بايرن ميونخ

“لا أستبعد أن يخفق بايرن ميونخ في تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا في الأعوام العشرة المقبلة” هكذا كانت كلمات ستيفان إيفنبرج قائد بايرن ميونخ سابقاً والمتوج بلقب دوري الأبطال عام 2001 ، إيفنبرج الذي يعد من أبرز الشخصيات القيادية في الملعب من أبناء جيله وضع يده على جرح البايرن في الوقت الحالي، والكرة الألمانية بشكل عام.

الخوف من المستقبل بدا واضحاً في كلمات إيفنبرج، ففي ظل النمو الاقتصادي المخيف للأندية الإنجليزية، مع قوة ريال مدريد وبرشلونة التي لا تتوقف عن النمو، مع دخول باريس سان جيرمان كطرف قوي في الصراع الاقتصادي، يجد البايرن نفسه وحيداً في هذه المعمعة ومجبراً على القبول بصفقات إعارة من أندية أخرى على غرار خاميس رودريجيز.

الفارق في القوة الاقتصادية والقدرة الشرائية واضح للجميع، فحينما ينفق برشلونة 89 مليون يورو على نيمار قبل 4 أعوام، مع وجود احتمال كسر هذا الرقم القياسي للنادي في السوق الحالي، وإنفاق ريال مدريد 101 مليون يورو على جاريث بيل قبل 4 أعوام أيضاً، وتحطيم أندية إنجلترا الأرقام القياسية في سوق انتقالات لاعبي خط الوسط والمدافعين، مع دفع سان جيرمان 222 مليون يورو مقابل نيمار، وسط هذا كله نجد أن صفقة البايرن القياسية لا تتجاوز 41.5 مليون يورو !

الأموال ليست كل شيء صحيح، لكنها تبقى عاملاَ مؤثراًَ للغاية للمحافظة على الاستقرار وامتلاك القدرة على المنافسة لأطول مدة ممكنة، بدون الأموال يصبح الانتقال من جيل إلى جيل أمراً في غاية الصعوبة، بل ربما تنتهي الإنجازات مع نهاية عمر الجيل المميز افتراضياً.

قدرة بايرن الشرائية تنخفض عام تلو الآخر، ففي الوقت الذي يصل فيه روبن وريبيري إلى سن متقدم جداً يبدو النادي عاجزاً حتى الآن عن تقديم البديل المناسب والمقنع لهما بجودة مرتفعة، بل يبدو أن امتلاك هذا البديل في المستقبل أمراً صعباً للغاية في ظل انخفاض قدرة النادي على الإنفاق على لاعبين بجودة مناسبة، وعدم قدرته على دفع أجور مرتفعة مقارنة بإسبانيا وإنجلترا.

كارل هاينز رومينيجه و خاميس رودريجيز

المسألة لا تبنى حول تصريحات إيفنبرج فقط، بل يمكن القول أنها تتخذ الطابع الرسمي بتصريحات كارل هاينز رومينيجه الرئيس التنفيذي للبايرن حيث قال في نوفمبر 2016 لصحيفة بيلد سبورت الألمانية “الخوف من ارتفاع فاتورة الأجور لا يأتي من إنجلترا فقط بل من إسبانيا أيضاً”.

رومينيجه وضح ضعف قدرة البايرن على دفع الأجور المرتفعة واستشهد على ذلك بأجر كريستيانو رونالدو، البرتغالي ينال 24 مليون يورو سنوياً خالية من الضرائب (50 مليون يورو شاملة الضرائب تقريباً)، بينما لا يوجد نادي في ألمانيا _حسب قوله_ يستطيع أن يدفع 20 مليون يورو شاملة الضرائب، مما يعني أن أندية ألمانيا لا تستطيع الحفاظ على لاعبيها على المدى البعيد.

تصريحات رومينيجه تؤكد ما قاله إيفنبرج، وبالأحرى هي موجة قلق واضحة ومتنامية في جنبات الكرة الألمانية، حتى أن هانز يواكيم فاتسكه الرئيس التنفيذي لبوروسيا دورتموند أكد على صحة كلام رومينيجه قائلاً “ريال مدريد وبرشلونة لن يتأثرا بقوة أندية إنجلترا المتنامية إقتصادياً، على عكسنا في ألمانيا، هناك الكثير من اللاعبين في البوندسليجا يعلمون بأنهم قادرين على نيل ضعف أو 3 أضعاف أجرهم في الخارج، وهو ما سيجعلنا نعاني في الحفاظ على لاعبينا”.

