الصندوق الأسود .. يكشف المستور عن خسارة الأندية العربية لقضاياها أمام الفيفا و “الكاس”

حاتم ظاظا 00:50 31/12/2017
  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • ما بين الفينة والأخرى، تخرج أخبار مرعبة للكرة العربية، في وسائل الإعلام تحت عناوين شيقة وجذابة لكنها محزنة منها: “الفيفا يخصم نقاط من رصيد فريق نادي الاتحاد السعودي” والفيفا يُهدد النصر السعودي بخصم 6 نقاط” و”الفيفا يهدد قطر بسبب مستحقات نادي النصر الإماراتي” و “الفيفا يهدد بمعاقبة الاتحاد المصري” و”الفيفا يهدد زاخو العراقي”.

    فسبب تلك التهديدات والعقوبات قضايا كبيرة، لم يتم حلها بالطريقة المناسبة. تطورت كرة القدم منذ أكثر من 70 عاماً، وأخذ تطورها ينحصر في الأمور التكتيكية، فشاهدنا جميع الفرق والمنتخبات تلعب بـ 9 مهاجمين، ثم زاد عدد المدافعين قبل ظهور خط الوسط.

    وكانت كرة القدم تحتاج في ذلك الوقت لقوانين تنظم عملها من ناحية طريقة اختيار مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” ومسؤولي الاتحادات القارية والأهلية، وقوانين متعلقة بتنظيم البطولات، واخرى متعلقة بطريقة لعب كرة القدم.

    ظهرت حاجة كرة القدم للقوانين منذ ولادة اللعبة، فتطورها التكتيكي غطى على تطور قوانينها. وظهرت مشاكل كبيرة متعلقة بتلك القوانين، ما اضطر مسؤولي الفيفا لإضافة قوانين لتنظيم عمل كرة القدم، فظهرت قوانين إنذار وطرد اللاعبين، وعدد التبديلات، وطريقة لعب الركلة الركنية وركلة الجزاء ورمية التماس، ومدة شوطي المباراة…الخ. ظلت القوانين في تطور مستمر، لكن ما زاد أهمية قوانين كرة القدم، ظهور مشاكل كثيرة في كرة القدم يصعب حلها، فأدى ذلك لتشكيل لجان قانونية ومحاكم رياضية للفصل بتلك القضايا الشائكة. استدعى ذلك أيضاً زيادة عدد القوانين في اللعبة، خصوصاً من الجانب الإداري، لتظهر قوانين كثيرة أبرزها قانون بوسمان المتعلق بحق اللاعب بالانتقال من نادٍ إلى آخر، والذي شكل نقطة تحول، إذ أصبحت كرة القدم تعامل كمهنة للاعبين، ومنها بدأ مسمى احتراف اللاعبين، كما ظهرت قوانين متعلقة بطريقة اختيار الدول المستضيفة للبطولات الكبيرة منها كأس العالم، وقوانين تحارب الفساد، وشكلت لجان كثيرة في الفيفا، ولكل لجنة قوانين خاصة بها.

    ووسط ذلك التطور العالمي لهذه اللعبة الشعبية، لم تتطور كرتنا العربية، وظهرت مشاكل كثيرة على المستوى التكتيكي والفني، وظهرت أنديتنا ومنتخباتنا في المحافل الدولية بشكلٍ ضعيف. وما زاد ضعف كرة القدم العربية ضعفها بفهم قوانين كرة القدم، وتطوير كرة القدم، وتطبيق قوانين كرة القدم. وظهرت مشاكل قانونية كبيرة في الكرة العربية، ولم تحل، مع أن الاتحادات الأوروبية تستطيع حل تلك المشاكل بسهولة، كما ظهرت في الآونة الأخيرة مشكلة مهمة متعلقة بخسارة الأندية والمنتخبات العربية الكثير من القضايا، ومبالغ مالية كبيرة لدى اللجان القضائية في الفيفا، وامحكمة التحكيم الرياضية.

    تناقش هذه المادة مدى ضعف الكرة العربية من ناحية قوانين كرة القدم، وأسباب خسارة القضايا في الفيفا ومحكمة التحكيم الرياصية، والحلول لتلك المشكلة.

    احصائيات

    الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا، لا يقدم احصائيات دقيقة عن حجم قضايا الأندية العربية لديهم؛ لأن القضية تدخل بمراحل عديدة، تبدأ بتقديم الشكوى والمراسلات، والتحقيق، وإصدار قرار، واستئناف، واستئناف لدى محكمة التحكيم الرياضية، ثم قرار قطعي، وتنفيذر القرار.

    وأكد موقع العربية نت بتاريخ 14 أبريل 2017 أن الأندية السعودي تحتل المركز الثاني بعدد القضايا لدى الفيفا، بـ 140 قضية ضد 14 نادياً. وعند رصد أخبار الأندية المصرية كذلك نجد أن عدد قضاياهم في الفيفا كبير، واتحادات عربية كثيرة وصلها عقوبات ضد أنديتها من قبل الفيفا.

