لا شيء ثابت في كرة القدم، ولا أحد على الإطلاق لديه الحقيقة الكاملة، لذلك باستثناء عدد قليل جداً جداً جداً من النجوم الكبار، فإن البقية معرضون لفترات من المد والجزر في مستواهم، مع تأثرهم بعاملي الزمان والمكان، لتقل لياقتهم وينخفض معدلهم وينقص بريقهم مع الوقت، وسيرجيو بوسكيتس أحد هؤلاء بالتأكيد، فهو كان في فترة من الفترات أفضل لاعب ارتكاز في العالم، ثم تأثر بعدة عوامل، يتحمل جزء منها بالتأكيد، ليصبح بعيداً عن الصفوة، إلا أنه لا يزال يشغل المقعد الأساسي في تشكيلة فريقه برشلونة، مما يجعله يركب “التريند” قبل وأثناء وبعد كل مباراة، أحياناً بسبب هفواته، وفي أوقات أخرى نتيجة تطرف ردود الأفعال، وتحول “السوشيال ميديا” إلى ما يشبه “الساركازم” الذي يجب أن يرصد كل كبيرة وصغيرة للاعب والمدرب والفريق، في إطار من السخرية والتقليل، والتجاوز الفج من منطلق أن “الجمهور عايز كده”.
هذه مقدمة لا بد منها عند الحديث عن بوسكيتس وغيره، صحيح أنه لم يعد ملاكاً مثل السابق، لكنه ليس شيطاناً بهذا الشكل المبالغ فيه أيضاً، لأن منظومة برشلونة بالكامل تغيرت كثيراً عن أيام بيب جوارديولا، وأول عامين لإنريكي، حتى منتصف أول مواسم فالفيردي، بالتحديد نهاية عام 2017، الذي صار بعده البارسا نسخة سيئة على الصعيدين الجماعي والخططي، نهاية بكارثة الأنفيلد التي أنهت جيلاً كاملاً من اللاعبين والجماهير والمدرب بالتأكيد.
يقول عراب التكتيك، أريجو ساكي، صانع أمجاد ميلان التاريخي في وقت سابق: “الضغط ليس بالجري أكثر أو العمل بجد بل بالتحكم في المساحات وإجبار الخصم على اللعب بطريقة لا يحبها. إذا تركت منافسك يلعب بأريحية فإنه سيلعب بثقة ويهزمك. الضغط الصحيح أمر نفسي أكثر منه بدني، إستراتيجية جماعية، أن يكون أحد عشر لاعب في وضعية نشطة، فعّالة، قادرة على معارضة المنافس في كل وقت. الفرق العملاقة لديهم الرغبة في السيطرة، حينما تهاجم، يجب أن تبقى على مسافة متوازنة، توقيت مناسب، وطرق صحيحة لإلتقاط الكرة من جديد، وإذا لم تنجح في ذلك، فالكرة التي تقدمها ستفقد الكثير من التناغم والإنسجام”.
فليتحملني جمهور “سبورت 360 بلس” بعض الشيء، لأن بوسكيتس القديم كان نسخة تسر الناظرين بحق، لاعب أنيق وذكي وفتاك، رمانة ميزان وصمام أمان بالمعنى الحرفي للكلمة. صحيح أن فريق برشلونة الأسطوري أفاده بلا شك، سواء مع بيب جوارديولا أو حتى لويس إنريكي، لكنه أيضاً كان لاعباً يشبه المنظومة، في توقعه، تمركزه، لعبه من دون الكرة، وكونه صيحة جديدة في حقبة 2008 وما بعدها، حيث أن الهجوم الشرس يحتاج إلى أمرين، ضغط قوي في الأمام، وبناء نظيف في الخلف، ومن دون لاعب ارتكاز مثل بوسكيتس، كان جوارديولا سيتعب كثيراً، لذا كان منطقياً لأقصى درجة -عكس ما يعتقده الكثيرون- أن الفيلسوف يدير ظهره ليايا توريه ويتجه فوراً لسيرجيو، الشاب وقتها، بعيداً عن العنصرية والظلم ونعرات بعض المعلقين في زمننا الحالي.
