نجوم خلدتهم ذاكرة كأس العالم .. باولو روسي من وحل الفضائح إلى قمة المجد

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • باولو روسي يراوغ جونيور في كأس العالم 1982

    ربما لو فكر مخرج من هوليوود في إخراج فيلم لقصة غير واقعية تتحدث عن رياضي رد اعتباره وصعد إلى المجد بعد أن قبع بالحضيض لعدة سنوات، فلن يستطيع حينها الاقتراب من قصة الإيطالي باولو روسي بطل كأس العالم 1982 ، وحتى لو نجح في إخراج الفيلم فربما يرى الكثيرون أنه يفتقر للمنطق وغير قريب من الواقع، لكن مع روسي كان كل شيء ممكناً قبل 36عاماً من الآن.

    باولو روسي هو بطل هذه القصة، أو بالأحرى هو بطل هذه الحكاية من زمن العجائب، الزمن الذي يختفي فيه المنطق ويتسيده الأعمال السحرية التي تؤدي لنتائج لا يمكن تصديقها في العالم الواقعي.

    ولمن لا يعرف روسي، فهو أحد أفضل المهاجمين في العالم خلال منتصف سبعينات القرن الماضي، باولو كان هدافاً بالفطرة، مهاجم كلاسيكي إن صح التعبير لكن بقدرات فاقت أبناء جيله، فهو يعرف جيداً كيف يتمركز، وكيف يلعب بدون كرة، كيف يتحرك لتفريغ زملائه أو لتحضير نفسه لاستلام التمريرة داخل منطقة الجزاء أو على مشارفها، روسي كان هدافاً مرعباً في ذلك الزمن. إذاً كيف تعد قصة نجاحه في مونديال 1982 بـ قميص منتخب إيطاليا أعجوبة لا يمكن تصديقها؟

    سقوط باولو روسي بمستنقع الفضائح

    حتى نفهم أي إنجاز ونستوعب لماذا يلقى هذا الصيت فيجب أن ندرس ما حصل قبله بسنوات، بأشهر، أو بأسابيع وأيام قليلة. وبتلخيص سريع، نعم روسي كان أحد أفضل المهاجمين في العالم خلال منتصف السبعينات، لكن ذلك لا يعني أن يكون محبوباً من الجميع.

    ربما حالة العداء اتجاه روسي بدأت قبل سنوات من انطلاق كأس العالم 1982، وبالتحديد عام 1976 ، حينها انتقل الشاب اليافع ابن 20 عام فقط من يوفنتوس إلى نادي متواضع اسمه فيتشينزا ، نادي لم يكن من الأندية الشهيرة في إيطاليا أو خارجها، وكل ما اشتهر به هو الأموال التي ينفقها على جلب اللاعبين.

    روسي بالتحديد شكل هذه الحالة المرعبة من الإنفاق، فقبل أن يعرفه العالم بأهدافه مع فيتشينزا، عرفه بأنه الطفل المدلل والمترف بالأموال، كيف لا وصفقة انتقاله من يوفنتوس إلى فيتشينزا اعتبرت الأغلى في تاريخ كرة القدم في تلك الفترة (من عام 1976 لغاية 1982) حيث بلغة 1.75 مليون دولار، وهو مبلغ لم تكن أندية عملاقة تستطيع أو ترغب في دفعه مقابل التعاقد مع النجوم.

    موهبة روسي الفائقة، مع اعتباره أغلى لاعب في التاريخ بكل تأكيد خلقت حالة عداء له، حالة تشابه لما يحدث مع نيمار دا سيلفا حالياً، أو مثل التي حدثت مع كريستيانو رونالدو في سنواته الأولى في ريال مدريد.

