ملاحم كروية : قصة عداوة ألمانيا وهولندا

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • ريكارد مع فولر ولقطة لا تُنسى

    تلعب كرة القدم دوراً اجتماعيا وثقافياً فاعلاً،لكنها مع ذلك تتأثر بالعوامل السياسية والتاريخية،تصبح منافسات كرة القدم مؤثرة ومسألة كرامة لا تقبل المساومة ،وهذا ما يتجلى في مباريات الجارتين ألمانيا و هولندا.

    عداوة بني أساسها على الكره و المشاعر الوطنية التي إنتشرت بسبب الحرب العالمية الثانية وغزو الألمان لهولندا،و التنافس الكروي لفرض الهيمنة  الأوربية خصوصاً بعدما  توج بايرن ميونخ ممثل ألمانيا بدوري أبطال أوروبا في 1974، 1975،1976 بعدما احتكرها  أياكس أمستردام الهولندي في الأعوام الثلاثة السابقة ،وخسارة الهولنديين أمام ألمانيا الغربية . في نهائي 1974. بعد ان كان الفوز في متناول أيديهم لتخطفه الجارة العداوة كما يصفونها.

    عداوة صنفت الثالثة على مستوى تاريخ كرة القدم من حيث القوة والندية،إذ يعتبر الفوز على ألمانيا إنجازاً تاريخياً ،وشرفاً يضع منتخب هولندا في أعلى المراتب الوطنية ،فهو واجب مقدس وثأر لأرواح الهولنديين الذين أزهقت أرواحهم أثناء الحرب العالمية الثانية.

    قال ويسلي سنايدر :” لقد شاهدت المباريات على التلفزيون،حلمت باللعب وتسجيل هدف الفوز في مرمى ألمانيا.

    في هذا التقرير نسلط الضوء على عداوة المنتخبين وما تخللها من مراحل.

    البداية 1974-1988:

    التقى منتخبا ألمانيا الغربية  وهولندا في نهائي كأس العالم1974 كأس العالم ،ورغم كون الهولنديين الذين أبهروا العالم بكرتهم الشاملة ونجمهم يوهان كرويف مرشحين فوق العادة للفوز فقد هزموا أمام  ألمانيا الغربية في مباراة ملحمية، فبعدما تقدموا بهدف من ركلة جزاء لنيسكينز ،عادل برايتنر النتيجة قبل أن يخطف غيرد مولر الفوز لبلاده مبدداً آمالهم بالتتويج على أرض عدوهم اللدود “الجار الألماني”الذي أستضاف البطولة.

    هولندا وألمانيا في نهائي كأس العالم 1974

    هولندا وألمانيا في نهائي كأس العالم 1974

    أدت الخسارة أمام ألمانيا الغربية إلى صدمة كبيرة في هولندا،وأطلق عليها باللغة العامية “أم الهزائم”.ورفض فان هانيغم حضور مأدبة أقيمت بعد المباراة معللاً ذلك بقوله”” أكرههم لقد قتلوا عائلتي ،والدي ،أختي واثنان من إخوتي .كلما ألعب ضد ألمانيا يملأني الغضب”.

    بينما أحتفل الألمان بالفوز واعتبروه نهاية حقبة هولندا الذهبية ،فهولندا بنظرهم سادت ثم بادت على أيديهم.

    قال القيصر فرانز بكنباور لإذاعة بي بي سي في2012:” لقد كلفتني المباريات ضد هولندا سنوات من عمري،لكن لم أكن لأفتقدها لأي شيء.هذه المباريات تميزت بحس عالٍ من المشاعر والتوتر غير المسبوق”.

    التقى الفريقان مرة أخرى في  كأس العالم 1978 و كأس الأمم الأوروبية 1980 . كانت المباراتين غاية في العدوانية والعنف،اندلعت مشاجرات على أرض الملعب وعلى دكه الاحتياط، فقد أشتبك الحارس توني شوماخر مع لاعبي هولندا ،ولكم الهولندي رينيه فان دير كيركوف بيرند شوسترعلى عينه.

    كانت كلتا المباراتين في دوري المجموعات ،ويبدو أن النتيجة لم تكن مهمة للطرفين الذين أكنا الكره لبعضهما.

