جميعنا نحب الضحك، والحديث عن سياق الضحك يكون سخيفًا في كثير من الأحيان، ولكن في أحيان أخرى يصبح التفنن في البحث عنه في أي سياق أسخف من ذلك، خاصة وإن كان مصطنعًا وخاصة أكثر إن خلّف وراءه ضحايا أكملت الضحكات المتعالية معاناتهم، تلك التي يجد فيها البعض شيئًا من الكوميديا، مع الأسف الغالبية يجدون الكوميديا في معاناة الآخرين وليس مجرد البعض.
الحكاية بدأت بخبر مفبرك مفاده أن سباحًا سعوديًا احتل المركز الأخير بفارق 45 دقيقة عن أقرب ملاحقيه، فعلّق مواطن سعودي ساخرًا “الحمد لله ما غرق” ولاقى تعليقه ذلك رواجًا كبيرًا بين متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي تجاوز الحديث عن أي سياق رياضي أصلًا، وأصبح ردًا فكاهيًا متداولًا للسخرية من أي شخص يحتل مرتبة متأخرة في أي شيء، حتى وإن كان صديقك الذي يأتي إلى المقهى بعد منتصف الليل.
ومع بداية دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، تبدو البعثات العربية مادة خام لمحبي فبركة الأخبار والضحك عليها، وللصحفين الباحثين عن تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بغض النظر عن المهنية وما حولها من عبارات مشابهة، ومن هنا ندخل في دوامة لا تنتهي، أو بالأحرى، عراك جديد يحبذه رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول أي شيء، تذكر قبل أن تتذمر أن تفضيل الصيف أو الشتاء بات موضوعًا جديرًا بتلك العراكات الإلكترونية، فلم يصبح هناك مجال للحديث حول ما يحدث هناك بأي جدية.
في الحقيقة الضحك ما هو إلا مأساة يختلف حجمها وتأثيرها ليس إلا، فهناك مأساة أن يتعثر أمامك أحد الأشخاص ويسقط فتتسخ ملابسه، وأخرى تقذف فيها بطاقة الشحن من نافذة السيارة قبل أن تُدخل الرقم، وهناك ما يتجاوز هذه المرحلة وصولاً إلى وفاة البعض وأنت تشاهد وتضحك. إن لم تُصدِّق ذلك فراقب مواقع التواصل الاجتماعي في النصف الأول من 2020، ستجد مقاطع الرقص بالتابوت الشهيرة أكثر ما يُثير السخرية والضحك بين رواد فيسبوك وتويتر.
جميعنا نحب الضحك، والحديث عن سياق الضحك يكون سخيفًا في كثير من الأحيان، ولكن في أحيان أخرى يصبح التفنن في البحث عنه في أي سياق أسخف من ذلك، خاصة وإن كان مصطنعًا وخاصة أكثر إن خلّف وراءه ضحايا أكملت الضحكات المتعالية معاناتهم، تلك التي يجد فيها البعض شيئًا من الكوميديا، مع الأسف الغالبية يجدون الكوميديا في معاناة الآخرين وليس مجرد البعض.
الحكاية بدأت بخبر مفبرك مفاده أن سباحًا سعوديًا احتل المركز الأخير بفارق 45 دقيقة عن أقرب ملاحقيه، فعلّق مواطن سعودي ساخرًا “الحمد لله ما غرق” ولاقى تعليقه ذلك رواجًا كبيرًا بين متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي تجاوز الحديث عن أي سياق رياضي أصلًا، وأصبح ردًا فكاهيًا متداولًا للسخرية من أي شخص يحتل مرتبة متأخرة في أي شيء، حتى وإن كان صديقك الذي يأتي إلى المقهى بعد منتصف الليل.
ومع بداية دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، تبدو البعثات العربية مادة خام لمحبي فبركة الأخبار والضحك عليها، وللصحفين الباحثين عن تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بغض النظر عن المهنية وما حولها من عبارات مشابهة، ومن هنا ندخل في دوامة لا تنتهي، أو بالأحرى، عراك جديد يحبذه رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول أي شيء، تذكر قبل أن تتذمر أن تفضيل الصيف أو الشتاء بات موضوعًا جديرًا بتلك العراكات الإلكترونية، فلم يصبح هناك مجال للحديث حول ما يحدث هناك بأي جدية.
