جرت العادة في أي ميركاتو صيفي، أن تتوجه أنظار الجماهير والصحافة لمتابعة انتقالات اللاعبين. شائعات وصفقات رسمية، وأخرى تنهار في آخر اللحظات، المهم أن الكادر كان يسع اللاعبين دون غيرهم. لكن في صيف 2021، قرر المدربون مزاحمة اللاعبين، واقتحام سوق الانتقالات بقوة.
في ألمانيا، سيدخل الثلاثي الكبير(بايرن ميونخ، دورتموند، لايبزج) بثلاثة أطقم فنية جديدة، وفي إيطاليا، يدخل الخماسي: الإنتر ويوفنتوس، وروما ولاتسيو ونابولي بسيموني إنزاجي وأليجري ومورينيو وساري وسباليتي – على الترتيب -. فيما يبدو الأمر وكأنه محاكاة للعبة الكراسي الموسيقية.
أما في إنجلترا وإسبانيا، فكان الوضع أكثر هدوءاً، حيث رحل زيدان عن ريال مدريد ليحل محله أنشيلوتي، الذي ترك كرسيه في إيفرتون فارغًا، ليأتي الإسباني رافا بينيتيز ويحصل عليه. بالإضافة إلى توتنهام الذي جلب “نونو سانتو” بعدما فاوض أكثر من خمسة مدربين، لكنهم بالتأكيد أقنعوا مدرب ولفرهامبتون السابق بطريقة أو بأخرى أنه كان الاختيار الأول.
ومع تقديم صيف 2021 لهذا المشهد الغريب، ازداد الحديث عن كيفية اختيار الأندية لمدربيها، وهل يقدم هؤلاء المدربين سيرهم الذاتية، وينتظرون مقابلة العمل مثلنا تمامًا؟ هل أضافت الاحصائيات لعملية الاختيار؟ أم أن العشوائية تحكم أولاً وأخيرًا؟
جرت العادة في أي ميركاتو صيفي، أن تتوجه أنظار الجماهير والصحافة لمتابعة انتقالات اللاعبين. شائعات وصفقات رسمية، وأخرى تنهار في آخر اللحظات، المهم أن الكادر كان يسع اللاعبين دون غيرهم. لكن في صيف 2021، قرر المدربون مزاحمة اللاعبين، واقتحام سوق الانتقالات بقوة.
في ألمانيا، سيدخل الثلاثي الكبير(بايرن ميونخ، دورتموند، لايبزج) بثلاثة أطقم فنية جديدة، وفي إيطاليا، يدخل الخماسي: الإنتر ويوفنتوس، وروما ولاتسيو ونابولي بسيموني إنزاجي وأليجري ومورينيو وساري وسباليتي – على الترتيب -. فيما يبدو الأمر وكأنه محاكاة للعبة الكراسي الموسيقية.
أما في إنجلترا وإسبانيا، فكان الوضع أكثر هدوءاً، حيث رحل زيدان عن ريال مدريد ليحل محله أنشيلوتي، الذي ترك كرسيه في إيفرتون فارغًا، ليأتي الإسباني رافا بينيتيز ويحصل عليه. بالإضافة إلى توتنهام الذي جلب “نونو سانتو” بعدما فاوض أكثر من خمسة مدربين، لكنهم بالتأكيد أقنعوا مدرب ولفرهامبتون السابق بطريقة أو بأخرى أنه كان الاختيار الأول.
ومع تقديم صيف 2021 لهذا المشهد الغريب، ازداد الحديث عن كيفية اختيار الأندية لمدربيها، وهل يقدم هؤلاء المدربين سيرهم الذاتية، وينتظرون مقابلة العمل مثلنا تمامًا؟ هل أضافت الاحصائيات لعملية الاختيار؟ أم أن العشوائية تحكم أولاً وأخيرًا؟
مقابلة العمل
دعنا نبدأ رحلتنا القصيرة بالضغط على زر “Zoom in” والاقتراب أكثر وأكثر من الغرف المغلقة، حيث العملية التي تقود إلى مقابلة العمل التي يجريها مسؤولو النادي مع المرشحين لتولي القيادة الفنية. قد يبدأ النادي بتقييم خمسين أو ستين سيرة ذاتية، إذا استعان بعدد كبير من الوكلاء والوسطاء. ولتقليص تلك القائمة، ينبغي على الإدارة الإجابة على عدد من الأسئلة بوضوح وحزم، بداية من أسلوب اللعب وصولاً للميزانية المرصودة للصفقات وراتب الطاقم الفني.
