صنع إشبيلية حالة خاصة جداً خلال سنوات الألفية الثالثة، خاصة مع حصول الفريق على بطولات الدوري الأوروبي، مع خواندي راموس والجيل التاريخي الذي لا يتكرر بسهولة، رفقة داني ألفيش، أدريانو كوريا، لويس فابيانو وآخرين، حينما فاز الأندلسيون بالبطولة عامي 2006 و2007، بالإضافة إلى كأس السوبر الأوروبي، ثم الصحوة المتأخرة رفقة أوناي إيمري، بتحقيق نفس البطولة 3 مرات متتالية، أعوام 2014، 2015، و2016، وبعد ذلك انخفض مردود الفريق كثيراً، وقل ظهوره في المحامل القارية، وحتى خفت بريقه محلياً بوضوح، ليبتعد عن المراكز المؤهلة إلى الشامبيونزليح عامي 2018 و2019، حتى عاد كل شيء إلى طبيعته مؤخراً، بالتفوق الأوروبي في البطولة المفضلة، والحصول على المركز الرابع بالليجا، قبل أن يتعملق الفريق في السوبر ويخسر بصعوبة أمام بايرن ميونخ، ليثبت هذا الفريق أنه عائد بقوة من جديد في 2020.
يتحدث الجميع عن رئيس النادي، المدرب، اللاعبين بالتأكيد، لكن ماذا عن المدير الرياضي؟ رأس الحربة في أي مشروع ناجح بالسنوات الأخيرة، فإشبيلية على سبيل المثال انخفض مردوده كثيراً في الفترة ما بين 2017 حتى 2019، فقط لأن مديره الرياضي رحل إلى روما، قبل أن يعود من جديد بعد عامين، ويعيد اكتشاف المشروع بالكامل، مع دماء جديدة وأسماء مختلفة ونجاحات واضحة. عندما تحاول إيجاد أسباب تفوق إشبيلية، عليك أولاً البحث عن رامون رودريجيز فيرديجو.
رامون رودريجز فيرديجو، أو “مونشي” كما يعرفه الجميع بهذا اللقب، إنه الرجل الذي صنع مجد إشبيلية الحديث، وأحد أهم مهندسي التعاقدات والصفقات في العالم، لينجح في وضع فريقه على الواجهة الرياضية، بعد صعوده من قاع الدرجة الثانية إلى مصاف الكبار خلال سنوات قليلة منذ بداية الألفية الجديدة، ثم فوزه بعدد كبير من البطولات القارية والمحلية في فترة زمنية قصيرة.
تحدثت قديماً في “فلاش باك” سريع نحو سنة الألفين، وقتها إشبيلية إلى دوري الدرجة الثانية أو السيجوندا، وواجه النادي مشاكل صعبة
صنع إشبيلية حالة خاصة جداً خلال سنوات الألفية الثالثة، خاصة مع حصول الفريق على بطولات الدوري الأوروبي، مع خواندي راموس والجيل التاريخي الذي لا يتكرر بسهولة، رفقة داني ألفيش، أدريانو كوريا، لويس فابيانو وآخرين، حينما فاز الأندلسيون بالبطولة عامي 2006 و2007، بالإضافة إلى كأس السوبر الأوروبي، ثم الصحوة المتأخرة رفقة أوناي إيمري، بتحقيق نفس البطولة 3 مرات متتالية، أعوام 2014، 2015، و2016، وبعد ذلك انخفض مردود الفريق كثيراً، وقل ظهوره في المحامل القارية، وحتى خفت بريقه محلياً بوضوح، ليبتعد عن المراكز المؤهلة إلى الشامبيونزليح عامي 2018 و2019، حتى عاد كل شيء إلى طبيعته مؤخراً، بالتفوق الأوروبي في البطولة المفضلة، والحصول على المركز الرابع بالليجا، قبل أن يتعملق الفريق في السوبر ويخسر بصعوبة أمام بايرن ميونخ، ليثبت هذا الفريق أنه عائد بقوة من جديد في 2020.
