عقب نهاية مباراة دور الستة عشر بين فرنسا وسويسرا، وقع أكثر من 240 ألف شخص على عريضة لطلب إعادة المباراة مرة أخرى. كان هؤلاء جميعًا من الجمهور الفرنسي الذي لم يكن يصدق حتى اللحظة خروج بطل العالم 2018 على يد منتخب غير مرشح، فزعموا أن حارس مرمى سويسرا قد تقدم عن الخط أثناء التصدي لركلة جزاء “كيليان مبابي”.
رغم سذاجة السبب، إلا أن إعادة تلك المباراة تحديدًا كانت فكرة رائعة، لأنها مثلت واحدة من أفضل لحظات يورو 2020؛ لحظة صعدت بشغف الجماهير إلى الذروة، وحسنت من تقييم البطولة بشكل عام، لأن الجماهير وإن انقسمت لتشجيع المنتخبات الكبرى، تظل باحثة – بشكل غير معلن – عن معجزات الصغار.
في نسخة 2020، شاهدنا المجر وهي تحرج أعضاء مجموعة الموت، بالإضافة إلى أوكرانيا، والدنمارك وسويسرا والتشيك، وفي المقابل قدم عدد لابأس به من المرشحين الافتراضيين مستويات متواضعة، ليتساءل الكثيرون عن حال الفجوة بين الكبار والصغار، هل مازالت على حالها؟ أم تمكن الصغار من تقليصها؟
دعنا نركز على الثلاثي الدنمارك والتشيك وسويسرا، ولنبدأ بالأخيرة لأنها صنعت الحدث الأبرز في يورو 2020. كانت وماتزال سويسرا دولة غير معروفة على خارطة كرة القدم، وإن بحثت في ذاكرتك عن أي ذكرى لهم، فلن تجد سوى تشاكا وشاكيري، أما على صعيد النتائج، فنحن أمام ضيف شرف، يجيد المرور دون أن يشعر به أحد.
عقب نهاية مباراة دور الستة عشر بين فرنسا وسويسرا، وقع أكثر من 240 ألف شخص على عريضة لطلب إعادة المباراة مرة أخرى. كان هؤلاء جميعًا من الجمهور الفرنسي الذي لم يكن يصدق حتى اللحظة خروج بطل العالم 2018 على يد منتخب غير مرشح، فزعموا أن حارس مرمى سويسرا قد تقدم عن الخط أثناء التصدي لركلة جزاء “كيليان مبابي”.
رغم سذاجة السبب، إلا أن إعادة تلك المباراة تحديدًا كانت فكرة رائعة، لأنها مثلت واحدة من أفضل لحظات يورو 2020؛ لحظة صعدت بشغف الجماهير إلى الذروة، وحسنت من تقييم البطولة بشكل عام، لأن الجماهير وإن انقسمت لتشجيع المنتخبات الكبرى، تظل باحثة – بشكل غير معلن – عن معجزات الصغار.
في نسخة 2020، شاهدنا المجر وهي تحرج أعضاء مجموعة الموت، بالإضافة إلى أوكرانيا، والدنمارك وسويسرا والتشيك، وفي المقابل قدم عدد لابأس به من المرشحين الافتراضيين مستويات متواضعة، ليتساءل الكثيرون عن حال الفجوة بين الكبار والصغار، هل مازالت على حالها؟ أم تمكن الصغار من تقليصها؟
تطوّر سويسري بمساعدة إنجليزية
دعنا نركز على الثلاثي الدنمارك والتشيك وسويسرا، ولنبدأ بالأخيرة لأنها صنعت الحدث الأبرز في يورو 2020. كانت وماتزال سويسرا دولة غير معروفة على خارطة كرة القدم، وإن بحثت في ذاكرتك عن أي ذكرى لهم، فلن تجد سوى تشاكا وشاكيري، أما على صعيد النتائج، فنحن أمام ضيف شرف، يجيد المرور دون أن يشعر به أحد.
كانت النقطة الفاصلة في تاريخ سويسرا الكروي عندما قرر اتحاد اللعبة في يناير 1992 التعاقد مع المدرب الإنجليزي صاحب الأربعة وأربعين عامًا في ذلك الوقت “روي هودسون”، والذي خسر بشكل غير متوقع مباراة واحدة فقط في تصفيات مونديال 94، رغم وقوعه في مجموعة صعبة ضمت إيطاليا والبرتغال واسكتلندا، ليقود سويسرا للتأهل لكأس العالم بعد غياب 28 عامًا، بجانب احتلال المركز الثالث بتصنيف الفيفا خلال عام 1993. بعد ذلك، تأهل المنتخب السويسري لمراحل خروج المغلوب قبل أن يخرج في دور الـ16 أمام إسبانيا.