لا شيء ثابت في كرة القدم، ولا أحد على الإطلاق لديه الحقيقة الكاملة، لذلك باستثناء عدد قليل جداً جداً جداً من النجوم الكبار، فإن البقية معرضون لفترات من المد والجزر في مستواهم، مع تأثرهم بعاملي الزمان والمكان، لتقل لياقتهم وينخفض معدلهم وينقص بريقهم مع الوقت، وسيرجيو بوسكيتس أحد هؤلاء بالتأكيد، فهو كان في فترة من الفترات أفضل لاعب ارتكاز في العالم، ثم تأثر بعدة عوامل، يتحمل جزء منها بالتأكيد، ليصبح بعيداً عن الصفوة، إلا أنه لا يزال يشغل المقعد الأساسي في تشكيلة فريقه برشلونة، مما يجعله يركب “التريند” قبل وأثناء وبعد كل مباراة، أحياناً بسبب هفواته، وفي أوقات أخرى نتيجة تطرف ردود الأفعال، وتحول “السوشيال ميديا” إلى ما يشبه “الساركازم” الذي يجب أن يرصد كل كبيرة وصغيرة للاعب والمدرب والفريق، في إطار من السخرية والتقليل، والتجاوز الفج من منطلق أن “الجمهور عايز كده”.
هذه مقدمة لا بد منها عند الحديث عن بوسكيتس وغيره، صحيح أنه لم يعد ملاكاً مثل السابق، لكنه ليس شيطاناً بهذا الشكل المبالغ فيه أيضاً، لأن منظومة برشلونة بالكامل تغيرت كثيراً عن أيام بيب جوارديولا، وأول عامين لإنريكي، حتى منتصف أول مواسم فالفيردي، بالتحديد نهاية عام 2017، الذي صار بعده البارسا نسخة سيئة على الصعيدين الجماعي والخططي، نهاية بكارثة الأنفيلد التي أنهت جيلاً كاملاً من اللاعبين والجماهير والمدرب بالتأكيد.
حتى لا ننسى
يقول عراب التكتيك، أريجو ساكي، صانع أمجاد ميلان التاريخي في وقت سابق: “الضغط ليس بالجري أكثر أو العمل بجد بل بالتحكم في المساحات وإجبار الخصم على اللعب بطريقة لا يحبها. إذا تركت منافسك يلعب بأريحية فإنه سيلعب بثقة ويهزمك. الضغط الصحيح أمر نفسي أكثر منه بدني، إستراتيجية جماعية، أن يكون أحد عشر لاعب في وضعية نشطة، فعّالة، قادرة على معارضة المنافس في كل وقت. الفرق العملاقة لديهم الرغبة في السيطرة، حينما تهاجم، يجب أن تبقى على مسافة متوازنة، توقيت مناسب، وطرق صحيحة لإلتقاط الكرة من جديد، وإذا لم تنجح في ذلك، فالكرة التي تقدمها ستفقد الكثير من التناغم والإنسجام”.
فليتحملني جمهور “سبورت 360 بلس” بعض الشيء، لأن بوسكيتس القديم كان نسخة تسر الناظرين بحق، لاعب أنيق وذكي وفتاك، رمانة ميزان وصمام أمان بالمعنى الحرفي للكلمة. صحيح أن فريق برشلونة الأسطوري أفاده بلا شك، سواء مع بيب جوارديولا أو حتى لويس إنريكي، لكنه أيضاً كان لاعباً يشبه المنظومة، في توقعه، تمركزه، لعبه من دون الكرة، وكونه صيحة جديدة في حقبة 2008 وما بعدها، حيث أن الهجوم الشرس يحتاج إلى أمرين، ضغط قوي في الأمام، وبناء نظيف في الخلف، ومن دون لاعب ارتكاز مثل بوسكيتس، كان جوارديولا سيتعب كثيراً، لذا كان منطقياً لأقصى درجة -عكس ما يعتقده الكثيرون- أن الفيلسوف يدير ظهره ليايا توريه ويتجه فوراً لسيرجيو، الشاب وقتها، بعيداً عن العنصرية والظلم ونعرات بعض المعلقين في زمننا الحالي.
