً عن تخريب خطط الخصم وكسر تمركز لاعبيه ويعتمد بهذا الأمر على 3 نقاط أساسية:
-إما الجري بالمساحة الموجودة بين خطي الوسط والدفاع.
يستغرب معظم متابعي كرة القدم ظهور إحصائيات تشير لتجاوز توماس مولر أسماء كبيرة مثل كيفين دي بروين وغيره من نجوم صناعة اللعب من حيث صناعة الأهداف ففي الموسم الماضي نجح مولر بتقديم 21 تمريرة حاسمة بالدوري مسجلاً رقماً قياسياً بتاريخ البوندسليغا ومتساوياً مع ليونيل ميسي كأفضل صانعي الأهداف في الدوريات الخمسة الكبرى بالموسم الماضي.
في الواقع يبدو هذا الاستغراب منطقياً فنحن نتحدث عن لاعب لم يتجاوز معدل مراوغاته حد “0,5 في المباراة الواحدة” بالموسم الماضي كما أن دقة تمريراته كانت 78% إضافة لعدم امتلاكه سرعة عالية وبالواقع تمثل موهبة مولر أحد أكثر الأسئلة إثارة للجدل بالسنوات الأخيرة ففي الوقت الذي قال هنري عنه أنه يتمنى لابنه أن يلعب بطريقة مولر شكك الكثيرون بإمكانياته منذ الصغر وبنظرة سريعة نرى أن “الدبور” هو واحد من القلائل الذين نشطوا بمنتخب ألمانيا الأول رغم عدم خوضه لأي بطولة رسمية مع أي من منتخبات الفئات العمرية حيث لم يقنع أي من مدربي هذه الفئات بظل عدم امتلاكه لأي موهبة واضحة فما الذي يجعل من مولر صانع الأهداف الأهم بفريقه؟
كيف يتحرك مولر؟
يلقّب دور مولر في ألمانيا بـ “Raumdeuter” أو كاشف المساحات فهو يبحث دائماً عن تخريب خطط الخصم وكسر تمركز لاعبيه ويعتمد بهذا الأمر على 3 نقاط أساسية:
-إما الجري بالمساحة الموجودة بين خطي الوسط والدفاع.
-أو الجري بين قلب الدفاع والظهير الموجود بجانبه.
-أو استغلال خروج أي لاعب من مركزه كي يذهب ويتمركز في المساحة التي تركها خلفه.
انطلاقاً من هذه النقاط يختار مولر خطته للتحرك في كل هجمة فقد يتبادل الأدوار مع لاعب بمركز آخر أو يذهب لدعمه وخلق كثافة عددية بصورة تُشعرنا أحياناً أن مولر هو بمثابة لاعب إضافي في الملعب للفريق ولا دور حقيقي له بل مهمته هي خلق زيادة تربك الخصوم دائماً.
سنستعرض بعض الصور التي تساعدنا على فهم ما يفعله مولر سواء بصناعة الأهداف بشكل مباشر أو مساعدة زملائه على صناعتها:
-بأول مباراة لهانزي فليك كمدرب لبايرن ميونيخ وخلال تقدم الفريق بهدف وحيد على دورتموند استغل مولر تقدم الظهير الأيمن أشرف حكيمي للأمام وسط سعيه لمساندة زملائه بخلق الضغط العالي فذهب لأقصى الجهة اليسرى وطلب الكرة لينطلق بسهولة نحو جزاء دورتموند ويقدم لغنابري تمريرة الهدف الثاني بالمباراة.

توضح الصورة الماضية السبب الذي جعل من تمريرة غنابري لمولر مفتاح هدف الفوز بلقاء بايرن مع سان جيرمان في نهائي دوري أبطال أوروبا، لو نظرنا للصورة نرى أن غنابري كان قادراً على التمرير لكيميش مباشرة دون إرسال الكرة لمولر لكن لو تم هذا الأمر كانت التمريرة ستصبح دون فائدة بسبب التمركز الجيد للاعبي سان جيرمان مع محاصرة ليفاندوفسكي بشكل كامل لذا بحث مولر عن المساحة الخالية وذهب بين ظهير الخصم وقلب .دفاعه وطلب استلام الكرة عند حدود منطقة الجزاء وبذهابه للمنطقة الخالية أربك صانع ألعاب

بايرن دفاع الفرنسيين فاتجه 3 لاعبين نحوه وخفّت الرقابة على ليفاندوفسكي الذي حصل على فرصة للانطلاق نحو اليسار ليشكل مع كومان وضعية “2 على 1” بمواجهة كيرير وهو ما ساعد على استغلال عرضية كيميش الذي استلم تمريرة مولر ووجهها نحو مكان تواجد ليفا وكومان ليعلن الأخير عن تسجيل هدف المباراة الوحيد.