    لماذا تخسر الأندية العربية قضاياها لدى الفيفا ومحكمة التحكيم؟

    تصدر غرفة فض النزاعات في الاتحاد الدولي لكرة القدم قرارات تلزم فيها الأندية العربية بدفع الأموال لمدرب أو لاعب أو وكيل، وتقوم تلك الأندية بتقديم استئناف لدى لجنة الاستئناف في الفيفا ثم تخسره. وتلجأ الأندية العربية إلى محكمة التحكيم الرياضية التي تصدم الأندية العربية بخسارة القضية.

    هناك أيضاً حالات أخرى متعلقة بالعقوبات التي تصدرها الاتحادات القارية ضد الأندية العربية بسبب تجاوزات في بطولة ما، وتقوم تلك الأندية باستئناف القضية إلى محكمة التحكيم الرياضية في سويسرا، وتخسرها كذلك.

    إذاً، قضايا كثيرة وكبيرة تخسرها الأندية العربية لدى اللجان القضائية في الفيفا ومحكمة التحكيم الرياضية.

    ونضع لكم أسباب خسارة الاتحادات والاندية العربية قضاياها في الفيفا ومحكمة التحكيم الرياضية:

    التأخر بالرد

    عندما تفتح أي قضية في غرفة فض النزاعات أو في لجنة الاستئناف أو في محكمة التحكيم الرياضية، يتم توجيه استجواب للأندية، ويتم تحديد مدة للرد على ذلك الاستجواب الذي يتم عبر المراسلات. وتتأخر نسبة كبيرة من الأندية العربية بالرد، وبذلك تفقد فرصتها بكسب القضية، حيث يقول القانون، إن عدم الرد في الموعد المحدد يفقد الشخص أو الجهة الفوز بالقضية، حتى لو امتلكت أدلة البراءة.

    عدم تدعيم الرد بقوانين

    لا ترسل الأندية العربية نصوصاً قانونية لتدعيم أدلة البراءة، ويضعف هذا موقفها في القضية، ويدل على أن من يكتب الردود لا يملك خلفية قانونية، وليس على إطلاع كامل بقوانين كرة القدم.

    فريق الدفاع وعدم متابعة القضية

    تعين الأندية العربية محامين غير مختصين بكرة القدم للدفاع عن قضاياها في الفيفا ومحكمة التحكيم الرياضية، ويدافعون عن تلك القضايا عبر القوانين المدنية، وليسوا على إطلاع بالقوانين السويسرية التي تنتمي إليها قوانين الفيفا ومحكمة التحكيم الرياضية، وتكلفهم الأخطاء التي يرتكبها المحامون أثناء الترافع بتلك القضايا خسارة القضية.

    كما أن الأندية العربية لا تتابع قضاياها في الفيفا ومحكمة التحكيم، ما يجعلها عرضة للإهمال. ويتم التأخر بالنظر في تلك القضايا، فقضية الأردني عامر شفيع ضد نادي الإسماعيلي المصري بقيت في أدراج الفيفا لأكثر من خمس سنوات، إلى أن تمت متابعتها من جديد وصدر الحكم فيها.

    عدم تسديد رسوم القضية

    عندما تلجأ الأندية العربية إلى لجنة الاستئناف أو محكمة التحكيم الرياضية، تصبح مطالبة بدفع رسوم القضية قبل البدء بالنظر فيها، ولا تدفع بعض الأندية العربية الرسوم في الموعد المحدد، مما يؤدي إلى خسارة القضية.

    عدم الالتزام بموعد الاستئناف

    على أي نادي عربي يريد اللجوء إلى لجنة الاستئناف في الفيفا إبلاغ اللجنة بطلب الاستئناف خلال ثلاثة أيام من صدور حيثيات قرار اللجنة التأديبية أو غرفة فض النزاعات. وبعد التبليغ، أمامها سبعة أيام لكتابة تفاصيل الاستئناف. ويفقد عدد كبير من الأندية العربية حقها بالاستئناف؛ لأنها لم تبلغ اللجنة برغبتها باستئناف القضية خلال أول ثلاثة أيام.

    ويحدث ذلك في محكمة التحكيم الرياضية، حيث تطلب المحكمة من أي شخص يريد الطعن في أية قضية أمامها أن يرسل طلب الطعن خلال 21 يوم من صدور حيثيات قرار الاستئناف، وكثير من الأندية العربية لم ترسل طلب الطعن في القضايا الصادرة من لجنة الاستئناف خلال الفترة المحددة.

    التوقيع على عقود مجهولة الشروط وعدم التوثيق

    يقوم اللاعبون والمدربون، خصوصاً الأجانب، بوضع بنود وشروط في العقد المبرم مع الأندية العربية، وتتعلق تلك البنود بالأمور المالية، مثلا بأن يحصل اللاعب والمدرب على كامل القيمة المالية في عقده إذا رحل قبل نهاية مدة العقد. وتوقع الكثير من الأندية العربية على العقود دون قراءة تلك البنود، وبذلك تخسر قضاياها في الفيفا ومحكمة التحكيم الرياضية بسبب تلك البنود.

