بوبان لاعباً يحتفل بلقب 1999 التاريخي في ملعب بيروجيا .. بوبان الإداري في ميلان لا يجد شيئاً ليحتفل به

كرة القدم تعني اللعبة الشعبية الأولى في العالم..وهذه مُقدمة مبتذلة لست بحاجة عزيزي القارىء لأن تقرأها فهي معروفة مُسبقاً وأذيعت على التلفاز وطُبعت على صفحات الجرائد المحلية سواءاً كانت زهيدة السعر أم باهظة..وأرجوا أن يسامحني مارسيل بروست في قبره على استخدامي لعنوان روايته الضخمة الخالدة في الدلالة على قصتي المطولة التي أذكرها في هذا المقال من أدب كرة القدم..كون كرة القدم تحمل في طياتها تماساً كبيراً مع أرواقه ومع الحياة ،ولكنها تعني لبعض القوم أكثر من ذلك..فهم أُناس يريدون من الكرة أن تكون وجاهة وصورة لما يتميزون به دوناً عن غيرهم.. فهي أيضاً من مظاهر الطباع الثقافية.

وفي ميلانو عاصمة الأزياء فإن الأمر فعلاً جدي للغاية..فهي عاصمة الأناقة إلى جانب باريس في أوروبا وفي العالم..والكرة تعني أجواءاً ساخنة وجادة ومتوترة..فهي واجهة للمدينة التي تمتاز بمستوى معيشة مرتفع ولديها السان سيرو..ذلك الملعب الذي كان يحلم الجميع باللعب به والفوز على فريقي ميلانو به..صار الآن يلعب عليه أتالانتا بيرجامو بدلاً من ميلان، فذلك العملاق يقبع في المركز الثالث عشر في جدول الترتيب…. عفواً.. إنه في المركز الحادي عشر أما الـ13 فترمز لعدد نقاطه، لا أحد ينظر لجدول الترتيب بعناية حينما يتعلق الأمر بهم.. لأن النظر إليه لا يسر أحداً.

لحسن حظ ميلانو فالأمور عند الفريق الآخر تمضي على ما يرام منذ استلام أنتونيو كونتي مهمة الفريق..فهو رجل تعود على الانتصار منذ أن كان لاعباً صغيراً في يوفنتوس والآن الأمر سيان بالنسبة له في إنتر ميلان..لكن هناك أسطورة تقول أن كلما كان هناك إنتر..يجب أن يكون هناك ميلان لكي يتم تداول البطولات بينهما وبين يوفنتوس.

سَّأْمُ ميلان 

من الجنة إلى الجحيم

من الجنة إلى الجحيم

كتب الشاعر الفرنسي شارل بودلير ديواناً أسماه “سأم باريس”..كان يتحدث عن تلك الليالي والسنوات المقفرة التي قضاها في عاصمة الجمال الفرنسية إبان الحركات الثقافية الناشئة في القرن التاسع عشر حيث كانت باريس مكاناً يقصده الجميع في أوروبا و خارجها.. كل الكتاب والرسامين والشعراء والفنانون على كل شكلٍ و درب..لكنه لم يعرف كيف يستقر في تلك المدينة في بعض فترات حياته.. وقام بتصويرها على أنها مدينة بها بعض الأماكن الملعونة والأشباح والمظاهر السيئة في طرقاتها..رغم أنها تعتبر مدينةً للنُخبة.

كان بودلير شاعراً بارعاً و متفرداً..لذا طبقت شهرته الآفاق..هكذا كان أيضاً التفرد في ميلان حينما كان يصنع إبداعه المتفرد في أوروبا فجعل نفسه في مرتبة ملكية بعيداً عن بقية الفرق الإيطالية.. لقد كان السياسيون يتمسحون به.. وما زالوا.

أكان زفونيمير بوبان .. ذلك الذي عاصر بعضاً من فترات الملكية الكروية تلك هو بودلير الجديد في ميلانو..فهو الأسطورة الكرواتية المحبوبة الذي وصل لميلان بخلفية من تاريخ سنوات الجمال التي عاشها رفقة مالديني وآخرين، والآن بوبان ومالديني يمكثان سوياً طيلة الوقت خائفين من ميلانو ومن المباراة القادمة أياً كان هذا الخصم.

هذا ليس أمراً فنياً ولا أحبذ أن أذكر أرقاماً ونتائج للدلالة على ذلك ..بل هذا لأن الروسونيري فقد الاحترام والهيبة التي كانت لديه سابقاً..وفقد ما هو أهم وهي تلك الوجاهة والعظمة التي تتميز بها شوارع ميلانو الرئيسية..لقد رحل ميلان العظيم إلى الأحياء المقفرة والمُعدمة الآن انتظاراً لأن يأتي أحدهم ويعيده من جديد إلى ارتياد الأماكن المليئة بالأُبهة والتجلي.. نعم لقد رحل، ولكنني لم أقل أنه لن يعُد.

الرقص على حبالٍ من نار

مدرب ميلان بيولي آخر ورقة لعب بها ميلان في السنوات الأخيرة ولن تكون الأخيرة

مدرب ميلان بيولي آخر ورقة لعب بها ميلان في السنوات الأخيرة ولن تكون الأخيرة

ميلان يمضي الآن على حبالٍ من نار، فهو لا يرقص على الحبال..بل يسقط في كل مرة يحاول فيها أن يعبر تلك الحبال التي تحرقه لا تسنده، ففي الحقيقة كان كل قرار اتخذته إدارات ميلان الثلاثة المتعاقبة على مدار السنوات الماضية مجرد قرارات وأقوال خالية من أي مشروع صلب و مستقر.. هذا ما يصيب المشجع وحتى العاشق بـالسَّأْم.

وبعيداً عن الاستعارات..فإن النادي الذي ملأ الدنيا ضجيجاً لم يكن سعيد الحظ بالتوزيع الجديد لجدولة المباريات..لا أتحدث عن وضع لاتسيو ويوفنتوس ونابولي أمامه في 3 مباريات متتالية ولكن لأنه منذ بداية الموسم يلعب المباراة في توقيت يُجبر الكل على مشاهدته داخل وخارج إيطاليا..توقيت السهرة..لكي يكون الجميع شاهداً على الديافولو وهو يترنح .. ذلك المصير الذي سبق للتاريخ أن كتبه على أندية أخرى كبيرة لم تعد عظيمة بعد..لكن لا يجب على أحد أن يكون سعيداً وهو يرى ميلان يترنح على خشبة المسرح الكروي..فجماهيره هي الأساس المنيع الذي سيرتكز عليه وهو يقاتل العالم.