البحث عن مونشي
يتحدث الجميع عن رئيس النادي، المدرب، اللاعبين بالتأكيد، لكن ماذا عن المدير الرياضي؟ رأس الحربة في أي مشروع ناجح بالسنوات الأخيرة، فإشبيلية على سبيل المثال انخفض مردوده كثيراً في الفترة ما بين 2017 حتى 2019، فقط لأن مديره الرياضي رحل إلى روما، قبل أن يعود من جديد بعد عامين، ويعيد اكتشاف المشروع بالكامل، مع دماء جديدة وأسماء مختلفة ونجاحات واضحة. عندما تحاول إيجاد أسباب تفوق إشبيلية، عليك أولاً البحث عن رامون رودريجيز فيرديجو.

رامون رودريجز فيرديجو، أو “مونشي” كما يعرفه الجميع بهذا اللقب، إنه الرجل الذي صنع مجد إشبيلية الحديث، وأحد أهم مهندسي التعاقدات والصفقات في العالم، لينجح في وضع فريقه على الواجهة الرياضية، بعد صعوده من قاع الدرجة الثانية إلى مصاف الكبار خلال سنوات قليلة منذ بداية الألفية الجديدة، ثم فوزه بعدد كبير من البطولات القارية والمحلية في فترة زمنية قصيرة.
تحدثت قديماً في “فلاش باك” سريع نحو سنة الألفين، وقتها إشبيلية إلى دوري الدرجة الثانية أو السيجوندا، وواجه النادي مشاكل صعبة
في الشقين الفني والاقتصادي، لدرجة توقع البعض انتهاء هذا النادي ومحوه تماماً من سجلات الكرة في إسبانيا، لكن كل شيء تغير بعد تعيين هذا المدير الرياضي المغمور، رجل يبلغ من العمر 32 سنة فقط، نجح في تحويل التراب إلى ذهب حرفياً وعملياً.
جاء مونشي ليعمل مع الرئيس القديم روبرتو أليس، وكانت مهمته الأساسية وفق تصريحاته القديمة لشبكة “أخبار الليجا”، متابعة الأسماء غير المعروفة في الأندية الإسبانية وذلك من أجل الحصول على خدماتها قبل أعين الفرق الكبيرة، مع الإهتمام بقطاع الناشئين وإعادة هيكلته حتى يحصل الفريق الأول على مواهب شابة بأقل تكلفة ممكنة، مما عاد بالإيجاب على المدربين والخبراء الإشبيليين.
بعد عدة سنوات، نجح إشبيلية في التواصل مع نحو 300 لاعباً من داخل أوروبا وخارجها، وبدأ النادي يتعاقد مع خيرة المواهب في أمريكا اللاتينية، بأسعار زهيدة جداً دون ضجيج أو اهتمام إعلامي. هكذا فعل على سبيل المثال مع داني ألفيش، الذي تألق مع فريق باهيا قبل الانتقال إلى إسبانيا وصناعة تاريخ لا ينسى.
سر الخلطة
يتحدث أشهر صناع الطبخ حول العالم عن منتجاتهم بشيء من الفخر، مع عبارة سر الخلطة وطريقة الحبكة، وهذا حقهم بالتأكيد، حيث أن كل شخص طريقته الخاصة ومساره المختلف، الذي حقق من خلاله الإنجاز الفريد من نوعه بالنسبة له. هكذا الحال أيضاً في كرة القدم لأن مونشي له طريقة عمل مختلفة بالمرة، ليس بالضرورة أن تنجح مع الفرق الكبيرة التي تسعى للبطولات ولديها زحم إعلامي وجماهيري مخيف، لكنها مناسبة للغاية مع أمثال إشبيلية، الذين يعملون في صمت، ليس لديهم موارد مالية مرتفعة، وفي نفس الوقت يعرفون من أين يأتي التفوق، سواء في الليجا أو المسابقات الأوروبية.

