إنها تقترب، ستعود إلى الديار يوماً ما، هكذا أصبح الإنجليز يحلمون باليورو، البطولة التي لم يفز بها أبداً بلاد مهد كرة القدم، حتى أنهم لم يصلوا إلى النهائي على مر تاريخهم حتى الآن، في مفاجأة قد تصدم الكثيرين لكنها الحقيقة فعلاً، لأن أفضل مركز وصلوا له كان المربع الذهبي، مما يجعل الأحلام مضاعفة هذه المرة، مع قوة المنتخب ونجومية الأفراد، رفقة صلابة الدفاع وسهولة المسار والمشوار، لذلك من حقهم للمرة الأولى أن يقولوا كلمتهم الشهيرة، It’s coming home.
قل ما شئت عن ساوثجيت، متحفظ، جبان، غير هجومي، متردد، لن أختلف معك لأنها تبقى آراء في النهاية، لكن هذا الرجل واقعي بنسبة 100 %، ويدرس كل مباراة على حدة، ولديه فريق مميز من “السكاوت” والكشافين، والدليل أن المنتخب الإنجليزي لعب بأكثر من خطة طوال البطولة، حسب قدرات لاعبيه وظروف الخصم وإمكانات نجومه. يدافع أمام من يهاجم بضراوة، ويهاجم ضد من يركن الباص، ويتحفظ تجاه التوازن، وهكذا.
سنعطي مثال سريع، ضد ألمانيا، الفريق الذي يهاجم بضراوة من مناطق الأطراف، ويقوم بـ “تطيير الباكات” كما يقولون، مع اللعب برسم قريب من 3-4-2-1، قرر ساوثجيت اللعب بتكتيك مشابه، خطة 3-4-3، مع ماجواير، والكر، وستونز بالخلف، وعلى الأطراف كل من تريبير ولوك شاو، وفي العمق رايس وفيليبس، أي أن هناك 7 لاعبين تقريباً يدافعون مع حارس المرمى، كل هذا لماذا؟ حتى يغلق تماماً الأطراف أمام الثنائي كيميتش وجوسينز، وفي نفس الوقت يلعب بساكا وستيرلينج في الأمام، لأنهم أصحاب سرعات واضحة رفقة ثنائي قوي بدنياً في العمق، لتقليل انطلاقات جوريتسكا من الوسط إلى قلب منطقة الجزاء بالتبادل مع مولر.
صحيح أن الخطة لم تنجح بنسبة 100 % وكانت لألمانيا فرص للتسجيل مثل إنجلترا، والفارق فقط أن سيترلينج سجل ومولر أضاع، لكن أيضاً على الأقل عرف ساوثجيت كيف يقلل من طموح الألمان ويضعف شراستهم الهجومية، وهذا شيء يحسب له تماماً.
إنها تقترب، ستعود إلى الديار يوماً ما، هكذا أصبح الإنجليز يحلمون باليورو، البطولة التي لم يفز بها أبداً بلاد مهد كرة القدم، حتى أنهم لم يصلوا إلى النهائي على مر تاريخهم حتى الآن، في مفاجأة قد تصدم الكثيرين لكنها الحقيقة فعلاً، لأن أفضل مركز وصلوا له كان المربع الذهبي، مما يجعل الأحلام مضاعفة هذه المرة، مع قوة المنتخب ونجومية الأفراد، رفقة صلابة الدفاع وسهولة المسار والمشوار، لذلك من حقهم للمرة الأولى أن يقولوا كلمتهم الشهيرة، It’s coming home.
– البراجماتية اسمها ساوثجيت
قل ما شئت عن ساوثجيت، متحفظ، جبان، غير هجومي، متردد، لن أختلف معك لأنها تبقى آراء في النهاية، لكن هذا الرجل واقعي بنسبة 100 %، ويدرس كل مباراة على حدة، ولديه فريق مميز من “السكاوت” والكشافين، والدليل أن المنتخب الإنجليزي لعب بأكثر من خطة طوال البطولة، حسب قدرات لاعبيه وظروف الخصم وإمكانات نجومه. يدافع أمام من يهاجم بضراوة، ويهاجم ضد من يركن الباص، ويتحفظ تجاه التوازن، وهكذا.
سنعطي مثال سريع، ضد ألمانيا، الفريق الذي يهاجم بضراوة من مناطق الأطراف، ويقوم بـ “تطيير الباكات” كما يقولون، مع اللعب برسم قريب من 3-4-2-1، قرر ساوثجيت اللعب بتكتيك مشابه، خطة 3-4-3، مع ماجواير، والكر، وستونز بالخلف، وعلى الأطراف كل من تريبير ولوك شاو، وفي العمق رايس وفيليبس، أي أن هناك 7 لاعبين تقريباً يدافعون مع حارس المرمى، كل هذا لماذا؟ حتى يغلق تماماً الأطراف أمام الثنائي كيميتش وجوسينز، وفي نفس الوقت يلعب بساكا وستيرلينج في الأمام، لأنهم أصحاب سرعات واضحة رفقة ثنائي قوي بدنياً في العمق، لتقليل انطلاقات جوريتسكا من الوسط إلى قلب منطقة الجزاء بالتبادل مع مولر.
صحيح أن الخطة لم تنجح بنسبة 100 % وكانت لألمانيا فرص للتسجيل مثل إنجلترا، والفارق فقط أن سيترلينج سجل ومولر أضاع، لكن أيضاً على الأقل عرف ساوثجيت كيف يقلل من طموح الألمان ويضعف شراستهم الهجومية، وهذا شيء يحسب له تماماً.
نعود إلى مباراة ربع النهائي أمام أوكرانيا، نسف المدرب خطة 3-4-3 تماماً لأنه يدرك جيداً بأن الأوكران سيدافعون ولن يغامرون أبداً مثل الألمان، لذلك تحول إلى 4-2-3-1 الكلاسيكية، والكر، ستونز، ماجواير وشاو بالخلف، فيليبس ورايس بالعمق، خلف الثلاثي رحيم، ماونت، وسانشو، وبالمقدمة كين.

