في الوقت الذي ذهب فيه الجميع إلى الأجازة في ليفربول، مايزال السؤال المُلح الذي يدور في كافة أرجاء المدينة الواقعة شمال غرب إنجلترا .. ما الذي حدث؟
في 3 مواسم غزا ليفربول العالم وانتزع إعجابه بفضل فريق ناري تمكن من الوصول لنهائي دوري أبطال أوروبا قبل العودة من جديد في الموسم التالي للنهائي والتتويج هذه المرة باللقب السادس في تاريخ الفريق بدوري الأبطال قبل أن يضع يورجن كلوب ولاعبوه الكريزة الثمينة فوق الكعكة بالتتويج بلقب البريميرليج بعد غياب لـ30 عامًا.
بدا وأن الفريق في طريقه لموسم ناجح جديد بعد انطلاقة قوية في البريميرليج وضعته على قمة الترتيب قبل نهاية السنة بقليل إلا أن انهيارًا مرعبًا أصاب الفريق وكاد يطيح بآماله في بلوغ دوري أبطال أوروبا للموسم المقبل لولا تدخل مبهر من أليسون بيكر فك الاشتباك فيه مع وست بروميتش.
في موسم لعب فيه قلوب دفاع ليفربول الرئيسيون الثلاثة (فان دايك وجو جوميز وجويل ماتيب) ما مجموعه 22 مباراة بالضبط كانت تشكيلة الريدز تُصاب بضربة قوية حاول يورجن كلوب إصابة العطب فيها بالاعتماد على جوردان هندرسون وفابينيو في مركز قلب الدفاع بالإضافة للاستعانة بفيليبس واستقدام لأوزان كاباك من شالكة، إلا أن كل تلك الحلول لم تكن لتصلح ما أفسدته الإصابات التي لم تكتفِ بضرب قلوب الدفاع بل لم يسلم منها الكثير من لاعبي الفريق الأساسيين كأليكساندر أرنولد وتياجو ألكانتارا وحتى ديوجو جوتا، الرجل الذي وطد تواجده سريعًا مع الريدز وضغط كثيرًا على الثلاثي الأمامي إلا أن ليفربول كان سيء الحظ جدًا بإصابته.
في الوقت الذي ذهب فيه الجميع إلى الأجازة في ليفربول، مايزال السؤال المُلح الذي يدور في كافة أرجاء المدينة الواقعة شمال غرب إنجلترا .. ما الذي حدث؟
في 3 مواسم غزا ليفربول العالم وانتزع إعجابه بفضل فريق ناري تمكن من الوصول لنهائي دوري أبطال أوروبا قبل العودة من جديد في الموسم التالي للنهائي والتتويج هذه المرة باللقب السادس في تاريخ الفريق بدوري الأبطال قبل أن يضع يورجن كلوب ولاعبوه الكريزة الثمينة فوق الكعكة بالتتويج بلقب البريميرليج بعد غياب لـ30 عامًا.
بدا وأن الفريق في طريقه لموسم ناجح جديد بعد انطلاقة قوية في البريميرليج وضعته على قمة الترتيب قبل نهاية السنة بقليل إلا أن انهيارًا مرعبًا أصاب الفريق وكاد يطيح بآماله في بلوغ دوري أبطال أوروبا للموسم المقبل لولا تدخل مبهر من أليسون بيكر فك الاشتباك فيه مع وست بروميتش.
في موسم لعب فيه قلوب دفاع ليفربول الرئيسيون الثلاثة (فان دايك وجو جوميز وجويل ماتيب) ما مجموعه 22 مباراة بالضبط كانت تشكيلة الريدز تُصاب بضربة قوية حاول يورجن كلوب إصابة العطب فيها بالاعتماد على جوردان هندرسون وفابينيو في مركز قلب الدفاع بالإضافة للاستعانة بفيليبس واستقدام لأوزان كاباك من شالكة، إلا أن كل تلك الحلول لم تكن لتصلح ما أفسدته الإصابات التي لم تكتفِ بضرب قلوب الدفاع بل لم يسلم منها الكثير من لاعبي الفريق الأساسيين كأليكساندر أرنولد وتياجو ألكانتارا وحتى ديوجو جوتا، الرجل الذي وطد تواجده سريعًا مع الريدز وضغط كثيرًا على الثلاثي الأمامي إلا أن ليفربول كان سيء الحظ جدًا بإصابته.