مونشي على سبيل المثال لم ينجح في روما، وهرب سريعاً من الكالتشيو بعد عامين فقط، لاختلافه المحوري مع ملاك النادي العاصمي، بالإضافة إلى طبيعة الفريق وجمهوره، من خلال الضغط المستمر والرغبة في الفوز وملاحقة يوفنتوس، مع صعوبة الحفاظ على نفس المردود في البطولات القارية، والأهم من كل ذلك السرعة والإنجاز وعدم الصبر، رغم أن روما على سبيل المثال لم تبن في يوم واحد كما يقول التاريخ، لذلك فإن الإسباني لم يتحمل ما يحدث معه وعاد سريعاً إلى بيته ووطنه، فإشبيلية بالنسبة له مثل البحر الذي يحتضن كل أنواع السمك، مع اختلاف فصائلها وأنواعها.
يقول مونشي: “النجاح ليس في بيع اللاعبين وتسويقهم، ولكن في كيفية الحصول على النتائج بهذا العائد، لذلك الشراء أيضاً جزء لا يتجزأ من عمل أي مشروع رياضي قائم على أسس ثابتة”. دول مثل كازاخستان، التشيك، مع أندية قارة أفريقيا، وفرق الوسط في أمريكا الجنوبية، من الممكن بسهولة متابعة لاعبيهم بعد انتشار شبكات الإتصالات والإنترنت، وذلك عن طريق فتح قنوات إتصال مستمرة مع وكلاء هذه المناطق، ومحاولة عقد شراكات توأمة مع هذه الجهات دون تعطيل أو قيود.
يعترف المدير الرياضي لإشبيلية بأن منافسة برشلونة وريال مدريد أمر أقرب إلى الخيال، بالنسبة لضخامة موارد هذا الثنائي مقارنة بالآخرين، كذلك الحال بالنسبة لمنافسة الأندية الإنجليزية في سوق الانتقالات، وحتى فرق الدوري الألماني، بسبب الناحية المادية القوية لهذه المؤسسات، لكن النادي الأندلسي يعرف كيفية تعويض نجومه، ولديه عين خبيرة في اصطياد المواهب الشابة قبل غيره، بالإضافة إلى تحقيق الربح من عمليات بيع وشراء اللاعبين على حد سواء.
على سبيل المثال، رحل إيفان راكيتتش إلى برشلونة في صيف 2014، حاول الفريق تعويضه بأكثر من اسم حتى ضم إيفر بانيجا، الذي نجح في تعويض غياب الكرواتي فيما بعد، وقدم مستويات مثالية في منطقة الوسط الثالث، ليصبح أحد أبرز نجوم بطولة الدوري الأوروبي في موسمها الماضي، قبل انتقاله إلى الدوري السعودي للمحترفين، وتعويضه براكيتتش أيضاً، اللاعب الذي رحل سابقاً مقابل نحو 20 مليون يورو، ليعود مجاناً في 2020 إلى فريقه السابق.
يتجه برشلونة إلى نجوم الفرق الأوروبية، يستثمر الريال في البريمرليج والبرازيل، فرق إنجلترا وألمانيا تنافس بقوة في الميركاتو، كل هذا أجبر مونشي على الذهاب نحو فرنسا، من أكل اكتشاف مناجم الذهب في الليج1.
الدجاجة التي تبيض ذهباً
“تكتيكياً وبدنياً، لاعبو الدوري الفرنسي من الأبرز في سوق الانتقالات، ويتكيفون بسهولة في اي بطولة، مع ميزانية شراء متاحة وليست مستحيلة. لذلك حينما جاء كوريشياك من ريمس إلى إسبانيا، تأقلم بكل سهولة مع إشبيلية”، هكذا يصف مونشي في وقت سابق طريقته في التعاون مع أندية الدوري الفرنسي، حيث تتواجد المهارة والقوة البدنية، مع السعر المخفض مالياً واقتصادياً.

