ليس لدينا أسلوب ثابت أو فلسفة معينة، مثل غيرنا من المدربين. فقط لدينا القدرة على التكيف مع الأمور وإعداد فريقنا من المنطق الذي نراه مناسباً لتحقيق الفوز”، هكذا قال دافيد بينوتي، الساعد الأيمن لزين الدين زيدان، بعد فوز الفريق بلقب الليجا هذا الموسم، ليضع يده على الوتر الحساس، بقصد أو من دون، حيث أنه لخص إستراتيجية لعب ريال مدريد وفلسفة النادي تاريخياً في كلمات وجيزة، لذلك لا عجب أبداً من نجاح زيزو مع الملكي، ولا غرابة في تمسك فلورنتينو بيريز به، والاستعانة بخدماته في أصعب وقت لإنقاذه، بعد أن ضاقت به الأمور خلال موسم 2018-2019.
بعد فوز ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا عام 2017، دخل ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس الأول، غرفة ملابس ريال مدريد، ليُهنىء الفريق بعد النصر ويتحدث مع زيدان وطاقمه، قبل أن يبادره بهذا السؤال: ما سر هذا الإعجاز البدني الذي يمتاز به فريقك؟ لقد وصلتم إلى حالة رائعة على كافة المستويات، إنه أمر غير طبيعي.
رد زيزو بلغة الإشارة لا الكلام، طالباً من أحد الأشخاص القدوم. كان هذا الرجل هو أنطونيو بينتوس، المعد البدني لفريق ريال مدريد، والرجل الذي أصر زيدان على التعاقد معه لتطلق عليه الصحافة الإسبانية حينها “كرباج زيدان”، في دلالة على قوة العمل البدني الذي ميز النادي المدريدي حينها، ليحقق لقبي الدوري والشامبيونزليج في موسم واحد.
رحل بينتوس في صيف 2019 متجهاً إلى إنتر ميلان في إيطاليا، وأحضر زيدان مواطنه هذه المرة، جريجوري دوبون، رئيس قسم التحضير البدني السابق في الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، والرجل الذي سار على نفس نهج سابقه، في الاهتمام باللياقة والتدريبات الجسدية، ليصل الملكي إلى أهم مرحلة من الموسم الكروي، بعد جائحة كورونا، في أفضل حالة ممكنة، ويتفوق على كل منافسيه ليحقق لقب الدوري بفارق النقاط عن الغريم برشلونة.
ليس لدينا أسلوب ثابت أو فلسفة معينة، مثل غيرنا من المدربين. فقط لدينا القدرة على التكيف مع الأمور وإعداد فريقنا من المنطق الذي نراه مناسباً لتحقيق الفوز”، هكذا قال دافيد بينوتي، الساعد الأيمن لزين الدين زيدان، بعد فوز الفريق بلقب الليجا هذا الموسم، ليضع يده على الوتر الحساس، بقصد أو من دون، حيث أنه لخص إستراتيجية لعب ريال مدريد وفلسفة النادي تاريخياً في كلمات وجيزة، لذلك لا عجب أبداً من نجاح زيزو مع الملكي، ولا غرابة في تمسك فلورنتينو بيريز به، والاستعانة بخدماته في أصعب وقت لإنقاذه، بعد أن ضاقت به الأمور خلال موسم 2018-2019.
فلاش باك.. 2017 إلى 2020
بعد فوز ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا عام 2017، دخل ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس الأول، غرفة ملابس ريال مدريد، ليُهنىء الفريق بعد النصر ويتحدث مع زيدان وطاقمه، قبل أن يبادره بهذا السؤال: ما سر هذا الإعجاز البدني الذي يمتاز به فريقك؟ لقد وصلتم إلى حالة رائعة على كافة المستويات، إنه أمر غير طبيعي.
