يوتوبيا زدينيك زيمان .. الحياة برأسٍ مرفوعة

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • زدينيك زيمان

    كتب أنتونيلو فينديتي ولّحن أغنية بها أحد السطور التي تقول “لماذا أنت بالذات لا تتغير أبداً ..Perche’ non cambi mai..”، وهذا السطر عن مدرب قال عن تلك البلد الذي لم تعتبره أبداً مدرباً كبيراً : “في وقتٍ ما من مسيرتي وحينما كان الدوري الإيطالي هو الأفضل في أوروبا تلقيت اتصالات من ريال مدريد و برشلونة ولكنني لم أستطع أن أرحل عن هذا المكان ..الكالتشيو، وكنت أنتظر عروضاً من أندية كبيرة في السيري آ”، وكانت هذه العروض التي لم تصل أبداً من يوفنتوس أو إنتر أو ميلان.

    بعد وقتٍ قصير من تحقيق يوفنتوس لأسوأ مراكزه “السابع” مع المدرب لويجي مايفريدي في 1991، كان هناك المدرب التشيكي في الجنوب وبالتحديد في فودجيا يحقق ما أطلق عنه النقاد معجزة فودجيا بعد أن كام بتسريح كامل الفريق وقام بتصعيد 12 لاعباً تحت سن 21 عاماً، وإن كان مايفريدي الذي فشل مع اليوفي قد أطلقوا على كرة القدم التي قدمها مع بولونيا قبل أن يأتي لليوفي “كرة القدم الأنيقة/الاحتفالية .. أو Calcio Champagne”، فإن ابن الأخ التشيكي خلق ثورة على الملعب وعلمهم كيف تكون الكرة الاحتفالية أو الكالتشيو شامبانيا بصورة حرفية.

    تعلم من عمه شيستمير فايكباليك كيف يقضي أوقاته في صقلية وكيف يحب كرة القدم، وحينها كان العم “شيستمير” قد استقبل ابن أخاه الذي أتى للعيش به بعد قيام الحرب في بلده، وفاز شيستمير مع يوفنتوس ببطولتي الدوري الإيطالي 1972 و1973 ولوحظ أنه يهتم بتطوير واكتشاف المواهب الشابة، ومضى زدينيك في نفس طريق عمه، الذي كان أسعد حظاً منه بتدريب اليوفي، وربما كان الرجل الذي يراه البعض يناصب يوفنتوس العداء مشجعاً متيماً به في صغيره.. وعُرف عن ابن الأخ رغبته في تقليد عمه، فأخرج نيدفيد ونيستا وكافو وتوتي وفيراتي وكثير من المواهب للنور ..بعد أن كان في شبابه قد مارس لعب الكرة الطائرة وكرة اليد والبيسبول والهوكي وكذلك عمل لفترة كمدرب لتعليم السباحة.

    قصة زيمان مع يوفنتوس..ما بين العداء أم الحُب ؟

    أنشيلوتي مدرباً ليوفنتوس عام 2000 ضد زيمان كمدرب لنابولي

    أنشيلوتي مدرباً ليوفنتوس عام 2000 ضد زيمان كمدرب لنابولي

    يحكي أسطورة البيانكونيري كلاعباً ورئيساً جيامبيرو بونيبرتي في كتابه “حياة برأسٍ مرفوعة” أنه عندما وصل إلى براج في التشيك لحضور واحدة من مباريات يوفنتوس الأوروبية عام 1985 أنه قابل امرأة في النفق المؤدي للملعب وهو تلهث.. امسكت بيده وقالت مُترجيةً إياه: أرجوك..أخبر شيستمير تحياتي، وكانت هذه المراة هي والدة زدينيك، والذي رافق عمه في رحلاته التدريبيه كمشاهد ومتابع، ولكن شيستمير كان قد اكتفى بما حققه وعاد لقضاء شيخوخته في باليرمو بالجنوب بينما بدأ زيمان رحلته كمدرب من نفس المكان..في مدرسة الكرة بباليرمو ثم بفريق الشباب.