كتبت قديماً عن جوارديولا الإنسان قبل المدرب، ولماذا كان رهانه على بوسكيتس له أبعاد أكثر من كونها مجرد خطط أو تكتيك. يقول بيب أن فيليب لام هو أذكى لاعب دربه. بالنسبة لي بوسكيتس هو أهم مشروع أنجزه هذا الرجل الأصلع، والأسباب تتعدى الجانب التكتيكي لتصل إلى التحدي الشخصي. في 2006، مباراة الأرجنتين والمكسيك، شاهد بيب المباراة رفقة خوانما ليو ومارسيلو بييلسا، كانت هناك حالة إعجاب مضاعفة بطريقة البناء من الخلف، والتي طبقها المنتخب المكسيكي مع المدرب الشهير، ريكاردو لا فولبي، والمعروفة تكتيكيا بـ “ساليدا لافولبينا”.
مع بدايات الألفية الجديدة، بعد نهاية يورو 2000، طُرد بيب كلاعب من جنة كرة القدم بسبب انتهاء دور لاعب الوسط الممرر، كانت الغلبة لأصحاب القوة البدنية، هؤلاء القادرين على الجري والركض طوال المباراة. قالها الصحافي ماركوتي في إحدى مقالاته ، “لم يعد الملعب ملعبك ولا المكان مكانك، عليك أن ترحل لأن كرة القدم باتت بين أقدام النموذج المقابل شكلا ومضمونا”.
بوسكيتس كان ضالة جوارديولا في منطقة الارتكاز أو المركز 6 بالملعب، حيث سمي بهذا الاسم لكونه اللاعب الذي يلي رباعي الخلف وحارس المرمى في خطة لعب 4-3-3، أي هو اللاعب السادس في التكتيك داخل الملعب. من دون الكرة، يقف بوسكيتس في المكان الصحيح، يبحث عن الفراغ الشاغر ويغلقه، يغطي خلف زميله المتقدم، ويعود لمساندة قلبي الدفاع عند الحاجة. مع الكرة، يمرر إلى المهاجمين مباشرة، يكسر خطوط الضغط بذكاء منقطع النظير، ويضرب أكثر من خط بلعبة واحدة، على طريقة المحاربين القدامى كما يقول عنه يوهان كرويف في حوار سابق.
ورغم أن سيرجيو لا يقارن مع غيره على مستوى العرقلة والافتكاك والحجز، تلك الخصائص المرتبطة بلاعب الارتكاز الدفاعي على مر السنوات، إلا أنه نجح في إعادة تعريف هذا المركز، بشخصيته وحضوره وفهمه لأبجديات التمركز والتموضع، وكأنه ولد مدربا بدون سابق معرفة، لذلك كان لزاماً إعادة هذا الحديث من باب الذكرى والتذكير، ولإعطاء كل ذي حق حقه، وللدفاع عن الرأي المنطقي والمقبول الذي يقول بأن بوسكيتس كان أحد -إذا لم يكن الأفضل- أميز لاعبي الارتكاز في الفترة ما بين 2008 وحتى 2017، داخل إسبانيا وخارجها.
ماذا عن التكتيك؟
“يمكنك مشاهدة المباراة وعدم ملاحظة دور بوسكيتس، لكن عندما تشاهد بوسكيتس فإنك ترى المباراة كاملة”، لم أجد أفضل من تصريح ديل بوسكي، لوصف أخطبوط باديا، سيرجيو بوسكيتس، أحد أهم لاعبي حقبته، وواحد من المؤثرين في مسيرة ناديه ومنتخب بلاده خلال العشر سنوات الماضية. رأي جوارديولا معروف عنه، ولوتشو إنريكي وصفه بأفضل لاعب وسط في العالم، بالتحديد بعد فوز برشلونة على ريال مدريد بنتيجة 4-0 في كلاسيكو ذهاب الليجا، موسم 2015-2016، في ملعب سانتياجو برنابيو.
