ميلان بطل دوري أبطال أوروبا 2006 - 2007

سبورت 360 – “الشركة تتعرض أحياناً للخسارة بسبب بذل بعض الأشخاص لأفضل وأخلص الجهود، ولكن في الاتجاه الخاطئ” ويليام إدوارد ديمينج.


لو كنت مخرجًا سينمائيًا، أو مؤلفًا، وأردت أن أقدم فيلمًا عن مسيرة سيلفيو برلسكوني مع ميلان، فلن أجد أفضل من مشهدٍ وحيد، سأعمل عليه طويلًا حتى أخرجه بأفضل طريقة ممكن.

برلسكوني يجلس في زاوية مكتبه، رفقة صديقة أدريانو جاليني، لا شيء يخترق أنين صمتهما سوى تنهدات التفكير بين الحين والآخر.. هو صمتٌ يعلو من خلفه أنين وصراخ، جمل يقولها كلًا منهما بدون أن يلفظها على شفتيه، يسمعها الآخر ويفهمها، ويرد عليها بجملٍ أخرى أكثر قسوة… لكن لا شيء يقال، الصمت ينقل الأنين بشكلٍ أفضل.

الصمت لن يطول، المشهد سينتهي بجملة من برلسكوني إلى جالياني: “كيف وصلنا إلى هنا يا صديقي؟”.

في عالم كرة القدم عرفنا الكثير من قصص النجاح، مثلما عرفنا الكثير من قصص الفشل، ميلان هو النادي الذي يجمع بين جانبي المعادلة بأفضل طريقة، وأقبح طريقة، لذلك أتوقع أن برلسكوني حينما كان ينهار في بداية العقد الماضي، ويغرق مع جالياني في بحر العثرات، لم يكن يعرف كيف حصل كل ذلك، أو بالأحرى لم يتخيل أن أول خطأ ارتكبه، كان سيجر خلفه المزيد من الأخطاء، حتى تتراكم بدون أن يفهم من أين بدأ وكيف انتهى به الحال هكذا.

البروفيسور إيفز دوز يوضح في أحد مقالاته بأن انهيار الشركات الناجحة يعود لعدة أسباب، ربما يكون من أهمها هو نظريات شومبيتر التي تتحدث عن فشل الشركات في التكيف مع البيئة الخارجية المختلفة بشكلٍ كلي، والتطور الحاصل في بعض القطاعات. ميلان أحد الأمثلة الحية على ذلك.

صعود ميلان مع “الملاك” برلسكوني

1980 العام الذي يذكره عشاق الروسونيري داخل مدينة ميلانو، فهو العام الذي شهد على فضيحة توتونيرو المدوية والتي هزت عرش كرة القدم الإيطالية وتمثلت بتغول شركات المراهنات في اللعبة وتحكمها ببعض نتائج المباريات، ونتيجةَ لها هبط اي سي ميلان لدوري الدرجة الثانية لأول مرة في تاريخه.

لم يستطع ميلان استعادة توازنه بعد هذه الحادثة، فرغم عودته للدرجة الأولى بعد موسمٍ واحدٍ فقط، إلا أنه هبط مجددًا في الموسم التالي، ثم عانى من نتائج غير مقنعة في المواسم التالية، حتى أتى “الملاك المُخلِّص” سيلفيو برلسكوني في فبراير 1986 على فرسه الأبيض حاملًا بيده طوق النجاة.

لم يحتج برلسكوني لفترة طويلة من الوقت حتى يعيد ميلان إلى قمة إيطاليا وأوروبا، فعلى الرغم من سيطرة يوفنتوس ونابولي على تلك الحقبة، إلا أن الروسونيري بفضل صفقات برلسكوني استطاع نيل لقب الدوري الإيطالي موسم 87-1988، ثم ظفر بلقب دوري أبطال أوروبا لموسمين متتاليين منهيًا فترة صيام دامت 20 عامًا. الروسونيري استفاد من الثلاثي رود خوليت، فان باستن، وفرانك رايكارد، مع أبناء النادي وإيطاليا مثل مالديني، باريسي، وغيرهم، بقيادة أريجو ساكي، لتقديم كرة قدم ممتعة اجتاحت أوروبا بامتياز.