رد زيزو بلغة الإشارة لا الكلام، طالباً من أحد الأشخاص القدوم. كان هذا الرجل هو أنطونيو بينتوس، المعد البدني لفريق ريال مدريد، والرجل الذي أصر زيدان على التعاقد معه لتطلق عليه الصحافة الإسبانية حينها “كرباج زيدان”، في دلالة على قوة العمل البدني الذي ميز النادي المدريدي حينها، ليحقق لقبي الدوري والشامبيونزليج في موسم واحد.
رحل بينتوس في صيف 2019 متجهاً إلى إنتر ميلان في إيطاليا، وأحضر زيدان مواطنه هذه المرة، جريجوري دوبون، رئيس قسم التحضير البدني السابق في الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، والرجل الذي سار على نفس نهج سابقه، في الاهتمام باللياقة والتدريبات الجسدية، ليصل الملكي إلى أهم مرحلة من الموسم الكروي، بعد جائحة كورونا، في أفضل حالة ممكنة، ويتفوق على كل منافسيه ليحقق لقب الدوري بفارق النقاط عن الغريم برشلونة.

المغزى أن ريال مدريد لم يتغير في نهجه، بل يمكن القول أن زيدان يركز دائماً على أشياء أخرى، جنباً لجنب مع التكتيك، الذي لا يجاوب على كل الأسئلة بالمناسبة، فهناك أمور أخرى تبدو في نفس قيمته بل تزيد، كأقدام النجوم، تفاصيل المباريات، الأخطاء هنا وهناك، والأهم من كل ذلك الإعداد النفسي والجاهزية البدنية والاستعداد العقلي، وكلها بلا استثناء عوامل يجيد زيزو بشدة الاستفادة منها لأقصى درجة ممكنة.
يتحدث عشاق كرة القدم عن طرق اللعب والخطط بشكل مبالغ فيه، مع إهمالهم للصورة الكبيرة، الفلسفة الكروية التي توضح بإختصار أصول اللعبة الحقيقية، بين فرق تهاجم وتستحوذ، وأخرى تدافع وتعتمد على المرتدات، وما بين هذا وذاك، يوجد المزيج الحديث الذي يهاجم أثناء الدفاع، ويدافع بالضغط الهجومي. وبعد الفلسفة، تأتي إستراتيجية اللعب التي تعني كيفية تحقيق فلسفة الفريق، ومنها إلى التكتيك المتبع الذي يعتبر أقرب إلى التغييرات والتعديلات التي تتم من أجل التغلب على المنافس”، مقولة خططية بحتة.
في حالة ريال مدريد، لم يكن الفريق في أفضل حال على الصعيدين الفني والتكتيكي الموسم الماضي، والدليل خروجه مبكراً من مسابقة دوري أبطال أوروبا، لكنه في المقابل عرف من أين تؤكل الكتف محلياً، رغم تقلبات الموسم وتأخره خلف برشلونة خلال شهر مارس، عند تفشي فيروس كورونا وتوقف المسابقات في أوروبا والعالم، لتعود كرة القدم في يونيو، ويثبت الريال أنه الأجهز، ليس تكتيكياً أو خططياً، ولكن نفسياً وعقلياً وبدنياً، وبفارق شاسع عن خصمه اللدود.
الجانب البدني.. منه وإليه نعود
عاد ريال مدريد من فترة التوقف أفضل من الجميع بلا استثناء، أجهز بدنياً بفارق، يلعب حتى آخر دقيقة، يسجل أهداف الحسم في الدقائق الأخيرة، ويدافع بطريقة أفضل لأن أقدام لاعبيه تحملهم داخل الملعب، مما يدل على قوة الجانب البدني لجهاز زيدان ومعاونيه، ونجاحهم في الاستعداد جيداً خلال جائحة كورونا، ليعود الملكي كالوحش الكاسر الذي لا يوقفه أحد محلياً في بطولة الليجا.
في 2017، واجه ريال مدريد يوفنتوس في نهائي دوري أبطال أوروبا، كان الفريق الملكي أجهز بدنياً وفنياً، وحقق الليجا في الأمتار الأخيرة على حساب برشلونة، رغم أنه سافر إلى اليابان في نهاية 2016 من أجل لعب كأس العالم للأندية، لكنه اختتم الموسم بشكل رائع، لدرجة أن الكثيرين يصنفون ريال مدريد 2017 بأنه أفضل فريق ممكن لزيدان.