لاعب الدوري الفرنسي هو الأكمل من حيث مستواه مقارنة بسعره، بالإضافة إلى مهارته في الناحية الفنية وقوته في التحمل. في اشبيلية، هناك نحو 16 كشافاً يعملون مع الفريق في فرنسا، وعندما يتألق أي اسم من هذا البلد، يتم إرسال رجال الجهاز الفني والتقني إلى هناك، لمتابعته على الطبيعة وإرسال تقارير خططية مفصلة عنه، وعن مركزه، طريقة لعبه، شخصيته، سنه، وبالطبع قيمته السوقية.
يسافر مونشي في الموسم الواحد لفرنسا 20 مرة، من أجل متابعة أفضل الاسماء عن قرب، هناك ما لا يقل عن 80 لاعب هناك يصلحون للتألق في أي مكان آخر كالليجا الإسبانية”، وعندما باع النادي كيفين جاميرو إلى أتليتكو مدريد، عوضه أيضاً بلاعب من الدوري الفرنسي هو وسام بن يدر. حدث ذلك في يوليو 2016.
مونشي في أعين الصحافة العالمية
الرجل الذي صنع إشبيلية”، بهذه الكلمات وصفت شبكة “إسبن” وكاتبها “جراهام هانتر”” مونشي في وقت سابق على سبيل المثال. لولا المدير الرياضي لما عرف العالم هذا الفريق خلال السنوات الأخيرة، حيث أن نموذج إشبيلية بات الأنجح في الكرة الأوروبية والإسبانية فيما يخص الفرق والأندية المتوسطة، أو التي تأتي بعد أباطرة وكبار القارة العجوز، بشكل أكبر من دورتموند وأتليتكو مدريد وأسماء اخرى، لأن النادي الأندلسي حقق بطولات عديدة ولديه نسق استمراري واضح، من خلال فترة 2006 وما بعدها، 2014 وما يليها، وأخيراً 2020 بالوقت الراهن.
بدأ صيت مونشي يأخذ منعرج آخر منذ عام 2003، حينما نجح النادي في بيع خوسيه أنطونيو رييس إلى آرسنال، وبعد فترة ليست بالكبيرة، حصل النادي على أموال أكبر نتيجة انتقال سيرخيو راموس والبرازيلي باتيستا إلى ريال مدريد، وقامت الصحف الإسبانية بإطلاق لقب “الحاد” على مونشي، وذلك بسبب تعصبه الشديد خلال المفاوضات، وإصراره على طلبات ناديه بطريقة قوية غير قابلة أبداً للنقاش أو الأخذ والرد، والعهدة على هانتر وشبكة الإسبن في هذا الوصف الذي يتحدث بالتفصيل عن مونشي.
أسماء مثل: “داني ألفيش، كانوتيه، باتيستا، لويس فابيانو، راموس، رييس، بالوب، ريناتو، أدريانو، جاري ميديل، كوندووبيا، سيدو كايتا، نافاس، نجريدو، بولسن، مورينو، دييجو لوبيز، إيفان راكيتتش”، كل هؤلاء النجوم مروا من ملعب البيثيخوان وتألقوا بقمصان إشبيلية، قبل أن يعيد مونشي ومعه جولين لوبيتيجي هذه التجربة في 2020، لكن بحركة راديكالية أعلى، حيث صنع النادي الأندلسي في صيف 2019 حركة انتقالات غير اعتيادية بالمرة، ليبيع عدد كبير جداً من لاعبيه ويشتري عدد آخر أكبر، ويحقق بطولة الدوري الأوروبي، رابع الليجا، ووصيف السوبر، في إستراتيجية تستحق الدراسة والرصد والتقدير.