لماذا نضحك؟
في الحقيقة الضحك ما هو إلا مأساة يختلف حجمها وتأثيرها ليس إلا، فهناك مأساة أن يتعثر أمامك أحد الأشخاص ويسقط فتتسخ ملابسه، وأخرى تقذف فيها بطاقة الشحن من نافذة السيارة قبل أن تُدخل الرقم، وهناك ما يتجاوز هذه المرحلة وصولاً إلى وفاة البعض وأنت تشاهد وتضحك. إن لم تُصدِّق ذلك فراقب مواقع التواصل الاجتماعي في النصف الأول من 2020، ستجد مقاطع الرقص بالتابوت الشهيرة أكثر ما يُثير السخرية والضحك بين رواد فيسبوك وتويتر.
في هذا الصدد تأتي دراسة بيتر ماك جرو الأستاذ في جامعة كولورادو، التي وصلت به إلى نظرية تُقسِّم المآسي إلى نوعين؛ صغيرة وكبيرة. بمثال بسيط، فإذا ضغطت على رقم خاطئ قادك للتبرع بدولار واحد إلى جمعية تنمية بذور المشمش في أحد البلدان، فهذه مأساة بسيطة ستتبعها بالضحك في الحال، ولكنك مع مرور الوقت لن تتذكَّرها، أما إذا قمت بالتبرع للجمعية ذاتها عن طريق الخطأ بـ 10 آلاف دولار، فإن ذلك سيُمثِّل صدمة بالنسبة لك في وقتها قد تتبعها موجات غضب، ولكن مع الوقت، ستتذكَّر الأمر بشيء من الفكاهة. الخلاصة؛ المأساة الصغرى فكاهة قريبة المدى، أما الكبرى فإنها فكاهة بعيدة المدى.
وبناء على تلك النظرية، فإن التعامل مع الرياضة يأتي من منظور ترفيهي دائمًا، ولا يعطيها المتابعون حيزًا من المتابعة طالما لا يلعب فريقهم المفضل الذي يخسرون أصدقاءهم من أجله ويصابون بأمراض القلب والشرايين، ويمارسون العنصرية والسباب يوميًا دفاعًا عن كيانه، ولكن باستثناء ذلك فهي مجرد رياضة ولا تستحق كل هذه الجدية، أليس كذلك؟
إذًا، فمأساة الرياضي الذي لم يحقق رقمًا أو ودع مسابقة من الدور الأول تبدو مادة خام للسخرية قربية المدى، ثم نسيان ما حدث بمجرد انتهاء الأولمبياد، وبدء حملة جديدة من السخرية من أي شيء حتى تأتي الأولمبياد الجديدة وهكذا، هكذا سيكون الجمهور العام دائمًا، ولكن ماذا إن حدث ذلك ممن يمتهنون تغطية مثل هذه الأحداث؟
في الحقيقة لم تكن سخرية الصحفيين مباشرة، ولكن أسلوب نقل الفاعليات هو من لا يتسم بالمهنية أحيانًا، فتجد لاعبة رماية مصرية تحقق أعلى رقم شخصي لها خلال العام وتتفوق على جميع أرقامها السابقة، ولكنها تحتل المركز الحادي والثلاثين من أصل 32 متسابقة، بالطبع النصف الأول من الخبر لن يجذب المتابعين كون الرماية بالبندقية لعبة بعيدة عن متناول الغالبية، ولكن ماذا عن احتلال المركز قبل الأخير؟ يا إلهي إنه مثير لهرمونات الضحك، وسيجلب تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، إذن هو ما يستحق التركيز عليه في نقل الخبر.. وماذا عن المهنية وأخلاقيات المهنة؟ في ذمة الله!
ضحايا متنمرون
دعنا نتفق أن تلك الظاهرة منتشرة بصورة كبيرة منذ بداية الأولمبياد، ودعنا نتفق أيضًا أنك إذا قمت بتوجيه سؤال عشوائي لأي من الساخرين سيخبرك بشيء من اثنين، الأول أنه لا يسخر من هؤلاء الرياضيين بقدر ما يسخر من القائمين على الرياضة في بلاده كونهم هم السبب في التراجع، والآخر سيقول لك بمنتهى الثقة: طالما لا يستطيعون المنافسة وهناك فروق فردية بينهم وبين أبطال العالم، فما الداعي من السفر أصلًا؟
في الحقيقة كلا المنطقين بلا منطق، ولا تحتاج لهدمها سوى كلمة واحدة، ففي الحالة الثانية يمكنك إعطاء ذلك الشخص مثالًا عن أي منافسة في الحياة وسيجد فيها عدد كبير ممن يتنافسون من أجل الحصول على أفضل مركز ممكن، بينما هم يدخلون المنافسة وهم يعلمون يقينًا أنه لا مكان لهم على القمة، حتى في دورات البلايستيشن بين الأصدقاء.