قال زيدان بالنص لصحيفة “ماركا” حينها أثناء فترة الحسم بين الليجا والأبطال: “العودة للمنافسة ستكون صعبة، فالريال على موعد مع 3 مواجهات أمام إشبيلية أحد أصعب فرق الليجا في أقل من 15 يوماً كما سيواجه غرناطة محلياً. ثم ينطلق إلى أوروبا مع عودة منافسات الشامبيونز. بينتوس لديه خطة خاصة قبل العودة للمنافسات وهي عبارة عن تحضيرات مصغرة، بالإضافة إلى فكرة المداورة بين التشكيلة الأساسية والبدلاء”.
كانت النتائج مثالية في النهايات، ليس فقط في دوري أبطال أوروبا ولكن أيضا بالبطولة المحلية، لأن الريال حقق 23 نقطة في الوقت ما بعد الدقيقة 80. وخلال المباراة النهائية ضد يوفنتوس، لعب الفريق الإيطالي الأساسي 1164 دقيقة أقل من الفريق الأساسي للريال، بسبب سهولة الدوري الإيطالي مقارنة بالإسباني، ووجود فوارق كبيرة بينهم وبين روما ونابولي والبقية، عكس الريال الذي وجد منافسة من البارسا حتى الدقائق الأخيرة، ورغم ذلك ظهر الإسبان أقوى بدنياً وفنياً، ليحسم الفريق الأبيض كل شيء خلال الشوط الثاني، بعد تفوقهم الكاسح على السيدة العجوز في لغة الأقدام والعقول.
بالطبع 2017 كان الريال أقوى فنياً وبدنياً من 2020، والدليل أن الفريق في الموسم الماضي لم يقدم مباريات مميزة فنياً في دوري الأبطال، وتفوق عليه مانشستر سيتي بفارق خلال مواجهتي الذهاب والإياب. حتى مستواه في الليجا كان متقارباً مع البقية في الفرص والتسديدات وخلافه، مع انخفاض التهديف هجومياً بعد رحيل رونالدو، وعدم ظهور هازارد بمستواه المعهود، جنباً لجنب مع انخفاض مردود كروس ومودريتش وكارفخال وحتى مارسيلو، مع كبر سنهم مقارنة بالسابق وقلة لياقتهم، لذلك لم يعد الملكي مرعباً داخل المستطيل مثل السابق، لكنه على الأقل لا يزال يتفوق في الشق البدني، حتى بعد رحيل أنطونيو بينتوس في صيف 2019 وانتقاله إلى إنتر ميلان، لأن زيدان وجد ضالته في البروفيسور الفرنسي جريجوري دوبون.
كلمة السر.. جريجوري دوبون
في آخر 11 مباراة للريال في الليجا، ظهرت قيمة العامل البدني. انتصارات بنتيجة 1-0، إغلاق المناطق واللعب بنسق مرتفع في الدقائق الأخيرة، عدم ارتكاب الأخطاء الساذجة أثناء ضغط المنافسين بحثاً عن التعادل، مما يؤكد وجود عمل كبير من دوبون وفريقه، على مستوى اللياقة البدنية ومعدلاتها خلال التدريبات، وقبل وأثناء وبعد المواجهات.
عمل جريجوري دوبون مع فرق ليل وسيلتك الإسكلتندي، قبل أن يتواجد ضمن طاقم ديديه ديشامب مع منتخب فرنسا، ذلك الجيل الفائز بكأس العالم 2018. يقول ديشامب عن دوبون: “إنه الأفضل في العمل البدني، وألعاب القوى، والتغذية، وكل ما نسميه العمل غير المرئي، وكل ما يتضمن الوقاية، واكتساب العضلات والبيانات”.
