كثيرون يعرفون أن ليفربول هو النادي الثالث فقط بكل مسيرة يورغن كلوب التدريبية بعد ماينز ودورتموند حيث لا يبدو كلوب الرجل العاشق لتغيير الأماكن لكنه يبحث دائماً عن تغيير وتطوير فكره بذات المكان لأن الحاجة للتغير كانت المفتاح الذي جعل من كلوب مدرباً ذات يوم وربما لا يرغب أن تكون ذات الحاجة هي الهدف لانتهاء رحلته ذات يوم.
بعد فوزه بلقب دوري أبطال أوروبا مع ليفربول موسم 2018\2019 فاجأ يورغن كلوب الكثيرين من خلال تصريح للموقع الرسمي للبوندسليغا تناول من خلاله أبرز ذكرياته بالملاعب حيث قال “بالتأكيد الفوز بدوري الأبطال أمر عظيم، لكن أعظم نجاح بمسيرتي التدريبية كان قيادتي ماينز للصعود للبوندسليغا عام 2004، كانت لدينا قائمة صغيرة وخصوم أقوياء، ما فعلته بماينز لا يمكن تجاوزه”.
قد يتخيل البعض أن ارتباط كلوب بنجاحه الأول هو السبب بهذا التفضيل لكن إذا ما عدنا لبداياته التدريبية سنجد فعلاً أن بعض تفاصيل تلك المرحلة كانت السبب بخلق نجاح المدرب والتأثير على مسيرته وقراراته حتى الآن لذا سندخل اليوم بعمق تفاصيل بدايات كلوب قبل أن ننتقل للحديث عن الأشياء التي تغيرت بين كلوب ماينز وكلوب دورتموند ومن ثم كلوب دورتموند وكلوب ليفربول.
الحاجة لشيء جديد:
كثيرون يعرفون أن ليفربول هو النادي الثالث فقط بكل مسيرة يورغن كلوب التدريبية بعد ماينز ودورتموند حيث لا يبدو كلوب الرجل العاشق لتغيير الأماكن لكنه يبحث دائماً عن تغيير وتطوير فكره بذات المكان لأن الحاجة للتغير كانت المفتاح الذي جعل من كلوب مدرباً ذات يوم وربما لا يرغب أن تكون ذات الحاجة هي الهدف لانتهاء رحلته ذات يوم.
بعد فوزه بلقب دوري أبطال أوروبا مع ليفربول موسم 2018\2019 فاجأ يورغن كلوب الكثيرين من خلال تصريح للموقع الرسمي للبوندسليغا تناول من خلاله أبرز ذكرياته بالملاعب حيث قال “بالتأكيد الفوز بدوري الأبطال أمر عظيم، لكن أعظم نجاح بمسيرتي التدريبية كان قيادتي ماينز للصعود للبوندسليغا عام 2004، كانت لدينا قائمة صغيرة وخصوم أقوياء، ما فعلته بماينز لا يمكن تجاوزه”.
قد يتخيل البعض أن ارتباط كلوب بنجاحه الأول هو السبب بهذا التفضيل لكن إذا ما عدنا لبداياته التدريبية سنجد فعلاً أن بعض تفاصيل تلك المرحلة كانت السبب بخلق نجاح المدرب والتأثير على مسيرته وقراراته حتى الآن لذا سندخل اليوم بعمق تفاصيل بدايات كلوب قبل أن ننتقل للحديث عن الأشياء التي تغيرت بين كلوب ماينز وكلوب دورتموند ومن ثم كلوب دورتموند وكلوب ليفربول.
الحاجة لشيء جديد:
لم يملك كلوب أشياء مميزة كثيراً حين كان لاعباً وتم تحويله من مهاجم لمدافع خلال تواجده بماينز الذي قضى فيه كل مسيرته ولخص كلوب سابقاً مسيرته كلاعب بتصريح مثير قال فيه “كان لدي موهبة تناسب اللعب بالدرجة الرابعة وعقل يناسب الدرجة الأولى لذا كانت النتيجة أني لعبت بالدرجة الثانية”.

كلوب خضع لتجربة أداء بفريق فرانكفورت حين كان بسن الـ19 وحضر ذات الاختبار أندرياس مولر الذي أصبح لاحقاً بطل العالم مع منتخب ألمانيا ويخلص مدرب ليفربول الحالي هذه التجربة بالقول “حين رأيت أندي مولر فكرت أنه إن كان يلعب كرة قدم فأنا أشارك بلعبة مختلفة تماماً، لقد كان رهيباً أما أنه لم أملك أي شيء”.