كل شيء تغير بعد أول موسمين لإنريكي حتى رحيله وقدوم فالفيردي. ولنكن أكثر تحديد، بدأ بوسكيتس مع فالفيردي بشكل مميز، عندما قرر المدرب إحاطته براكيتيتش، إنييستا، وباولينيو، مع ترك ميسي وسواريز في الأمام، مما أعطى الوسط كثافة عددية، خلال النصف الأول من موسم 2017-2018، والذي شهد أفضل أداء ونتائج لإرنستو، قبل مبالغته في الاعتماد على الملك رقم 10، وكبر سن إنييستا ثم رحيله، وانخفاض مردود لويس سواريز، وتحول بوسكيتس إلى نسخة أقل كثيراً من السابق.
سيرجيو 2018 وما بعدها ليس سيرجيو ما قبل ذلك، الحق يقال، على مستوى الركض، اللياقة، اللعب من لمسة واحدة، سرعة اتخاذ القرار، وبالطبع الإضافة الهجومية والدفاعية على حد سواء. يتحمل اللاعب جزء رئيسي من ذلك، بسبب فقدانه الدافع، نقص وتيرة التدريبات، مشاكل الجانب اللياقي، وأمور أخرى أصابت الفريق بالكامل، باستثناء ميسي وتير شتيجن فقط في آخر عامين، لكن هناك أسباب وعوامل أخرى ترتبط بشكل وطبيعة التكتيك بصفة خاصة.
يلخص تشافي ما أقصده بهذا التصريح، عند الحديث عن بوسكيتس وكاسيميرو، ليقول في مقابلة سابقة بعام 2018 :”بوسكيتس يعرف ماذا عليه أن يفعل، هذا لا يفهمه لاعب مثل كاسيميرو، ولكن في الوقت نفسه، بوسكيتس لا يستطيع قطع الكرات، التي يقطعها كاسيميرو، حينما يقوم بالمجازفة. فريق الريال ينقسم إلى نصفين، 7 لاعبين ينطلقون للهجوم، وكاسيميرو يبقى وحيدا في المنتصف للتغطية ، وهذا ما لا يستطيع بوسكيتس القيام به، فحتى أنا أسرع منه، بينما البرازيلي سريع جداً، لكنه يجيد هذا على حساب الجوانب الأخرى، التي لم يعمل على تطويرها، مثل التمرير والحيازة تحت الضغط، ويغطي مساحة أكبر، لكنه لا يفهم لعبة الزمان والمكان”.

وكان لتشافي هيرنانديز حديثاً شيقاً مع الصحافي مارتي بيرارنو، بعد نهاية موسم 2016-2017، والذي شهد فترة صعبة لفريق إنريكي، ولم يحلها إرنستو ولا كيكي سيتيين فيما بعد. يقول مدرب السد الحالي: “اعتاد لاعبو برشلونة على الدفاع بـ4 خطوط من دون الكرة، لكن مع تواجد ميسي وسواريز ونيمار هجومياً، دافع الفريق بخطيًن فقط مع تمركز الثلاثي الهجومي في نصف ملعب الخصم خصوصاً ليو ولويزتو، ليتم إجبار لاعبي الوسط على قطع أمتاراً مضاعفة، وحتى بعد الحصول على الكرة وبدأ تنفيذ الهجمة، يجد إنييستا نفسه مطالباً بمزيد من الركض والجري، حتى يقطع المسافة الطويلة تجاه الثلث الأخير من الملعب”. وقس على ذلك بوسكيتس أيضاً.