سطوة ميلان استمرت مع فابيو كابيلو الذي توج بطلًا لإيطاليا 4 مرات، وبطلًا لأوروبا مرة واحدة في التسعينات، قبل أن يأتي كارلو أنشيلوتي ويعيد أمجاد الماضي بلقبي دوري أبطال أوروبا 2003 ثم 2007، مع إحراز لقب الدوري الإيطالي مرة واحدة.

برلسكوني كان الرجل المُخلِّص، والرئيس السخي، والقائد الحقيقي لمشروع ميلان الكروي، فاستطاع النادي في عهده أن يصل إلى قمة أوروبا 5 مرات، والدوري الإيطالي 8 مرات، قبل أن تأتي فترة الانحدار.

إسماعيل بن ناصر - ميلان - الدوري الإيطالي

إسماعيل بن ناصر – ميلان – الدوري الإيطالي

الألفية الجديدة تحذر ميلان لكن العجوز لم يعد يستمع

مع مطلع الألفية الجديدة، بل وقبل ذلك بسنواتٍ قليلة، كانت لعبة كرة القدم تتحول إلى من لعبة فنية بالدرجة الأولى، إلى لعبة اقتصادية، من يعمل بذكاء على الجانب المالي والاقتصادي، سيستطيع الصمود حتى لو تراجع فنيًا لبعض الوقت، أما النادي الذي لن يستطيع مواكبة التطور المطرد في الجانب الاقتصادي، فسيجد نفسه خارج لعبة الكبار في ظرف سنواتٍ قليلة، وإن كان قويًا على الصعيد الفني.

مداخيل الأندية الأوروبية أخذت بالنمو الهائل آخر 25 عامًا، وكان ذلك يعود إلى تطور وسائل البث التلفزيوني مما جعل متابعة البطولات المحلية الأوروبية (الدوريات الخمس الكبرى) شغفًا للملايين في العالم، وليس لأهل البلد نفسه، مما أدى لزيادة قيمة حقوق البث التلفزيوني، وأدى ذلك لتنامي قدرة الأندية على استقطاب الرعاة، ونمت العلامة التجارية لها، وأصبح نجوم كرة القدم يحظون بدعم ٍمالي هائل من شركات عملاقة بما يعود بالفائدة على أنديتهم.

ويمكن تلخيص عوائد الأندية عبر 3 أفرع رئيسية يندرج تحتها العديد من البنود الفرعية، وهي: أولًا عوائد الملعب (تذاكر مباريات، فاعليات، أنشطة ومتاجر… الخ)، وثانيًا العوائد التجارية (صفقات الرعاية للأندية، واللاعبين، وعضوية النادي… الخ)، وثالثًا عوائد حقوق البث التلفزيوني لمختلف البطولات.

من هنا نبدأ في أول مراحل الانحدار لميلان، ففي عام 2004 في الوقت الذي كان يحصد فيه مانشستر يونايتد الإنجليزي (ثاني أعلى الأندية دخلًا في العالم) 92 مليون يورو كعوائد مالية من ملعبه أولد ترافورد، وريال مدريد يحصل على 66 مليون يورو من ملعبه سانتياجو برنابيو (أعلى الأندية دخلًا)، كان ميلان (ثالث أعلى الأندية دخلًا) يحصل على 27 مليون يورو فقط من ملعبه سان سيرو، أي أقل من ثلث ما يتحصل عليه اليونايتد، وأقل من نصف ما يجنيه ريال مدريد.

السؤال ربما يخطر على بالنا هنا: لماذا ميلان لا يحصل على أموال طائلة من ملعبه سان سيرو رغم أنه من أشهر ملاعب العالم؟

حتى نفهم الفكرة، دخل الملعب يعتمد على 3 أمور: الأنشطة التي يستضيفها (الترفيه)، ثم العوائد التجارية، وأخيرًا والأهم تذاكر المباريات.