ميركاتو للتاريخ
في صيف 2019، قرر مونشي عمل ثورة جديدة في إشبيلية، بعد إحضاره جولين لوبيتيجي لتولي منصب المدير الفني للنادي. المدرب الذي خرج من إسبانيا بفضيحة، بعد توقيعه مع الريال قبل أيام من كأس العالم، وإصرار الاتحاد على طرده قبل المونديال، ثم إقالته السريعة من تدريب الريال، بعد الخسارة أمام برشلونة بالخمسة، وجلوسه في البيت لفترة طويلة، قبل أن يفتح مونشي الباب له من جديد، في خطوة لم يتوقعها الكثيرون، ونالت تقدير الأقلية الهادئة في الكرة الإسبانية.
خلال ذلك التوقيت، باع إشبيلية عدد كبير من لاعبيه، وصل قيمتهم حينها إلى نحو 130 مليون يورو، لكنه اشترى في المقابل أسماء بقيمة 177 مليون يورو، أي أنه دفع فقط حوالي 47 مليون، أقل من نصف قيمة إدين هازارد، وأقل من نصف ما دفعه البارسا في عثمان ديمبلي، وبالتأكيد كوتينيو، مما يدل على الدراسة الكبيرة لهذا العمل قبل البدء فيه.
مع تولي لوبيتيجي تدريب الأندلسيين، رحل وسام بن يدر إلى إلى موناكو مقابل 40 مليون يورو، موريل نحو أتالانتا مقابل 20، بابلو سارابيا إلى باريس بـ18 مليون، وبروميس عاد إلى هولندا مع أياكس في صفقة بلغت قيمتها حوالي 15 مليوناً، بالإضافة إلى دبور الذي لعب لصالح هوفينهايم في يناير، وأسماء أخرى عديدة، بين البيع والإعارة وانتهاء التعاقد وإنهاء من طرف واحد أو حتى فسخه، لذلك فإن الفريق استغنى تقريباً عن معظم القوام الأساسي للتشكيلة، حتى مع مدير فني جديد تماماً ومختلف هذه المرة.

مونشي لم يترك لوبيتيجي بمفرده، بل أحضر له مجموعة جديدة من الأسماء، وذهب سريعاً إلى فرنسا، الدجاجة التي تبيض ذهباً له كما قلنا بالسابق، ليضم جوليس كوندي من بوردو بـ25 مليون يورو، روني لوبيز من موناكو بنفس الرقم، لوكاس أوكامبوس من مارسيليا مقابل 15 مليون فقط، دييجو كارلوس من نانت بـ15، وبعض اللاعبين الآخرين مثل أوليفر توريس القادم من بورتو، لوك دي يونج من أيندهوفن، ثم يوسف النصيري من ليجانيس في يناير، وخوان جوردان من إيبار، وآخرين.
المهم أن إشبيلية صنع فريقاً جديداً بقيمة 180 مليون يورو فقط بل أقل، وباع في نفس الوقت لاعبين بقيمة 130، ليحصل لوبيتيجي على مجموعة تنافسية من اللاعبين، بمقابل مالي أقل لكن مع جودة فنية أعلى، وتبدأ مسيرة إشبيلية التي حصد خلالها أرقاماً مميزة داخل الملعب مع المدرب الجديد، بعد أن حققها خارج الملعب رفقة المدير الرياضي القديم.
جولين لوبيتيجي.. يستحق أيضاً
لوبيتيجي مدرب إسباني يهتم كثيراً بالجانب البدني مثل الشق التقني، لذلك تلعب فرقه بسرعة واضحة، حدة كبيرة، مع ضغط مرتفع وتحولات خاطفة، هكذا فعل مع بورتو البرتغالي، ومنتخب إسبانيا قبل إقالته، ولم يقدر على تطبيق ذلك مع الريال، لكنه استعاد هيبته سريعاً مع إشبيلية، بعيداً عن الضغوطات الإعلامية الرهيبة والكبيرة التي واجهها مع النادي الملكي، في مرحلة ما بعد رحيل زين الدين زيدان وكريستيانو رونالدو.
