ماورتسيو ساري

موقع سبورت 360- في الليل..على مكتب مغلق ومُترب بعض الشىء كان هناك كوب من البلاستيك قد رُشف منه القهوة حتى آخرها وتُرك انتظاراً لقدوم العامل صباح السبت لأخذه..كان قد شربه السيد ميكيلي بيرجولتزي والذي تأخر عن موعد اصطحاب زوجته للذهاب للتسوق وشراء الأدوات المدرسية لطفلهما الذي يدخل الصف الرابع هذا العام..ومما لا يُهم ذكره، فإن بيرجولتزي تزوج متأخراً مقارنةً بأقرانه.

بعد محادثة مرهقة مع مدير المكتب للذهاب في وقتٍ مبكر ترك بيرجولتزي بوجهه الشاحب مكتبه كما هو حتى أنه قد نسى اصطحاب بعض الأوراق المطلوبة منه وهو ما يعرضه لمزيد من التوبيخ المحتمل من مديره الجديد.. في منزل تم تأجيره حديثاً في تورينو يرن جرس الهاتف المحمول وتمتد اليد للإجابة على الهاتف فإذا ببيرجولتزي يعانق زميله صوتاً وشعوراً على الهاتف ويحكي لصديقه القديم عن مستجدات البنك والأمور المُعطلة التي كلما أراد القيام بها أصبح الأمر صعباً مع تقدمه في العمر وتأخر ترقيته.

.يضحك الطرف الآخر على الهاتف مجيباً إياه بأنه مثله يجلس ساهراً لساعات طويلة لرؤية كيف سيفلح الدفاع في التعامل مع سرعة الفرنسي العجوز والإيطالي الشاب في فلورنسا..أجابه بيرجولتزي: آه..نعم لديك فيورنتينا..أنت تعمل في البورصة يا صديقي لم تبتعد يوماً عن الخطورة ولكنها بورصة من نوعٍ آخر..منذ أن تركت المكتب وأردت العمل كمدرب كرة..وأنت دائماً تراهن في كل مباراة..حياتك مليئة بالمراهنات.

يطفىء ساري آخر سيجارة في العلبة مشيراً إلى أنه يحاول التقليل من الدخان بعد ما جرى له..سأنتظرك يوم الاثنين لنحكي سوياً على الهاتف..لا تتضايق لأنني لم آتٍ في الموعد السابق كما اتفقنا على المقهى الذي اعتدنا الجلوس عليه..كان لديّ لقطات كثيرة من التدريبات لأحللها..تعرف أن الوقت القادم صعب بالنسبة لي..لدي مباريات في الكالتشيو وأخرى في دوري الأبطال..الناس هنا في تورينو يمكن أن يبيعوا روحهم في مقابل الفوز بها.. ورغم كل هذه الهموم فلديّ بعض المسامير على الأرض كلما دخلت للمركز التدريبي ..بعض اللاعبين الذين يصرخون في الكواليس ويريدون اللعب.

يكتفي بيرجولتزي بهز الرأس ويقول لصديقه سأنتظرك بأي وقت..لا تنسى أن ترسل تحياتي إلى أسرتك..كل التوفيق يا ماورتسيو..أيها المشهور اللعين..يضحك عالياً ثم يغلق الهاتف بعد التشاو تشاو المعتادة منه.

جيوفاني سيميوني

جيوفاني سيميوني

إلى فلورنسا يصطحب ساري حقيبته وهو يتذكر أيامه هناك..النابوليتانو الذي وجد الكثير من الراحة مع زملاءه القدامى في بنك توسكانيا أراد أن يعيش على حافة الخطر أكثر من ذلك..فحياة الموظف البنكي خالية من التقلبات وراكدة..كان يريد لأي شىء أن يحدث..لمجرد أنه يحدث..وتحول الوقت الذي يسرقه بعد البنك للإشراف على بعض فرق الهواة وتجربة أن يكون مدرباً لكرة القدم من وقت للهواية إلى وقت لعمل آخر أكل من تركيزه في ساعات المكتب الصباحية كثيراً..

