إيرلينج هالاند مهاجم بوروسيا دورتموند

سبورت 360 – لا يزال صوت الشباك عند اصطدام كرته بالمرمى حاضراً في أذني، هذا ما حدث بالنص أثناء متابعتي لمباراة بروسيا دورتموند و باريس سان جيرمان، حينما سدد إيرلينج هالاند كرة صاروخية سكنت شباك كيلور نافاس، وكأنها قذيفة قصيرة المدى من طراز أرض أرض، لتنبه الجميع عن هذا الهداف القادم بسرعة الصاروخ.

الحقيقة انتقدت هالاند في أول مباراة كبيرة أشاهدها له، عندما واجه سالزبورج ليفربول في المجموعات، شعرت بقدر من البطء والتسرع، لكن بمجرد انتقاله إلى دورتموند، نجح اللاعب سريعاً في تغيير الانطباع الأول، ليجبرني على مشاهدة كل مبارياته مع الفريق الألماني، ومتابعة أبرز 10 مواجهات له مع ريد بول سالزبورج، حتى أكفر عن انتقادي المبدئي له.

هالاند كلما أشاهده أتذكر أفلام الأنمي والكرتون، كابتن ماجد أو كما يعرف بإسم تسوباسا في نسخته الأصلية. تشعر وكأنه لاعب مرسوم، هناك سكريبت مكتوب ومخرج يحدد شكل وهوية كل شخصية، مع قدراتها الخاصة، وعندما جاء الدور على إيرلينج، قرر أن يرسمه في شكل كائن فضائي قادم إلى الأرض.

19 سنة، وجه طفولي، مع جسد فولاذي، طول قريب من 2 متر، وهيئة تبدو هادئة بل غريبة الأطوار تتحول إلى نسخة عدوانية أمام الشباك، وملامح أقرب إلى الطيبة التي تمتزج بالسذاجة لكن سرعان ما تتحول إلى جرأة وصلابة وبرود أعصاب بالقرب من المرمى. هذا هو النرويجي في مخيلتي، بالضبط مثل رأيي فيه، من انتقاد إلى إعجاب شديد.

في دوري الأبطال، تمكن إيرلينج هالاند من ركض مسافة 60 متراً أمام باريس سان جيرمان في ظرف 6.64 ثانية، علماً أن الرقم القياسي العالمي في هذه المسافة هو 6.34 ثانية، كل هذا وطوله 194 سم!

يقول جوناثان ويلسون عنه في “جارديان”: “لا يزال هناك جانب للتطور في لعبه، لمسة هالاند الأولى ليست ماهرة تماماً، وربما حركته ليست دقيقة بقدر ما يمكن، خاصة في المساحات الضيقة والفراغات القليلة. سوف يتطور وسوف يتكيف، بخبرة، مع أنماط تدريبية واحتكاك أكبر، لكنه في الوقت الحالي شيء رائع، على أرض الملعب على الأقل، لاعب كرة قدم في الملعب يتمتع بقوة تسديد تشبه إطلاق طلقات النار، من فرط سرعتها وجودتها وإصابتها الهدف”.

معلومة مهمة قد تفيد، أن هالاند لم يكن بهذا الحجم الكبير في بداية مسيرته الكروية، بمعنى أنه كان ذو حجم طبيعي في فترات الناشئين، ولم يحصل على هذا الطول والقوة البدنية إلا خلال السنوات الأخيرة فقط، مع كبر سنه واهتمامه بالشق البدني والتدريبي على نطاق أعلى، لذلك فإن الشق التقني على نفس القدر مع الشق اللياقي بالنسبة للاعب، وهذا يتضح من خلال تمركزه الصحيح أمام المرمى وظهوره كلاعب جماعي لا فردي بالثلث الأخير، لديه كل مقومات التنظيم والربط والتعاون مع زملائه.

ربما الجزء السلبي الوحيد في مسيرة هالاند هو مينو رايولا، وكيل الأعمال الجشع عاشق المال والسمسرة والصفقات من تحت الطاولة، لكنه أفاده أيضاً، والمعلومة عبر “جارديان، حيث تحدث لاعبو سالزبورغ عن فترة القيام برحلات في الخارج، حيث كانوا يلعبون أوراق اللعب وخلافه، كان هالاند يقرأ مقالات حول كيفية تحسين نظامه الغذائي أو النوم.