ميلان كان مقتصر دخله على الجانب الثالث فقط، لأن الملعب ليس مملوك للنادي، بل يملكه مجلس مدينة ميلانو، وبالتالي أي أنشطة سيستضيفها لن تكون عوائدها من نصيب ميلان بشكلٍ مباشر. كذلك الترفيه والسياحة، والتي بالأساس سان سيرو يواجه مشكلة معها بسبب مشاكل في البنية التحتية، ففي الوقت الذي يحتوي فيه ملعب سانتياجو برنابيو على العديد من المتاجر والمطاعم، لا توجد هذه الثقافة في ملعب سان سيرو.

ليس ذلك فقط، نادي ميلان لم يكن يستطيع (مثل شريكه إنتر ميلان) أن يجذب الاستثمارات إلى سان سيرو، لأن السيطرة الحكومية في هذا الجانب مرهقة جدًا، وعلى الرغم من أن برلسكوني هو رئيس الوزراء لكن لم يحدث تغيير واضح في هذا المضمار. مثلًا أنت كشركة راعية لا تستطيع وضع علامتك التجارية في الملعب، ولو أردت وضعها فسوف تدخل في دوامة من المعاملات الحكومية المرهقة، بينما يسهل عليك وضع علامتك التجارية في ملعب أولد ترافورد معقل مانشستر يونايتد، لأنه تملكه جهة واحدة، ولا يوجد تعقيدات حكومية في هذا الجانب.

أيضًا تطوير البنية التحتية للملعب تؤثر على معدل الحضور الجماهيري مع الوقت، فجماهير كرة القدم ليسوا جميعهم شغوفون ومتعصبون للأندية، ربما يذهب الكثيرون لحضور مباراة من أجل التسلية، وحينها ستهمهم درجات من الجودة لا تهم العاشق المتيم بناديه، سيكون مهمًا له الدخول لمكان يحتوي على مرافق نظيفة، وفيه أسواق أو مطاعم وغيرها من الأمور، ستكون رحلة سياحية بالنسبة لهذا المتابع، بمعنى أن الحضور الجماهيري كان سيتقلص حتمًا مع مرور الوقت في ميلان لو لم يتم تطوير الملعب. لكن من سيطوره؟ هنا السؤال، الملعب ليس مملوك لميلان حتى ينفق أمواله فيه.

وبعيدًا عن الملعب، الشق الثاني من العوائد التي تدخل لجيوب الأندية (العوائد التجارية) كان ميلان يواجه مشكلة واضحة معه. في عام 2005، ريال مدريد كان يحصل على قيمة عوائد من الصفقات التجارية والإعلانات تصل إلى 124 مليون يورو، بينما كان يحصل ميلان على 58 مليون يورو فقط، أما اليونايتد فكان يحصل على 72 مليون يورو.

الفجوة واضحة، فقط ما كان يقلصها هو حقوق البث، كان يسمح للأندية الإيطالية بأن تبرم صفقات مع شركات النقل التلفزيوني بشكلٍ خاص، وهو ما جعل ميلان يحقق قيمة إجمالية لحقوق البث مرتفعة، وتتفوق على ريال مدريد واليونايتد.

لكن هناك حقيقة تقف خلف ذلك، ميلان كان يحصل على هذه القيمة المرتفعة من حقوق البث عبر شركة ميديا ست، وهي الشركة التي أسسها سيلفيو برلسكوني في السبعينات، وكان يملك معظم أسهمها في عام 2005 تقريبًا، وما زال يملك 38% من أسهمها حاليًا.

بمعنى، أن الصفقة أشبه برعاية مباشرة من المالك للنادي، وبالتالي لو تراجعت قدرات المالك ماليًا (خصوصًا لو تراجعت قدرات شركاته الإعلامية) ربما تتأثر هذه الحصة المخصصة له من الشركات الإعلامية المساندة (وهو ما حدث بعد ذلك)، فالأولى كان العمل على تحصيل أموال أكثر من الرعاة الآخرين، والشركات الداعمة للنادي ولاعييه، وتنمية مداخيل وعوائد الملعب ماليًا، لتحقيق استقلالية مالية للنادي عن المالك، أي يستطيع النادي أن يصرف على نفسه بنفسه، وليس بحاجة لأموال المالك من شركاته الأخرى حتى يبقى واقفًا على قدميه، وهو الشيء الذي فشلوا فيه.