حديث تشافي يؤكد بأن لاعب الوسط يُجبر على قطع مساحات طويلة بالكرة، التغطية باستمرار والركض لمسافات شاسعة. هذا حتى لم يتغير بعد رحيل نيمار، لأن سواريز كبر في السن وقلت حركته، ولم يصنع كوتينيو الفارق، ليصبح ضغط برشلونة بدون قيمة، وتتباعد خطوطه، مما أفقد بوسكيتس بالأخص نقطة قوته الرئيسية، ألا وهي الدفاع أثناء الهجوم، وقطع الكرة في مناطق بعيدة عن مرماه، واللعب في كتلة ووحدة واحدة، حيث تقل المساحات بين الدفاع والهجوم، كما كان يحدث منذ 2008 وحتى 2016.
الأرقام تتكلم
لا تخبرنا الأقام بالحقيقة كاملة، لكنها لا تكذب ولا تتجمل، وتعطينا جزء من الصورة الكبيرة. وبقراءة أرقام وإحصاءات سيرجيو بوسكيتس هذا الموسم في بطولة الليجا على سبيل المثال، وهو يقدم حتى الآن موسم -عادي- أو أقل، بالنسبة للكثيرين، فإن لاعب ارتكاز برشلونة لديه معدلات دفاعية تصل إلى 1.5 عرقلة صحيحة، 1.1 افتكاك سليم، 1.2 مرواغة تحت الضغط لكل مباراة، وعند مقارنته بلاعب آخر يعيش واحد من أفضل مواسمه، وهو كاسيميرو، نجم ريال مدريد، فإن البرازيلي لديه 2.2 عرقلة مشروعة، 2 افتكاك، 1مراوغة لكل مباراة. هناك تفوق لصالح لاعب الميرينجي، لكنه ليس بالشكل الذي يتخيله أو يتصوره الكثيرون، صحيح!؟
على مستوى الهجوم والتمرير، كاسيميرو سجل 3 لأن طريقة لعب الريال تسمح له بالتقدم وبوسكيتس لم يسجل لأنه لا يتقدم مثله، لكن ماذا عن الإحصاءات الأخرى التي لا تتعلق بالجول أو الأسيست؟ سيرجيو لديه قرابة 1 تمريرة تؤدي إلى تسديدة “Key pass”، حوالي 0.1 “واحد من عشرة” تجريد وفقدان الكرة في مناطق قريبة من مرماه، لكل مباراة، مقابل 0.5 تمريرة تؤدي إلى تسديدة، و1.1 فقدان وتجريد من الكرة بالنسبة لكاسيميرو. مع 68 تمريرة في المباراة لبوسكيتس و54 لكاسميرو، بدقة تصل إلى 91.1 % للإسباني أمام 84.9 % للبرازيلي.

هذه المقارنة لا تعطي بوسكيتس أفضلية، بالعكس ربما كاسيميرو لا يزال أفضل، حيث لديه تقييم يصل إلى 7.2 من موقع “هوسكورد” مقابل 6.75 لسيرجيو، لكن القصد أن الفوارق ليست كبيرة بين الطرفين، رغم أن السوشيال ميديا تقول بأن كاسي يعيش أفضل مواسمه، وبوسكيتس يقدم أسوأ أداء ممكن.
حتى في الموسم الماضي، موسم 2019-2020، فإن كل لاعب لديه أفضلية في جانب ما. على سبيل المثال بوسكيتس يتفوق في البناء من الخلف، الحيازة والحفاظ على الكرة، التمريرات التي تؤدي إلى تسديدات “Key passes” نسبة صناعة الأهداف المتوقعة وفقاً لحجم وشكل وقيمة التمريرات المقدمة. بينما يحصل كاسيميرو على أرقام أفضل في الأهداف، الأسيست المباشر، التسديد على المرمى، مع نفس التفوق للأول في التمرير وقلة فقدان الكرات، وأفضلية الثاني في العرقلة وقطع وافتكاك الكرات.