الركون إلى تلك الحقيقة ليس أمرًا مشينًا فالإصابات بالفعل كان لها نصيب وافر من أسباب تراجع مردود ليفربول إلى هذه الدرجة المخيفة خاصة في مطلع العام الحالي، لكن الحقيقة .. أنها ليست كل الحقيقة!
هناك مقياس يُنظر إليه على أنه أحد محددات مدى قوة وكفاءة ضغط الفرق على منافسيها وحرمانهم قدر الإمكان من بناء اللعب بشكل مريح ومثالي وهو “عدد التمريرات قبل التدخل الدفاعي” passes per defensive action أو ما يُعرف بالـ PPDA.

بحسب موقع ليفربول دوت كوم فإنه في موسم 2018/2019 كان مؤشر الـ PPDA لليفربول هو 9,99 أي أن المنافسين في موسم التتويج بدوري الأبطال كانوا قادرين على تمرير ما متوسطه 9,99 تمريرات قبل قدرة لاعبي ليفربول على القيام بتدخل دفاعي ما لإفساد بناء الهجمة سواء كان هذا التدخل قطع للكرة أو عرقلة مشروعة أو أي نوع من الأفعال الدفاعية من جانب الريدز.
أما في موسم 2019/2020 فإن الرقم انخفض بصورة رائعة (لاحظ أن الانخفاض هنا أمر إيجابي وليس سلبيًا) ليصل المؤشر إلى 8,01، أي أنه في موسم التتويج بلقب البريميرليج كان المنافسون قادرين على تمرير ما متوسطه 8,01 تمريرة قبل وصول لاعبي ليفربول إلى مرحلة التدخل الدفاعي عليهم.
في الموسم المنتهي 2020/2021 ارتفع الرقم ليصل إلى 9,10، أي أنه في الموسم المتراجع بات المنافسون قادرين على تمرير ما متوسطه 9,10 تمريرة في الهجمة قبل وصول لاعبي ليفربول إلى التدخل الدفاعي.
ربما يبدو رقم الـ9,10 أفضل من الـ9,99 وهو ما قد يثير التساؤل، لكن الحقيقة أنه لا يمكن النظر إلى الرقم بمعزل عن نقطة أخرى تمامًا.
فعلى سبيل المثال لا يمكن قياس معدل الأهداف المتوقعة (xG) فقط لأي فريق دون معرفة ما إذا كان هذا الفريق قد تأخر في النتيجة سريعًا أم أنه لم يكن يسعى للتسجيل في ظل تقدمه هو في النتيجة بشكل سريع، ففي الأولى سيزداد المؤشر الذي يعبر عن خليط ما بين كثافة وجودة الهجمات لأن الفريق كان توجهه هجوميًا أكثر، وفي الثانية قد يقل المؤشر فقط لأن الفريق كان بالفعل قد سجل ولم يعد يبحث بنفس القوة عن التسجيل.
بنفس الطريقة من المهم أن في موسم الـ9,99 كان ليفربول يلعب في 44,3% من وقت المباراة متقدمًا في النتيجة ما لا يستلزم عليه ممارسة ضغطٍ عالٍ شرس باستمرار، فيما كان في موسم الـ 9,10 يلعب في 26% فقط من وقت المباراة متقدمًا في النتيجة أي أنه في ثلاثة أرباع المباريات كان يبحث عن التعويض ومع ذلك لم يستطع تحسين معدّله إلا بأقل من تمريرة عن موسم الـ9,99 بينما لم يستطع إظهار أي مجاراة لموسم التتويج بالبريميرليج ذي الـ8,01 علمًا بأن وقت تقدمه في النتيجة كان هو الآخر يبلغ 44,3% من توقيت المباريات.
ثلاثي هجوم ليفربول كان أكثر شراسة بكثير في مسألة الضغط على المدافعين بشكل مباشر أملًا في تنفيذ أكثر ما يؤمن به مدربهم كلوب بأن قطع الكرة في منتصف ملعب المنافس هو أفضل صانع ألعاب .. طبق لاعبو ليفربول بشكل عام هذه النظرية بأفضل طريقة ممكنة من خلال الكثير من المباريات الأيقونية في هذا الصدد أبرزها على الإطلاق تلك المباراة الملحمية ضد مانشستر سيتي في ذهاب ربع نهائي دوري الأبطال 2018.