    وبعد القصة الرائعة التي بدأ بها زيمان مسيرته في الدرجة الأولى مع فودجيا..استطاع ترك بصمات واضحة على فرق لاتسيو وروما في نهاية التسعينيات واهتم بالكشف عن مواهب ثقيلة الوزن..كانت فيما بعد عماداً لفوز روما ولاتسيو بالدوري الإيطالي في مطلع الألفية الحديثة.. وكان قريباً من المنافسة على اللقب، كما كان قريباً من الصعود مع فريق ليتشي إلى دوري أبطال أوروبا، وعندما لامه البعض على أنه يستقبل أهدافاً كثيرة رد : “لا يهمني كم هدفاً استقبلنا..ما يهمني أن فريقي يملك أفضل فارق ما بين الأهداف المدفوعة والمقبولة..كرة القدم هي احتفال شعبي”.. وكان هذا مخالفاً لوصايا عمه شيستمير.

    “فلسفتي الكروية تأتي من مدرسة Danubian التي تأسست في النمسا والتشيك والتي يحدث بها التمركز على شكل الـ2-3-5، وحينها يلعب اثنين من المهاجمين بشكلٍ مختلف ما بين الأطراف والعمق، مع الصعود الدائم للاعبي الوسط، وهي تعتمد على القدرات الفردية وعلى اللاعبين القادرين على إتقان التمريرات القصيرة والمستمرة للأمام وعلى الرواقين، ولكنني أخذت منها النسق وليس التمركز..لقد نجحت هذه المدرسة التي بدأت في العشرينيات أن تزدهر في السبعينيات مع فريق أياكس الفائز ببطولة أوروبا مرتين على التوالي مع رينوس ميتشلز..في إيطاليا يخافون من هذه المدرسة لأن لا يوجد مدرب يريد خسارة وظيفته..ولكن هذه هي عقليتي

    وساهم الرجل دون أن يقصد بصعود مدربين جُدد أصحاب أفكار معاكسة ونقيضة للمدرسة الإيطالية الكلاسيكية في التدريب، وهو ما انعكس على الكالتشيو بوجود أسماء مثل أوزيبيو دي فرانشيسكو مدرب روما السابق وماورتسيو ساري مدرب يوفنتوس الحالي وقبلهما كان هناك ديليو روسي وآخرون..حتى أن كرة القدم الاحتفالية الشبيهة باليوتوبيا الزيمانية وجدت طريقها للمنتخب الإيطالي مؤخراً مع مانشيني الذي فاز في كل مبارياته بتصفيات كأس الأمم الأوروبية وبنتائج ثقيلة وأداء ممتع.

    زدينيك زيمان

    زدينيك زيمان

    والشىء الغريب في زدينيك أنه رجل تسبب في قتل مسيرته بلسانه، فلسان زيمان ولقاءاته الصحفية في نهاية القرن الماضي جعلته يعيش بعيداً عن الأضواء لسنوات طويلة، ولم تصل له العروض المنتظرة من الأندية الكبرى ولا حتى فرق الصف الثاني، وذكر البعض أن لوتشيانو مودجي إداري يوفنتوس السابق وآخرون عملوا على إجلاس زيمان في منزله وإيقاف أي عرض مُقدم له..انتقاماً من تصريحاته ضد يوفنتوس ومحاولته مقاضاة مودجي وأشخاص بعينهم كان يعتقد أنهم وراء إدخال المنشطات بكثافة إلى الملاعب، فهو الرجل الذي كان يريد كرة القدم النظيفة الخالية من المنشطات والمراهنات والاحتيال.

