كتب منتخب الدنمارك نهاية مشرفة لرحلة كانت شبه مستحيلة على الورق بالنظر إلى الأمور في بدايتها، نجم الفريق يتوفى لبضع دقائق في المباراة الافتتاحية، خسارتين متتاليتين في بادئ دور المجموعات، ثم فوز عريض في المباراة الأخيرة ليقتنص المركز الثاني بمجرد 3 نقاط، ليقصي ويلز ثم التشيك وصولاً إلى نصف النهائي، ولكن أحلام إعادة سيناريو 1992 كُتبت لها النهاية ها هنا، على يد حلم الإنجليز بتحقيق لقب اليورو الأول، واللقب البارز الأول عموماً منذ مونديال 1966.
يجب أن نقر أولاً بأن إنجلترا التي رأيناها في الإقصائيات خطوة تلو الأخرى، خصوصاً في مواجهة الدنمارك، ليست نفس إنجلترا الباهتة التي سئمنا مشاهدتها في دور المجموعات. هذا المنتخب القوي المهيمن لا يمكن أن يكون الشيء ذاته الذي شاهدناه عاجزاً أمام منتخب مثل اسكتلندا، صحيح أن الأرقام قد تظهر مُجمل البطولة قوياً وصلباً، مثل أن نقول أنه لم يتلقَ أي هدف حتى أتت ركلة دامسجارد الحرة في نصف النهائي، ولكن في حقيقة الأمر هو لم يسجل سوى هدفين طوال دور المجموعات، مقابل 8 أهداف في نفس عدد المباريات بالأدوار الإقصائية.
حين تسير الأمور بشكل جيد، وخصوصاً على صعيد المنتخبات التي لا تملك الكثير من الوقت للتجمع وممارسة رفاهيات الأندية مثل فترات الإعداد، يصبح العبث والتعديل المستمر أمراً لا يحمد عقباه في أغلب الأحوال، وهو ما انتهجه جاريث ساوثجيت للتعامل مع هذه المباراة أمام خصم من المنتظر أن يخوض المباراة بمقاربة الطرف الأضعف، فاستمرت 4-2-3-1 من مباراة أوكرانيا كما هي بتعديل وحيد، وهو البدء بساكا بدلاً من سانشو.
الكثير من الأشياء تتغير في إنجلترا للأفضل شيئاً فشيئاً، ولكن الشيء الذي لم يتأثر كثيراً من البداية للنهاية هو الصلابة الدفاعية على الصعيدين الفردي والجماعي، فوجود ثنائي مثل ديكلان رايس وكالفن فيليبس أمام أي خط دفاع هو أمر يزيده قوة، فما بالك إن كان هؤلاء الأفراد هم كايل ووكر وجون ستونز وهاري ماجواير ولوك شو في أفضل حالاتهم استثماراً لكون بعضهم يعيش موسمه الأفضل على الإطلاق دون مبالغة، اختراق إنجلترا ليس عملاً سهلاً على أي خصم في مثل هذه الظروف، أياً كان اسمه.
كتب منتخب الدنمارك نهاية مشرفة لرحلة كانت شبه مستحيلة على الورق بالنظر إلى الأمور في بدايتها، نجم الفريق يتوفى لبضع دقائق في المباراة الافتتاحية، خسارتين متتاليتين في بادئ دور المجموعات، ثم فوز عريض في المباراة الأخيرة ليقتنص المركز الثاني بمجرد 3 نقاط، ليقصي ويلز ثم التشيك وصولاً إلى نصف النهائي، ولكن أحلام إعادة سيناريو 1992 كُتبت لها النهاية ها هنا، على يد حلم الإنجليز بتحقيق لقب اليورو الأول، واللقب البارز الأول عموماً منذ مونديال 1966.
يجب أن نقر أولاً بأن إنجلترا التي رأيناها في الإقصائيات خطوة تلو الأخرى، خصوصاً في مواجهة الدنمارك، ليست نفس إنجلترا الباهتة التي سئمنا مشاهدتها في دور المجموعات. هذا المنتخب القوي المهيمن لا يمكن أن يكون الشيء ذاته الذي شاهدناه عاجزاً أمام منتخب مثل اسكتلندا، صحيح أن الأرقام قد تظهر مُجمل البطولة قوياً وصلباً، مثل أن نقول أنه لم يتلقَ أي هدف حتى أتت ركلة دامسجارد الحرة في نصف النهائي، ولكن في حقيقة الأمر هو لم يسجل سوى هدفين طوال دور المجموعات، مقابل 8 أهداف في نفس عدد المباريات بالأدوار الإقصائية.