بعد تقليص القائمة، يأتي الدور على مقابلة العمل، التي يغلب عليها الطابع الرسمي في معظم الأوقات، ومطلوب من المدرب أن يقنع الحاضرين بخطته لتحقيق أهداف النادي. أحد المدربين أخبر “بي بي سي” أنه اضطر في إحدى المرات لقضاء يوم كامل داخل النادي، حيث أجرى أربع مقابلات.
طٌلب من ذلك المدرب أن يعطي محاضرة بين الشوطين لفريق خاسر بنتيجة 2-0، ثم اضطر للتعامل مع أحد الممثلين وهو يؤدي دور والد أحد لاعبي الأكاديمية الذي كان مستاءً من قلة وقت لعب الابن، وكان من المتوقع أن يتمكن من التحدث معه، بالإضافة لإقناع لاعب من نادٍ آخر بالانضمام للفريق.
كلما زادت قدرة المدرب على العرض والإقناع، ارتفعت فرصه، وتمامًا كأي مقابلة لأي وظيفة، هنالك محاذير يجب تجنبها. على سبيل المثال، إذا أخطأ المدرب في نطق أسماء لاعبي الفريق، فإنه يظهر علامة بعدم الجدية، وعليه سيتم رفضه. وفي المقابل، ستجد مدربًا مثل “مارسيلو بييلسا”، شاهد كل دقيقة لليدز يونايتد في موسمه الأخير، قبل بدء المفاوضات مع الإدارة.
في النهاية، يظل الموقف الأكثر طرافة – من وجهة نظر الكوميديا السوداء – عندما يتكفل أمر غريب بإفساد مقابلتك. وهنا تظهر لنا قصة المدرب المخضرم “سام ألاردايس” عندما كان مرشحًا لخلافة “سفين جوارن إريكسين” في تدريب منتخب إنجلترا عام 2006.
جهز “البيج سام” عرض تقديمي(Presentation) يضم كل صغيرة وكبيرة، وعلى حد قوله: “لم يكن بإمكان أحد التفوق على ما سيعرضه”، حتى أتت الصدمة بعدم احتواء الاتحاد الإنجليزي على جهاز لعرض الـ(Presentation) ، ليتحول العرض المرئي إلى مكتوب على عدة ورقات، لم تكن على نفس الدرجة من الإقناع.
البحث في الاتجاه الخاطئ
ومع هذه الكوميديا سيكون المشهد الأول قد انتهى، وسنضطر لعمل “Zoom out” للانتقال للمشهد الثاني، حيث كيفية الاختيار. والذي يمثل واحدًا من أكثر المشاهد خداعًا لجماهير كرة القدم، فهذه الجماهير – المسكينة – تحسن الظن في مسؤولي أنديتها، وتعتقد أنهم الأفضل إداريًا وبعيدون كل البعد عن العشوائية، لكن الواقع لا يقر أبدًا بهذا الظن الحسن.
لقراءة ذلك الواقع، سنستعين بكلمات أحد أبرز المدربين على الساحة “يوليان ناجلزمان”، الذي انتقل في صيف 2021 من لايبزج إلى بايرن ميونخ. كان “ناجلزمان” قد اتخذ قرارًا غريبًا في عام 2018، عندما رفض فرصة تدريب ريال مدريد، وهو ما ينم عن هدوء ورزانة نادرين، إذ رأي المدرب الشاب عدم توافقه مع طريقة إدارة النادي الملكي، فضلاً عن عدم إجادته اللغة الإسبانية.
صرح “ناجلزمان” لصحيفة “إندبندنت” البريطانية موضحًا: “أهم شيء بالنسبة لي هو امتلاك الهوية الخاصة، ثم تعيين المدرب المناسب الذي يتوافق معها، بعض الأحيان أجد العديد من الأندية الأوروبية في موسم ما يريدون الضغط ومهاجمة الخصوم مبكرًا، ثم أقالوا مديرهم وتغيروا إلى نهج مختلف مثل كرة القدم القائمة على الاستحواذ”.
وأضاف: “عليك في تلك الحالة تغيير اللاعبين والكشافة وكل شيء، هذا لا معنى له، إنه أمر غير مسؤول وبدون توجيه، سينتهي بإيقاع النادي في ورطة”.