أما شيفتشينكو فلعب برسم 3-5-2 مع تحفظ مبالغ فيه لأقصى درجة، مع ماتفيينكو، كريفتسوف، زبارني بالخلف، وفي الوسط زينشينكو، ميكولينكو، سيدروتشوك، شابارينكو، وكارافايف، وبالمقدمة يارمالينكو وياريمتشوك.

– خط رحيم كين
هناك تفاهم واضح بين رحيم ستيرلينج وهاري كين، هذا أمر لا يتعلق بالشعور فقط ولكنها حقيقة تدعمها إحصائيات “أوبتا” التي تقول : “صنع رحيم ٦ أهداف لزميله هاري كين، وهذا أكبر عدد أهداف يصنعه لاعب إنجليزي لزميله في آخر 20 سنة تقريباً”. وضد الدفاع المتكتل لعب منتخب أوكرانيا بخطين من المدافعين في مساحة ضيقة للغاية، كان لزاماً أن يكون الاختراق عن طريق أمرين لا ثالث لهما:
-أولاً: الجرأة في الاختراق ومحاولة لعب التمريرات الكاسرة للخطوط من الطرف إلى العمق، والعكس.
-ثانياً: البعد عن العمق المزدحم بالسيقان والمدافعين، ومحاولة اللعب من الأطراف باستغلال الأجنحة وتقدم الظهيرين.

وفي لقطة الهدف الأول، نجح الإنجليز بالجمع بين الأمرين، لأن رحيم ستيرلينج استلم الكرة واخترق دون خوف، وفي نفس الوقت فتح الثنائي والكر وشاو الطرفين، مع دخول سانشو إلى منطقة الجزاء كمهاجم إضافي بجوار هاري كين، مما جعل هناك أكثر من خيار تمرير أمام حامل الكرة، لكن ستيرلينج اختار الخيار الأصعب والأكثر قيمة، إنه كين داخل منطقة الجزاء، ليلعب تمريرة كاسرة للخطوط ويحولها رأس الحربة داخل الشباك، معلناً عن أول أهداف المباراة.
– رب ضارة نافعة
بدأت إنجلترا المباراة بشكل أفضل، ليس فقط على مستوى السيطرة والاستحواذ ولكن أيضاً من خلال الحدة والتسجيل المبكر، خاصة مع مبالغة أندريه شيفتشينكو في الدفاع الشديد، لذلك لم تدخل أوكرانيا المباراة إلا بعد نصف ساعة، بسبب تغيير اضطراري وإصابة كانت نافعة لا ضارة، بعد أن أصيب سيرهي كريفتسوف ليدخل مكانه فيكتور تسيهانكوف. هنا ترك مدرب أوكرانيا رسم 5-3-2 ليتحول إلى ما يشبه 4-3-3 بتواجد رباعي دفاعي صريح، وإعطاء الحرية الكاملة لزينشينكو وشابارينكو رفقة الارتكاز، واللعب بالثلاثي تسيهانكوف، يارميلينكو، وياريمتشوك بالهجوم.
هنا سيطر الأوكران على آخر 10 دقائق في الشوط الأول وكانوا الطرف الأفضل تماماً، سواء على مستوى اللعب أو الفرص، لكنهم افتقدوا إلى اللمسة الأخيرة، وهذا ما تؤكده الإحصائيات أيضاً، لأن أوكرانيا استحوذت أكثر في آخر ربع ساعة من أول شوط، وسددت على مرمى الإنجليز كرتين، لكنهم لم يوفقوا في التسجيل وإدراك التعادل.
– اللعب من الأطراف
يلعب الإنجليز كثيراً من الأطراف، لدرجة أنهم لا يهاجمون تقريباً من العمق. يميل ماونت باستمرار إلى اليمين في أنصاف المسافات، ويدخل ستيرلينج في العمق قليلاً حتى يفتح الطريق أمام تقدم لوك شاو، بينما يميل والكر إلى الدفاع بجوار ماجواير وستونز، حتى يحصل سانشو على دور الجناح الأيمن بالأطراف، مما يجعل هناك سلسلة تمريرات أشبه بحرف الـ U، أي أن إنجلترا تستحوذ وتسيطر وتمرر من الطرف الأيمن إلى الطرف الأيسر والعكس، وتستخدم في سبيل ذلك معظم لاعبيها الذين يفضلون الابتعاد عن العمق.