يوفنتوس مثلًا كان يحصل على صفقات رعاية مباشرة تصل إلى 82 مليون يورو عام 2005، يتفوق بنسبة تصل إلى 41% على ما يناله ميلان على الرغم من أن الروسونيري كان أكثر نجاحًا وشعبية على الصعيد الأوروبي، كما أن يوفنتوس كان يعمل على منافسة أندية إسبانيا وإنجلترا عبر تحسين عوائد الملعب، وذلك بالبحث عن خطة لبناء ملعب جديد وعصري يضاهي به أفضل الملاعب حول العالم، ونجح يوفنتوس في ذلك عام 2011، بينما ميلان كانت محاولاته خجولة، بل ربما لم يحاول أساسًا بناء ملعب جديد.

حينما تشاهد أن أندية ريال مدريد، ومانشستر يونايتد، وغيرهم، يحصلون على ضعفي ما يناله ميلان من عوائد الملعب وعقود الرعاية المختلفة، حينها ستفهم أنه في غضون سنوات قليلة ستملك هذه الأندية القدرة على التعاقد مع أبرز اللاعبين، ودفع أجورهم المرتفعة جدًا، بينما ميلان لن يستطيع منافستهم ما دام يعتمد على أموال ميدياست في حقوق البث فقط.

فضيحة الكالتشيو بولي وتأثيرها على ميلان

بوادر انهيار ميلان كانت واضحة عام 2007، فمعظم كبار أوروبا استطاعوا أن ينمّوا من عوائدهم السنوية موسم 2006 – 2007، لكن بشكلٍ مفاجئ تراجعت عوائد ميلان بنسبة 5% على الرغم من تتويجه بطلًا لأوروبا، وعلى الرغم من أنه كان يحصل على رقم غير منطقي وقياسي من عوائد البث التلفزيوني يصل إلى 153 مليون يورو.

المشكلة حدثت بسبب تراجع مداخيل الملعب، وذلك عائد إلى أمرين: فضيحة “الكالتشيو بولي” التي تسببت بخصم 8 نقاط من الفريق في صراع الدوري الإيطالي ذلك الموسم، وأيضًا بسبب تهالك مرافق ملعب سان سيرو، وذلك عائد لأسباب سبق شرحها.

تقرير ديلويت السنوي وضح بأن عدد الجماهير انخفض بمقدار 12 ألف متفرج في كل مباراة عن الموسم الذي سبقه، أما حاملي التذاكر الموسمية فانخفض عددهم بمقدار 15 ألف متفرج. كان هناك خلل واضح بحاجة لتصحيح فوري. أيضًا ترافق ذلك مع انخفاض قيمة الدعم من الشركات، ووصلت مداخيل ميلان من عقود الرعاية إلى 45 مليون يورو فقط. هذا بسبب أن الملعب ليس جذاب للشركات العملاقة لوضع علامتها التجارية فيه، ولسبب أهم يتعلق بالكالتشيو بولي التي جعلت الاهتمام بالدوري الإيطالي يتراجع بشكلٍ واضح بتراجع يوفنتوس.

الكالتشيو بولي كانت ضربة موجعة للأندية الإيطالية، أثرت على سمعة المسابقة، وشعبيتها، وضعفت بالتالي متابعتها مع سيطرة إنتر ميلان على المسابقة وابتعاد يوفنتوس عن التنافس، وكل ذلك كان له تأثير واضح على قدرات الأندية اقتصاديًا، خصوصًا مع صعود نجم الدوري الإسباني بالتنافس الشرس بين ريال مدريد وبرشلونة، مع قوة هائلة يملكها الدوري الإنجليزي على صعيد التسويق حول العالم.

الأزمة الاقتصادية العالمية

يبدو أن المصائب لا تأتي فرادى، ففي عام 2007 ضربت الأزمة الاقتصادية العالمية دول أوروبا بعنف، لكن كانت إيطاليا متضررة منها بشكل أكبر من إنجلترا، وهو ما انعكس بشكل واضح على فينينفست، أي الشركة المالكة لنادي ميلان، والتي تملكها عائلة برلسكوني. مما أدى إلى تأثر قدرات الملاك المالية، وعدم قدرتهم على ضخ أموال أكبر في النادي ليتساووا مع عمالقة أوروبا.

