كثيرة هي قصص النجاح في دوري أبطال أوروبا، وكثيرة هي قصص المعاناة والصبر ثم الوصول للقمة، على الأقل في العهد الحديث من المسابقة شاهدنا أتلتيكو مدريد يصل إلى نهائي دوري الأبطال 2014 ثم 2016 وكان قريباً جداً من حصد اللقب، وفعلها أيضاً بوروسيا دورتموند 2013، ومن قبلهم بورتو البرتغالي عام 2004، وأياكس 1995، ودورتموند أيضاً 1997.

جميعها نجاحات تاريخية ورائعة فاقت التوقعات، ونستطيع أن نضم لها قصة نجاح ماوريسيو بوتشيتنو وتوتنهام بالوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا لأنها بالفعل إحدى أجمل الحكايات على الإطلاق، بل هي أفضل وأجمل قصة نجاح أوروبي في الموسم الحالي والمواسم الخمس الماضية.

توتنهام لم ينفق في سوق الانتقالات

بكل تأكيد سمعتم هذه الجملة كثيراً، لكن سأكررها حتى لو مللتم من سماعها، فالإنجاز الجميل والفريد من نوعه يجعلك دائماً سعيداً بذكره. توتنهام كان الفريق الأكثر معاناة في الموسم الحالي على صعيد الزاد البشري، فالمدرب لم يستطع إضافة أي لاعب جديد لتشكيلته قبل انطلاق الموسم بسبب اتخاذ إدارة النادي قراراً بعدم إنفاق أي جنيه استرليني للتعاقد مع لاعبين جدد.

هذه العملية جعلت توتنهام تحت ضغط بدني هائل، وبإمكانات محدودة، ومع لاعبين بالأساس ليس معظمهم من المستوى العالي في عالم كرة القدم، وفي مواجهة منافسين ينفقون ببذخ أو يملكون بالأساس العمق في تشكيلاتهم، لذلك أن يصل السبيرز بعد ذلك إلى نهائي دوري الأبطال فهو نجاح استثنائي يحق لهم أن يفخروا به.

إصابات زادت المعاناة

حينما لا تنفق في سوق الانتقالات، ولا تحظى بدكة بدلاء تستطيع أن تمنحك العمق في التشكيلة لإجراء المداورة في الوقت المطلوب، فحينها ستتمنى لو أن الإصابات تبتعد عن فريقك بشكل تام، لكن ليس هذا ما حصل مع توتنهام، الفريق الإنجليزي عانى من غياب بعض اللاعبين المؤثرين في أوقات هامة جداً من الموسم وهو لا يملك الأدوات الكافية لتعويضهم.

هاري كين هو أبرز من غاب عن توتنهام في الأوقات الصعبة والحساسة، فلم يلعب ضد أياكس في لقائي الذهاب والعودة، ولم يواجه مانشستر سيتي في لقاء العودة، وغاب قبل ذلك كله عن مواجهة بوروسيا دورتموند ذهاباً.

الظهير الأيمن سيرجي أوريير كان حاله أسوأ من كين، حيث تعرض للإصابات طوال الموسم، وغاب عن أبرز وأهم المباريات لفريقه، ليترك المدرب بوتشيتينو بظهير أيمن وحيد يمكن الاعتماد عليه وهو تريبيير.

تصور معي أن المسألة شملت فيرتونخين أيضاً في الثلث الأول من الموسم، ثم ديلي ألي الذي غاب عن مواجهتي بوروسيا دورتموند، بالإضافة إلى إريك داير الذي لم يكن جاهزاً لمواجهتي مانشستر سيتي، وحتى الحارس هوجو لوريس تعرض لإصابات في دور المجموعات، ورغم كل هذه الغيابات المؤثرة جداً في التشكيلة استطاع توتنهام الوصول للمباراة النهائي وبجدارة.

