كرة القدم : سعادتي وتعاستي وصحة دماغي

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • ألان شيرار يسجل هدفاً من ضربة رأسية

    موقع سبورت 360 – ترجمة بتصرف من برنامج وثائقي على بي بي سي تم عرضه في 2017


    اسمي ألان شيرار ولعبت كرة القدم بشكل احترافي لـ20 عاماً، تدربت على ضرب الكرة برأسي لمئات المرات في كل يوم ، لم يخطر ببالي أن ضرب الكرة بالرأس أمر يمثل خطراً على صحتي …

    أعرف لاعبين سابقين واجهوا هذه المشاكل الصحية في دماغهم ويعانون من الخرف في سن مبكر.. انا أطرح أسئلة كان يجب أن نستمع لها قبل سنوات طويلة : هل اللعبة الجميلة تخفي سراً مؤلما يهدد حياتي؟

    لا شعور يتفوق على اللعب لناديك المفضل وارتداء قميص منتخب البلاد وتسجيل الأهداف لكليهما ، نجحت بتسجيل 260 هدفاً في الدوري الإنجليزي الممتاز ونحو عشرين بالمئة منهم بضرب الكرة برأسي .

    التقارير الطبية في السنوات الأخيرة عن تأثير ضرب الكرة بالرأس على صحة اللاعبين تثير قلقي، اللاعب السابق في صفوف وست بروميتش ، جيف أستيل، كان متميزاً في ناديه وأيضاً مع منتخب إنجلترا وكان لاعباً قناصاً بضرب الكرة برأسه ومشجعو الفريق أطلقوا عليه لقب “الملك”.

    جيف فارق الحياة في 2002 في سن الـ59 وتقرير الطب الشرعي لجثته أشار إلى أن سبب الوفاة هو المعاناة من الخرف بسبب ضرب الكرة برأسه في مسيرته كلاعب لسنوات طويلة. سافرت لمقابلة ابنة جيف ، دون، للحديث معها عن مسيرة والدها وما حدث له .

    تخبرني “دون” أن: والدي لم يعد قادراً على تذكر اسم حفيده وهو امر أثار شكوكي حول وضعه الصحفي، ثم فاجأني بسؤالي في أحد الأيام : أين زوجتي ؟ رغم أنها توفت قبل ذلك بسبعة عشر عاماً، ذهبنا لزيارة الطبيب والتقرير قال لنا أنه يعاني من الخرف وعشنا معاناة في آخر خمس سنوات من حياته فتحول من شخص منظم الى شخص عشوائي في تصرفاته وبت أشعر بألم فظيع من رؤيته في هذا الوضع الذهني ، كان جسدياً يشبه والدي لكنه من الداخل تحول إلى شخص آخر لا يدرك ما يدور من حوله.

    التقرير الطبي أشار إلى أن دماغ جيف أستيل أشبه بما يحدث لملاكم بعد سنوات من تلقي الضربات من المنافسين، لكنه كان لاعبًا لكرة القدم وليس ملاكمًا ! ولأول مرة تم وصف ما حدث له بأنه “إصابة عمل” وان المهنة التي زاولها كلاعب كرة القدم هي سبب “إصابته” بالارتجاجات في دماغه دون أن يشعر بالأمر وأفضت إلى وفاته.

    ألان شيرار يضرب الكرة برأسه

    ألان شيرار يضرب الكرة برأسه

    سافرت إلى غلاسكو في اسكتلندا للحديث مع الخبير الطبي الذي فحص جيف أستيل بعد وفاته وأعطى هذا السبب الطبي لما حدث له، وهو أكد لي أن الخرف مختلف تماماً عن الزهايمر الذي يصيب الانسان ، يتابع الدكتور ويلي ستيوارت بأن الحالة التي وجد عليها دماغ اللاعب السابق أستيل تشير الى CTE وهو ما وجدناه لسنوات سابقا لدى الملاكمين لكن الإشكالية أنه لا يمكن إجراء الفحص الذي يجزم بهذه الحالة إلا بعد وفاة الشخص ما يجعلنا عاجزين عن تشخيصه خلال حياته بهذا النوع من الخرف.

