تخيل معي أنك أحد اللاعبين الدوليين في منتخب ما وتخوض غمار مباراة في نصف نهائي كأس العالم وصلت إلى وقتها الإضافي ويسجل المنتخب ليفوز ويتأهل إلى نهائي كأس العالم فتشعر بالارتياح .. لأنك خسرت!
هذا ليس خطأ مطبعيًا أو شيء بل إن هذا ما حدث حرفيًا بعدما سجل فابيو جروسّو ثم أليساندرو دل بييرو هدفي منتخب إيطاليا في مرمى ألمانيا ليتأهل الأتزوري إلى نهائي كأس العالم 2006 مُقصيًا المانشافت على أرضه ووسط جماهيره ليعيش كل ألماني لحظات صادمة عقب هذا الخروج فيما عدا شخص واحد .. بير ميرتساكر.
لاعب كرة القدم الذي يلعب في مستويات القمة سواء في أوروبا أو حتى في بلده هو شخص يعيش في ترف كبير .. راتبه الأسبوعي يساوي ما يجمعه كثيرون في أكثر من عام أو ربما عقدٍ من الزمان وفي بعض الأحيان طوال حياتهم، ويمتلك شهرة كبيرة تمنحه المزيد من الأموال على الأرجح من خلال عقود إعلانية ورعاية باهظة، لكن مع هذه الأمور تأتي الأعراض الجانبية.
ميرتساكر اعتزل قبل 3 أعوام تقريبًا في سن الـ33 وقبل اعتزاله بشهرين تقريبًا أجرت صحيفة دير شبيجل الألمانية مقابلة لافتة جدًا حكى فيها بعضًا من تلك الأعراض الجانبية.
تخيل معي أنك أحد اللاعبين الدوليين في منتخب ما وتخوض غمار مباراة في نصف نهائي كأس العالم وصلت إلى وقتها الإضافي ويسجل المنتخب ليفوز ويتأهل إلى نهائي كأس العالم فتشعر بالارتياح .. لأنك خسرت!
هذا ليس خطأ مطبعيًا أو شيء بل إن هذا ما حدث حرفيًا بعدما سجل فابيو جروسّو ثم أليساندرو دل بييرو هدفي منتخب إيطاليا في مرمى ألمانيا ليتأهل الأتزوري إلى نهائي كأس العالم 2006 مُقصيًا المانشافت على أرضه ووسط جماهيره ليعيش كل ألماني لحظات صادمة عقب هذا الخروج فيما عدا شخص واحد .. بير ميرتساكر.
لاعب كرة القدم الذي يلعب في مستويات القمة سواء في أوروبا أو حتى في بلده هو شخص يعيش في ترف كبير .. راتبه الأسبوعي يساوي ما يجمعه كثيرون في أكثر من عام أو ربما عقدٍ من الزمان وفي بعض الأحيان طوال حياتهم، ويمتلك شهرة كبيرة تمنحه المزيد من الأموال على الأرجح من خلال عقود إعلانية ورعاية باهظة، لكن مع هذه الأمور تأتي الأعراض الجانبية.
جسدي انتهى
ميرتساكر اعتزل قبل 3 أعوام تقريبًا في سن الـ33 وقبل اعتزاله بشهرين تقريبًا أجرت صحيفة دير شبيجل الألمانية مقابلة لافتة جدًا حكى فيها بعضًا من تلك الأعراض الجانبية.
“لقد كنت أشعر بغثيان شديد قبل بداية كل مباراة وتبدأ معدتي في التقلص قبل أن ينتابني شعور ممض بالرغبة في التقيؤ، ثم يزداد الأمر سوءً بإحساسي بالاختناق لدرجة أن عيني تدمعان ما كان يضطرني إلى أن أشيح ببصري دائمًا وألتف بوجهي حتى لا يرصد أحد أو ترصد الكاميرات ما أمر به في تلك اللحظات”.

يستعيد المدافع الألماني ما حدث أمام إيطاليا واصفًا شعوره بأنه كان خائب الأمل بكل تأكيد لكنه كان مرتاحًا أكثر من أي شيء آخر وكل ما فكرت فيه هو أن كل هذا قد انتهى قد انتهى قد انتهى.