حين تسير الأمور بشكل جيد، وخصوصاً على صعيد المنتخبات التي لا تملك الكثير من الوقت للتجمع وممارسة رفاهيات الأندية مثل فترات الإعداد، يصبح العبث والتعديل المستمر أمراً لا يحمد عقباه في أغلب الأحوال، وهو ما انتهجه جاريث ساوثجيت للتعامل مع هذه المباراة أمام خصم من المنتظر أن يخوض المباراة بمقاربة الطرف الأضعف، فاستمرت 4-2-3-1 من مباراة أوكرانيا كما هي بتعديل وحيد، وهو البدء بساكا بدلاً من سانشو.
الكثير من الأشياء تتغير في إنجلترا للأفضل شيئاً فشيئاً، ولكن الشيء الذي لم يتأثر كثيراً من البداية للنهاية هو الصلابة الدفاعية على الصعيدين الفردي والجماعي، فوجود ثنائي مثل ديكلان رايس وكالفن فيليبس أمام أي خط دفاع هو أمر يزيده قوة، فما بالك إن كان هؤلاء الأفراد هم كايل ووكر وجون ستونز وهاري ماجواير ولوك شو في أفضل حالاتهم استثماراً لكون بعضهم يعيش موسمه الأفضل على الإطلاق دون مبالغة، اختراق إنجلترا ليس عملاً سهلاً على أي خصم في مثل هذه الظروف، أياً كان اسمه.

(كايل ووكر يقدم درساً في التغطية العكسية، يلحظ توقيت رجوع الكرة إلى الوراء تمهيداً لإرسال الطولية صوب دامسجارد ويبدأ تحركه باتجاهه، وبالفعل يدركه في الوقت المناسب)

هذا غيض من فيض من ما قدمه ووكر طوال المباراة، بدايةً من دوره كظهير أيمن مسبباً العديد من المتاعب لمايهلي ومن ورائه فيسترجارد بالتعاون مع ساكا، الذي نال أكثر من حقه على صعيد الإشادات بفضل تمريرته الحاسمة للأمانة، ولكنه أدى دوره في فتح الملعب وتوسيع الرقعة من الجانب الأيمن على أقل تقدير. ووكر أغلق جبهته تماماً متسبباً في تحجيم هجوم الدنمارك وجاعلاً المحاولة وراء شو المتقدم خياراً أكثر منطقية، ولكنه في أوقات فراغه كان قادراً على تنظيف ذلك أيضاً حين يتطلب الأمر، 120 دقيقة من الظهور في أي مكان بدون توقف.
ولكن ووكر عموماً لم يتغير، لم يكتسب رئة إضافية مثلاً، هذا هو كايل ووكر منذ ولادته، ما بدأ في التغير وبدأت إنجلترا بصورة واضحة في استثماره هو هاري كين، ونتحدث هنا عن هاري كين توتنهام الذي سجل أكثر من أي لاعب وصنع أكثر من أي لاعب في نفس الموسم مع “سابع البريميرليج”. مقارنةً بمتوسط 30 لمسة في المباراة خلال دور المجموعات، لمس كين الكرة 61 مرة في هذه المواجهة، ووقع تقريباً على كل بادرة خطورة أمامية للمنتخب الإنجليزي.

هذه مثلاً كانت محاولة أهدرها سترلينج أحد أهم وأفضل لاعبي إنجلترا بعيبه الأزلي، إنهاء رديء آخر كالعادة، بعد دقيقتين يتواجد كين في موقع مشابه ولكنه يتخذ قرار التسديد وينتهي بصورة سيئة، في نسق تكرر طوال المباراة وصولاً إلى لقطة الهدف، فكما أسلفنا كين لا يملك هذا النوع من الكبرياء، يعلم أن جودته يمكن استثمارها بصور أكثر وضوحاً، فعوضاً عن انتظار الكرة في الصندوق ومحاولة مجرد سرقة المدافع حين تصله، في نهاية المطاف تجد متوسط تمركز ماونت وسترلينج يتقدمه وساكا يساويه تقريباً.

إسهامات تجلت بوضوح كبير للغاية في هدف إنجلترا الأول، فكونه هدف عكسي لا ينتقص من هؤلاء: هاري كين باستلام رائع وتصرف سريع للغاية للتجاوب مع اختراق ممتاز من ساكا سرق خلاله يسار الدنمارك بأكمله، وصولاً إلى سترلينج الخالي تماماً أمام المرمى بتمريرة قاتلة عجل كاير بدخولها إلى الشباك. كل ذلك تم في لمح البصر، ولم يكن أبداً من قبيل المصادفة، فهي عملية إنجلترا المحفوظة جيداً حين يميل اللعب إلى جانب اليمين ليتحول سترلينج إلى مهاجم حر بالتحرك الصحيح على مختلف طرق التنفيذ، سواء التزم ساكا (أو الجناح الأيمن عموماً) معانقة الخط أو اخترق فجأة صوب العمق.