يلقب هذا الرجل داخل أورقة اليويفا باسم “العالم”، بسبب علمه وخبراته العريضة في مجال تخصصه، ويشرف باستمرار على مختلف الأبحاث التي تتحدث عن علاقة التدريبات بإصابات اللاعبين. كان جزءًا من الفريق الذي اكتشف أن اللاعبين كانوا أكثر عرضة بست مرات للإصابة عندما لعبوا مباريات بفارق أقل من 72 ساعة.
لقد أعد جريجوري اللاعبين بشكل جيد أثناء فترة الحجز المنزلي، وكلهم تصرفوا كمحترفين رائعين، خاصة بفضل الخطة الجيدة التي وضعها رئيس قسم الإعداد البدني بالنادي المدريدي. بمجرد أن حصل زيدان على تاريخ عودة للتدريب الفردي في فالديبيباس، نظم دوبون جلسات في مجموعات من 7 إلى 8 عن طريق التداول بالفيديو مع مدرب بدني لكل مجموعة، لمدة مرتين في الأسبوع. وشارك جميع المدربين في هذه الجلسات وكأنهم لاعبين.

قال سيرجيو راموس في أبريل: “أعتقد أنني في حالة أفضل مما كنت عليه قبل الحجر الصحي” ، لقد اهتمينا بعمل تدريبات يومية في المنزل، ركزنا كثيراً على نظامنا الغذائي وراحتنا والعمل الفردي بشكل واضح”، كل هذه التصريحات تصب في مصلحة جريجوري دوبون، الذي ظل على اتصال دائم باللاعبين وأشرف على جلسات تدريبية جماعية عبر مكالمة فيديو قبل عودة الفريق في أوائل مايو.
تتحدث مدونة “مانجينج ريال مدريد” عن عمل الفرنسي مع منتخب بلاده، خلال منافسات كأس العالم 2018، حيث قام دوبون بعمل مستندات شخصية من 14 صفحة لكل لاعب، يقسم طعامه إلى فئات ويخبرهم بالفئات التي يجب أن يأكلوها ومتى. لقد ساعد في تخصيص غرف الفندق لجعلها أكثر راحة حتى يتمكنوا من تحقيق ساعات النوم العشر الموصى بها كل ليلة. وهو ما أعاده مع ريال مدريد في الفترة الماضية، ليعود مارسيلو سريعاً من إصابته، ويستعيد أسينسيو عافيته في الوقت المناسب، ويمنع حتى هازارد من الإصابة مرة أخرى في فترة الحسم بالليجا والشامبيونزليج.
عقدة زيدان وماضيه يكشفان نقاط قوته
زيدان لا يجد أي حرج في وصف بيب جوارديولا بالمدرب الأفضل في العالم، ويكيل بالمديح لكلوب وغيره من المدربين، واصفاً إياهم بأنهم الأفضل على الصعيد التكتيكي، لكنه يعرف جيداً أن المباريات لا تحسم فقط بهذا الشق، وإلا لكان بيب وأقرانه هم ملوك التتويج في كل موسم، لذلك يركز الفرنسي على مصادر قوته ويضاعفها على طريقته الخاصة، من سابق ماضيه كلاعب، وترعره في ملاعب الكالتشيو والكرة الإيطالية في حقبة التسعينات، ثم انتقاله إلى ريال مدريد وصدمته التي لا تنسى في رحيل رفيق الدرب كلود ماكيليلي.
صحيفة “أتليتك” عبر محللها دريموت كوريجان كتبت تقريراً عن أصول زيدان الكروية، وتعلمه الكثير كلاعب في الكالتشيو، وقت تمثيله فريق يوفنتوس، وتأثير ذلك على مسيرته كمدرب فيما بعد. تتلمذ زيدان على يد الخبير مارشيلو ليبي، واحد من أباطرة الكرة الدفاعية وأساتذة إستراتيجية دفاع المنطقة، في تقليل الفرغات بنصف ملعبه، والاستفادة من الأسماء الكبيرة هجومياً، ليحقق اليوفي معه لقب دوري أبطال أوروبا مع عدد كبير من البطولات، والآخر هو أنشيلوتي الأستاذ في إدارة غرفة الملابس، والذي لا يجد أي مشكلة في التعامل مع النجوم والاقتراب منهم دون مشاكل. تواجد زيدان كلاعب مع ليبي أضاف له اهتمامه بالشق الدفاعي، وتعلمه على يد أنشيلوتي جعله أقرب إلى اللاعبين، قائداً لهم وصديقاً في معظم الأوقات، مما يجعلهم يضحون من أجله داخل الملعب وخارجه.