ففي الوقت الذي كان ريال مدريد يحصل على ما يقارب من 200 مليون يورو كحقوق بث إجمالية من مختلف البطولات عام 2011، انخفضت مداخيل ميلان إلى 124 مليون يورو في نفس العام، أي أن تغطية برلسكوني للفارق في الموازنة مع كبار أوروبا كما أسلفنا الشرح لم يعد حاضرًا، فبدلًا من تطور مداخيل ميلان من النقل التلفزيوني لتصل إلى 250 مليون يورو مثلًا حتى تقلص الفجوة مع المنافسين خارج إيطاليا، تراجعت أو بقيت على ما هي عليه عام 2004، وهذا خلل فادح في النادي حيث كان يعتمد على الفارق في هذه المداخيل لمنافسة كبار أوروبا في دفع الأجور.

وفي الحقيقة هذا التراجع في قيمة حقوق البث ارتبطت مع لجوء رابطة الدوري الإيطالي لمنع أنديته من إبرام صفقات خاصة بها مع المؤسسات الإعلامية، وقيامها (أقصد رابطة الدوري) ببيع حقوق البث بشكلٍ مباشرة للقنوات التلفزيونية، ثم توزيع الأموال على الأندية بناءً على شروط محددة، وهو ما جعل قدرة برلسكوني على ضخ أموال أكثر في ميلان محدودة.

مشاكل ميلان الاقتصادية كانت كبيرة، ففي الوقت الذي كان يجب أن يبحث فيه عن بناء ملعب جديد لزيادة عوائد النادي المالية من الملعب بشكلٍ مباشر، ومن الرعاة بشكلٍ متوازي مع ذلك، وجد نفسه أمام أزمة اقتصادية عالمية أثرت على جميع القطاعات، ثم اصطدم بسيطرة رابطة الدوري الإيطالي على حقوق البث، بالإضافة إلى ضربة الكالتشيو بولي التي قلصت بالأساس من قيمة حقوق البث بتراجع شعبية المسابقة ورحيل العديد من النجوم عنها.

انتهاء جيل ميلان الذهبي

حينما صعد ميلان إلى قمة أوروبا عام 2007، وكان يسيطر كفريق على كبرى البطولات، كان العمل الاقتصادي في وضعية حرجة، والأزمات الاقتصادية العالمية والمحلية تحاصر النادي، مع الأخطاء الإدارية، لكن المصائب لم تتوقف هنا، فالصفعة المدوية كانت على الجانب الفني.

لسوء حظ ميلان أن ذروة المشاكل أتت في نهاية الجيل، لم تأتِ في وسط الجيل، وإلا لكن للنادي أصول من اللاعبين يستطيع بيعهم بقيم مرتفعة، ربما يمر بعدها بأزمة فنية لبضعة أعوام، لكنه كان سينجو من الأزمة الاقتصادية، وربما سينهض فنيًا بعد أن يبني جيل شاب، لكن ما حصل في ميلان كان غير مقبول.

تشكيلة الفريق كان تحتوي على عدد كبير من “العواجيز” الذين يتخطون حاجز 31 عامًا، وحده كاكا من كان شابًا. بمعنى أن الإدارة كانت مطالبة بالإنفاق حينها لتطوير صفوف الفريق، وهو شيء لم يكن يستطع النادي فعله كما أسلفنا الذكر، وهذه كانت طامة كبرى. ميلان لم يخطط بشكلٍ جيد لمرحلة ما بعد جيله الذهبي الذي كان بحوزة كارلو أنشيلوتي، ومع الصدمات التي تعرض لها، انهار كل شيء.

ميلان لم يستطع الصمود فنيًا، النادي تراجع عامًا تلو الآخر، واتجه للتعاقد مع اللاعبين المخضرمين بصفقات مجانية أو عقود إعارة، فلا هو استطاع منافسة كبار أوروبا في الأجور التي يدفعونها، ولا استطاع إنفاق الأموال على فسخ العقود.

