ربما يكون نصف نهائي دوري أبطال أوروبا للموسم الحالي هو الأكثر جنوناً على الإطلاق ، تأخر بنتائج كبيرة في الذهاب وعودة في الأياب أمام فرق بحجم برشلونة كما جرى مع ليفربول. وقلب الطاولة والتأهل على فريق من أفضل فرق أوروبا وهو الأياكس بعد التأخر بهدفين مقابل لاشيء في الشوط الأول . هذا الجنون هو ما يجعلنا نتعلق بكرة القدم وهو ما يجعلها اللعبة الشعبية الاولى في العالم .

الجنون والمفاجآت أمور ليست بالجديدة على عالم الكرة ، ولو أنها أمور طارئة لما آمنا بالمقولة الشهيرة : ” لا مستحيل في كرة القدم ” ولا سميت بالمجنونة المستديرة. فجميعنا يتذكر الفوز الأسطوري لـ مانشستر يونايتد على بايرن ميونخ في الدقائق الأخيرة من نهائي أبطال العام 1990 . والميلانيون ” أمثالي ” ذاقوا مرارة عودة ليفربول في إسطنبول بعد التقدم بثلاثية وخسارة الأبطال وأيضاً عودة لاكورونيا أمام الميلان نفسه عام 2004 برباعية بيضاء بعد التأخر 4-1 ذهاباً .

لكن السنوات الأخيرة شهدت تكثيفاً كبيراً للعودة بعد الخسارة بفارق قد يكون أحياناً أكثر من مريح . وأشهرها عودة برشلونة أمام السان جيرمان عام 2016 بسداسية بعد التأخر برباعية نظيفة ذهاباً . وعودة مانشستر يونايتد أمام السان جيرمان نفسه هذا الموسم على أرض الأخير بعد التأخر ذهاباً على ارضه بهدفين نظيفين . وطبعاً عودة روما الشهيرة أمام برشلونة في الموسم الماضي وأخيراً عودة ليفربول وتوتنهام أمام برشلونة وأياكس على الترتيب. فهل يمكن اعتبار هذه العودات صدفة وتدخل في خان المفاجآت ؟؟ الأمر ليس كذلك على الإطلاق.

كثرة المفاجآت وتعدد حالات العودة بعد التأخر مرتبطة إلى حد بعيد الطفرة الكبيرة التي تعيشها كرة القدم بأساليب التدريب والعمل الفني والذهني وأيضاً البدني. فأن يتمكن ليفربول من ضغط برشلونة بهذه الكيفية وهو منقوص من ثلاثة من مفاتيح لعبه ومتعب بدنياً وذهنياً يدل بوضوح على التطور الكبير في قدرات اللاعبين الجسمانية وأيضاً قوة التحضير الذهني لهم ليتجاوزوا كل الصعاب.

ارتفاع مستويات التدريب يترافع مع زيادة كبيرة كمية المعلومات المتاحة حالياً للمدرب أو للمدير الفني وهو ما يسمح له باكتشاف المشاكل والعمل عليها أسرع بكثير من السابق . كما ساعدت التكنولوجيا والتخصص في رصد تفاصيل صغيرة تعطي فارقاً كبيراً وكرة أرنولد الركنية التي اعتمد فيها كلوب على جزئية تأخر لاعبي برشلونة في العودة والتمركز تدل بشكل كبير على العمل على التفاصيل الصغيرة .

هذا التطور الكبير في عالم كرة القدم والقدرات الرياضية للاعبين تسبب أيضاً في تطور فلسفة اللعب والتدريب وأيضاً تطور استراتيجيات اللعب وازداد حدة التنافس بينهما . فمدرب الأياكس وبناء على قدرات لاعبيه طوّر فلسفة الاستحواذ والضغط العالي وحولها إلى ضغط على كامل الملعب وجعلها مباشرة أكثر. في المقابل امتلك مكّن التطور بوكيتينو من تطوير استراتيجية لعب بناء على نقاط ضعف هذه الفلسفة وخلال خمسة عشر دقيقة فقط وهي مدة الاستراحة . فإن كان بالإمكان إحداث تغيير جذري خلال ربع ساعة فتخليوا ما يمكن فعله خلال أسبوع أو أكثر. وإن فهمنا إمكانات إحداث التغيير السريع في الوقت الحالي نستطيع أن نعرف لماذا باتت المفاجآت أكثر كثافة أكثر تكراراً .

شيئاً فشيئاً تصبح كرة القدم ككرة السلة ويتمكن المدرب من إعادة ضبط فريقه بسرعة أكثر وتلافي الأخطاء بفعالية أعلى . والسبب ازدياد قدرات اللاعبين الفنية والبدنية نتيجة تطور أساليب التدريب وأيضاً تطور الأساليب النفسية والذهنية لإعداد الفرق والأفراد . بمعنى أن الأدوات باتت متاحة لإصلاح الأمور والأفضل هو من يعرف كيف يستغلها. فعلينا من الآن فصاعداً أن نلغي كلمة ” مباراة محسومة ” من قاموسنا قبل لعب المباراة الثانية لأن العودة مهما كانت صعبة صارت ممكنة أكثر من أي وقت مضى . ولن يكون مستغرباً أن يصبح التأهل نتيجة الفوز بمبارتين من ثلاث كما هو في كرة السلة (٥ من سبعة مباريات) خصوصاً إن استمر التطور البدني بهذا الشكل .