من اليمين هناك والكر في أنصاف المسافات للتغطية وسانشو على الطرف كجناح، ومن اليسار يصبح ستيرلينج جناح داخلي ولوك شاو ظهير حر، وفي نفس الوقت هناك حرية كاملة لماسون ماونت في التحرك تجاه الطرفين، مع ثبات فيليبس ورايس بالارتكاز، أحدهما كوسط ثابت والآخر يسند بجواره وأمام الدفاع مباشرة.

أمام أوكرانيا، هاجمت إنجلترا من اليمين بنسبة 38 % ومن اليسار بنسبة 45 % ومن العمق بنسبة 17 % فقط، لذلك فإن الفريق فشل في اختراق الدفاع الأوكراني في معظم المناسبات بالشوط الأول، بسبب ابتعاد لاعبي الوسط عن المهاجمين، وعدم وجود أي لاعب بجوار كين -باستثناء لقطة الهدف الأول- لذلك كان الحل عن طريق السلاح الفتاك!
– الكرات الثابتة
سجلت إنجلترا رقماً قياسياً في تسجيل أكبر عدد من الأهداف في نهائيات كأس العالم منذ عام 1966. فخلال كأس العالم 2018، سجلت إنجلترا 9 أهداف من كرات ثابتة، قبل مباراة تحديد المركز الثالث ضد بلجيكا، مما جعلهم يكسرون الرقم القياسي الذي سجله المنتخب الإنجليزي نفسه، وهو 8 مرات عام 1966.
وفي بطولة يورو 2020، لم تقدر إنجلترا بعد التقدم أن تفك طلاسم الدفاعات الأوكرانية، بل كانت المباراة تتجه نحو التوازن بعد تبديل شيفا وتعديل خطته إلى 4-3-3، لكن كل شيء انتهى عملياً بعد الهدف الثاني الذي جاء في الدقيقة 46، عن طريق كرة ثابتة نفذها لوك شاو بنجاح ووضعها هاري ماجواير في المرمى، وكأنه هدف صنع في مانشستر يونايتد.

الكرات الثابتة حل سحري في البطولات المجمعة، خاصة مع تقارب المستويات وميل معظم المنافسين إلى الدفاع، لذلك فإن إنجلترا تملك سلاحين فتاكين وهما:
– التعامل الممتاز مع الركنيات والكرات الثابتة، كما حدث في الهدف الثاني لماجواير، ثم الهدف الرابع من هندرسون بفضل رأسية متقنة تلت تنفيذ الضربة الركنية مباشرة.

– وثانياً الدفاع المنظم القوي بسبب تحفظ مدربهم وواقعيته، من خلال لعبه بخطة 5-3-2 في بعض المباريات، وحتى عندما تحول إلى 4-2-3-1 فإنه حافظ باستمرار على تواجد ثلاثي صريح أمام مرماه، بعودة والكر بجوار ماجواير وستونز، واقتراب رايس منهم باستمرار.
ونتيجة لذلك، خلال 5 مباريات حتى الآن في اليورو، لم تستقبل شباك المنتخب الإنجليزي أي هدف، لا تزال الشباك عذراء حتى الدور نصف النهائي.
– إيجابيات عديدة
بالتأكيد أوكرانيا لا يعتبر خصماً صعباً، وبالطبع فإن مواجهة الدنمارك ستكون أصعب كثيراً على الإنجليز، لكن مع قوة الدفاع وبراعة الكرات الثابتة، فإن المنتخب الحالي يتفوق كثيراً بسبب أظهرته المتنوعة، خاصة والكر الذي يدافع بثبات، ولوك شاو الأقرب إلى دور الجناح الذكي هجومياً، فلاعب مانشستر يونايتد أعاد اكتشاف نفسه في الفترة الماضية، ليكون أكثر إيجابية على المرمى، ويصنع عديد الأهداف لمنتخب بلاده. لوك شاو استلم كرات عديدة في نصف ملعب الأوكران، مما سهل من مهمة فريقه كثيراً، وهذا أيضاً ما فعله ضد ألمانيا في دور الـ16، لتصبح إنجلترا لديها قوة فعالية أسفل الأطراف.

أمر آخر إيجابي يتعلق بإشراك أكثر من عنصر بديل في الدقائق الأخيرة، سواء راشفورد أو تريبير أو كالفيريت لوين أو بيلينجهام، مع الحفاظ على الرسم الخططي الأقرب إلى 4-2-3-1، لكن ربما ضد الدنمارك في نصف النهائي، يفاجئنا ساوثجيت بخطة أخرى تتناسب مع القوة البدنية والتكتيكية الكبيرة للخصم الدنماركي، لذلك علينا الانتظار لأن نصف النهائي في الأغلب لن يكون سهلاً، والطريق إلى النهائي لن يكون مفروشاً بالورود.