قديماً، تأثر زيدان كثيراً برحيل ماكيليلي، وتحول الجلاكيتكوس إلى مجرد أشباح، من دون لاعب الارتكاز الدفاعي الأقرب إلى كاسحة الألغام. حينها فقد الريال بريقه بعد رحيل ارتكازه، ولم تنفع محاولات رئيسه لترميمه، لتنتهي حقبة فريق النجوم ويخسر الفريق بطولة تلو الأخرى، حتى خرج نجمهم الأول عن صمته، قالها زيدان صريحة دون رتوش أو تجميل: “لماذا نضع مزيداً من الطلاء علي السيارة البنتلي؟ ونحن فقدنا قوة المحرك الرئيسي؟!”.
بالعودة إلى مدريد زيدان خلال الموسم الماضي، سنجد حتماً أن زيدان لم ينسَ أبداً ماضيه، فالمدرب شديد الحرص على الدفع بكاسيميرو في منطقة الوسط، بل أضاف زميله القوي بدنياً فيدي فالفيردي في مباريات عديدة بجواره، لحماية منطقة الوسط بعدد كاف من اللاعبين الأقوياء، وفي نفس الوقت إعطاء الفرصة للنجوم بالثلث الهجومي الأخير. حيلة تعلمها في إيطاليا وافتقدها في مدريد أيام فترة لعبه قديماً.
إحصائياً، استقبلت شباك الريال 25 هدفاً فقط في الليجا. أمام فرق مثل خيتافي وبلباو، فرق بدنية وقوية، كانت المباريات متكافئة، 50 50 داخل الملعب، لكن الريال فاز بضربتي جزاء لراموس في الحالتين. حتى مباراة غرناطة حسمها بهدفين مقابل هدف، مع بسالة دفاعية في الشوط الثاني، وهذا ما حدث أيضاً ضد ريال سوسيداد في الباسك. كل هذه المواجهات لم يكن يستطيع الريال حسمها دون الوقوف على أقدامه في دقائق الحسم، والدفاع بأقصى ما لديه، والحفاظ على لياقته البدنية أكثر من غيره.
الظاهر أن الريال تفوق على برشلونة بفضل دفاعه وأرقامه المميزة في هذا الشق، هذا كلام لا غبار عليه، لكن من دون قوة لياقة لاعبيه وحضورهم الذهني والعقلي، لم يكن الدفاع ليظهر بهذه الصورة، مما يؤكد أن هذا السلاح هو الأكثر أهمية وقيمة وتأثير بالنسبة لزيدان وطاقمه.
رفيق الدرب
دافيد بيتوني، لاعب فرنسي سابق لا يعرفه الكثيرون، بدأ مسيرته في نادي كان وقضى 5 سنوات في الظل مع هذا الفريق، ثم اختتم مشواره مع نفس النادي في هدوء ودون ضجيج بدايات الألفية الجديدة. فقط لم يلحظه أحد سوى زين الدين زيدان، زميله الفرنسي من أصول جزائرية، والذي لعب له في فترة الشباب مع نفس الفريق، كان، قبل أن يتجه كل منهما في طريق مختلف تماماً، حيث حصل زيزو على الشهرة والنجومية والبطولات في فرنسا ثم إيطاليا رفقة يوفنتوس، بينما مثل بيتوني بعض الفرق الإيطالية غير المعروفة مثل نوفارا ولوكيزي وألساندريا وأفيزانو.
