رونالدو وديبالا

موقع سبورت 360 – منذ اللحظة التي رأينا فيها الحكم يرفع لافتة التبديل، ووجدنا الرقم 7 عليها، أدرك الجميع أن هناك حالة من الفوضى ستحدث، ماوريسيو ساري المدير الفني ليوفنتوس قرر استبدال كريستيانو رونالدو والدفع بباولو ديبالا الذي تقمص دور البطولة وسجل هدف الفوز على ميلان.

هذه المرة الثانية على التوالي التي يتم فيها استبدال رونالدو، وقد أعرب في المباراة الماضية عن غضبه من قرار مدربه، لكن أمام ميلان، كانت ردة فعله أكثر حدة، لاسيما وأن التبديل جاء في الدقيقة 55، وفي مباراة مهمة جداً على الصعيد الإعلامي والجماهيري.

وليست المرة الأولى التي يظهر فيها الدون ردة فعل غاضبة عند استبداله، فعل ذلك في ريال مدريد وحتى مع مانشستر يونايتد، لكن شاهدنا بالأمس أن الأمور تخرج عن السيطرة قليلاً، خصوصاً أن ماوريسو ساري ما زال لم يسعفه الوقت لبناء علاقة قوية مع اللاعب.

رونالدو لم يكتفي هذه المرة بالتعبير عن غضبه بلغة الجسد، أو مناقشة المدرب، بل قام بمغادرة الملعب على الفور، ولم يتجه إلى دكة البدلاء، وهو أمر غير مقبول أبداً خصوصاً في الأندية الكبيرة، ولو كان لاعباً آخر بدلاً منه، لتم فرض عقوبة قاسية عليه.

لماذا بالغ رونالدو بردة فعله هذه المرة؟

كما أسلفنا سابقاً، أولاً ما زالت علاقته بماوريسو ساري ليست متينة بالقدر الذي تجعله يتقبل استبداله بالدقيقة 55 في مباراة يلقبها البعض بكلاسيكو إيطاليا رغم فارق الجودة بين الفريقين خلال السنوات الأخيرة، النقطة الثانية تتلخص في استبداله للمباراة الثانية على التوالي رغم أنه أظهر انزعاج في المرة الأولى، وشعر أن المدرب لا يكترث لرغبته بالبقاء في الملعب.

لكن ما هو أهم من كل ذلك، أن صاروخ ماديرا يشعر بالانزعاج من الفترة الصعبة التي يمر بها على الصعيد التهديفي، ويرى أنه متخلف كثيراً في سباق الهدافين من جهة، وبمنافسته مع ليونيل ميسي من جهة أخرى، فهو لم يسجل سوى 6 أهداف في جميع المسابقات منذ بداية الموسم خلال 14 مباراة خاضها.

كلما كان رونالدو غير راضياً عن ادائه داخل الملعب، ولم ينجح بهز شباك المرمى ولو لمرة واحدة على الأقل خلال المباراة، كلما كانت ردة فعله أكثر حدة عند استبداله، ولربما كان ليتقبل التبديل بصدر رحب لو خرج من الملعب محرزاً هدف أو اثنين.

بالطبع رونالدو مخطئ، ولا يوجد ما يبرر تصرفه الذي أثار استياء جماهير يوفنتوس، ويدل على عدم احترامه لزملائه والنادي الذي يمثله، لكن في المقابل، يجب أن نتذكر أن الرغبة باللعب والفوز والتسجيل وعدم الرضا عن الخروج من الملعب إحدى سماته الشخصية التي صنعت منه لاعباً عظيماً، حتى أن ليونيل ميسي لم يخجل من الاعتراف أنه لا يحبذ استبداله في مقابلة أجراها منذ أسبوع، فهو أمر معتاد من لاعبين على هذا المستوى.

رونالدو خرج مستاءً بعد تبديله

رونالدو خرج مستاءً بعد تبديله

السبب وراء استبدال رونالدو أمام ميلان

ماوريسيو ساري برر سبب استبدال الدون بأنه لم يكن جاهزاً على الصعيد البدني لخوض 90 دقيقة، وهو نفس التبرير الذي استخدمه في المباراة الماضية ضد لوكوموتيف في دوري أبطال أوروبا.

لكن البعض يرى أن المدرب الإيطالي تحجج بهذا السبب، وأخرج رونالدو من الملعب لأنه لم يكن راضياً عن الأداء، ويريد خلق حيوية أكبر في خط الهجوم، ورغم أنه نجح في ذلك نسبياً، وحقق النقاط الثلاث بفضل البديل ديبالا، لكنه دفع ضريبة باهظة بالضجة التي حدثت بعد هذا القرار، والتي سوف تستمر لبضعة أيام على الأقل.

وقد يكون هناك سبب آخر لهذا القرار الجريء من ساري، وهو رغبته في فرض سيطرته على غرغة خلع الملابس، وتوجيه رسالة للدون وبقية اللاعبين أن التمرد على القرارت لن يغيّر نظرته أبداً، وسوف يستمر بفعل ما يراه صحيحاً.