إن نحينا ليونيل ميسي جانباً كالعادة حين نحاول وضع شيء جيد في إطاره، وبإشاحة النظر عن كريم بنزيما وما يقدمه بامتياز مع ريال مدريد منذ رحيل كريستيانو رونالدو، هل يوجد مهاجم يقوم بكل هذه الأدوار وبهذه الجودة والكفاءة مثل هاري كين في الوقت الحالي؟ هذا هو كين الذي أشرف على غالبية عمليات إنجلترا الهجومية بنسخة متوحشة، وقدم 3 تمريرات مفتاحية، صدد لا يفوقه به سوى ماونت اعتماداً على الركلات الثابتة، والتي كادت تثمر بواحدة من رأسيات ماجواير الكاسحة في الهواء (9 انتصارات هوائية من أصل 12 صراعاً)، نفس الركلات الثابتة وتحديداً الركنيات، التي ارتأى روي هودسون في نسخة اليورو السابقة أن كين هو الرجل المناسب لتنفيذها!
كما أسلفنا، صحيح أن امتلاك ثنائية وسط مثل رايس وفيليبس هو حلم لأي دفاع، حتى وإن كان على حساب انعدام الإبداع تماماً من جانب رايس، فهنا من المفترض أن يبرز فيليبس بانطلاقاته الكاسرة للخطوط وصلابته وكل مخزون الجودة الذي سبق وتحدثنا عنه عقب مباراة كرواتيا الأولى، ولكن هذا لم يحدث، كونه كان يواجه مشكلة أكبر هذه المرة.. تُدعى بيير ايميل هويبيرغ بالمناسبة.

فيليبس الذي لا يفقد الاستحواذ بسهولة، والذي يعرف جيداً كيف يتخلص من الضغط، فوجئ بهذه الكاسحة وراء ظهره ولم يملك الوقت الكافي أبداً للتعامل معها. حين لم يجد نفسه مضطراً للتورط في ثنائيات خالصة مع هويبيرغ، وجد نفسه مقيداً بواجبات دفاعية أمام ضغط الدنمارك المرتفع خصوصاً بعد هدف التعادل، فهو لم يكن مزعجاً فقط في الضغط بل في استرجاع الكرة بصورة عامة، فهو ثاني أكثر اللاعبين نجاحاً في التدخلات (7) بعد مايهلي (8) الذي لم تشفع له تدخلاته في النجاة من تصدر بعض اللقطات الأسوأ، وهو أيضاً ثالث أكثر اللاعبين اعتراضاً للكرة، من المؤسف لمنتخب الدنمارك أن الجميع لم يكُن على نفس النسق والمستوى، فهو أحد صناع الفارق البارزين في أدوار قاطع الكرات.
أولى تحركات ساوثجيت أتت بسحب ساكا وتسليم دفة صناعة اللعب إلى جاك جريليش في ظل انخفاض مردود ماونت بعض الشيء على هذا الصعيد من اللعب المفتوح، وكان هذا من أسوأ ما وجب على الدنمارك مواجهته، ولكن كاسبر شمايكل كان حاضراً وبقوة.. بالمناسبة، بعض الصحف الإنجليزية أو القنوات الإنجليزية أو الجماهير الإنجليزية قد تحدثكم اليوم عن نجاح منتخبها في تهذيب شمايكل بعد تصريحه البذيء عن عدم تتويج إنجلترا بلقب اليورو من قبل، صحيح أنه قام بـ9 تصديات بينها ركلة جزاء، ولم يسجلوا في مرماه سوى من هدف عكسي ومتابعة لركلة الجزاء السالف ذكرها في المرمى الخالي، ولكنهم بالتأكيد قاموا بتهذيبه، تعرفون الإعلام الإنجليزي جيداً على كل حال.