قرر أن يتخلى عن وظيفته بعد صراخ دام لليالي مع زوجته..وأن يتحول لمدرب كرة قدم..مع ذلك..بقى أصدقائه في البنك على اتصالٍ دائم به. فلورنسا نفسها هي التي جعلته يرمي المنشفة في غرفة الطعام على الأرض بعد أن عاد إلى منزله خائباً..“اسمحي لي..نابولي خسر اللقب..هل تعلمين معنى تلك الخسارة ..إنه ليس عرضاً للتوفير في السوبر ماركت إنه لقب الدوري الإيطالي.. الاسكوديتو الذي كان بين أيدينا..شىء لا يعوض..أتسمحين لي ببعض الوقت بمفردي؟.”

بعد ما حدث في فلورنسا لم يغب عن بال ماورتسيو الأهداف الثلاثة التي سجلها جيوفاني سيميوني..لشهور كانت تلك اللقطات لا تغيب عن البال حتى وصل له العرض القادم من لندن للعمل مع تشيلسي..نعم، صحيح أن هذا الملياردير الروسي لا أمان له..قال لميكيلي وأردف قائلاً “وأنني أحب إيطاليا يا بيرجولتزي وجماهير نابولي..لذلك سأذهب إلى لندن لعام.حتى أنسى خسارة ذلك الحلم بالاسكوديتو وأنسى خيبة الأمل..ثم سأعود..ربما إلى اليوفي..لا أحد يرفض اليوفي يا بيرجولتزي أعرف أنك من فلورنسا وكم من مباراة شاهدناها معا ورأيت كم تكره اليوفي..لا تنسى بعد أنهم أخذوا منكم الصبي الحلم “باجيو” بعد أن بدأ ينطق..لكن لا أحد يرفضه”.

ومضى الوقت وئيدا ثقيلا ولكنه حمل ليل السمار إلى غايته وقال ماورتسيو لنفسه حان وقت اتخاذ القرار..يمسك بالقلم ويوقع لليوفي ويتم إعلان الغضب الجام عليه من أطراف الشوارع ورؤوس المقاهى في نابولي لكنها أسابيع حتى انطلق الموسم وفاز اليوفي على نابولي 4/3 في غيابه بسبب الالتهاب الرئوي.. تعرف يا بيرجولتزي أن للقدر أحياناً أحكامه الرحيمة..غيابي عن نابولي كان مكافأة من الرب لي على شىء ما صنعته.

ساري في يوفنتوس

ساري في يوفنتوس

في عصر يوم السبت يحمل بيرجولتزي معطفه وهو يداعب الموظفة الشابة ببضعة كلمات غزلية قرأها ليلة أمس للشاعر ليوباردي..وهي تضحك من تصابيه..يخرج مسرعاً من المكتب عصر الرابع عشر من سبتمبر..يفتح التلفزيون ويجلس على الأريكة وهو يشرب القهوة التي اعتاد أن يشربها في مثل هذا الوقت من اليوم..ليس مثل صديقه ماورتسيو..الذي كان يشربها على الدوام في الصباح..آه..هذا ماورتسيو يا زوجتي العزيزة..يظهر على التلفزيون، سألتقي به بعد أن ينهي هذه الأعمال المُعقدة..ربما في نوفمبر..يقف ساري لأول مرة بالبدلة التدريبية وعليها شعار اليوفي..بالقرب من الخط الفني ويعرض الجرافيكس الخاص بالبطولة اسمه وتحته لقب “آلياناتوري ديلًا يوفنتوس – مدرب يوفنتوس”.

بيرجولتزي لزوجته: “آه تعرفين كم أحب فيورنتينا..أعشق الفيولا منذ كنت طفلاً يا فتاة..ولكني أحب صديقي أيضاً..”.

على أية حال وبعد عشر دقائق من بداية اللعبة..قام فرانك ريبيري بتسديدة أرض جو علت العارضة بقليل..وبداخل بيرجولتزي اعتمرت العاطفة القديمة ورأى نفسه غير مُدرك ولسانه يتحرك..”فورتسا فيورنتينا”.

كل الأحداث المكتوبة بالأعلى من خيال الكاتب المحض..فيما عدا أن يوفنتوس سيلعب في فلورنسا عصر السبت فعلاً..ليس هناك من وجود لشخص يُدعى ميكيلي بيرجولتزي.