نستنج من كل ما سبق أن بوسكيتس الحالي أقل بالتأكيد من نسخة جوارديولا، أول موسمين لإنريكي، وأول نصف موسم لفالفيردي، لكنه يتأثر أيضاً بأداء برشلونة نفسه، الذي يعاني بوضوح منذ آخر عامين، وينحدر خلاله مستوى الجميع، باستثناء ميسي، الذي طاله النقد هو الآخر في 2020، بسبب غياب المنظومة الخططية نفسها، ولجوء الفريق إلى أسلوب لعب لا يتناسب بالمرة مع نوعية وجودة الأسماء التي يمتلكها أو كان يمتلكها، لذلك نلاحظ عدم ضغط مهاجميه، وسوء حالة أظهرته، وتباعد خطوطه، لتكون المحصلة النهائية صفر كبير، على مستوى النتائج، البطولات، التخطيط، ومردود اللاعبين أنفسهم، ومنهم بوسكيتس وغيره.
كومان المجامل؟
من الصعب معرفة ماذا سيحدث بنهاية موسم برشلونة الحالي، لكن الفريق بدأ بشكل سيء مع رهان رونالد كومان على رسم 4-2-3-1، الذي جعل الفريق يصنع فرصاً أكثر لكنه لم يحل المشاكل الدفاعية، بسبب وجود فراغات شاسعة بين الخطوط، وصعوبة تغطية ذلك بواسطة ثنائي محوري. بوسكيتس من الأساس كان يعاني مع ضعف ضغط البارسا بقيادة سواريز وميسي، وانخفاض مردود أرثور ميلو وراكيتيتش في رسم ثلاثي الوسط، فطبيعي أن تظل معاناته بل تزيد عندما يلعب في ثنائي الارتكاز مع لاعب آخر فقط، مهما كان اسمه.
حاول كومان إعطاء الفرصة للبوسني ميراليم بيانيتش، بعد شكواه من التجاهل، ليلعب بجوار فرينكي دي يونج في نفس الخطة، ويجلس بوسكيتس على الدكة، لكن المفاجأة أن البارسا كان أسوأ بمراحل حينما فعل مدربه ذلك، ولنا مثال بمباراة يوفنتوس في كامب نو، خاصة الشوط الأول، الذي يعتبر أحد أقل أشواط برشلونة هذا الموسم، بالإضافة إلى مباراة أتليتكو مدريد في الواندا، والمفارقة أن الكتالوني خسر المواجهتين دون تسجيل أي هدف.
قل ما شئت في كومان، شخصياً لدي تساؤلات عديدة فيما يخص معاملته لبعض الأسماء مثل ريكاردو بوج وكارليس ألينيا وغيرهم، ومجاملته ربما للبرازيلي فيليبي كوتينيو قبل إصابته، وحتى كليمو لونجلي، لكن ما فعله مع بوسكيتس أبعد ما يكون عن المجاملة، لأن المركز 6 يحتاج إلى لاعب ارتكاز دفاعي صريح، ومن المتاحين حالياً، يوجد 3 هم: بوسكيتس، بيانيتش، وفرينكي دي يونج.
وإذا حاولنا قراءة أفكار كومان، سنلحظ فوراً مدى حبه للاعب الوسط الذي يقطع من الوسط إلى الهجوم، لذلك حاول ضم فينالدوم بأي طريقة، ومع عدم استطاعته ذلك، ولسبب لا يعرفه أحد غيره في كراهيته وتهميشه للشاب ريكاردو بوج، فإن الهولندي قرر الاستعانة بمواطنه دي يونج في هذا المكان، لأن كل من بوسكيتس وبيانيتش لن يستطيعا أبداً القيام بهذه الأدوار، لعاملي السن والحركة، وجاءت النتائج سريعاً بأهداف وأسيستات ومستويات مذهلة لفرينكي دي يونج في المواجهات الأخيرة.