تمثل نجاح “هودسون” الفعلي في تطوير أساليب التدريب وعقلية اللاعبين، ومع تحسن النتائج، زاد شغف الشعب السويسري بكرة القدم، وفُتحت أبواب الاحتراف أمام الكثير من لاعبي المنتخب. وعليه تشجَع اتحاد اللعبة وعدد من الشركات الراعية(على رأسهم بنك “credit suisse”) لتمويل مشاريع لتطوير كرة القدم مع التركيز على مراحل الشباب.
على الرغم من اعتراف المدرب الحالي “فلادمير بيتكوفيتش” في 2014 أنهم مازالوا يحصدون ثمار ما أنجزه “روي هودسون”، إلا أن الاستمرارية لم تكن حاضرة، لأن المواهب لم تكن بالغزارة الكافية، حتى حصل المنتخب مؤخرًا على دفعة غير مسبوقة من المهاجرين وأصحاب الجنسية المزدوجة.
في يورو 2016، ضمت تشكيلة سويسرا 15 لاعبًا(من أصل 24) لديهم جنسيات أخرى، من كوسوفو لمقدونيا والبوسنة وصولاً للكونغو والسودان وكاب فيردي. وفي نسخة 2020، ارتفع العدد إلى 16 لاعبًا(من أصل 26). في الأخير، أظهرت الصورة النهائية منتخبًا يضم عدد لا بأس به من المواهب، مع ما يكفي من الشجاعة والتوفيق لمناطحة الكبار بشكل مفاجئ.

التشيك والبكاء على الأطلال
ومن سويسرا إلى التشيك، حيث منتخب آخر قدم عروضًا جيدة، رغم وقوعه في مرحلة “البكاء على الأطلال” لفترة ليست بالقصيرة. فالمنتخب الذي وصل لنهائي يورو 96، وكان المرشح الأبرز لنسخة 2004 تأهل للمرة السابعة على التوالي لكأس أمم أوروبا، وهو رقم لم يحققه سوى إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال، ومع ذلك كان شغف الجماهير التشيكية متراجع بشدة.
والسبب بكل بساطة هو عدم ظهور من يملأ الفراغ الذي تركه جيل النجوم: بافيل نيدفيد، وميلان باروش، ويان كولر، وتوماس روزيسكي، وسميتشر، وبيتر تشيك. وعليه، وقعت الجماهير في فخ “البقاء على الأطلال”، ليتجه المسؤولون عن اللعبة إلى محاولة التنقيب عن مواهب مماثلة للعودة إلى الطريق الصحيح.
الرجل المسؤول عن ذلك المشروع هو الأسطورة “بوبورسكي”، والذي يتولى الإشراف على مشروع يهدف لإقامة 14 أكاديمية حول البلاد، تخضع للإدارة المباشرة من الاتحاد، ويتم التركيز فيها على التعليم خارج الملعب كداخله، مع توفير متخصيين بالجانب النفسي لضمان سير عملية التطوير بأفضل حال.

تهدف تلك العملية برمتها إلى تجهيز اللاعبين للاحتراف خارج التشيك، والعودة بخبراتهم لدفع منتخب بلادهم. لكن الصحفي “كاريل هارينج” أخبر قناة “دويتشه فيله” أن ارتفاع الرواتب في الأندية المحلية، قلل من رغبة اللاعبين الساعين للاحتراف. وإن أضفنا إلى ذلك، التحول الواضح في وجهات اللاعبين، فلاعبو جيل 2004 تواجد أبرزهم في يوفنتوس ودورتموند وليفربول، بينما يتواجد لاعبو جيل 2020 في أندية أقل شأنًا كإشبيلية وهيرتا برلين ووست هام يونايتد وباير ليفركوزن، فإن الصورة النهائية لن تكون مبشرة.
لكن على الرغم من ذلك، كان لاعبو المدرب “ياروسلاف سيلهافي” في الموعد، بالأخص “باتريك شيك”، الموهبة التي راهن عليها التشيكيون ولم تخذلهم، ليوجهوا رسالة إلى هؤلاء الذين فقدوا الشغف بمنتخبهم، على أمل الاستمرار بإنتاج المزيد من المواهب.
التجربة الدنماركية
ومن التشيك إلى الدنمارك حيث تجربة أكثر غرابة، إذ لا يوجد مؤشرات مشابهة عن برامج تطوير الناشئين أو الاستفادة بشكل كبير من المهاجرين وأصحاب الجنسيات المزدوجة، ومع ذلك، نحن أمام مجموعة مميزة من اللاعبين، تجمعت بفضل عدة عوامل، كان الحظ أولها.