أما في هذه الصورة فيمكننا أن نرى الطريقة التي سجل فيها بايرن هدف التعادل بمرمى إشبيلية في مباراة السوبر الأوروبي، فحين كانت الكرة مع غنابري على اليمين بدا كل شيء اعتيادياً مع زيادة عددية جيدة لدفاع إشبيلية بالمنطقة إضافة لوجود لاعب يراقب تحركات مولر الذي اختار بشكل مباغت النزول للخلف لتنفيذ تحول يمكننا أن نجزم أن الفريق تمرن عليه ولم يكُن مجرد لحظة إبداع.

فما حدث هو أن غنابري مرر الكرة وصعد للأمام فوراً وبدأ ليفاندوفسكي الاستعداد لاستقبال التمريرة التي سيلعبها مولر بظهر المدافعين ومن خلال عودة مولر للخلف وجذبه للاعبي الوسط نحوه وصعود غنابري وليفا لاستلام التمريرة الطويلة خُلقت مساحة بين الخطين بشكل قسري ليستغل القادم من الخلف غوريتسكا رفقة ساني هذه المساحة ويستعدا لاستقبال تمريرة ليفاندوفسكي وتسجيل هدف التعادل.

حدثت هذه اللقطة بموسم 2018\2019 في لقاء بايرن مع هوفنهايم حيث تولى قلب دفاع الخصم مراقبة مولر الذي استغل مباشرة المسافة بين قلب الدفاع والظهير ليتحرك باتجاه اليمين ويضع خصمه بموقف صعب للاختيار بين ترك مولر والحفاظ على تغطية المنطقة بشكل جيد أو اللحاق بمولر وترك المنطقة خالية، بالواقع اختار المدافع ترك مولر الذي استقبل الكرة في المساحة الخالية مقدماً تمريرة الهدف لليفاندوفسكي الذي انطلق بسرعة ممتازة بين المدافعين مستغلاً كسر مولر للتسلل بفضل الخطوات التي أخذها مسبقاً للخلف خلال توجهه نحو الطرف.
حركة العودة للخلف مع الركض نحو الطرف كررها مولر بمباريات كثيرة وهذا الأمر يساعده على تشتيت انتباه الخصم أكثر من خلال صعوبة توقع ما يريد أن يفعله إضافة لكونها تساعده على تجنب التسلل لذا تصل نسبة وقوعه في التسللات “0,5 فقط في المباراة الواحدة”.
أدوار إضافية تحسنت مع فليك
يمثل مولر مفتاحاً مهماً بمنظومة فليك في الضغط العالي حيث امتلك رابع أعلى معدل بقطع الكرات بين لاعبي الفريق في الدوري بالموسم الماضي بعد ألفونسو ديفيز وتياغو وكيميش متفوقاً على معظم عناصر الخط الخلفي، وحتى خط الوسط، ويمكننا تذكر لقطات عديدة عاد فيها مولر للخلف للمساعدة بقطع الكرة كتدخله على ليونيل ميسي بلقاء بايرن وبرشلونة وارتكابه خطأ تكتيكي لإيقاف مبابي بالدقائق الأخيرة من النهائي.
من هذه الأشياء يمكننا استنتاج ذات الخلاصة التي توصل لها موقع “competitorsport” بدراسته لمولر عام 2017 حيث اعتبر أن ما يحتاجه لاعب بهذا الدور لا يتطلب القوة البدنية كما أن السرعة ليست شرطاً أساسياً للنجاح ولا المهارة لكن المطلوب فقط هو أن تعرف إلى أين ومتى ستتحرك واختيار التوقيت السليم للتمرير لذا يبدو الأمر ذهني بحت وبعيد بمعظمه عن ما هو مطلوب من باقي لاعبي الفريق ويرتبط بالغالب بالتحرك دون كرة حيث يكون المهم بعد استلامها هو تنفيذ الجزء الأخير من الخطة بأكبر حد من السهولة.
خلال حفل جوائز الاتحاد الأوروبي عن موسم 2019\2020 سؤل نوير عن اللاعب الذي يعتبر أنه أذكى منه بالفريق وكان أول جواب يخطر ببال القائد هو توماس مولر، هذا الذكاء هو المفتاح كي تكون اللاعب الجاهز لاختيار القرار والتوقيت للتنفيذ.
أشياء يقوم بها الفريق لمساعدة مولر بمهامه
وسط كل النقاط التي تحدثنا عنها يمكننا أن ندرك عدم قدرة مولر على تقديم المساعدات التي يقدمها صناع اللعب الآخرين من حيث العودة للخلف مثلاً والمساهمة بإخراج الكرة بين لاعبين أو ثلاثة فحتى لو قام مولر بالنزول للخلف يكون بهدف خلق الزيادة أو كسب المساحة للانطلاق للأمام لذا يحتاج دائماً لأن يكون الفريق قادر على دفع الخصم للعودة لمناطقه الخلفية كي يستفيد البافاري من جهود مولر بالثلث الأخير من الملعب وهذه النقطة كانت واحدة من المشاكل التي واجهت مولر خلال فترة أنشيلوتي حين كان المطلوب منه هو البناء أكثر من الخلف بالوقت الذي كان فيه الفريق يلعب بكثافة أقل بالأمام ليبدو اللاعب بمستوى مخيب عدا عن عدم ملاءمة مولر لمركز الجناح بشكل كامل لذا عاش مولر أياماً غير جيدة مع المدرب الإيطالي وتكرر الأمر مع كوفاتش لكن فليك أعاد له الأدوار التي كان يقوم بها بمنظومة الدفاع العالي مع غوارديولا لكن مع تعديلات ارتبطت بتحويله لمحور الهجوم ومحطة بناء اللعب أكثر من استخدامه كمهاجم ثانٍ داخل المنطقة.
لو نظرنا لأرقام مولر كجناح في المواسم الأربعة الماضية لن نجد أنها مقاربة لأرقامه خلف المهاجم حيث تبلغ نسبة مساهمته بالأهداف كجناح 0,74 هدف بالمباراة مقابل 0,72 هدف حين يلعب خلف المهاجم لكن من يخسر هو مجمل الفريق لأن مولر حين يترك مركزه ويذهب للبحث عن المساحات يؤثر على تنظيم الفريق مع ظهور فراغ على الطرف لذا لا يحصل على حريته بشكل كامل ولا يحقق الفريق النتيجة المطلوبة وهو ما يمكن أن نترجمه بأن 3 من المباريات الأربع التي خسرها بايرن بالموسم الماضي بالدوري كان مولر يتواجد فيها كجناح، 8 مباريات فقط لعبها كجناح، في حين خسر الفريق مرة واحدة حين لعب مولر خلف المهاجم في 23 مشاركة.