انتهت مسيرة كلوب بالملاعب عام 2001، بعمر 35 عام، دون ترك أي بصمة ودون أن يعرف طعم اللعب بالبوندسليغا يوماً لكن “عقل الدرجة الأولى” على حد وصفه كان السبب بمساعدته للحصول على عمل بعد اعتزاله اللعب مباشرة حيث جاء إليه المدير الرياضي للنادي كريستيان هايدل وتحدث معه عن المشاكل التي يرى أن الفريق يواجهها وتقربه من الهبوط للدرجة الثالثة والمتمثلة بالاعتماد بشكل مستمر على نظام 4-4-2 حيث كان يرغب بإيجاد مدرب قادر على تحويل الفريق للعب بثلاثي بالخلف كما فعلت العديد من الأندية الألمانية بتلك المرحلة ويقول هايدل عن ذلك اللقاء “حين شرحت له فكرتي لم يفكر لأكثر من 5 ثوانٍ وقال لي أنا جاهز وبعد التمرين الأول شاهدت تغيراً حقيقياً بنفسية اللاعبين”.
فاز كلوب في 6 من أول 7 مباريات بمسيرته التدريبية لينجو الفريق من الهبوط قبل جولة من نهاية الموسم ويحتفل الفريق مع الجمهور الذي عاد لمؤازرة الفريق بصورة شرحها هايدل “كانت مباراتنا الأخيرة في مانهايم وسافر خلفنا 3 آلاف مشجع، خسرنا المباراة 4-0 لكن لم يكترث أحد بذلك الكل كان يحتفل وعدنا إلى ماينز على سطح حافلة مكشوفة للاحتفال بالنجاة من الهبوط”.

في الموسم التالي بدأ كلوب بتحويل ماينز من فريق يلعب لتفادي الهبوط لفريق يحلم بالصعود ولموسمين متتالين كان الفريق قريباً من تحقيق حلم الذهاب للبوندسليغا ورغم فشله يقول مايكل غالوي أن كلوب حول ماينز من مدينة لا تهتم بكرة القدم لمدينة متحفزة أسبوعياً ليبدو أن كلوب بات يدرب مدينة بأكملها وليس مجرد فريق فقط.
بعد ضياع فرصة الصعود للموسم الثاني على التوالي خرج كلوب أمام 10 آلاف مشجع وقال “سنثبت أن كل ألم يجعلنا أقرب من النجاح” وبالموسم التالي بدأ ماينز اللعب بأسلوب مغرٍ للمتابعة يتضمن الكثير من الضغط العالي وأكثر ما فاجأ الجميع كان استخدام كلوب لجدران خلال التمرين حيث كان يضعها عند حدود منطقة الجزاء ويطلب من اللاعبين التسديد عليها ومتابعة مسار ارتداد الكرة ليكونوا جاهزين لكل الاحتمالات لك كرة ممكن أن ترتد أو تُقطع وكان المفتاح الأساسي لكل شيء هو الجري المستمر وهذه كانت النواة الأولى لم بات يُعرف لاحقاً بالضغط المضاد أو “gegenpressing” أو “heavy metal pressing” نسبة للنمط الموسيقي الشهير الذي يوصف بضجيجه الشديد.
عن نمط عمله بتلك الفترة يقول كلوب “أردنا أن نركض دون توقف هذا كان رمزنا الخاص، كنا نفكر فقط بالركض والقتال” وفعلاً جاء هذا الأسلوب بنتيجة سريعة حيث صعد الفريق للبوندسليغا بنهاية موسم 2003\2004 وبموسمه الأول تاريخياً بدوري العمالقة أنهى الفريق الدوري بالمركز الـ11 مع أصغر تشكيلة بالبطولة.
حصل كلوب على فرصة اللعب أوروبياً بعد نهاية موسمه الأول بالبوندسليغا فرغم حلول فريقه بالمركز الـ11 تأهل للدوري الأوروبي بسبب المقعد الخاص باللعب النظيف ومنذ ذلك الحين بدأ وصف كلوب بالمدرب العاطفي الذي يحول دائماً الحفاظ على إيجابية لاعبيه وخلق الحماس لهم بشكل مستمر وهو ما تحدث عنه لاحقاً المهاجم كونور كيسي الذي لعب تحت إشرافه بالقول “لقد كان رائعاً، أتذكر دائماً حماسه وشخصيته وعلاقته باللاعبين وإيجابيته لقد تعلمت الكثير منه”.