تدعم دراسة أجرتها شركة “Optima Football” رؤية “ناجلزمان”، والتي تتبعت الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا على مدى خمس سنوات وخلصت إلى أن حوالي 75٪ من الفرق لديها “مدرب هو الشخص الرئيسي لاتخاذ معظم القرارات الفنية والاستراتيجية الكروية، وعند تغييره، تقوم الأندية تلقائيًا بتغيير الإستراتيجية أيضًا. هذا يعتمد كليًا على من هو المدرب وماذا يريدون؟”
وهنا، يتضح أن ما نراه اختيارًا منطقيًا واضحًا لسير العملية، لا تراه الأندية كذلك، والسبب الأول هو لهث عدد كبير منها وراء النجاح أو النجاة على المدى القصير. أما السبب الثاني فيتعلق بالتأثير اللامع للأغلبية، التي تشجع بعضها على انتهاج نفس الأسلوب القديم، رغم وجود نماذج ناجحة مثل مانشستر سيتي وليفربول وليستر سيتي.
العالم المثالي
إن كانت هذه النماذج القليلة غير كافية للإقناع، فعلى الأرجح ستكون الخسائر المالية المترتبة على سوء اختيار المدرب، أكثر إقناعًا للإدارات. وهنا سيضطر الراغبون بتجنب الخسارة إلى اللجوء لأفضل وسيلة متاحة، تساعد على زيادة حظوظهم في اختيار الأنسب، ألا وهي البيانات والاحصائيات.
كالعادة، وفي مستهل أي حديث عن الأرقام في عالم كرة القدم، يجب التذكير بأنها لا تضمن النجاح بنسبة 100%، وقراءتها متوقفة على العنصر البشري المختلف من مكان لآخر. وفيما يتعلق باختيار المدربين، فنصائح “تيد كنيستون” من شركة “Statsbomb” ستفي بالغرض.
عرض “تيد” في عام 2017 خدمات شركته لمساعدة الأندية على اختيار المدربين، وسرد في مقال على الموقع الإلكتروني للشركة عددًا من النصائح الهامة(يتم الاستعانة بها عقب استقرار النادي على السياسة العامة والخطوط العريضة لفلسفة اللعب). أول تلك النصائح يتعلق بطبيعة البشر في الكذب، نعم كما قرأت، حيث يطالب “كنيستون” بكل براءة عدم تصديق المدربين أثناء مقابلات العمل، فقد يعدك أحدهم بتطبيق أسلوب لعب معين، وتاريخه لا يؤكد قدرته على تطبيقه.
في مؤتمر “Sloan Sports Analytics” بنفس العام، تواجد الثنائي “داريل موري”(فريق هيوستن روكتس بالـNBA) وبوب مايرز(غولدن ستايت) ضمن لجنة التفاوض، وعندما طرح موضوع تعيين المدربين، أشار “موري” إلى أنهم بدأوا في كتابة طريقة اللعب وتنفيذ الأسلوب في عقود المدرب واستخدامه كمحفز لضمان السنوات المقبلة.
وبالتالي، كي يتجنب نادي كرة القدم تلك المغامرة، عليه الاهتمام بالمزيد من التفاصيل عبر المزيد من البيانات، حيث أوضح “تيد”:
“نحن نهتم بالحقائق، البيانات، معلومات موضوعية وقابلة للتنفيذ تساعدك على اتخاذ القرارات. يمكن للنادي نفسه أن يقرر الاهتمام بالسمعة أيضًا، لكننا نشعر بقوة أنها مجرد جزء صغير من معادلة تقييم المدرب الجديد. نقوم أيضًا بتحليل التعديلات التكتيكية داخل اللعبة، وأنماط الاستبدال، وتناوب الفريق(Squad Rotation)، ودمج اللاعبين الشباب، وأي شيء آخر يعتقد العميل أنه مهم”.
رؤية كل تلك التفاصيل أو محاولة تصديق وجودها في الواقع، قد يجعلك تظن أننا في عالم مثالي خالٍ من الأخطاء، لكن صدقًا فإن محاولات الاقتراب من النجاح، تنطلق من هذه النقطة. ولعل أبرز تلك النماذج هو استخدام ليفربول لنموذج تحليل خاص بهم لتقييم أداء يورجن كلوب في موسمه الأخير مع دورتموند. حيث اعتمد النموذج على تقييم الأداء وليس النتيجة، وقد انتهى إلى احتلال دورتموند المركز الثاني عوضًا عن السابع، الذي احتله في الجدول الحقيقي.
كان ليفربول سباقًا في رؤية ما وراء النتائج..تعاقدوا مع كلوب ثم كتيبة مميزة من اللاعبين، لم يكن الكثيرون يؤمنون بتميزهم بتلك الدرجة، ومع كل نجاح يحققوه، كان أشبه برسالة إلى الكثير من الأندية، لعلها تحذو حذوهم، وتحاول تدارك رحلتها للبحث عن المدرب غير المناسب!