هالاند في 6 مباريات بالبوندسليجا: 9 أهداف + 1 أسيست. معدل 1 هدف كل 44 دقيقة

هالاند هذا الموسم في الشامبيونزليج: 10 أهداف في 7 مباريات.

إيرلينج-هالاند-باريس

جزء آخر من نجاح رايولا هذه المرة مع هالاند أنه اختار له نادي بروسيا دورتموند، لا يونايتد ولا غيره، لأن الفريق الألماني مناسب جداً لعملية تطوير المهاجم الشاب، واستخدامه كمحطة لانتقاله إلى خطوة أعلى بعد سنوات، وكل هذه الإكليشيهات المعروفة والصحيحة، لكنه أيضاً خيار أكثر من مثالي لأي مهاجم، لأن أسود فيستفالين أحد أفضل الفرق في أوروبا على مستوى صناعة الفرص وتسجيل الأهداف.

بوروسيا دورتموند لديه عدة لاعبين سريعين، والآن لديه مهاجم ذكي يتلقى التمريرات (تارجت مان) في الأمام. ومع تواجد جوليان براندت وأكسيل فيتسل، فإن لديهم أيضاً ارتكاز قوي في منتصف الملعب أمام الدفاع. لذا يبدو منطقيا أن هجوم دورتموند يظهر بهذه السرعة العالية.

منذ أن انتقل لوسيان فافر إلى تشكيل 3-4-3 في نهاية نوفمبر الماضي، تحول أسلوب لعب دورتموند أكثر وأكثر بشكل ملحوظ نحو الانقضاض على خصومهم أثناء التحولات، مع الهجمات عالية السرعة. حيث أن أسلوب بناء اللعب المنظم ليس أحد نقاط قوتهم، لذلك ركزوا أكثر على التحولات السريعة، الضغط العكسي، والهجمات المباغتة من الطرف والعمق دون توقف، مع جزء من الفوضى والعشوائية المربكة لخصومهم، لصعوبة تحديد مصدر الخطورة، خاصة بعد التوقيع مع هالاند، الذي أعطاهم حسم أكبر كان مفقوداً أمام المرمى.

بالرغم من أن دورتموند يملك ثاني أعلى نسبة استحواذ على الكرة في الدوري الألماني، خلف بايرن ميونيخ، إلا أنهم أيضاً من أنجح الفرق التي تطبق الهجمات المرتدة في الدوري. والمصدر هنا “ستاتس بومب”، بمعدل 2.13 تسديدة في المباراة من الهجوم المرتد، و4.38 تسديدة من الضغط العالي، فهم في أعلى القائمة في الدوري.

في 8 مباريات بالبوندسليجا بالفترة الأخيرة، سدد الفريق 11 تسديدة خلال 25 ثانية فقط بعد الفوز بالكرة، أو بعد بدء هجمة جديدة، ومع لاعب مثل هالاند، فإن دورتموند سيملك المزيد من الخيارات الهجومية في المستقبل؛ حيث أن الفتى الصغير، البالغ من العمر 19 عاماً، لديه ذكاء جيد، يسهل عليه مهمة البقاء في العمق وانتظار التمريرات من رويس والآخرين، أو إغراء من يراقبه بالخروج من تمركزه من خلال الانتقال إلى الأجنحة، لفتح الطريق أمام القادمين من الخلف، أو الأظهرة الطائرة خاصة أشرف حكيمي.

وبرغم بعض القصور في النواحي التكتيكية لدى هالاند، ووجود جانب للتحسن في طريقة لعبه وحركته وحتى ثقله قياسا بحجم جسده وطوله الفارع، إلا أنه يعتبر خياراً مميزاً لتلقى التمريرة الأخيرة من زملائه في الهجوم، بعد أن ينقلوا الهجمة إلى الأمام في الثلث الأخير بسرعة خاطفة كما جرت العادة.

هالاند حاليا أشبه بـ “حبة الكرز” في هجوم دورتموند.