    فريق يوفنتوس عام 1997

    فريق يوفنتوس عام 1997

    وكان زيمان قد نال فرصة أخيرة بعد أن تخطى أعوامه الستين بتدريب فريق روما (كان قبلها مرشحاً لتدريب يوفنتوس بعد سقوطه للدرجة الثانية عام 2006 على خلفية قضية الكالتشيو بولي، ولكن تم صرف النظر عن ذلك للسوابق الكلامية الصادرة منه ضد فريق اليوفي نهاية التسعينيات)..وكانت عودته لتولي مسئولية تدريب فريق كبير متأخرة جداً في عام 2012..وكانت هي العودة الثانية له إلى فريق الجيالوروسي..بعد أن قاد ليتشي “الجيالوروسي الآخر_ في 2004 والذي كان أفضل هجوم في إيطاليا بـ66 هدف، كان عليه أن يبدأ مع الجيالوروسي القديم والذي يعرفه جيداً، حيث تتلمذ فرانشيسكو توتي وهو شاب على يده..ولكن المايسترو وعاشق خطة الـ4-3-3 لم يحظى بتجربة ناجحة للغاية مع تشكيلة بها كثير من اللاعبين الشبان، ولم تنتظر إدارة روما حتى نهاية الموسم وأقالته بعد أن قام بتكوين فريق هجومي كاسح ولكنه غير مكترث دفاعياً.

    قضى التشيكي هادىء الطباع سنواته الماضية مع عالم كرة القدم في محاولة لاكتشاف مواهب جديدة في بيسكارا وإهداء عناقيد جديد من فواكه الموهبة إلى شجرة اللُعبة، وعندما نعود إلى الحديث عن أغنية فينديتي نتذكر معاً لقاء تلفزيوني مصور بينه وبين أحد ممثلي الكوميديا  .. وهو جالس بجواره، ويخبره “أنت لا تتغير..لا تتغير أبداً..توليت 19 فريقاً أو أكثر وفي كل مرة أنت وفي لأفكارك نفسها .. وفي للـ4/3/3 وبالهجوم بـ6 لاعبين بالكامل والدفاع بأربعة فقط.. من يهاجم في إيطاليا بستة لاعبين؟ لكنك مخطىء يا زيمان..أنت في عالم لا يريد الحقيقة والجمال..وأنت تبحث عنهما دائماً”.

    أنا سعيد لأنني كل ما أذهب لأي مكان أرى شخصاً يوقفني ويخبرني أنه يحب كرة القدم الخاصة بي..عندما أنظر لما حققته قبل عشرين عاماً وأرى أن المدربين في إيطاليا يستاقون اليوم بعض أفكاري.كنت.أعرف أنني كنت أسبق الجميع بعشرين عاماً..والآن أقول أنني أسبق الجميع بأربعين عاماً”.

    ومن الأسباب الأخرى التي جعلت زيمان يقضي على مجد تدريب لاعبين كبار في التسعينيات أو في مرحلة متقدمة من مسيرته هي الأحمال التدريبية الخاصة به والتي وصفت أنها قاسية للغاية، إلى حد أن لاعبين كبار مثل دي روسي وبيانيتش في روما تأففوا وضجروا منها، ولكنه يجيب ببساطة عندما يتم الإلحاح عليه في السؤال : “لا أحد يموت منها”.

    مانشيني أظهر وجهاً هجومياً مع منتخب إيطاليا المتأهل لكأس الأمم الأوروبية بالعلامة الكاملة

    مانشيني أظهر وجهاً هجومياً مع منتخب إيطاليا المتأهل لكأس الأمم الأوروبية بالعلامة الكاملة

    ورغم تلك المثالية الكروية التي يطالب بها ابن براج، لكنه عندما يجلس مع أحد الصحفيين كان يشعل سيجارة كل 6 دقائق تقريبا، وكأن ذاك الهادىء ينفث غضبه وثورته في السيجارة وعلى أرضية الميدان مع عرض هجومي ثوري..وصل إلى السبعين من عمره ولكن مازالت مدرسته التي مازالت مسماة باسمه إلى جانب ساكي تفرز تلاميذاً جُدد..يتطلعون إلى اليوتوبيا الكروية التي شيدها، ويحاولون تقليدها..بعضهم يُخاطر وبعضهم يتوجس خيفة، لكنهم جميعاً كانوا شباباً يقتدون بأفكاره الكروية، وعندما أصبحوا رجالاً مشاهير فإنهم يكتفون ببعضٍ من هذه الملامح..وكأن هذا هو العزاء، لأن السنوات قد مرت ومازالت اليوتوبيا الزيمانية تجد مكاناً لها في كرة القدم الحديثة.