يمثل مولر المفتاح الأهم بمنظومة خلق الحلول لدى فليك بمواجهة الفرق التي تتكتل بالخلف ومن خلال اللقطات التي وضعناها نرى أن المجموعة تتحرك دائماً بشكل مناسب ومتزامن مع تحركات مولر بصورة توحي بالتناغم والتحضير الجيد للمجموعة لهذه السيناريوهات ليبدو أن مولر هو بمثابة المحرك التكتيكي للهجوم لاستغلال القدرات الفنية العالية لباقي زملائه بأفضل شكل عدا عن تكرار بعض الخطوات كثيراً بمباريات عديدة فحين يعود مولر للخلف نرى غالباً صعود لغوريتسكا للأمام كي يضغط على الدفاع ويعطي المساحة لمولر أو ليستغل أي مساحة يمكن أن تظهر داخل المنطقة جراء تشتت الدفاع كما حدث أمام إشبيلية وفي مباريات كثيرة كان صعود غوريتسكا بهدف الضغط أكثر على المدافعين مع صعود الجناحين ليتواجد 4 لاعبين على خط واحد، أو 5 بحال تدعيم الظهير للخط، مما يجبر دفاع الخصم على التكتل بمسافة طولية متقاربة ويصبح ضرب الخط الخلفي أسهل من خلال تمريرات طويلة خلفه مع حصول مولر وكيميش على مساحة كبيرة.
يبدو مولر بمثابة صانع اللعب صاحب المواصفات الألمانية فالماكينة تعمل معه وفق خطوات محددة تبدو بالمجمل واضحة لكن كسرها أمر بغاية الصعوبة ومع فليك وجد اللاعب نفسه قائداً للثلث الأخير يصنع النجاحات المتتالية بعد أن كان مهمشاً بشكل كامل مع كوفاتش.