نمط كلوب بالتعاقدات كان غريباً حيث لا يبحث عن إحصائيات اللاعب ومستواه فقط بل يبحث عن جانبه الإنساني وقيل أنه كان يلتقي باللاعب وعائلته حين كان يرغب بضم عنصر جديد لماينز ويُقال أن كلوب كرر ذات الأمر حين تعاقد مع فان دايك في ليفربول وعن هذا قال كيسي “لقد تحدثنا عن الحياة أكثر من كرة القدم، هو شخص ودود ويمكنه أن يكسب ود الأشخاص”.
يُقال أن هذا الأمر كان السبب بانسحاب دورتموند من التعاقد ذات يوم مع دراكسلر حيث لاحظ كلوب أن اللاعب يميل غالباً للاحتفال لوحده ولا يشارك زملاءه الكثير من تفاصيله الخاصة ليطلب من الإدارة الانسحاب من الصفقة بالوقت الذي كان فيه “دراكس” يمثل الموهبة الأهم بألمانيا وكل هذه الأشياء تدفعنا لفهم الأسباب التي تجعل كلوب قريباً للغاية من لاعبيه وعاجز بذات الوقت على التعامل مع البعض كما حدث مع إيموبيلي الذي قيل أنه رفض حتى تعلم اللغة الألمانية حين جاء لدورتموند وهذا كان أحد الأسباب الذي سهل رحيله عن الفيستفالي سريعاً.
علاقة كلوب بجمهور ماينز كانت خيالية وغير قابلة للوصف لحدّ أن الجمهور لم ينقم عليه حين هبط الفريق موسم 2006\2007 ففي ذلك اليوم واجه كلوب الجميع ووقف بالملعب وقال للجمهور عبر مكبر الصوت “سنعود مرة أخرى، الأمر لا يحتاج لسؤال” ليتحول الملعب سريعاً للاحتفال مرة أخرى.
ماينز عاد فعلاً عام 2009 للبوندسليغا لكن بذلك الوقت كان كلوب قد ذهب للبدء بمشروع بناء جديد في مكان آخر وهو بوروسيا دورتموند.
ما الذي تغير بين كلوب ماينز وكلوب دورتموند؟
في دورتموند بدأ كلوب بتوظيف أفكاره وتحويلها من مجرد تكنيك جيد “جري- قوة” إلى تكتيك مثمر على أرض الملعب لأن المطلوب ليس فقط احتلال مركز آمن كما كان بالسابق وهنا بدأ مفهوم كلوب للعبة يتبلور بشكل حقيقي.

الفكرة الأولى التي عمل عليها كلوب هي تصغير المساحة المتاحة من الملعب واللعب بمنطقة ضيقة والأمر لم يعُد يقتصر فقط على تقريب الخطوط من بعضها بل تحول للتفكير بالإبقاء على اللعب بجهة واحدة من الملعب يضغط فيها الفريق بكثافة كي يستعيد الكرة مستغلاً قدرة لاعبيه العالية على الجري وتدربهم على ذلك بشكل مكثف كما أن استخدام هذا الأسلوب للهجوم بشكل منظم يؤدي لإرباك دفاع الخصم وبهذه الصورة سنتناول الشكل الذي طبقه الفيستفالي بلقطة أمام بايرن ميونيخ بنهائي كأس ألمانيا 2012 وبعد هذه اللقطة حصل دورتموند على الكرة وذهب لتسجيل الهدف الأول الذي انتهى بفوز فريق كلوب على فريق هاينكس بنتيجة 5-2.

اعتمد كلوب على نقطة واضحة وهي أن خيارات التمرير على جانب الملعب تكون ضيقة ومع وجود 3 لاعبين بالوسط يتمتعون بقدرة عالية على الجري والضغط يصبح بمقدور الفريق تشكيل حلقة حول حامل الكرة تسهّل اتخاذه لقرارات خاطئة وبذات المزايا التقنية اعتمد كلوب على بناء اللعب بإيقاع سريع وتمريرات مباشرة للوصول للمرمى بأسرع وقت ففكرة “gegenpressing” الأساسية تعتمد على أن يكون الفريق جاهز للارتداد بأقصى سرعة حين يحصل على الكرة لذا كان كلوب يقول “الضغط المضاد هو أفضل صانع لعب”.