مسألة انخفاض القدرة على دفع أجور مرتفعة ستؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية أيضاً، المسألة لا تتعلق بدفع 100 مليون يورو مقابل لاعب واحد فقط فربما تحصل على هذا اللاعب بصفقة انتقال حر إن كنت محظوظاً، لكن حينها كيف ستدفع الأجر المرتفع له؟ هذه المشكلة بالتحديد واجهت البايرن في صفقة أليكسيس سانشيز حينما كان آرسنال مستعداً لبيعه بسعر مخفض لكي يمنعه من الانتقال إلى مانشستر سيتي، لكن ارتفاع أجره جعل البايرن ينسحب من الصفقة.

توليسو أغلى لاعب في تاريخ بايرن ميونخ

توحيد رومينيجه وفاتسكه كلامهما يدل أن المشكلة تخص الأندية الألمانية بشكل عام، القضية بالأحرى لها علاقة بتسويق الدوري الألماني وانخفاض قيمة بيع حقوق البث التلفزيوني مقارنة بحقوق بث الدوري الإنجليزي، أو حتى الإسباني باعتبار أن الريال والبرسا كانا يستحوذان على مبالغ طائلة منها.

تسويق الدوري المحلي هام جداً ليس فقط لنيل عائد مالي أعلى من بيع حقوق بثه، بل من أجل الحصول على صفقات رعاية متعددة للأندية المحلية بمبالغ أعلى قيمة في المستقبل.

هذه الفكرة تتضح من كلام رومينيجه، إيفنبرج، فاتسكه، التي تتعلق بالمستقبل بدرجة أكبر من الوقت الحالي، البايرن يجد أن قيمة العلامة التجارية للنادي ستنخفض مع مرور الوقت في ظل تنامي العلامة التجارية للأندية المنافسة بسبب قوة بطولاتها المحلية أو قوة ملاك هذه الأندية مالياً، الدليل على ذلك أن بايرن ميونخ يعتبر رابع أعلى الأندية دخلاً حسب ميزانية موسم 15\2016 بمبلغ 592 مليون يورو، لكن الخوف أن يستمر البايرن في التراجع ليصبح هناك فجوة كبيرة تفصله عن أندية القمة.

مارتين صامويل الكاتب الرياضي الشهير في بريطانيا نشر مقالاً قبل أسابيع قليلة ينتقد من خلاله البايرن على عقد صفقة استعارة لتعزيز مركز أساسي في الفريق وليس من أجل دكة البدلاء، ووضح في المقال بأن البايرن يتلقى الرعاية من شركات عملاقة مثل تيليكوم، أديداس، أليانز، سيمينز، أودي … الخ ، لذلك ليس مبرراً له اللجوء لهكذا صفقات.

بايرن ميونخ يعقد صفقة مع تيليكوم مقابل 30 مليون يورو سنوياً

لكن ما نسيه صامويل هنا هو قيمة رعاية هذه الشركات للبايرن، فحينما كانت شركة أديداس تعقد اتفاقاً مع البايرن قبل عامين لرعايته حتى عام 2030 مقابل 60 مليون يورو سنوياً (بعض المصادر تقول 40 مليون يورو سنوياً) فإنها كانت تعقد صفقة مع مانشستر يونايتد مقابل 90 مليون يورو سنوياً !

كما أن البايرن يحصل من تيليكوم التي تضع شعارها على قميص النادي على 30 مليون يورو سنوياً، فيما عقد اليونايتد صفقة مع تشيفروليه قبل 3 أعوام مقابل 60 مليون يورو سنوياً، وهو ما يحصل عليه برشلونة أيضاً من راكوتين.

الفارق يتضح أكثر مع مرور الوقت، الشركات الراعية تقدم عقود أعلى قيمة بالضعف أحياناً للأندية الإنجليزية والإسبانية مما يحصل عليه البايرن، وهذا يعني أنه على المدى البعيد ستتسع الفجوة بشكل كبير جداً مع هذه الأندية إن لم يتدارك البافاري ورابطة الدوري الألماني الوضع بسرعة كبيرة جداً.

 من هنا ينشأ الإحباط والخوف والقلق، وبسبب ذلك نسمع هذه التصريحات من إيفنبرج ورومينيجه، وسنسمعها من المزيد من الأشخاص في المستقبل.