    مرة أخرى تلاقى العدوان في نصف نهائي أمم أوروبا.هولندا بقيادة  كومان ، خوليت ، ريكارد ، فان باستن والمدرب رينوس ميتشلز صاحب المقولة الشهيرة  “كرة القدم حرب” وربما قصد بها مواجهة الألمان.  لعبت ضد  ألمانيا الغربية بقيادة ماتيوس ،فولر ،كلينزمان والمدرب فرانز بيكنباور.

    أقصت هولندا ألمانيا الغربية ، تظاهر رونالد كويمان بمسح مؤخرته بقميص المنتخب الألماني بعد نهاية المباراة .توجت هولندا باللقب على حساب الإتحاد السوفييتي ،لكن الفوز الحقيقي بالنسبة للهولنديين كان إخراج الغريم القوي ،وهذا ما عبر عنه ميتشيلز عندما تحدث للجماهير المحتفلة  في أمستردام ووصف الفوز بالانتقام بكلمات نارية مبطنة “لقد كان الفوز الحقيقي في نصف النهائي”.

    أحتفل الهولنديون بتتويجهم حاملين دراجاتهم الهوائية في إشارة لمصادرة النازيين لها أثناء حقبة الاحتلال الألماني لبلادهم وغنوا”في 1940 أتوا إلينا،في 1988 جئنا إليهم”.

    أثارت مصادرة الدراجات الهوائية سخط الهولنديين على الألمان  ،فباتوا يصرخون في كل مباراة ضدهم “أعيدوا دراجاتنا”.

    أدرك اللاعبون قيمة انتصارهم على ألمانيا الغربية وظهر ذلك جلياً في تصريحات حارس المرمى هانز فان بريوكلين “لقد انتظرت هذه اللحظة لمدة14 عاماً،قبل المباراة تذكرت مشاعري عندما كنت طفلاً أشاهد التلفاز،ذلك أشعل غضبي. ويسعدني أني كنت قادراً على منح هذه الهدية للجيل الأكبر سناً،أولئك الذين عاشوا الحرب”.أما رود خوليت قائد المنتخب فقد قال :” جلبنا الفرحة للجيل الأكبر سناً  لقد رأيت عواطفهم و دموعهم”.

    وعلى الطرف الآخر لم يستوعب الألمان سبب الحقد الذي يكنه الهولنديون لهم رغم نهاية الحرب العالمية.قال أول من كارل هاينز رومينيجه في1978:”كان الضغط هائلاً،والصحافة المحلية تذكي نيران العداوة القديمة،لفد عرفنا أنهم جاهزون وفي انتظارنا ،كان علينا أن نحافظ على تركيزنا. وأعتقد أنه من العار الحقيقي و المؤسف أنهم يعتبرون كرة القدم تعبيراً عن حقدهم منذ الحرب العالمية”.

    كلام مشابه لما قاله كارل هاينز فورستر لاحقاً في 1980:”كنا نعلم قبل المباراة أن الأجواء ستكون مشحونة.أقسمنا على الفوز لأن الفوز كان مهماً لكبريائنا . كان ضربنا أهم شيء بالنسبة لهم ،إنهم يكرهوننا أكثر مما نكرههم”.

    1988-الوقت الحالي:

    WM-Achtelfinal-Drama 1990 - Rijkaard spuckt Völler an

    التقى الفريقان مرة أخرى في لقاء ناري في كأس العالم 1990 ،كانت حادثة بصق فرانك ريكارد على رودي فولر بعدما طرد لاحتكاكه مع حارس مرمى هولندا اللقطة الأشهر في تاريخ اللقاءات الشهيرة بين الخصمين.

    طرد ريكارد لاحقاً ،وقال رودي فولر أنه شتمه وهدده بقوله”سآخذك إلى القبر”.ورغم شدة التنافس لم ينظر إلى المباراة كمنافسة رياضية بقدر ما اعتبرت نزاعاً سياسياً.

    في عام 1992 فازت هولندا ألمانيا 3-1 في مرحلة المجموعات من بطولة الأمم الأوروبية 1992، و خسرت ألمانيا المباراة النهائية ضد الدنمارك.