عدة عوامل مشتركة بين بيتوني وزيدان، رغم الفارق الشاسع في النجومية بين الثنائي داخل الملعب وخارجه، فالإثنان لعبا من قبل في منطقة الوسط، كانت المسيرة في البداية مع كان، ثم ذهب كل منهما في طريقه إلى إيطاليا، مع الشعر الخفيف الذي تحول إلى “صلع” بعد ذلك، لذلك بقى زيدان على تواصل دائم مع بيتوني، رغم شهرته وتفوقه مع يوفنتوس ومنتخب فرنسا وريال مدريد كلاعب أسطوري لا يشق له غبار، بينما كان زميله القديم ينتقل من نادي درجة ثانية إلى آخر غير معروف، حتى انتهى به المطاف في كان قبل اعتزاله عام 2004.
المهم أن زيدان عندما حصل على مهمة تدريب الفريق الرديف في مدريد، كاستيا، كان أول قرار يتخذه على الإطلاق هو الاستعانة بخدمات دافيد بيتوني ضمن طاقمه، كمدرب أول وساعده الأيمن على دكة البدلاء، ليستمر الثنائي معاً في الفريق الرديف ثم رفقة النادي الملكي في الفترة ما بين 2016 حتى 2018، ليقرر الفرنسي المغمور عدم الاستمرار مع ريال مدريد بعد رحيل صديقه وملهمه، ويعود معه بعد ذلك في 2019، حينما قرر فلورنتينيو بيريز الاستعانة بخدمات زيزو من جديد، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
بينوتي شخص مولع بالتكتيك، يحبه لأقصى درجة، وكان يتحدث دائماً مع المقربين منه أثناء فترة تواجده مع كان كلاعب عن رغبته في أن يكون مدرباً، وإعجابه الشديد بالكرة القائمة على الخطط والإستراتيجيات، لكن المثير للاهتمام أنه لم يحصل على أي فرصة حقيقية منذ اعتزاله في 2004، حتى اتصل به زيدان في 2014 ليعمل معه في الكاستيا ثم الفريق الأول بعد عامين.
يقول أحد مسؤولي كان في وقت سابق، والذي كان شاهداً على علاقة زيدان وبيتوني، أن الثنائي كان مقرباً للغاية، لدرجة أن اجتماعهما من جديد لم يكن مفاجأة، حيث أن زيزو يثق فيه بشكل كبير، ودافيد أيضاً لديه فهم حقيقي لكرة القدم، مما جعله يحقق نجاحاً كبيراً معه فيما بعد، في الحصول على عدد كبير من البطولات مع ريال مدريد، منذ 2016 وحتى اليوم.
بيتوني نفسه يحب زيدان كثيراً، احتضنه بقوة بعد الفوز بلقب الليجا بالموسم الماضي. لقد كانت لحظة خاصة جداً بالنسبة للثنائي، حيث كان موسماً صعباً في تفاصيله كافة، بداية من النهاية السيئة للموسم الذي سبقه، ثم فترة التوقف الطويلة بسبب جائحة كورونا، والتأخر في الترتيب خلف برشلونة مع بداية جائحة كورونا، لذلك عبر دافيد عن حبه الشديد لزيزو بعد حسم اللقب بشكل رسمي.
سر الخلطة النفسية التي يكشفها بيتون
“نجاحنا كان نفسياً وبدنياً”، بهذه الكلمات بدأ دافيد بيتوني حديثه في مقابلة مع صحيفة “ليكيب” الفرنسية منذ أكثر من شهر. يقول مساعد زيدان في هذا اللقاء بعد الفوز بلقب الليجا: “لقد كانت لحظة عفوية تماماً مثل العديد من المشاعر. شعرت أن هذا هو نتاج عملنا بجد من أجله لأن الموسم كان معقداً منذ عودتنا 2109 إلى النادي”.