الفارق بين أسلوب كلوب وبيب يكمن بالهدف من الضغط ففي الوقت الذي يريد فيه بيب دائماً استرجاع الكرة بأسرع وقت ممكن وقطعها يبحث كلوب عن جعل الخصم يتخذ قرارات خاطئة بإقفال المجال أمام التمريرات القصيرة وإبقاء المسافة قصيرة بين المهاجم والمدافع مع زيادة ضغط خطوط الملعب وبظل قدرة الفريق على الارتداد بسرعة وطريقة ممتازة ستصبح أي تمريرة خاطئة أو استقبال سيىء بمثابة الهدية الثمينة لذا كان كلوب يستخدم دائماً جناحين قادرين على الضغط والمساهمة بالدفاع كي يعمل الفريق بمنظومة مثالية.
بين كلوب دورتموند وكلوب ليفربول
واصل كلوب بليفربول استخدام معظم أفكاره لكنه أجرى بعض التعديلات التي لم نكُن نراها في دورتموند أولها كان زيادة التمريرات بين لاعبي الخط الخلفي عند بناء اللعب حيث بات الفريق يفكر أكثر بكيفية السيطرة وليس إيصال الكرة للأمام بأسرع وقت فقط حيث بدا أن كلوب بدأ بتعديل أفكاره بما يناسب الدوري الإنجليزي من حيث ضرورة منع الخصم من بناء اللعب.
النقطة الأهم بتغييرات كلوب كانت السعي لخلق مصيدة داخل منطقة الخصم حيث يتم فتح الطريق لتمرير الكرة نحو لاعب معين تتم دراسته مسبقاً ومن ثم تتم محاوطة هذا اللاعب بصورة تغلق أمامه كل حلول التمرير ولتوضيح هذه النقطة سنعود للقاء مانشستر سيتي وليفربول بإياب ربع نهائي دوري الأبطال موسم 2017\2018:
بهذه المباراة وجد كلوب أن مفتاح الفريق لاستعادة الكرة سيكون فيرناندينيو الذي لا يجيد التمرير مثل دي بروين لذا كانت الفكرة هي بفتح الطريق للاعبي السيتي لتمرير الكرة له قبل أن يجد نفسه محاصراً وغير قادر على لعب تمريرة سهلة لأي من زملائه ليضطر للعب تمريرة طويلة يكون مصيرها الضياع غالباً بسبب ضعف قدراته بهذا الأمر ولو أن هذه الطريقة كانت تتطلب دائماً الكثير من العمل من اللاعبين لضمان عدم حدوث أي خلل يضع الفريق بموقف صعب:

الأمر الأهم الذي غيّره كلوب بليفربول هو تغيير مركزية الهجوم ففي دورتموند كان دور الهداف ينحصر بباريوس ومن بعده ليفاندوفسكي لكن في ليفربول وجد كلوب جناحين قادرين على التسجيل وتلبية أفكاره بالانطلاقات السريعة لذا حول فيرمينو لمركز رأس الحربة الوهمي لينزل بين خطي الوسط والدفاع ويحاول جذب اللاعبين نحوه والملفت أن ليفربول لا يستعمل ماني وصلاح سوياً بالعمق بوقت واحد إلا نادراً ففي الغالب يذهب أحدهما نحو العمق عند بداية الهجمة وينطلق الثاني على أقصى الطرف ليمنع الدفاع من التحرك نحوه ويصعب خياراته ليكون دائماً بحالة ارتباك وترقب لكيفية تغير حركة اللاعبين.
شيء إضافي غيره كلوب تمثل بحركة الأظهرة ففي دورتموند كان الظهير يحتاج للتحرك دائماً بصورة تساعد على تطبيق الضغط على جهة واحدة لذا إن كان الخصم يهاجم من طرف الظهير الأيسر يحتاج الظهير الأيمن للاقتراب أكثر من العمق لتضييق المساحة وتعويض مساندة لاعبي الوسط للطرف الآخر لكن في ليفربول أراد كلوب استثمار الظهيرين أكثر بالهجوم ولم تعُد الأظهرة تعمل بالداخل بل باتت تستغل ضغط ثلاثي الهجوم على لاعبي الدفاع كي يتحرك أرنولد ورويبرتسون بالقرب من الخطين الجانبيين للملعب بأريحية عالية.

من خلال هذه النقاط نرى مقدار التطور الذي أحدثه كلوب بأسلوبه مع مرور الوقت وسعيه الدائم للعمل كي يخلق أفكاراً جديدة ويطبقها لكن تبقى البداية هي السر وبالتأكيد لن ينسَ كلوب يوماً أن السعي للتخلص من 4-4-2 بنادي درجة ثانية كان الخطوة الأولى ليصبح مدرباً عظيماً.