    في أمم أوروبا2004 تعادل الفريقان في الدور الأول 1-1،وخرجت ألمانيا من الدور الأول ،فرح الهولنديون بمغادرة الألمان من الدور الأول و غنوا في المدرجات “وداعاً ألمانيا المسكينة،لقد انتهى الأمر”.

    في يورو 2012 هزمت ألمانيا هولندا 2-.1 في مجموعة الموت التي جمعتها بجانب البرتغال والدنمارك .حلت هولندا أخيرة في المجموعة وغادرت البطولة من الدور الأول.

    لم تقتصر العداوة بين المنتخبين على شجارات اللاعبين ،فكثيراً ما أطلق الهولنديون صيحات الاستهجان عند عزف النشيد الوطني الألماني ،وبالمقابل يرد عليهم الألمان بالتصفير و الصراخ لدى عزف النشيد الهولندي.

    إمتد صراع  الغريمين إلى ميدان جديد للسجال وهو الفضاء الرقمي والإعلامي الذي أصبح ساحة لمعركة افتراضية بين جماهير الفريقين.

    germany holland

    أبرز الردود و مشاهد السخرية بين الطرفين:

    انتشرت عبارة “بدون هولندا سنسافر إلى أمم أوروبا” في ألمانيا للسخرية من فشل هولندا في التأهل إلى يورو2016،وونشر أحد المشجعين الألمان تغريدة على موقع تويتر: “هولندا وفرنسا وبطولة أمم أوروبا لا يلتقيان أبدا”في إشارة إلى فشلها بالتأهل للبطولات التي استضافتها فرنسا سابقاً في 1960و1984 و 2016.

    بعد خروج منتخب ألمانيا من كأس العالم 2010 سخرت صحيفة بيلد من منتخب هولندا،وقالت :”علينا أن نشجع لاعبي هولندا الذين يلعبون في دورينا الألماني فهم القادرون على الفوز”

    في متحف مدينة روزندال أقيم معرض مخصص لعرض مشاهد العداوة بين الطرفين،ونص لقصيدة شعرية تتحدث عن هزيمة 1974 تقول “كنا الأفضل،ولكنهم كانوا أفضل”..

    عرض التلفزيون الألماني برنامجاً وثائقياً عن كأس العالم2006 ركز فيه على خروج هولندا من البطولة.

    علق الهولنديون بعد الفوز ببطولة 1988 لافتة عملاقة على الحدود مع ألمانيا كتب عليها بالألمانية “أنتم الآن تدخلون بلد أبطال أوروبا”.

    في 2010 نشر التلفزيون الهولندي إعلاناً يظهر لقاءات مع المشجعين الهولنديين يتحدث أحدهم أنه يشجع ألمانيا ،بعد ذلك يظهر المعلقون و الجمهور غارقين في نوبة ضحك هستيرية.

    g_alemania_holanda_576x324

    إعلان بثه التلفزيون الألماني حول غطاء للأذنين باعتباره السلاح الفعال للتخلص من ضجيج الهولنديين.

    إعلان لشركة دهانات هولندية يظهر سعادة العامل بعد طلاء غرفة  فريق ألمانيا المشارك في كأس العالم 2010 باللون البرتقالي.

    في إعلان ألماني للعبة فيفا الشهيرة يظهر مقطع من مباراة ألمانيا وهولندا يقول فيه المعلق :” هولندا ستربح كأس العالم ،لا أحد يمكنه إيقافها “.بعد ذلك يسجل الألمان هدف الفوز.

    طرح المغني الألماني ميكي كراوس أغنية “فقط عمال النظافة من يرتدون البرتقالي” للسخرية من الهولنديين لاقت انتشارا واسعاً في بلاده.

    في كل مباراة لعبها الخصمان رفع الهولنديون لافتات كتبوا عليها”جدتي لقد وجدت دراجتك”.

    رغم كل هذه الحساسية  التي تلقي بظلالها بين الفينة والأخرى على مواجهات الخصمين ،أثبت كلاهما جدارته وريادته للكرة الأوربية والعالمية،ولعل تتويج المانشافت بكأس العالم 2014 و حلول منتخب هولندا ثالثاً أكبر دليل على ذلك.

    لمتابعة الكاتب عبر الفيسبوك