هوندا - ريد بول - فورمولا 1

سبورت 360 – 20 منصة تتويج و خمسة مراكز أولى لم تكن كافية لفريق هوندا ليتفاجأ العالم بأسره بإعلان العملاق الياباني الخروج من قمة رياضة المحركات بنهاية عام 2021. المحرك الوحيد الذي استطاع الفوز مع فريقين مختلفين منذ استقدام المحركات الهجينة قبل ست سنوات. التحالف الياباني الثوري (من ثورة وثور ريدبول!) بزعامة البرتقالي ماكس فيرشتابين كان ومازال من أشد المنافسين لهيمنة الأسهم الفضية. الفريق الوحيد الذي يعتبره البعض المنافس الاول (وإن بخجل) لهاملتون وجيشه الجبار وخصوصا بعد ذهاب فريق الفيراري في خبر كان هذا الموسم. فمالذي حصل ولماذا هذا التوقيت بالذات؟ و ما أثر هذا على الحوارات الفلسفية في أروقة الفورمولا واحد؟

في المؤتمر الصحفي الذي عقد على عجل في طوكيو, قدم الفريق السبب الرئيسي للانسحاب ألا وهو تقنية المحركات الحالية والتي لا تتوافق مع رؤية هوندا لمستقبل السيارات ذات انبعاث كربوني صفري. و إن هوندا ترغب بتحويل كافة الموارد البشرية والمالية لتحقيق هذا الهدف أي بأنها تنظر لبرنامج الفورمولا واحد كعائق أمام تحقيق هذه الغاية وهي ترغب بتسخير الطاقات البشرية والمعرفة الهندسية بعيدا عن الفورمولا واحد باتجاه محركات جديدة مبتكرة.

أدى هذا التصريح العنيف إلى خلط أوراق فريق الريدبول وتورو روسو والسائق النجم ماكس فيرشتابين ولكن المسألة الأخطر والتي أرقت العديد من مدراء الفرق بالإضافة إلى الصحفيين والمشجعين هي مصير الرياضة بشكل عام والاتجاه التي تسير به. عندما يترك مصنع عالمي ضخم مثل هوندا غمار الفورمولا واحد وهو -علينا ألا ننسى- مصنع المحركات الوحيد الجديد الذي تم إغوائه مع التقنية الهجينة عام 2014 , فهذا يعني فشل مساع الفورمولا واحد بأن تكون مهد تكنولوجيات المستقبل في السيارات التقنية والرياضة السباقة في التطوير والتحديث.

القرار المفصلي الذي يجب على الفورمولا واحد أخذه هو الذهاب نحو التقنيات الجديدة الصديقة للبيئة ولكن “المملة” من غير بريق وصخب و قوة التقنيات الكلاسيكية؟ وهي العوامل التي تجعل الفورمولا واحد جذابة في الأساس. أم هل تريد أن تبقى وفية لصورة رياضة هائجة جبارة كالتي نعهدها اليوم. وحتى إن قلنا بأن الفورمولا واحد مع الاتحاد الدولي أرادت الذهاب في الاتجاه البيئي. أي تقنية ستختار؟ المشكلة اليوم وجود العديد من الحلول على الطاولة بدون رابح أكبر. السيارات الكهربائية واعدة ولكنها لم تصل إلى النضج بعد. ويوجد عدد لا يستهان به من البدائل كالمحركات الهيدروجينية ومصادر الوقود العضوية. ولكن لم تصل أي من تلك التقنيات إلى عرش الملك حتى الآن. ولا نستطيع أن نجزم في الوقت الحالي التقنية التي ستسير عربات الغد فمن الصعب أن تختار الفورمولا واحد من الآن طريقها لتكتشف فيما بعد بأنها ضلت المسار ووجدت نفسها في غابة مظلمة بدلا من قمة الجبل.

وأيضا لربما يقول قائل بأن تلك هي هوندا. الشركة المترددة التي خرجت من عالم الفورمولا واحد مرات ومرات في الماضي وهاهي تختار بأن تمضي في برامجها التسابقية الأخرى مثل سلسلة اندي كار الأمريكية. وآخر مرة اطلعت على الموضوع, لم يظهر لي محرك الاندي يعانق الأشجار والفراشات. فربما كانت أسباب الانفصال واهية ولعل هوندا تركت قمة الرياضات الميكانيكية بسبب المادة ( مثل بعض العلاقات العاطفية بالضبط… للأسف!) لا يخفى على أحد أثر الجائحة العالمية على الأسواق والشركات ويبدو بأن مصطلح فز الأحد وبع الإثنين لم يعد موضة لان الكورونا لا تحب التنقلات.

وها هم مرسيدس, رينو وفيراري أعلنوا بأن الفورمولا واحد مهمة جدا لماركاتهم المعتبرة ولتسويق سياراتهم. بل وأن المعرفة الهندسية لجيل السيارات الحالي مهم جدا وضروري لتطوير تقنيات السيارات الطرقية. بل وحتى يمكن للبعض القول بأن الفورمولا واحد تبقى رياضة شغف وباستطاعتها العيش دون أي مصنع عالمي مثلما فعلت في ستينات القرن الماضي. ولكن زمان أول تحول والفورمولا واحد الحالية قائمة على تواجد العمالقة الكبار وجيوبهم الممتلئة ويتوجب حصول التوازن بين الطرفين: المصنعين والمستقلين.

على كل حال, إن رحيل هوندا عن الفورمولا واحد فتح الابواب لتغيرات كثيرة ستعصف بكافة نواح الرياضة. وربما السؤال الذي دفعته البطولة عام بعد عام لم يختف وعاد للظهور كالغول على أبواب مرائب الفرق. فيجب على الذي يبهرنا بشجاعته على الحلبة أيام الأحد أن يبهرنا بشجاعته داخل غرف الاجتماعات لنحظى كلنا بالاستمرارية وهدوء البال مع رياضة جميلة وعصرية مثلما تعودنا دائما وأبدا.

كلمات مفتاحية