صنع جولين فريق بورتو بحيوية واضحة، وذكاء شديد. صحيح أن الفريق لم يكن يهاجم بضراوة، لكنه يتحكم جيداً في موجات الهجوم، لا يصعد في كل وقت للأمام، لكنه حينما يهاجم، فإنه يصل بشكل سليم، ويعرف كيف يضغط. رسم 4-3-3 دون أي اضافات أو بهارات، رباعي خلفي، ثم لاعب ارتكاز صريح، مع لاعب وسط متقدم في الثلث الأخير، في المركز 8. وهناك الرقم 6 بينهما، للربط وفي الأغلب يكون لاعب دائرة، أو حتى ثنائي محوري أمام رباعي الخلف، وأمامهما لاعب وسط ثالث حر.
مع منتخبات إسبانيا لعب لوبيتيجي بنفس العقلية تقريبا، الكرة الهجومية، التحولات وخلافه، على طريقة الفريق الأول مع ديل بوسكي سابقا، لكن صحيح أن فريقه كان يفوز بالبطولات، لكن ليس بنفس الاستحواذ الهجومي المعروف عن الإسبان، هو شخص يفضل الفوز قبل الأداء، لذلك أحيانا يلعب باستحواذ أقل مقابل تحولات أسرع. ثنائية كوكي وتياجو كانت مفضلة في الوسط، تياجو ألكانترا بالأخص كان نجم مشروع لوبيتيجي مع منتخب إسبانيا تحت 21 سنة، بالإضافة لإيسكو الذي كان يتواجد كلاعب وسط ثالث، بينما تياجو لاعب دائرة للتحكم والصناعة من الخلف.
جاء لوبيتيجي الذي يلعب بنفس الخطة، مزيج بين 4-3-3 و 4-1-4-1، سواء بمهاجم صريح أم لا، لكن مع سرعة أكبر في التحولات، وصبغة لعب مباشرة بالوصول إلى المرمى مع عدد تمريرات أقل، وهذا ما أعاده مع إشبيلية بالنص من دون زيادة أو نقصان، بتواجد رباعي خلفي، ثلاثي في الوسط بينهم لاعب هجومي، ومهاجم صريح وبينه ثنائي على الأطراف، مع ضغط كبير في نصف ملعب منافسيه، سرعة في التحولات، ونقل اللعب من جهة لأخرى، لذلك لا غرابة أبداً في تألق الثنائي الأرجنتيني إيفر بانيجا ولوكاس أوكامبوس طوال الموسم الماضي.

الجانب البدني والفني لا يفترقان
في رسم 4-3-3 لجولين لوبيتيجي، صنع الإسباني فريقاً متوازناً مع إشبيلية. ليس الأفضل على مستوى الهجوم، لكن في نفس الوقت من الصعب الفوز عليه، بسبب تواجد محاور ارتكاز قوية بدنياً مثل الثنائي فرناندو وجادون جوردان، مع لاعب حريف مثل بانيجا أو أوليفر توريس بالقرب منهم، وحالياً إيفان راكيتيتش. بالأمام مهاجم قوي بدنياً وآخر متحرك، مع جناح ثالث على اليمين في الأغلب هو أوكامبوس، لذلك فإن الأرجنتيني تجده في الهجوم إما على الطرف أو في العمق.
كما صنع سوسو وأوكامبوس الكثافة العددية والهجومية المطلوبة على الأطراف هجومياً، فإن المدرب أعطى أهمية مضاعفة للاعبي الأظهرة، سواء مع تقدم نافاس على الخط ودخول سوسو أو أوكامبوس للداخل، بالإضافة إلى انطلاقات ريجيلون ثم أكونيا هذا الموسم في الشق الآخر، وحماية لاعب الوسط الثالث بثنائي محوري قوي جداً في الافتكاك والعرقلة المشروعة، مثل جوردان وفرناندو، وأمامهما بانيجا بالسابق والآن إيفان راكيتيتش.