عدم قدرة النادي على امتلاك نجوم الصف الأول في صفوفه سيتسبب حتمًا بالحد من قدرة النادي على جذب الجماهير للملعب، وهي مداخيل منخفضة من الأساس كما أسلفنا الذكر، كما أدى لتراجع اهتمام الشركات العملاقة بميلان، وعدم قيامها بعقود رعاية ضخمة مع لاعبيه، وبالتالي معاناة النادي أكثر على الجانب الاقتصادي أمام منافسيه الذين يملكون نجوم على سوية عالية قادرين على جلب الاستثمارات له.

المسألة كالدومينو، تبدأ بنقطة تأزم واحدة، فتجر التي خلفها، ثم التي خلفها، ثم تكثر المشاكل حتى يصبح من المستحيل حلها.

برلسكوني ينسحب نهائيًا من عملية دعم ميلان

كل شيء كان يعمل ضد ميلان، وتعمقت المشكلة حينما قرر الرئيس خوض الانتخابات الرئاسية مجددًا عن حزب فورزا إيطاليا في عام 2013، قرار أثر بشكلٍ كبير على نادي ميلان، لأنه في ظل الأزمة الاقتصادية التي استمرت سنوات طويلة في إيطاليا وأثرت على كل القطاعات، كان برلسكوني الرجل الذي يتحمل هذه التبعات باعتباره الرئيس، لذلك لم يكن مقبولًا أن يستمر بالإنفاق على نادي ميلان خلال تلك الفترة مقابل أن الشعب يعاني من البطالة، وهو ما جعل مستشارية ينصحونه بترشيد الإنفاق في الروسونيري.

المسألة لم تقف هنا، صراع برلسكوني الرئاسي جعله مكشوفًا في ظل تنامي الانتقادات الداخلية بعد انهيار الوضع الاقتصادي في إيطاليا، مما دفع منافسيه للحفر في سجلاته، وبالفعل وجدوا مخالفات جسيمة استوجبت أن يتم ملاحقة شركاته بالتهرب الضريبي بقيمة 540 مليون يورو.

الضربة الثالثة خلال تلك الفترة، نتحدث عن عام 2013، تمثلت في إعلان شركة فينيفست المالكة لنادي ميلان، والتي تملكها عائلة برلسكوني، أعلنت بأن خسائرها جراء الأزمة الاقتصادية وصلت إلى 450 مليون يورو، وهو مبلغ فلكي يستحيل على أي شركة تعويضه، وربما يعرضها لخطر الإفلاس، لذلك كان يتحتم عليها التخلص من أحد الأطراف المريضة حتى تنقذ الجسد.

لم يكن هناك حل آخر، فينيفست كان يجب عليها التخلص من نادي ميلان بالتحديد، لعدة أسباب، أولها أن هذه المؤسسة تعاني من ديون كبيرة، ولا تحقق أرباحًا منذ سنوات لعوامل عديدة سبق شرحها، والمشروع بحاجة لإنفاق ضخم حتى ينهض مجددًا ليحقق الأرباح، وخلال فترة الإنفاق ربما ستتنامى الخسائر، لذلك بدأ البحث فعليًا عن ملياردير يستطيع شراء النادي لتسد الشركة عجزها المالي وتستطيع إنعاش بقية المشاريع.

هكذا انتهت حقبة المجد التاريخي لميلان مع برلسكوني، الملاك الذي تحول إلى شيطان كما وصفه موقع سبوتسكيدا، سيلفيو تخلى عن ناديه المفضل نهائيًا، وتركه وحده يصارع أمواج الظلام.

لم يكن هناك حلًا آخر، إما بيع النادي، أو التمسك به وخسارة كل شيء!

سيلفيو برلسكوني مالك ورئيس ميلان سابقًا رفقة صديقة والمدير العام أدريانو جالياني

سيلفيو برلسكوني مالك ورئيس ميلان سابقًا رفقة صديقه والمدير العام أدريانو جالياني

البحث عن مالك جديد

لسوء حظ عشاق ميلان لم يكن من السهل إيجاد مستثمر مهتم بشراء أسهم النادي، فعائلة برلسكوني تطلب مليار يورو للتخلي عنه، وهو مبلغ يستحيل أن يقوم أي مالك بدفعه لأن النادي غارق في الديون، ولا يملك ملعبًا، وهو ما يجعل العوائد منخفضة مقارنة بالأندية المنافسة خارج إيطاليا (بل وداخلها في ظل امتلاك يوفنتوس لملعبه الخاص)، وفوق ذلك تعاني إيطاليا من ظروف معقدة جدًا على الصعيد الاقتصادي.