    كرة القدم هي الرياضة الوحيدة تقريباً التي يتم فيها استعمال الرأس كوسيلة للتنافس بضرب الكرة هجومياً أو دفاعياً، تركيز الكثيرين يكون على تأثير ضرب الكرة على الجبهة لكن الأهم من ذلك أننا يجب أن ننظر لما يحدث للدماغ ككل في حركته في السائل الذي يحيط به ويحميه داخل الجمجمة وعن ملامسة الكرة بالرأس فان الدماغ يتحرك داخل السائل بشكل عنيف وتكرار هذا الأمر ليس جيدا لصحة الدماغ بل إن ضربة واحدة قوية قد تتسبب بارتجاج للشخص حتى لو لم يشعر بصداع أو ألم لان الخلايا تبدأ بالتأثر داخلياً، والتغييرات التي تحدث لها لا يمكن ملاحظتها بسهولة.

    850 ألف شخص في بريطانيا يعانون من الخرف وعدد كبير منهم سبق أن لعب كرة القدم وأحدهم هو مات تيز الذي سبق وأن لعب كرة القدم بشكل احترافي في السبعينات في انكلترا واسكتلندا، وميزته الاساسية كانت قدرته على تصويب الكرة برأسه ويعاني حالياً من الخرف.

    زوجته تخبرني: يعيش سيناريو يومي صعب، فهو لا يدرك أنه يعيش في منزله وأقوم بتذكيره في كل صباح بأي يوم نحن، وتاريخ اليومـ لكننا يجب أن نتعايش مع هذا الوضع رغم انه يكاد يتسبب بانهمار دموعي بشكل دائم.

    يحاول مات أن يتذكر الأندية التي لعب في صفوفها، وبالفعل يتذكر بعض التفاصيل في حديثه معي لكن في أغلب الوقت ينظر في الفراغ دون كثير من الكلام.

    تتابع زوجة مات حديثها: “أشعر بالألم عندما أجد أن حفيدي حالياً يلعبان كرة القدم، وكلما قفز أحدهما لابعاد الكرة برأسه أشعر بقلبي يتمزق ، رغم ذلك فإنهما لا يريدان التوقف عن لعب كرة القدم رغم ما يشاهداه من وضع جدهما لأنهما يعتبران بأن كرة القدم اختلفت طريقة صناعتها ولم تعد بنفس الثقل كما كان الوضع عليه قبل ثلاثين سنة واكثر”.

    أغادر منزل مات وأشعر بالحيرة إن كان حفيداه يسيران في طريق محفوف بالمخاطر بضرب الكرة بالرأس.

    خضعت لفحص في جامعة ستيرلنغ لرد الفعل العصبي والنتيجة ان ردة الفعل تصبح أبطأ بعد ضرب الكرة بالرأس مقارنة بنتائج الفحص دون ضرب الكرة بالرأس وهو أمر يثير قلقي لكن ما يثير الاحباط أننا لا نمتلك دراسات علمية أكثر في هذا الإطار لغياب التمويل اللازم عنها رغم أهميتها.

    قررت العودة لمقابلة أول مدرب لي في مسيرتي كلاعب شاب وهو كريس نيكول الذي كان بمثابة استاذي في طريقة تسديد الكرة بالرأس في فريق ساوثامبتون ومنحني فرصتي الأولى مع فريق الكبار.

    شيرار يتدرب على تسديد الكرة بالرأس

    شيرار يتدرب على تسديد الكرة بالرأس

    سألته فكان واضحاً بجوابه: “نعم ضرب الكرة بالرأس له تأثير سلبي” يقول لي وهو يبتسم بألم بانه بات يفقد الكثير من ذاكرته وهو الذي لعب لعشرين عاما والأمر يصبح كارثياً عندما تنسى عنوان منزلك ، لم يلجأ إلى الأطباء لأنه لا يعتقد بأنهم قادرون على مساعدته حاليا ، الذاكرة تخفت شعلتها يوماً بعد يوم وتزداد في درجة السوء.