مثّل تأجيل كأس أمم أوروبا من 2020 إلى 2021 نقطة فاصلة للمنتخب الدنماركي، إذ أنهى الثنائي “إريكسن” و”سيمون كيير” موسم 20/21 بشكل أفضل، وتحسن “كريستانسن” مع وصول “توماس توخيل”. كذلك الحال للثلاثي “هويبيرج” و”مايهلي”(الظهير الأيسر) والموهوب “ميكيل دامسجارد” الذين انتقلوا إلى أندية في مستوى أعلى(توتنهام وأتالانتا وسامبدوريا، على الترتيب). وتبقى الصدفة الاهم هي انتهاء عقد المدرب “أوجه هاريدي” وإسناد المهمة للمدرب “كاسبر هيولماند”.
أما عن العامل الثاني، فكان أحد الأندية المحلية يدعى “نورشيلاند”، والذي سبق للمدرب “هيولماند” تولي قيادته الفنية، كذلك عمل به مساعده “مورتن ويجهورست”، بالإضافة إلى المدير الحالي للمنتخب “كريستيان نوركيير”. وعلى مستوى اللاعبين، مر الثنائي “أندريس كريستانسن” و”جينس ستريجير لارسين” على “نورشيلاند”، كما تخرج الثلاثي “ماثياس يانسين” و”دامسجارد” و”أندرياس سكوف أولسن” من الأكاديمية.
ثم يأتي العامل الأخير والمتمثل باستفادة المدرب “هيولماند” من طفرة البيانات والتحليل التي أحدثها نادي “ميتييلاند” الدنماركي. وفي ذلك الصدد، صرح “بيرج” المدير التنفيذي لتحليل البيانات في ميتيلاند: “لا يوجد اتصال رسمي مع مدرب المنتخب، لكنها دولة صغيرة. الكل يعرف الجميع. التقينا به قبل بضعة أشهر، وتحدثنا معه عن العمل الذي نقوم به”.
هل تقلصت الفجوة فعلاً؟
في مقاله بـ”نيويورك تايمز”، حاول “روري سميث” تلخيص التجربة الدنماركية في الكلمات التالية:
“ربما لا يكون هذا المزيج من الحظ والجهد والأفكار والظروف نوعًا من التفسير المباشر الذي تعتز به كرة القدم، وهو التفسير الذي يجعل أي نجاح وكل نجاح يبدو طبيعيًا ومنطقيًا. ما جعل الدنمارك في الدور ربع النهائي ليس شيئًا واحدًا، أو فريقًا واحدًا، بل مزيجًا منهم، التفاعل المعقد بينهما. وبهذه الطريقة لا يعود الكبرياء إلى شخص واحد أو نادٍ واحد بل للجميع”.
رغم بساطة تلك الكلمات إلا أننا نستطيع استخدامها لوصف العديد من التجارب التي تمر علينا في كرة القدم، حيث لا تستطيع الإشارة بإصبعك نحو سبب واحد أو ظرف واحد، يجب أن يتم الأمر باجتماع عدد منها. وفي المنتخبات على وجه الخصوص، لا يكون الأمر مباشرًا بقدر ما هو عليه في الأندية.
فالبطولات تقام بعد نهاية موسم شاق، تتوقع مع نهايته أن اللاعبين المتألقين سيواصلون تألقهم، لكنك تتفاجأ بالعكس أحيانًا. عدم وجود مباراة إياب، جائحة كورونا، إقامة يورو 2020 في 11 دولة، كلها عوامل ساعدت على خلق المزيد من الفوضى، والتي أنتجت لنا بالأخير بعض النتائج غير المتوقعة.
نعم، تقلصت الفجوة في نسخة 2020، لكن هل يوجد ما يضمن استمرارها بالتقلص؟ إن واصلت المنتخبات الصغيرة والمتوسطة العمل والتخطيط، فإن توزيع مواهب كرة القدم جغرافيًا قد لا يصب في مصلحتها، وسيجعلها خطط طويلة الأمد أكثر من اللازم، وهنا يأتي دور الكبار.
حيث بذل عدد لا بأس به منهم مجهودًا جبارًا للرجوع عدة خطوات إلى الخلف، فألمانيا بالغت بالإصرار على “يواكيم لوف” لدعم الاستقرار، وهولندا لم تجد مدربًا مناسبًا سوى المتواضع من حيث السيرة الذاتية “فرانك دي بور”، وعلى الجانب الآخر استمرت فرنسا والبرتغال في دعم مدربين يحاولان “تحجيم” المواهب المتاحة، عبر أفكار لا تؤهلهما لتدريب الفرق الهابطة من البريميرليج.
إن استمر هؤلاء في ما يفعلون، فإن المفاجأت ستستمر وسيناريوهات يورو 2020 ستتكرر، أما إن عادوا لعقولهم وخططوا بإتقان، فإن نظام البطولات القارية سيضمن لنا لحظات شبيهة بتلك التي عشناها مع مباراة سويسرا وفرنسا، ومهما كان الكم، فإننا نأمل استمرارها.