لكن ماذا حدث بعد تلك الفترة؟ يرى حسن البلتاجي، المدرب بفرق ناشئي باريس سان جيرمان ومحلل الأداء بالمنتخب الألماني في يورو 2021، أن هذا الأمر استمر بشكل مناسب للتشكيلة التي امتلكها ليفربول خاصة في فترة كوتينيو وما تلاها مباشرة قبل زوال تأثير وجوده حتى اقترح مساعد يورجن كلوب بيب لياندرز أن يتحول ضغط ليفربول إلى ضغط “أكثر ذكاءً” عن طريق “الضغط السلبي”، فبدلًا من ضغط ثلاثي ليفربول الهجومي المستمر بشكل إيجابي على عناصر دفاع المنافسين، أصبحت الحرية متاحة لقلبي دفاع المنافس مع مراقبة لصيقة من فيرمينو للاعب ارتكاز المنافس وكذلك من جانب محمد صلاح وساديو ماني تجاه ظهيري الجنب في ظاهرة لافتة بقدرة ثلاثة لاعبين على محاصرة خمسة لاعبين من المنافس وإجبارهم على إرسال الكرات الطويلة لعدم وجود أي خيارات تمرير واضحة في نصف ملعبهم خاصة مع الترقب الواضح من لاعبي وسط ليفربول لأي هروب لأحد اللاعبين من هذه المصيدة وهو ما وصفها البلتاجي بالميزة القوية.

البلتاجي يضيف أنه علم من بعض المصادر داخل مانشستر سيتي أن ميكيل أرتيتا أثناء فترته كمساعد لجوارديولا في مانشستر سيتي اقترح على بيب استنساخ هذا الضغط السلبي الذي يقوم به كلوب مع ليفربول في مانشستر وهو الاستسنساخ الذي سيسمح لثلاثي الهجوم بالحصول على نفس إضافي وعدم إجهاد نفسهم بشكل كبير وإلقاء هذا الحمل على لاعبي الوسط بشكل أكبر، لكن هذا التطبيق تأخر إلى فترة ما بعد الكورونا بعدما أصبح أرتيتا مدربًا لآرسنال والطريف أن جوارديولا طبق هذا الأمر ضد أرتيتا نفسه وفي بعض المباريات إلا أن الأمور لم تسر بالشكل الأمثل ليعود السيتي من جديد لطريقته المعتادة بالضغط الإيجابي على حاملي الكرة وخيارات تمريرهم.
لماذا لم تسر الأمور بالشكل المثالي مع ليفربول بعد ذلك؟ لأن مدربي الأندية لم تقف ساكنة أمام هذه التجديدات فبدأوا في استحداث طرق جديدة لفك هذا الأمر كأن يُلعب بلاعبي ارتكاز وليس لاعب واحد أو تقديم لاعبي المحور للأمام لإبعاد لاعبي وسط ليفربول عن صراع الثلاثة ضد الخمسة ما يمنح التفوق العددي فرصة للتنفس في المنطقة بين هجوم ووسط ليفربول، لكن -وهو أحد أهم الأسباب- كانت الإصابات في دفاع ليفربول تمنح المنافسين فرصة لاستغلال تلك الكرات الطويلة الإجبارية، فبدلًا من وجود فان دايك أصبح هناك من هو أقل منه غير قادر على الظفر بنفس النسبة من الكرات الطويلة، ناهيك عن أن تلك الإصابات أفسدت فكرة الضغط الشرس الذي كان يُظهره لاعبين مثل هندرسون أو فابينيو اللذين خسرهم ليفربول حقًا في خط الوسط لعيون مركز قلب الدفاع.
والحقيقة أنه ربما يكون هناك سبب آخر لاختيار كلوب ولايندرز لهذا النهج، فالثلاثي الهجومي يزداد في العمر ولم يعد بنفس النشاط والحيوية والتضحيات الدفاعية -وربما نفس الجوع والتعطش للفوز- لذلك كانا يدركان أن الاستمرار بنفس الشكل قد لا يكون بنفس الفعالية.
لكن لنترك قصة الضغط جانبًا ودعنا نرصد ما يمكن وصفه بمرحلة تحول يورجن كلوب من مدرب الصدمة والرعب إلى مدرب التأني والاستحواذ.
ففي موسمي 2017/2018 و2018/2019 كان إيقاع ليفربول في الهجمات أعلى كثيرًا مما تلاه .. التمريرات أكثر مباشرة والعقلية تميل أكثر إلى المخاطرة في التمرير الأمامي، بينما بمرور الوقت بعد ذلك أصبحنا نشاهد نسخة أكثر جوارديولية من ليفربول أكثر منها نسخة كلوبية إن جاز التعبير.