إنجلترا حكمت الأشواط الإضافية تماماً بعد أن هدأت وتيرة الدنمارك إجبارياً، ففي خلال هذه الأوقات لم تملك الدنمارك سوى محاولة يتيمة في الدقيقة 115 بعد سقوط الفأس والرأس واضطرارها لمحاولة التعويض بالأنفاس الأخيرة، إزاء قيام إنجلترا بتنشيط خط وسطها بعنصرين مثل فودين وهندرسون، وكأن الخصم المنهك بالفعل كان بحاجة للمزيد من المشاكل على طاولته، ولكن تحرك ساوثجيت الأبرع أتى بعد الهدف الثاني، بنزول تريبيير بدلاً من جريليش والتحول إلى ثلاثي دفاع بسحب ووكر لمجاورة ماجواير وستونز، صاحب الرئات الثلاث كان مزعجاً بما فيه الكفاية كظهير، فما بالك في العمق؟
والآن إلى خارج الملعب.. من فاته مونديال 1966 –جميعنا بطبيعة الحال- يمكنه مشاهدة إعادة أقل فجاجة كوننا في زمن الإنترنت. لا يوجد اتهام صريح، مثل مباراة الأرجنتين في ربع النهائي والهدف الشبح الشهير في النهائي أمام ألمانيا، ولكن في الحقيقة، هناك بعض علامات الاستفهام التي لا يمكن تجاهلها.
يطالب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بـ”إحضارها إلى الديار”، كأي مسؤول طموح يحلم برؤية منتخب بلاده يحقق إنجازاً كبيراً، لا أحد يمكنه لومه على ذلك أبداً حتى وإن شاب الأمر بعض الترويج السياسي، فالكل يفعل ذلك. ألم يحاول ماكرون تصدر المشهد حين فاز منتخب فرنسا بمونديال 2018؟ ألم تنَل رئيسة كرواتيا شعبية جارفة بوصافة المونديال ذاته؟
الكل يفعل ذلك، ولكن ما لم يفعله الجميع هو التصدي لمشروع دوري السوبر الأوروبي، دعونا لا نخدع أنفسنا، فلا أعتقد بوجود من يصدق أن المشروع تلقى هذه الضربة الموجعة بانسحاب نصف أنديته دفعة واحدة، لأن 40 مشجعاً تظاهروا أمام أبواب هذه الأندية. صدقاً، جماهير آرسنال مثلاً قد اختبرت كافة أشكال الاحتجاج، هل تزحزح ستان كرونكي خطوة واحدة؟ هل تراجعت هذه الأندية خوفاً من رابطة البريميرليج؟ هل تجرؤ رابطة البريميرليج على طرد ثنائي مانشستر وثلاثي لندن الأبرز ومعهم ليفربول؟ أي دوري سيبقى لهم؟
هذه الأندية لم تخف من تهديدات يويفا أيضاً حتى نغلق كل أبواب الخداع الذاتي المحتملة، والدليل أن ريال مدريد وبرشلونة ويوفنتوس لم يخشوه حتى الآن وهم وحدهم في وجه المدفع، ولكن ببساطة يويفا يعرف جيداً، كما يعرف الكل ضمنياً، أنه مدين لحكومة إنجلترا بطريقة أو بأخرى بإنقاذ رأسه في هذه الموقعة، لأنه وبكل بساطة، إن غادرت هذه الأندية بحجمها التسويقي والجماهيري الذي لا يخفى على أحد وقامت بتأسيس مسابقة موازية، ما الذي سيتبقى أمام الكيان الأوروبي الحاكم ليبيعه؟!
بطبيعة الحال هذه مجرد صدفة، فبالتأكيد حصول إنجلترا على طريق ممهد صوب النهائي باستثناء مواجهة ألمانيا في دور الـ16 هو أمر لا يمكن التحكم به 100%، قد لا يتصدر مجموعته أصلاً وبالتالي ربما كان ليجد نفسه في طريق النيران الآخر، ولكن إقامة نصف النهائي والنهائي على ملعبه وأيضاً مواجهة ألمانيا على نفس الملعب في ظل انتشار مقلق لواحدة من أسوأ سلالات كورونا، وتمسك يويفا ببقاء الوضع على حاله رغم الاعتراض العلني من حكومتي إيطاليا وألمانيا، والتمتع بحضور جماهيري كامل في ظل اقتصار الخصوم على الجاليات وقلة من الناجين من قيود السفر المفروضة بسبب نفس الكورونا، وأخيراً –وقد لا يكون آخراً- ركلة جزاء محل شك كبير في أفضل التقديرات بدون حتى أن يعود الحكم لمشاهدتها عبر تقنية الفيديو في توقيت معقد بنصف النهائي، في مباراة تعرف جيداً إن وصلت لركلات الترجيح من ستراهن عليه بأعين مغمضة بين بيكفورد وشمايكل.. يبدو أنها عائدة للديار حقاً، أياً كان الثمن.