كان هناك كلام عن رجل تايلندي اسمه مستر بي، استمرت معه المفاوضات لفترة ليست بالقصيرة لكنها لم تكلل بالنجاح، قبل أن تنتقل ملكية النادي مقابل 750 مليون يورو إلى يونجهونج لي الصيني، مالك لشركة سينو أوروبا للاستثمار الرياضي عام 2017.

ظن عشاق ميلان بأن المالك الجديد سيقودهم نحو النجاح خصوصًا بعد تعاقده مع 11 لاعبًا جديدًا، لكنهم صُدِموا حينما علموا بأن المالك حصل على قرض من بنك إيليوت الأمريكي بما يقارب 300 مليون يورو من أجل تمويل صفقة شراء النادي، وكان مطلوبًا منه سداد هذا القرض خلال عام، لكن عدم التأهل لدوري أبطال أوروبا جعل من المستحيل تنفيذ ذلك، وبالتالي استحوذ البنك الأمريكي على أسهم النادي ليكون تحول سريع في ملكيته، وانهيار حلم الجماهير بشكلٍ صادم.

ميلان اليوم.. محاولة تصحيح الأخطاء

وصول ميلان إلى الحضيض كان نتاج سنوات طويلة من تراكم الأخطاء بدون البدء في مرحلة التصحيح، أدريانو جالياني المدير العام لميلان قال عام 2005 بأن النادي يعتزم بناء ملعب جديد بالقرب من ملعب سان سيرو الحالي، وحصلوا على التراخيص بالفعل في عهد باربرا برلسكوني بعد 7 سنوات، لكن والدها سيلفيو أعلن عام 2014 بأن عملية بناء الملعب الجديد توقفت، ولم يتم الإفصاح عن الأسباب حول ذلك حيث بقيت مبهمة، كون ميلان حصل على دعم من طيران الإمارات لبناء الملعب حينها.

لذلك طبيعي أن يخرج ميلان لأول مرة من قائمة أعلى 20 ناديًا كدخل سنوي في العالم عام 2018، ويتراجع للمركز 22.

الإدارة الحالية من ميلان استوعبت الأخطاء بعد فوات الأوان، فاتجهت نحو إصلاح الجانب الاقتصادي في النادي، مع البحث عن تحسين النتائج الفنية في ذات الوقت، فقامت ببعض الصفقات المقبولة فنيًا مع بعض اللاعبين الشبان، ووضعت خطة لبناء ملعب سان سيرو الجديد مع إنتر ميلان.

الملعب الجديد من المفترض أن يحقق دخلًا مقداره 124 مليون يورو سنويًا، منها 55 مليون يورو من المنطقة الترفيهية التي يفتقر لها سان سيرو القديم. صحيح أن ميلان لن يملك الملعب لوحده، وسيشارك إنتر ميلان فيه، لكنه يبقى حل مقبول في ظل ظروف النادي الحالية.

عودة ميلان إلى دوري أبطال أوروبا ستكون مفيدة للنادي اقتصاديًا، لذلك سعى مجلس الإدارة لخلق حالة استقرار فني بتمديد فترة بقاء المدرب ستيفانو بيولي، مع تعزيز بعض المراكز الناقصة عبر باولو مالديني، وهي خطة فنية تؤتي ثمارها حاليًا، والترشيحات تصب في خانة تأهل ميلان لدوري الأبطال للمرة الثانية على التوالي بعد غيابٍ دام سبع سنوات.

ميلان بدأ يخطو خطوات الطريق الصحيح في النجاح، لكنه ما زال بعيدًا عن النادي الذي كنا نعرفه في الماضي، ولا نستطيع الجزم بأنه سيعود قريبًا لهذه المكانة.