احدى المباريات المفصلية في هذا الصدد في رأيي هي مباراة ليستر سيتي بملعب الأخير في موسم التتويج بالبريميرليج وهي المباراة التي يمكن وصفها بأحد أفضل المباريات في تاريخ ليفربول مع يورجن كلوب بعد أن افترس الريدز منافسهم في مباراة مارس فيها الفريق أقسى أنواع الاستحواذ الإيجابي، إذ احتفظ الفريق بالكرة كثيرًا وداورها من اليمين لليسار لكن رغم ذلك احتفظ بخطورته على مرمى المنافس الذي كان لا حول له ولا قوة مضطرًا للتراجع أمام هذه القوة الغاشمة في واحدة من أفضل ليالي جوردان هندرسون على مستوى الأداء.
شيئًا فشيئًا ازداد توجه ليفربول إلى اللعب الاستحواذي .. الأمر لا يتعلق فقط بالكرة بل في نوعية اللاعبين الذين تم ضمهم مثل تياجو ألكانتارا الذي لم يكن يمتلك الليفر لاعبًا بنوعيته منذ رحيل فيليبي كوتينيو، وحتى يمكنك رصد هذا الأمر في تفاصيل صغيرة قد لا تتكرر كثيرًا بسبب إصابات تشامبرلين المستمرة، فعندما كان يشترك كان كلوب يختار كثيرًا أن يُشركه في مركز لاعب الوسط الأيسر وليس الأيمن .. لقطة قد تبدو تافهة لكنها قد تعطّل انطلاقة كتلك الأيقونية التي سجل فيها أمام السيتي من تسديدة أرضية زاحفة، بينما لعبه على اليسار يساعده أكثر على كشف الملعب بقدمه والتمرير بشكل أسهل .. بمعادلة بسيطة وسط أيمن = فلسفة الانطلاقات ولعب مباشر أكثر بينما وسط أيسر = فلسفة كشف الملعب والرؤية والتمرير.


ومن أيقونية مانشستر سيتي إلى أيقونية بشكل سلبي أمام ريال مدريد خلال ذهاب ربع نهائي دوري الأبطال للموسم المُنصرم، فإن كان اللعب الاستحواذي من وجهة نظر البعض كان إجبارًا على كلوب وليس اختيارًا لتراجع الخصوم، إلا أن تلك النظرية قد تُضرب في مقتل بعدما انتهج كلوب نفس النهج الاستحواذي أمام ريال مدريد فحاول مجاراة منافسه في تلك المسألة علمًا بأنه منافس إسباني .. أي أمام ملوك الاستحواذ في العالم. الطريف أنه بمجرد تحول ليفربول للعب أكثر مباشرة في الشوط الثاني شكّل خطورة على ريال مدريد في بداية الشوط الثاني.
وعلى سيرة مباراة ريال مدريد فإنها مع مباريات أخرى شهدت تبلور أحد مشاكل ليفربول هذا الموسم، فقدرة المنافسين على فك ضغط ليفربول المتراجع في مستواه بوضوح أيًا كان شكله، كان ربما يستلزم الأمر معه تراجعًا بضعة خطوات من جانب خط الدفاع بعد أن صار مكشوفًا بشكل أكبر إثر كسر المنافس للضغط وقدرته على إرسال كرات خطيرة خلف دفاع الريدز دون ضغط كبير على مُمرر الكرة لذلك شاهدنا أهدافًا من عينة هدف فينسيوس جونيور وهدف الخطأ المشترك بين الدفاع وحارس المرمى في مباراة ليستر سيتي.
إذًا، كان للإصابات دور عميق في معاناة ليفربول هذا الموسم قبل استفاقته في نهاياته وتحقيقه لسلسلة انتصارات أنقذت الموقف، لكن الإصابات لم تكن كل شيء بل ربما هناك بعض التعديلات التكتيكية التي يجدر بيورجن كلوب فعلها كالعودة بضع خطوات للخلف والتفكير في شكل أقل تطرفًا تجاه الكرة الاستحواذية، كما أن ضم لاعب ككوناتي ربما يساهم في مقاومة تلك الكرات المُزعجة خلف دفاعات الفريق ولا ننسَ صفقة ربما تكون الأهم للسكاوزرز هذا الصيف وهي عودة الدرع الأمين .. فيرخل فان دايك.