ما لا يفهمه ساري في يوفنتوس وبتعامله مع رونالدو

المدرب صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الفريق، وله كامل الحق في اختياراته للتشكيلة والتبديلات التي سيقوم بها، لكن المدرب الحكيم، يعرف كيف يستخدم هذه السلطة بشكل يرضي جميع الأطراف قدر الإمكان، وليس الدخول في صراع مع أفضل لاعب في الفريق، وواحد من أهم اللاعبين في التاريخ وأبرزهم من حيث العلامة التجارية.

ما لا يفهمه ساري أن نجومية رونالدو تفوق أندية بحالها، صحيح أن يوفنتوس أكبر من أي لاعب، لكن حجم الهالة الإعلامية والجماهيرية التي تحيط بالدون أمر غير مسبوق في تاريخ كرة القدم، ولا يمكن التعامل معه بالسهولة التي يتخيلها مدرب تشيلسي ونابولي السابق.

نوعية رونالدو وميسي لا يمكن إغضابها أبداً، فعدا عن أن مجابهتا سيؤدي إلى نتيجة كارثية وقد يكون منصبه هو الضريبة النهائية التي سيدفعها، فهما أيضاً يملكان قدرات فنية تفوق باقي اللاعبين بمراحل، حتى لو انخفض مستواهما أحياناً، فصحيح أن ديبالا سجل هدف الفوز، لكن نسبة أن يسجل رونالدو هدف واثنين وثلاثة في شوط واحد أعلى بكثير من المراهنة على لاعب آخر ليتولى هذه المهمة.

رونالدو ليس أكبر من يوفنتوس، لكنه أكبر من ساري، هذه حقيقة لا يمكن النقاش بها، فهناك بعض اللاعبين تتجاوز أهميتهم سلطة المدرب نفسه، خصوصاً إن كان المدرب ما زال لم يحقق الإنجازات التي تسعفه لاتخاذ قرارات من هذا النوع.

لماذا كان الأمر مختلفاً مع زيدان في ريال مدريد؟

في الحقيقة، حتى زين الدين زيدان بتاريخه كلاعب، من ثم إنجازاته الاستثنائية كمدرب، لم يسلم من غضب الدون، لكن كما قلنا، كان ردة فعل رونالدو أقل حدة بكثير، ولم يتجرأ على مغادرة أرض الملعب في أي مرة تم استبداله بها، لأنه يعرف أن العواقب قد تكون وخيمة على جميع الأطراف.

السبب في ذلك يعود إلى أنه كان يتعامل مع أسطورة مثله تماماً، هذا الأمر أدركه جيداً منذ لحظة تعيين زين الدين زيدان مدرباً للفريق، بل يرى الكثيرين أن هذا أحد أهم أسرار نجاح ريال مدريد في السنوات الأخيرة، فنجوم بهذه القيمة كانوا يحتاجون مدرب بهذه الأهمية والشهرة والشخصية.

لكن ليس هذا فقط، زيدان بارع في التعامل النفسي مع اللاعبين، وقراراته دائماً مدروسة، ويتم التمهيد لها من قبل، فقد اجتمع برونالدو وأخبره أنه يمر بمرحلة انتقالية في مسيرته، وعليه التضحية ببعض الدقائق، وأحياناً ببعض المباريات، والدون تقبل هذا الأمر بصدر رحب لأن النتيجة كانت في صالحه بالنهاية.

عندما كان يقرر زيدان استبدال رونالدو، كان يتم الاتفاق على ذلك بين الشوطين، وقد صرح المدرب الفرنسي بهذا في عدة مناسبات، فالتمهيد لقرار جريء أمر مهم لتجنب انفجار قنبلة داخل النادي، وعندما كنا نرى الدون منزعجاً أحياناً من التبديل، كان ذلك بسبب عدم رضاه عن النتيجة أو عن مستواه في الغالب، وليس من التبديل نفسه، فكما قلنا، هو لديه علم مسبق من مدربه أنه سيغادر الملعب لكي لا يتم استهلاكه ويكون جاهزاً لاستحقاقات أكثر أهمية.

شيء أخير يمكننا تسليط الضوء عليه، وهو أن زيدان عرف كيف يحصل على أفضل نسخة حاسمة من رونالدو، وكانت قرارات إراحته واستبداله دائماً ما تلعب في صالح اللاعب أولاً، والفريق ثانياً، طبعاً نتحدث على المدى البعيد وليس بالنسبة للمباراة نفسها.

ساري ما زال لم ينجح في تفجير قدرات رونالدو، ولا اعتقد أن المشكلة باللاعب بقدر ما هي بطريقة اللعب ودوره في الملعب، لأن الدون ما زال يقدم مستوى مذهل مع البرتغال من حيث الحسم، ونشعر أن لديه رغبة في إظهار قدراته مع يوفنتوس بشكل أكبر مما كان مع ريال مدريد في سنواته الأخيرة، فهو الآن يشارك أكثر في عملية بناء اللعب، ويبادر أكثر بالمراوغة، وهذه مؤشرات تؤكد أنه ما زال بخير، ويحتاج فقط لمدرب يعرف كيف يخرج الوحش الذي بداخله ليكون راضياً عن استبداله بالنهاية.