بقلم – حسين ممدوح

مايو 1989

يجلس محمود الجوهري بمفرده، بجوار النافدة المطلة على الحديقة الخاصة بمنزله، يعبث بقلمه على الورق وهو يفكر في أسماء اللاعبين الذين سيتلقون دعوته للفترة التحضيرية المطولة قبل مونديال 1990 بإيطاليا، حيث تم إلغاء بطولة الدوري المصري آنذاك وكانت النية هي إجراء 13 مباراة تحضيرية، خطوط متشابكة رسمها على الورق بعد أن احتار في أمره بشان حسم الاختيار الخاص بلاعبي خط الهجوم، في النهاية وقع اختياره على المخضرم جمال عبد الحميد والشاب الحماسي حسام حسن كاساسيين، وأيمن شوفي وأحمد الكاس في الاحتياط، كان يحمل في داخله ذنبًا صغيرًا لإبعاده العديد من المواهب داخل الدوري المصري، لكن تلك الحيرة ذهبت، ولم تعد، حينما أقنع أن إرضاء الجميع أمر يعد من دروب الاستحالة.

201710081020282028

مايو 1998

يقرأ أحد المتابعين والمحبين للكرة والمنتخب المصري، القائمة التي وقع اختيارها للمشاركة في نهائيات كأس أمم أفريقيا 1998 في بوركينا فاسو، يمسك بالجريدة ويلقي بها على الطاولة وقد ظهر على وجهه التساؤل والحيرة، اختيار مهاجم وصل لعامه الثاني والثلاثين، وهو حسام حسن وعدم الاكتراث بما قدمه غيره من المهاجمين البارعين في البطولة أثار الاستهجان على الجوهري، في النهاية ما حدث قد حدث، سافر أبناء الفراعنة لبوركينا فاسو، وعادوا حاملين الكأس.

2017_1_14_21_55_40_325

مايو 2019

اختار المدير الفني المكسيكي للمنتخب المصري قائمته الخاصة بالمشاركة في أمم أفريقيا المقامة على الأرض المصرية، وجاء في خط الهجوم الأسماء التالية: مروان محسن، أحمد حسن كوكا وأحمد علي، لم يسجل رؤوس الحربة أي هدف خلال مباريات الدور الأول، هناك حنق شديد على تلك المستويات الخائبة لهؤلاء المهاجمين الذين يعتمد عليهم آجييري وخصوصا مروان محسن الذي يحظى دائمًا بفرصة التواجد في التشكيل الأساسي، افتقاد الكرة المصرية لرأس حربة في السنوات الأخيرة أصبح أمرًا معتادًا بعد أن كانت أصعب مهمة لأي مدرب لمنتخب مصر هو اختيار المهاجمين الذي سيعتمد عليهم، لوفرة الأسماء وللجودة الرفيعة التي كانت أمامه.

1042054714

نار الفضيحة، ورماد الماضي

ذلك هو الحال نفسه، فيما يتعلق بالمرحلة الحالية التي يعيشها كل مناصري منتخب الفراعنة، هؤلاء الذين عاشوا تلك الأمجاد مع الجوهري أو مع حسن شحاتة الذي قاد منتخب مصر للتتويج بثلاثة بطولات لكأس الأمم الأفريقية على التوالي،  وهي نسخ 2006 و2008 و2010.

حينها كانت لدى مصر كوكبة لامعة من المواهب في جميع المراكز، مواهب تألقت على صعيد الأندية التي لعبت لها وفازت ببطولات قارية كثيرة، وأثبتت أن لديها القدرة على مجاراة أقوى المنتخبات الأفريقية بل وقهرها، مثل الكاميرون وكوت ديفوار وغانا.

تلك اللحظات النارية والمشعة لمنتخب مصر، ذهبت بعيدًا مثل الرماد تحت وطأة الواقع، بسبب عدم توفر المواهب المتمرسة والتي لديها خبرة المشاركة في المواعيد الكبرى.

ورغم حالة الرماد التي يعيشها المنتخب المصري، الذي فاز بأول 3 مباريات له على زيمبابوي والكونغو وأوغندا دون أن يقدم أداء جيد أو يتوهج مع الحضور الجماهيري الكبير، إلا أن تلك المجموعة من اللاعبين حققت ما عجزت عنه أجيال عدة، بعد الوصول لنهائيات كأس العالم 2018.

وهي نفسها المجموعة من اللاعبين التي تحتوي على أكبر عدد من المحترفين، وعلى رأسهم نجم ليفربول محمد صلاح، ثم محمد النني لاعب وسط فريق آرسنال، لكن من المنظور العام، فإن أغلبهم محترفين “غير محترفين” فمنهم من لا يشارك ومنهم من لا يلعب في دوري أو فريق قوي.

778302_0

خارج الملعب قصة أخرى

صورة المنتخب المصري أمام الجماهير ليست على خير ما يرام، تبدو الأوضاع مشوشة وغير مستقرة ، فالصورة اهتزت بعد قضية لاعب باوك اليوناني عمرو وردة، والذي اتهمته موديل بالتحرش بها عبر رسائله على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد تضامن محمد صلاح معه ومطالبة الإعلام بإعطاء فرصة أخرى له للتراجع عن أفعاله، نال نجم الريدز نفسه جانبًا من الهجوم.

لكن ظاهريًا، وحتى الآن، يبدو أن هناك نوع من التماسك والتكاتف داخل الفريق، حيث أظهر اللاعبين في تصريحاتهم الصحفية والإعلامية رغبة في مواصلة المشوار حتى النهاية، وربما مع هذا الامتعاض من الأداء المُقدم أو من المشاكل خارج الميدان، يخرج الفراعنة نسخة أفضل خلال الأدوار الاقصائية.

فكرة القدم كما هي قاسية، ولا تغفر لنجم كرة القدم إذا ما وقع في خطأ أو تسبب في فضيحة لنفسه، فهي كذلك تخلق من الأوضاع القاسية دافعًا للانتفاضة وخلق شكل ورد فعل أقوى، وإذا ما استغل اللاعبين فرصة إقامة البطولة على الأراضي المصرية ومع الحضور الجماهيري المكثف، ربما تتحول نار الغضب إلى نيران احتفالات، إلى صخب محمود.

image