    ولا تقوم بعض الأندية العربية بتوثيق المدفوعات المالية التي تسلمها للاعبين والمدربين والوكلاء. وعند تقديم شكوى، تطلب اللجان القضائية من الأندية العربية إرسال وثائق بدفع تلك المبالغ. وخسرت الأندية العربية الكثير من القضايا لعدم إرسالها الوثائق المالية، رغم أنها سددت تلك المبالغ.

    عدد محامي كرة القدم في الاتحادات العربية قليل جداً

    يوجد عدد كبير من المحامين المختصين بكرة القدم في قارة أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، كما يوجد عدد هائل من مكاتب المحاماة المختصة بالقوانين الرياضية. في المقابل، نجد أن عدد المحامين العرب المختصين بقوانين كرة القدم، والذين يمتلكون في سجلهم ترافع بقضايا في الفيفا ومحكمة التحكيم، قليل جداً.

    يوجد في الأردن محامٍ واحد مختص بقوانين الرياضة عامة وكرة القدم خاصة، وفي تونس يوجد اثنين، وفي السعودية لا يوجد إلا واحد رشح مؤخراً ليكون محكماً في محمكمة التحكيم الرياضية. وفي الكويت يوجد محامي يعمل كمحكم في محكمة التحكيم، وفي الإمارات يوجد محاميين، أحدهما مختص بقانون كرة القدم وعمل كمحكم في محكمة التحكيم الرياضية،  وينطبق الحال على محامٍ آخر عمل كمحكم في محكمة التحكيم الرياضية ومختص بقوانين الألعاب الرياضية الأخرى، كما توجد بعض المكاتب المختصة بالقانون الرياضي في الإمارات التي تشهد ثورة في مجال المحاماة المختصة بكرة القدم.

    ويعتبر هذا العدد قليل جداً بالمقارنة بدول مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وسويسرا والبرازيل والأرجنتين، والذين يتولون المرافعة عن أبرز القضايا في الفيفا ومحكمة التحكيم الرياضية. ويكشف هذا مدى ضعف الاتحادات الرياضية العربية في الجانب القانوني، حيث عدد المحامين المختصين بالرياضة قليل جداً.

    ولا تعتمد الأندية العربية على المحامين العرب للدفاع عن قضاياها، فتلجأ بعض الاتحادات والأندية العربية الكبرى، إلى مكاتب محاماة في القارة الأوروبية للترافع عن قضاياها.

    الحلول للخروج من تلك الأزمة

    تعيش كرة القدم تطوراً كبيراً، وقد واكبت اتحادات عالمية كثيرة ذلك التطور، ونجحت في حصد الإنجازات. وتشهد قوانين كرة القدم تطوراً مماثلاً، وقد شاهدنا كيف تميزت اتحادات كروية في حل جميع المشاكل القانونية. ووسط ذلك التطور، تشهد كرة القدم العربية تراجعاً مخيفاً فاقم تخلف الكرة العربية في المجال القانوني، وشاهدنا كيف لم تستطع اتحادات عربية حل قضايا سهلة وبسيطة، فيما تخسر اتحادات وأندية عربية قضاياها في الفيفا ومحكمة التحكيم. ووسط ذلك المشهد، نحتاج إلى حلول لإعادة الهيبة للكرة العربية في المجالي القضائي.

    تنحصر الحلول باختيار كل اتحاد مجموعة من المحامين المهتمين بكرة القدم، وإخضاعهم لدورات تدريبية تتعلق بقانون كرة القدم في الفيفا ومحكمة التحكيم والقانون القضائي السويسري، خصوصاً وأن قوانين الفيفا ومحكمة التحكيم مصدرها القانون السويسري.

    كما يجب إخضاع أعضاء اللجان القضائية (لجنة الانضباط ولجنة الاستئناف وغرفة فض النزاعات) لدورات تتعلق بعملها، ويشرف على تلك الدورات أعضاء اللجان القانونية في الاتحاد الدولي لكرة القدم.

    وبعد الانتهاء من تلك المرحلة، تجب إتاحة الفرصة أمام تلك المجموعة لقيادة اللجان القانوينة في الاتحادات العربية، وتوكيلها للدفاع عن قضايا الاتحادات والأندية العربية في الفيفا ومحكمة التحيكم، حتى تكتسب الخبرة العملية، ومن ثم تكتسب خبرة عملية في ذلك المجال أيضاً، وستصبح قادرة على حل جميع القضايا القانونية في الكرة العربية. ولنتذكر دائماً أن كرة القدم هي التي تحتاج القانون لينظم عملها وليس القانون الذي يحتاج كرة القدم.