    وفي الحقيقة هذا ليس سوى جزء بسيط جداً من الحكاية، القصة أعمق من ذلك بكثير، فالطامة الكبرى تمثلت في إيقاف باولو روسي عن اللعب لمدة 3 أعوام (1980) بسبب تورطه في فضائح المراهنات والتلاعب بنتائج المباريات، وفي ظل أهدافه الغزيرة ونجوميته حينها وحالة الحسد اتجاهه فإن قرار كهذا كان بمثابة الإعدام لحياته الكروية حسب التوقعات، لكن العظماء لا يستسلمون بسهولة.

    روسي يعود للملاعب وحيداً وسط حالة سخط جماهيري

    روسي كان أحد أحضاء الجيل الشاب الذي خلقه المدرب التاريخي إينزو بيرزوت، المدرب كان لديه إيمان بالمجموعة التي صنعها بنفسه عام 1978 ويرفض بشدة الاستغناء عن أي لاعب منها، لذلك كان قرار إيقاف روسي وهو قائد خط هجومه بمثابة الصفعة له.

    جهود بيرزوت والاتحاد الإيطالي تكللت بالنجاح بتخفيض عقوبة روسي من 3 أعوام إلى عامين، ثم إلى 12 شهر فقط لكي يسمح له بالمشاركة في نهائيات كأس العالم 1982

    إلا أن قرار استدعاء روسي للمشاركة في كأس العالم لم يلقَ ترحاباً من الجماهير ووسائل الإعلام، المهاجم الهداف غير أنه مدان بفضيحة أخلاقية ومهنية في ذات الوقت، فهو أيضاً لم يكن بأفضل أحواله البدنية، فبعد عودته من الإيقاف ارتدى قميص يوفنتوس ولعب 3 مباريات فقط في نهاية موسم 81\1982 واستطاع تسجيل هدف وحيد، ولم يكن حينها من أفضل مهاجمي الدوري الإيطالي.

    وإن كانت حالة السخط على روسي متوسطة قبل كأس العالم، فإنها تحولت إلى حالة من الضغط الذي لا يحتمل، بل لا يستطيع أي مدرب أو لاعب في العالم مجابهته، باولو قدم مستوى من أسوأ ما يكون في دور المجموعات أمام منتخبات من المفترض أنها ليست بقيمة المنتخب الإيطالي مثل الكاميرون، البيرو، بل وبولندا أيضاً.

    3 مباريات لعبها روسي في دور المجموعات جعلته المكروه الأول في إيطاليا بدون منازع، 3 مباريات ظهر فيها الأزوري بمستوى شاحب جداً وبدى عاجزاً عن منافسة منتخبات مغمورة، بل أنه لم يستطع تحقيق أي انتصار وسجل لاعبوه هدفين فقط، فيما لم يسجل باولو أي هدف بالطبع.

    إيطاليا عبرت إلى الدور الثاني بمعجزة حيث اختيرت كأحد أفضل أصحاب المركز الثالث في المجموعات الست، لكن ذلك لم يخفض من حالة العداء اتجاه روسي حيث أصبح ينعت في الصحف الإيطالية، الإذاعات، وبين الجماهير بـ الشبح، أو بالمسمى كاملاً “شبح يتجول في الحقل بلا هدف”.

    المدرب بيرزوت بدوره لم يستجب للضغوط، وضع كامل ثقته في مهاجمه الرئيسي مجدداً ضد الأرجنتين في دور المجموعات الثاني، ورغم أن باولو خيب آماله مجدداً بعدم التسجيل رغم تفوق إيطاليا 2-1 في اللقاء، إلا أن بينزو واصل عناده لوسائل الإعلام والجماهير ودفع ببالو مجدداً في مباراة التاريخ ضد البرازيل.

    الضغط الشديد يصقل البشر مثلما يكون سبباً في تكون الألماس والجواهر

    الكثير من اللاعبين لا يتحملون الضغط، كلما تعرضوا لضغط أكثر شدة وحدة وقوة إلا وواجهوه بمستوى أكثر سوءاً وتقاعساً وخوفاً وارتباكاً، هذا ما كان يفترض أن يحصل مع روسي في كأس العالم 1982.