أما الحالة الأولى، فبالنظر إلى التعليقات الساخرة لن تجد شيء يتضمن الاتحادات أو المسؤولين الحقيقيين بقدر ما ستجد تفنن في السخرية من الرياضيين أنفسهم، والمثير للسخرية أو الشفقة أكثر أن نفس الشخص الذي يختار الحلقة الأضعف في تلك المنظومة بل ضحاياها في الأساس ليسخر منهم وهم الرياضيون، هو يعاني في سياق آخر من نفس ما يمارس ضدهم، ولكنه يجد نفسه ضحية ولا يسمح لأحد أن يتفوه بكلمة في حقه، بينما لا يجد هؤلاء الرياضيون جديرين بالشيء ذاته، والسبب هو ما ذكرناه لك في البداية، أن الرياضة شيء ترفيهي وغير مهم وبالتالي فإنها ليست مسألة حياة أو موت حتى نتعاطف مع ضحاياها!
ضحكات قاتلة
بعد خروج كل المتنافسات المصريات من الدور الأول من منافسات المصارعة، أعلنت سمر حمزة اعتزالها اللعبة بشكل نهائي، وذلك بالطبع من خلال منشور عبر حسابها الشخصي على “فيسبوك” تتحدث فيه عن رحلتها مع اللعبة التي كانت فردية تمامًا، وعدم الاكتراث بموهبتها لدرجة جعلتها تخرج في 4 معسكرات فقط على نفقة الاتحاد المصري للمصارعة طيلة 8 سنوات، تلك التي تضمنت دورتي ألعاب أوليمبية في ريو دي جانيرو وفي طوكيو التي تجري حاليًا.. 4 معسكرات في 8 سنوات للاعبة تعد الأبرز في جيلها وتعوّل عليها من أجل ذهبية أولمبية جديدة، ثم تسأل في النهاية عن سبب الفشل!
المضحك المبكي في الأمر أن ذكرت أن بدايتها مع المصارعة جاءت من خلال تأثرها بإنجازات الثنائي كرم جابر وبوجى نجمي المصارعة المصرية، اسم كرم جابر لا يحتاج أي شيء لتوضيح من يكون، يكفي أنه صاحب الميدالية الذهبية الأولمبية الوحيدة في تاريخ مصر في الفترة بين 1984 وحتى يومنا هذا، المهم الآن هو ليس إنجازه، ولكن مصيره بعد ذلك الإنجاز، وحجم الاستثمار في موهبة من أطلق عليه لقب مصارع القرن، وهو شيء كافٍ تمامًا لشرح ما حدث مع سمر وغيرها من الأبطال.
كرم جابر عانى مع الاتحاد المصري للمصارعة من مشاكل لم تنتهِ أبدًا، يطالب بمعسكرات خاصة فيتهم بالغرور، والحل لكي لا تكون مغرورًا هو أن تتدرب مع لاعبين ناشئين، أما أن تطالب ببرنامج خاص فهو شيء تستحق عليه العقاب بكل تأكيد، أضف إلى ذلك سوء تنسيق أدى إلى إيقافه عامين بسبب عدم الحضور لاختبار المنشطات الذي لم يتم إعلامه به أصلًا، وبين هذا وذاك، حقق فضيّة في لندن 2012 باستعداد ذاتي تمامًا، وإصابات تغلب عليها وحده وتدرب رغم وجودها بمفرده، وفي النهاية حقق الميدالية الثانية في تاريخه، فكافأه اتحاد المصارعة بـ 5 آلاف دولار، ولكنه فوجئ حين استلامهم بأنهم مخصومين منه بسبب غرامة قديمة!
تخيل أن ذلك يحدث مع صاحب الإنجاز الأوليمبي الأهم في تاريخ مصر منذ أكثر من 70 عامًا، فماذا عمّن لم يحققوا شيئًا حتى الآن؟ بالطبع لا تحتاج الصورة لمزيد من الشرح والتوضيح، ولكننا كالعادة سنعود إلى المربع صفر والذي ينتهي عنده كل شيء، وهو أن ذكر كل هذه المأسويات لن يحرك ساكنًا طالما ينظر المتابع إلى الرياضة كشيء ترفيهي لا يستحق كل هذه الجدية!