يبرر ميرتساكر هذه المشاعر الغريبة التي مر بها بأنه كان يتآكل من فرط الضغط ويدور في ذهنه طوال الوقت سيناريو وقوعه في خطأ تسجيل هدف في مرماه مضيفًا “يمتلكك الخوف في مباريات أخرى حين تنظر للوحة النتيجة وتعد الدقائق لتنتهي المباراة، بينما في كأس العالم يفوق الأمر التحمّل الإنساني” .. “هل كنت أستطيع أن أقول ذلك؟ أنني كنت سعيدًا أننا خرجنا؟”.
انتحار
والحقيقة أن ميرتساكر ليس وحده الذي عانى من كل هذا، فألماني آخر لم ينهِ مسيرته فحسب بل تخلص من حياته كلها هربًا من كل هذا.. الحارس روبيرت إنكه الذي انتحر عام 2009.
يحكي والده ديرك إنكه “لقد وصل الأمر بروبيرت في ذروة معاناته إلى أنه كان يخاف من أن تُسدد الكرة على مرماه”
ويستطرد الوالد الذي يعمل أخصائي نفسي رياضي -نعم حتى الوالد المتخصص لم يستطع إنقاذ ابنه من هذه الحالة- أن ابنه كان يمر بأزمات نفسية شديدة تجعله أحيانًا لا يريد الذهاب إلى التدريب”.

وكيل أعماله جورج نيبلونج أشار لصحيفة كيكر الألمانية إلى أن تلك الحالة كانت قد بدأت مع إنكه عام 2002 عندما كان حارسًا لبرشلونة الإسباني لكن إنكه تمكن من تجاوز تلك الذروة رغم وفاة ابنته لمشاكل صحية في عام 2006 حتى عاودته الذروة من جديد في 2009 بنفس الأعراض: الخوف من الاستيقاظ، الخوف من الفشل، الذعر لذلك عاد من جديد -سرًا- لجلسات العلاج النفسي وعلاج الاكتئاب.
قبل شهرين من انتحاره كان إنكه قريبًا من الالتحاق بعيادة نفسية بصفة مستمرة لكن والده يكشف عن أن حارس هانوفر رفض هذا الأمر مؤكدًا أن ذلك سيكون بمثابة نهاية مسيرته الكروية وهي الشيء الوحيد الذي يستمتع به في حياته، فمن ذا الذي سيفكر في ضم حارس يعاني من مشاكل نفسية؟
لا أستطيع الذهاب إلى اليورو
وإن كان إنكه لم يستطع التخلص من الأمر وقرر رفض التوقف لالتقاط الأنفاس حتى هُزم وانتحر، فإن مهاجم برشلونة الأسبق بويان كركيتش أدرك أنه لا يمتلك الطاقة لذلك.
كركيتش يحكي في مقابلة مع صحيفة الجارديان بشهر مايو من عام 2018 أن القلق هو أمر يمر به الجميع “تحدثت مع أحدهم من قبل فأخبرني بأن أعراض القلق لديه هي أن ينبض قلبه 1000 مرة في الدقيقة بينما كانت تلك الأعراض هي شعوري الدوار، إحساسي بالتعب طوال ال24 ساعة” ويشير إلى رأسه “هنا كان الضغط قوي ولا يذهب أبدًا”.
لاعب برشلونة الأسبق ذاع صيته سريعًا في عمر ال17 مع الفريق الأول إلى درجة أنه قد تم ضمه إلى منتخب إسبانيا لمواجهة فرنسا الودية حتى حدث شيء لأول مرة.
“كنت بخير عندما دخلت إلى غرفة خلع الملابس قبل مباراة فرنسا حتى بدأت أشعر بهذا الدوار القوي، الارتباك والذعر فوضعوني على منضدة العلاج الطبيعي. كانت هذه هي المرة الأولى”.