    لكن الرجال العظماء والأساطير دائماً ما يكون لهم رأيٌ آخر، روسي أحد هؤولاء العظماء الذين برز معدنهم تحت الضغط، فلم يأبه للانتقادات والسخرية التي كان يتعرض لها، بل استخدمها كوقود لحرق أحلام الشعب البرازيلي، شعب كان يحلم بتحقيق لقب المونديال بواسطة واحداً من أعظم منتخباته على الإطلاق، بل المنتخب الذي يقال أنه “الجيل الذهبي” لراقصي السامبا.

    روسي انفجر في وجه البرازيل مثلما لم ينفجر في وجههم أحد، الصاعقة حلت عليهم بتسجيل “الشبح بلا هدف” 3 أهداف دفعة واحدة في شباك رفاق زيكو وسوكراتيس.

    باولو كان هو المبادر بالتسجيل حينما تحرك بشكل مميز في ظهر مدافعي البرازيل ليتابع عرضية زميله أنطونيو جابريني بشكل مثالي داخل الشباك. إلا أن منتخب السيليساو لم يكن هزيمته ممكنة بهذه السهولة في تلك الفترة حيث استطاعوا العودة سريعاً وتسجيل التعادل. لكن الثعلب المتربص روسي لم يهنأ له بال، انتظر الخطأ بالتمرير من توتينيو سيريزو ليخطف الكرة ويراوغ جونيور بكل براعة ثم يسجل الهدف الثاني.

    البرازيل قاومت مجدداً واستطاعت تعديل النتيجة بالدقيقة 68 بواسطة فالكاو والتعادل كان لصالحها لتصدر المجموعة بفارق الأهداف، فيما كانت الكلمة النهائية لمن يملك الثعلب المتربص، ثعلب لم يستوعبه الجيل الذهبي لراقصي السامبا مدى خطورته ليخطف روسي الهدف الثالث بمتابعته الكرة داخل منطقة الجزاء.

    إيطاليا حققت المفاجأة في مجموعة الموت وصعدت على حساب البرازيل والأرجنتين المرشحتان لتحقيق اللقب، لتقابل بولندا في نصف النهائي في لقاء ثأر خلاله باولو لنفسه من المنتخب الأبيض مسجلاً هدفين في شباكهم ليعبر بالطليان إلى النهائي.

    لم يكن ينتظر أحد ردة الفعل هذه من الطليان، بل لم يتخيل أحد أن تأتي هذه الانتفاضة بواسطة باولو روسي، 5 أهداف سجلها في لقائين كانت كفيلة بالتأهل للقاء الختامي لمقابلة ألمانيا المرشحة بقوة لتحقيق اللقب.

    عمل باولو لم يتوقف هنا، الثعلب واصل هوايته في متابعة الكرات العرضية داخل منطقة الجزاء ليخطف التقدم لمنتخب بلاده أمام المانشافت، وهو ما مهد الطريق للتفوق بنتيجة 3-1 في اللقاء الختامي.

    إيطاليا بطلة العالم، هذا هو العنوان الذي تناقلته كبرى وسائل الإعلام في مختلف أنحاء المعمورة، لكن بدون أدنى شك فإن الدرس الأهم تمثل في باولو روسي، رجل نفض عن نفسه عباءة الانتقادات والسخرية، بل ولد من خلاله طاقة كبيرة لقيادة بلاده إلى قمة المونديال، واستطاع من خلال ذلك تحقيق لقب هداف كأس العالم 1982، أفضل لاعب في كأس العالم 1982، كما ظفر بالكرة الذهبية ذلك العام.

    درس روسي ما زال عالقاً بأذهان متابعي كرة القدم في تلك الفترة حتى يومنا الحالي، درس يعلمنا أن لا نقلل من قدرة أي شخص وأن لا نحكم عليه بالفشل مهما مر بظروف صعبة، فالرجال العظماء قادرون دائماً على الرد بكل قوة كعاصفة فتاكة تقتلع كل ما يجابهها لتحوله إلى حطام.