يعتقد الكثيرون أن ريال مدريد فاز بلقب الليجا بفضل فترة التوقف، حيث عاد الفريق بشكل أجهز كثيراً من منافسه برشلونة، لينقض على الصدارة ويحقق انتصارات متتالية. بيتوني يقول عن هذا الرأي: “تحدثت مع زيدان أثناء التوقف، واتفقنا على ما الذي سنفعله خلال هذه الأشهر، وقررنا الشروع في مفهوم جديد للتدريب والبحث عن نهج أكثر إبداعاً. رأينا أن لاعبينا يحتاجون إلى تركيز عقلي جديد وركزنا على هذا الجانب من الأمور. يشعر الكثيرون بأننا عملنا على الجانب التكتيكي، ولكن هذا ليس ما كان عليه الأمر، كان هناك نهج نفسي رئيسي متضمن”.
كان يتعين على الجهاز الفني للريال التغلب على منافسيهم لإرهاقهم. اعتقد الناس أن الفريق سيخسر نقاطاً في بلباو وفازوا، الأمر نفسه في ريال سوسيداد، وثم في غرناطة، لقد تفوق الملكي على خصومه عقلياً وبدنياً قبل التكتيك وكرة القدم، مما جعلهم في وضع أفضل وأكثر تنافسية داخل الملعب.
وبالنسبة للمشاكل داخل غرفة الملابس ورغبة الجميع في اللعب، نجح زيدان في احتواء الجميع بفضل ذكائه وخبرته العريضة. المدير الفني لديه أمر غير عادي في علاقته باللاعبين. يصف بيتوني صديقه ورئيسه في العمل: “أود أن أقول فقط إنه المدرب العصري المثالي. رجل شغوف وقابل للتكيف يعمل بجد ولديه سيطرة كبيرة على عواطفه”. يتحدث مع النجوم ويكون صريحاً مع هؤلاء الأفراد الذين لا يشاركون كثيراً. عندما يدعي زيدان في المؤتمرات الصحفية أن جميع لاعبيه مهمون بالنسبة له ، فهذه هي الحقيقة وعلى المدى الطويل يعمل نظامه بنجاح.

يصف الساعد الأيمن لزيدان دوره المحوري في الجهاز الفني لريال مدريد بهذا الشكل: ” دور تشاوري في المقام الأول، هذا الأسبوع يجب أن نفعل ذلك، من الممكن أن تلعب بهذا الشكل، وأثناء المباريات هذا يفضل أن يستمر وذاك أن يخرج، وهكذا. زيزو يحب الناس أن يعطوه الأفكار ويتشاركون سوياً في ذلك، لكنه يريد مناقشتها بشكل جيد. ولكن ، بالطبع، دائمًا هو من يتخذ القرارات، فهو الرئيس”.
في التدريب، يفضل زيدان التركيز والشدة، ولكن دائماً مع فكرة المتعة. ليس فقط في المباريات، لكنه يريد أن يكون اللاعب مسروراً حتى في التدريب، حتى في المعاناة، لذا فإن الأفكار الفنية والتكتيكية التي يمكن لبيتوني المساهمة بها يجب أن تكون ضمن هذا الإطار الذي يحدده المدرب في الأساس.
المسار لا يتغير
لا يوجد أفضل من إنهاء هذا التقرير بالحديث عن استعدادات ريال مدريد للموسم الجديد، حيث يجرى التركيز في المران اليومي، على الجانب البدني، مع الالتزام بالإجراءات الصحية الصارمة المفروضة، بالإضافة إلى عمل بعض التدريبات في المنزل، وضبط الوجبات اليومية مع اللاعبين، والحرص على ضبط ساعات نومهم، مما يجعل الرهان مستمراً على هذه المسيرة خلال الفترة القادمة.

الأمر بسيط: فريق هجومي يحترم التوازن بين الهجوم والدفاع. زيدان وطاقمه لديهم قبل كل شيء القدرة على التكيف. في بعض المباريات يفضل أنه سيكون من الضروري بشكل خاص أن تكون قوياً في الدفاع وأخرى، سيكون شيئًا آخراً، هكذا، المهم أن يستمرون في الفوز، فقط.