“بدأت منذ ذلك الحين في تلقي العلاج والمعالجة النفسية لمقاومة الحواجز التي خلقتها والخوف. الأمر بدأ في شهر فبراير واستمر معي حتى الصيف. عندما حان موعد ذهابي مع المنتخب ليورو 2008 قررت أنه لا يمكنني الذهاب. علي أن أعزل نفسي.. اضطررت للاعتذار للويس أراجونيس وفيرناندو هييرو وحتى عندما ذهبت إلى كامب نو أخبرني كارلس بويول أنه سيكون بجانبي طوال الوقت خلال البطولة وسيدعمني لكني أخبرته أنني أتلقى علاجًا وأنني على الحافة. كنت أشعر بأنني أريد أن أهرب من كل شيء”.

بويان سجل أكثر من 900 هدفًا مع فرق برشلونة للناشئين ولم يكن يشعر بأي نوع من تلك المشاكل قبل ذلك لكن ربما وصفه المتسرع بليونيل ميسي هو ما وضع ضغطًا كبيرًا عليه وقد ألمح في أكثر من مقابلة إلى تذمره من هذا الأمر خاصة وأنه كان يرى أنه ليس ميسي الجديد وأن الحكم على مسيرته بتلك المقارنة قد ظلمه كثيرًا.
كرة القدم ليست مهتمة
لكن ما أريد أن ألقي الضوء عليه حقًا من حديث بويان هو ما قاله “لا أحد يريد الحديث عن مثل هذه الأمور .. كرة القدم ليست مهتمة .. يوم فرنسا قالوا إنني تغيبت عن المباراة بسبب التهاب في المعدة والأمعاء”.
كرة القدم ليست مهتمة؟ يبدو وأن حالة بويان ليست حالة فردية، فإن عدنا لميرتساكر فسنجده يحكي في المقابلة أنه عندما وصل إلى بريمن قادمًا من هانوفر في عام 2006 تم تقديم أخصائي نفسي إليه وقيل له أنه “إذا كان لديك مشكلة، يمكنك اللجوء إليه”.
يضيف بير “عندما تحدث مع كل اللاعبين كان لديهم نفس ردة الفعل من نوعية “ابق بعيدًا عني، لا أريد التحدث إليك”.
تصرف اللاعبين سببه بسيط ويوضحه ميرتساكر “لن تختار الذهاب للأخصائي النفسي لأن زملاءك سيظنون أنك تعاني من مشكلة ما، وأن هذه الرياضة التنافسية ليست المكان المناسب بالنسبة لك”.
لا أحد يهمه معاناتك .. تعرض ميرتساكر لضربة قوية في وتر أخيليس خلال احدى المباريات مع منتخب ألمانيا عام 2005 لكنه لم يكن ليستريح إذ كان عليه أن يخوض معركة شرسة لإنقاذ هانوفر من الهبوط واستمر في اللعب لسنة كاملة حتى أن احدى عظام قدمه كانت قد تشوهت تمامًا مع ألم مستمر لا يمكن احتماله .. كل هذا ولا أحد يهتم إن كنت قد لعبت 10 مباريات ممتازة فالمباراة الوحيدة المهمة هي المباراة الحالية ويا ويلك إن أخطأت فيها.
بير أشار إلى أن التغيب عن عدة مباريات للإصابة ليس أمرًا كارثيًا للاعب كما يتصور كثيرون، بل إنها تكون فرصة له لالتقاط الأنفاس والاستراحة من الضغط.
وإن سألت كيف يمكن لميرتساكر أن يتحدث بكل هذه الصراحة خلال المقابلة قبل شهرين من اعتزاله وليس حتى بعده، فإن هذا الرجل كان أسعد إنسان باعتزاله وابتعاده عن كل هذا الأمر بالقول “لا أريد اللعب بعد الآن .. الجميع يخبرني بأنه علي أن أستمتع بحلاوة كل لحظة في الملعب في آخر سنة لي بكرة القدم وأن ألعب قدر ما يمكن، لكن الحقيقة أنني أود أن أجلس على مقاعد البدلاء أو حتى في المدرجات”!