يمكن القول أن كومان يمكنه اللعب بدي يونج في المركز 6 وأمامه كل من بيدري وبوج، لكنه لن يفعل ذلك لعدة أسباب، جزء منها نفسي وآخر خططي، لذلك فإنه يضع فرينكي على يمين الوسط متقدماً، وبيدري على يساره، ويختار بين بوسكيتس أو بيانيتش خلفهما كلاعب ارتكاز دفاعي، لا ارتكاز مساند كالسابق. وبعيداً عن أي مجاملات أو مساحيق تجميل أو مراوغات، فإن سيرجيو أجهز كثيراً من ميراليم في هذا المكان، لأن الوافد القادم من يوفنتوس يفضل الصعود والتسديد والاقتراب من مرمى الخصوم، ويفقد كثيراً من قوته عندما يلعب في نصف ملعب فريقه.
التوليفة الأفضل
“يمكن أن يكون لديك الكثير من الشغف ولكن إذا لم يكن هناك هيكل وبنية تكتيكية -ستراكشر-، فلن يكون لديك فرصة. تحتاج التنظيم والانضباط التكتيكي والمسافات الصحيحة. هذه هي القاعدة، أب وأم كرة القدم”، يقول يورجن كلوب هذا التصريح خلال حديث سابق مع صحيفة “أتليتك” الإنجليزية، وأوافقه في كل حرف، لأن “الستراكشر” أو البنية/ الهيكل التكتيكي للفريق هو الأساس لصناعة أي فريق تنافسي، بعيداً عن مسميات الخطط وأرقامها.

إذا تلعب ببوسكيتس بجوار لاعب آخر في الارتكاز، وأمامهما رباعي هجومي منفصل، فأنت تدمره أكثر من السابق وتجعله يظهر بصورة كارثية، أكثر سوءاً من نسخته مع راكيتتش في آخر أيامه وفيدال الذي يتقدم وينسى نفسه في الهجوم، لكن عندما تجعله يتمركز أمام الدفاع، وتدعمه بثنائي وسط متقدم، مميز في الركض واللعب في المساحات الضيقة، والارتداد السريع من دون الكرة، فوقتها قد تحصل منه على نسخة أفضل، ليس بالتأكيد نسخة 2008:2016 بسبب فارق العمر والجهد والتشكيلة بالكامل، لكن عندها يمكن لبوسكيتس أن يتحسن ويتقدم للأمام أثناء ضغط فريقه، يتوقع شكل هجمات الخصم، ويربط بطريقة أفضل مع فرينكي دي يونج وبيدري على سبيل المثال.
أمام غرناطة في الليجا، وحتى ضد بلباو عكس ما يقول الجميع، قدم بوسكيتس مستويات جيدة، عندما حول كومان خطته من 4-2-3-1 إلى ما يشبه 4-3-3، حيث يتواجد ميسي في المقدمة كلاعب حر، ديمبلي يميناً لفتح الملعب عرضياً، وجريزمان بين اليسار وعمق الهجوم في أنصاف المسافات، مع عودة بيدري خطوات ليكون في المركز 8 لا 10، على مقربة من فرينكي دي يونج الذي يتقدم للصناعة والتسجيل، وبوسكيتس خلف كل هؤلاء وبالقرب منهم، وهذا مربط الفرس. مرر سيرجيو 116 كرة أمام غرناطة، 3 تمريرات بينية، 7 في مناطق خطيرة، 12 بالثلث الهجومي الأخير، واستخلص 3 كرات أثناء ضغط فريقه، وكان أحد نجوم المباراة.
بالتأكيد لن يعود بوسكيتس إلى سابق أيامه الخوالي، لكن يمكن الحصول على نسخة أفضل منه، إذا بقى البارسا بهذا الشكل، ثنائي هجومي يضغط بالأمام ويرتد بسرعة، وثنائي وسط سريع وصغير ومميز بالكرة ومن دونها، مع مدافع يقابل من الأمام ولا يتراجع إلى الخلف، مع إراحته في بعض المواجهات حتى يحافظ على وتيرة لياقته، وفي النهاية القادم أقصر بمراحل من السابق، لأن لكل مرحلة رجالها، وأيام أخطبوط باديا معدودة في التشكيلة الأساسية لبارسا المستقبل، ما بعد 2021، حتى تهدأ شرطة الهجوم على اللاعب، ولا تأخذ الأمور خارج نصابها.