في كل هجمات إشبيلية، التجانس هو همزة الوصل، بين جوردان وفرناندو بالوسط، بين الظهير والجناح على الطرف، والأهم من كل ذلك الاهتمام بالجانب البدني ورفع معدلات اللياقة البدنية لجميع اللاعبين، لدرجة أننا شاهدنا فريقاً ينافس بايرن ميونخ في هذا الشق، بل يتفوق عليه في آخر الدقائق، لولا رعونة يوسف النصيري، بالإضافة إلى تطبيق الضغط المثالي في نصف ملعب برشلونة بكامب نو، عند مواجهة الفريقين ببطولة الليجا هذا الموسم أيضاً.
النجاح لديه شقين، الأول تكتيكي وخططي والثاني بدني بحت
في مباراة السوبر الأوروبي على سبيل المثال، دافع إشبيلية بـ5 لاعبين أمام هجوم بايرن العملاق، مع اللعب بطريقة قريبة من 4-2-3-1 بتواجد فرناندو وجوردان في الارتكاز، ومعهما راكيتتش، لكن كلما يبدأ بايرن هجومه بالقرب من نصف ملعب إشبيلية، تجد فرناندو يترك موقعه في الارتكاز للدخول بين قلبي الدفاع في العمق، على مقربة من كارلوس وكوندي، لخلق موقف 3 ضد 2 أمام مولر وليفاندوفيسكي، بالإضافة إلى تحول راكيتيتش لدور الارتكاز المساند، وظهر ذلك بوضوح في الشوط الثاني مع دخول جويدي في الشوط الثاني، أصبح هذا الرسم أكثر وضوحا بالتحول من رباعي الخلف إلى خماسي.
لم تعد القدرة التقنية هي الفارق فقط، والدليل نجاحات فرق ليفربول وبايرن ميونخ في أوروبا مقارنة ببرشلونة وريال مدريد وباريس سان جيرمان في آخر المواسم، لأن هذا الثنائي “الإنجليزي والألماني” الأفضل فيما يخص الضغط، التحولات، السرعة في الأداء دفاعاً وهجوماً، وهذا ما فعله النادي الأندلسي في 2020.
صحيح أن إشبيلية يملك موهبة بقية لوكاس أوكامبوس، وحتى سوسو، وبانيجا سابقاً، وأوليفر توريس، لكن الفريق يتدرب بجد خارج الملعب، يحافظ لاعبوه على معدلات الركض واللياقة البدنية، لذلك يدافعون ويهاجمون في وحدة واحدة، ويطبقون مستويات الضغط بكثافة عالية، جنباً لجنب مع الصلابة الدفاعية الواضحة مع الثنائي دييجو كارلوس وجوليس كوندي، القادمين من الدوري الفرنسي، وخلفهما العملاق المغربي ياسين بونو.
“من المهم لأي محترف أن يتغلب على اللحظات الصعبة في حياته المهنية من أجل تحقيق النجاح. إنه شعور بسعادة هائلة”.
مقولة شهيرة قالها جولين لوبيتيجي بعد التتويج الأوروبي على حساب إنتر ميلان في النهائي، فالرجل عرف فعلياً أسس النجاح في 2020، ونجح بحق في الثأر لمن قللوا منه بل أهانوه في وقت سابق، سواء بالطرد أو الإقالة أو السخرية، ليجد ضالته في إشبيلية، ويعاونه مونشي في ذلك، الذي استعاد بريقه هو الآخر، بعد فترة من النسيان في عاصمة الخلود روما، وكأن هذا الثنائي أعاد اكتشاف ذاته من جديد مؤخراً، والدليل ما صنعه إشبيلية خلال العام الجاري.