إن شعرت بأن تلك الأمور تخص هؤلاء اللاعبين الثلاثة فقط فلن ألومك لكن ميرتساكر أشار إلى أن أغلب اللاعبين الذين عاصرهم يحاولون دائمًا خلق حواجز مع الآخرين فيما عدا قلة قليلة، ويرى أن ذلك بسبب عدم رغبتهم في إظهار ضعفهم في بعض اللحظات رغم أن تلك اللحظات تتضح عندما يركض الجميع يوم المباراة باتجاه الحمام بحثًا عن بعض العزلة من أثر الضغط وأن تلك النظارات الشمسية والسماعات الضخمة التي يرتديها اللاعبون ما هي إلا محاولة لحماية أنفسهم من الضغط الخارجي.
لن يخبرك أحد اللاعبين الإسبان الذي لم يُكشف عن اسمه من قبل من حكى تلك القصة من أحد المسؤولين السابقين بقسم خدمة اللاعبين بنادي ساوثامتون ويُدعى هوجو شيكتر، لن يخبرك هذا اللاعب -الذي نعتقد أنه خوانمي بقليل من البحث في قوائم النادي- أن أحد أهم أسباب مشاكله في موسمه الوحيد بنادي الجنوب الإنجليزي والتي اضطرته للرحيل سريعًا عن إنجلترا هو أن زوجته لم تكن تتحدث الإنجليزية بتاتًا وكانت تقضي ساعات طوال وحيدة في بيتها في انتظار عودة زوجها دون صديقة تؤنسها. شيكتر اكتشف الأمر في توقيت متأخر من الموسم ولم تفلح محاولاته لتنظيم لقاء لزوجة خوانمي مع زوجات اللاعبين الإسبان الآخرين سوى في منحها سعادة وقتية لكن هذا لم يثني زوجها عن قرار الرحيل عن الفريق لمشكلة هي أبعد ما تكون عن المشاكل الفنية والمعتادة التي يُفترض أن تشكل قرارات بهذا الشكل.
ورغم كل هذه المعاناة التي مر بها ميرتساكر والآخرون فإنه يؤكد أنه لم يحكِ هذه الأمور من باب نيل التعاطف أو ليحمي نفسه واللاعبين من النظرة المستمرة تجاه ثرائهم وحياتهم الرغدة فهو يدرك أن كل شيء له ثمنه وأنه ممتن رغم كل ما مر به وسيعيده من جديد إن عاد به الزمن.
والحقيقة أن تلك النقطة تحديدًا تبدو مهمة، فما لم أذكره بالأعلى هو أنه سواء ميرتساكر أو إنكه فإن ذويهما حاولا في لحظة من اللحظات إقناعهما بالكف عن لعب كرة القدم إن كان هذا يؤذيهما نفسيًا، لكن في بلاد أقل ترفًا من ألمانيا لا تبدو هذه خيارات منطقية، فكرة القدم مسألة حياة أو موت للكثير من العائلات البرازيلية كما أن طراز المعيشة في ألمانيا ربما يحول كثير من البشر إلى آلات ليس فقط في كرة القدم، بينما قد تصبح الأجواء أكثر احتمالًا وتفهمًا لهامش الخطأ في بلاد أخرى.
لكن في نفس الوقت فإن حارس برازيلي مثل مواسير باربوسا قادر على أن ينسف تلك الفكرة نسفًا بعدما عانى من التنمر والسخط من أمة برازيلية بأكملها بعد سكون هدف الأوروجواي الثاني لمرماه في نهائي كأس العالم 1950 ليثبت أن عالم كرة القدم بحاجة إلى إلقاء الضوء بشكل أكبر على ما يعانيه اللاعبون على المستوى النفسي، وقبل أن تزمجر معترضًا على محاولات “الدلع” التي تعرضها على هؤلاء “الأثرياء” يمكنك أن تعتبر الأمر مفيدًا لفريقك قبل كل شيء، فلاعبون أسوياء نفسيًا قادرون على الأرجح على إفادة فريقك أكثر من لاعبين مكتئبين يتقيأون ويشعرون بالدوار من فرط الضغط قبل المباريات ولديهم ميول انتحارية.