    ماذا لو نال فرصة لتغيير ما حدث له ؟ يرفض نيكول ذلك ويتمسك بأن يعيش نفس سيناريو حياته كلاعب مجدداً لو سنحت له الفرصة لأنه قام بما تطلبه الأمر في عمله كلاعب كرة القدم بضرب الكرة بالرأس.

    أترك مدربي السابق وأنا أشعر بالأسى لأنه يرفض أي مساعدة طبية وكأي لاعب كرة قدم سابق يعيش كبرياء برفض الاعتراف بأي ضعف.

    ذهبت لزيارة ليس فيردناند الذي كان لاعباً سابقاً خلال أيام احترافي للعبة، ويتولى حالياً تدريب الفئات العمرية ويؤكد بأن مسألة المخاطر الصحية لضربات الرأس تتواصل كنقاش مستمر في انجلترا مقارنة بقرارات الاتحاد الأمريكي للعبة بتقليل تكرارات تدريبات ضرب الكرة بالرأس للاعبين صغار العمر.

    جون تيري لاعب تشيلسي السابق يؤكد أن اللعبة أصابها التغيير وبات الأسلوب المسيطر هو وضع الكرة في تمريرات أرضية بدلاً من الكرات الهوائية مقارنة بما كان عليه الحال حينما بدأ مسيرته، مما جعله في أواخر مسيرته يسددها برأسه بتكرار أقل في التدريبات والمباريات، لكنه يؤكد أن ابنته التي تلعب كرة القدم حالياً تنال تشجعيه بأن تضرب الكرة برأسها، لأن عدداً أقل من الفتيات يلجأن للكرات الرأسية مما يمنحها أفضلية على منافساتها.

    هل سيطلب منها التوقف عن فعل ذلك؟ ربما إن شاهد مزيداً من الدراسات الطبية تؤكد النتائج السلبية لضرب الكرة باستعمال الرأس.

    يتذكر شيرر تلقي ضربات في رأسه، وضع ضمادة لإيقاف النزيف ثم العودة مباشرة للمباراة وتلقي ضربات جديدة على رأسه ونزيف جديد لكن هكذا كانت اللعبة في تلك الأيام: لا تتوقف بل تتابع تقديم ما لديك لفريقك.

    أقوم بزيارة جديدة إلى جون ستايلز ابن نوبي ستايلز لاعب مانشستر يونايتد السابق وأحد أفراد منتخب إنجلترا المتوج بكأس العالم في 1966 والذي أصابه ًالخرف ( توفي لاحقا).

    يشعر جون بالحزن لما حدث لوالده وغيابه تماماً عن الوعي الذهني، ويؤمن بأن ضرب الكرة بالرأس في مسيرته تسبب بما حدث له، ويزيد غضبه بأن الأمر لم يجد أي معالجة طبية حتى الان في التعامل معه خاصة أن الأمر ينظر له كأحد عوامل كبر السن وليس عارضاً طبيا يأتي من هذه الممارسة خاصة في التدريبات وهو يرغب بمنع الناشئين من ضربة الكرة برأسهم تماما.

    أترك جون وانا أشعر بأن ضربة الكرة بالرأس هو بمثابة الفيل في الغرفة والذي يعرف الجميع بوجوده ويرفض الاعتراف به واتخاذ الخطوات اللازمة للتعامل معه ، إن الخرف أمر خطير لأي إنسان ونحتاج إلى مجموعات للمساندة، وهنا أعود إلى مات تيز وزوجته حيث يحضران جلسة للدعم الذهني تشمل استحضار معلومات عبر أسئلة وألعاب ذهنية في جلسات جماعية كوسيلة لدعم الأشخاص الذين يعانون من هذا العارض الطبي وتحمل المجموعة اسم : ذكريات رياضية.

    الذكريات الرياضية هي أمر آمل أن اتمكن من استحضاره بعد سنوات من الآن وأن لا تكون سعادتي بضرب الكرة برأسي إلى شباك المنافسين في أيام شبابي سببا لتعاستي عندما أقترب من خريف عمري.

    إسمي ألان شيرار .