المنافسة صعبة جداً محلياً

في ظل المعطيات السابقة نستطيع القول أن حظوظ توتنهام في منافسة الخمسة أو الأربعة الكبار في إنجلترا على التأهل إلى دوري أبطال أوروبا الموسم المقبل تعد أمراً معقداً، مانشستر سيتي ثم ليفربول نعلم أنهما في مستوى أعلى من البقية من ناحية الإنفاق للتعاقد مع أفضل اللاعبين وبالتالي امتلاك تشكيلة قوية في مختلف المراكز، لكن أيضاً تشيلسي ومانشستر يونايتد أنفقا في المواسم الماضية لجلب أفضل اللاعبين، أما آرسنال فقام ببعض الصفقات الإيجابية في خط الوسط والهجوم في آخر عام ونصف لكن ربما يكون الأضعف حظاً بين هؤولاء.

من هنا كانت المنافسة محلياً صعبة ومرهقة على المدرب ماوريسيو بوتشيتنو الذي لم يملك هذه الإمكانات الكافية لمواجهة الكبار، لكن هذا لم يثنيه عن مواصلة العمل ومحاولة تحقيق النجاح المطلوب حتى يساعد النادي على تخطي الحالة الاقتصادية الصعبة الناجمة من توجيه السيولة المالية لبناء الملعب الجديد.

بوتشيتينو لم ينجح فقط في مقارعة الكبار بل واحتلال المركز الثالث في معظم فترات الموسم، بل استطاع في ذات الوقت أن يحقق نجاح تاريخي للنادي في دوري الأبطال بدون أن ينهار فريقه بالمنافسة على عدة جبهات، وهو ما يجعل الإنجاز استثنائياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

اللعب في ويمبلي ثم الانتقال إلى ملعب جديد .. لا تستهينوا بالأمر

ربما نظن أن مسألة اللعب في ويمبلي ثم الانتقال لملعب جديد شيء بسيط ولا يؤثر على عقلية الفريق، لكن الحقيقة ليست كذلك، على الأقل هذا ما يؤكده المدرب أرسين فينجر الذي صرح سابقاً بأن فريقه عانى بشدة بسبب فقدان الجماهير للحماس والشغف بعد الانتقال إلى ويمبلي أثناء بناء ملعب الإمارات، اللاعبون والجماهير لم يشعروا أنهم بمنزلهم.

توتنهام الموسم الحالي كان مضطراً للعب في ويمبلي معظم فترات الموسم، ثم انتقل للملعب الجديد، وهي حالة لا تجعل اللاعبين والجماهير يشعرون بأنهم في ديارهم بالفعل، فالمسألة بحاجة للوقت حتى يعتادوا على ذلك.

التغييرات النفسية هذه لم تؤثر على توتنهام، بل شاهدنا فريق قوي منافس محلياً وأوروبياً.

GettyImages-1142304732

الحفاظ على النجوم هي النقطة المضيئة الوحيدة

صحيح أنني ذكرت الصعاب التي واجهت توتنهام والتي نجح المدرب بوتشيتينو بتخطيها في إنجاز استثنائي، لكن يجب القول أيضاً بأن الإدارة بقيادة دانييل ليفي كان لهم موقف إيجابي بقدرتهم على توحيد الصف والحفاظ على جميع نجوم الفريق وعدم التفريط بأي لاعب حتى ولو كان بديلاً.

هذا العمل منح بوتشيتينو الاستقرار، كما منحه الفرص لترتيب أوراقه جيداً قبل انطلاق الموسم وأثنائه، مثلما جعل الفريق متحداً بدون أن تغيير على عناصره.

رغم ذلك نستطيع القول أن بوتشيتينو له دور قوي في عدم رحيل النجوم لأنه استطاع إقناعهم بالمشروع الرياضي الكبير الذي يؤسسه في توتنهام ويدفعهم للمحاربة والقتال معه من أجل النادي، وهو شيء ليس بالساهل فعله في الفرق المتوسطة فدائماً النجوم يحاولون القفز من هذه السفن.

بتجرد وبدون عواطف… ما فعله بوتشيتنو، إنجاز تفخر به كرة القدم.