كيليان مبابي - باريس سان جيرمان - الدوري الفرنسي

سبورت 360 – إن كنت مشجعاً لريال مدريد، بالتأكيد لم تتوقع أبداً أن كيليان مبابي سيندم على قراره الغريب بالتجديد مع باريس سان جيرمان في أول مباراة رسمية يخوضها هذا الموسم. صحيح أنك مؤمن أن هذا اليوم قادم لا محالة ، لكن على الأقل ليس بهذه السرعة، فما زال اللاعب لم يستمتع بحسابه البنكي الجديد، ولم يتمعن جدران قفصه الذهبي بالقدر الكافي.

مبابي حزين، غاضب، مستاء، محبط، وربما نادم، عناوين رنانة تصدرت أغلفة الصحف الفرنسية والعالمية خلال اليومين الماضيين. خلافه مع زميله نيمار لم يعد يمكن التستر عليه بعد الآن، عدسات الكاميرات رصدت كل شيء دار في مباراة مونبيلييه.

مبابي شعر أن سطلته الوهمية مهددة بعد أن أصر نيمار على تسديد ركلة الجزاء الثانية، وعندما قرر زميله فيتور فيريرا تمرير الكرة لليونيل ميسي وتجاهله، أصابه خيبة أمل كبيرة كأن زوجته قد هجرته، لدرجة أنه توقف عن اللعب، مع طأطأة رأس معتادة تخفي خلفها فيض من المشاعر المكبوتة.

على الجانب الآخر، وجد نيمار صديقه حزيناً وغاضباً بعد نهاية اللقاء، فقرر الذهاب إلى هاتفه الذكي لإبداء إعجابه بتغريدتين تنتقدانه بشكل مباشر، وتسخران من سلطته داخل النادي، وكأنه يريد الإجهاز عليه نفسياً، لأنه يعتقد أن مبابي حث إدارة النادي على بيعه هذا الصيف. يا لروعة الحبكة.

لكن دعني أخبرك عزيزي القارئ بالحقيقة وراء غضب مبابي، سواء أكنت مدريدياً أم لاً. في الواقع كيليان ليس نادماً على عدم انتقاله إلى ريال مدريد، على الأقل ليس اليوم. كل ما في الأمر أنه كبريائه خُدش قليلاً. كان ملكاً وتحوّل إلى أمير، دعني أشرح لك كيف حدث كل هذا.

ملك يتوسل له الجميع ليحكم مملكتهم

عندما رفض مبابي تجديد عقده مع باريس قبل عام من الآن، كان يصب تركيزه على الذهاب لريال مدريد، ودخل بالفعل في مفاوضات متقدمة مع النادي الملكي، وتم الاتفاق على كل شيء بحسب العديد من المصادر. لكن الدولي الفرنسي لم يتعجّل، وأراد الاستمتاع بوقته وهو يجلس على العرش والجميع يتوسل إليه.

ثم جاء العرض المالي المجنون من باريس، والمصحوب بامتيازات نسمع عنها لأول مرة في تاريخ كرة القدم. مع بعض التوابل تتمثل بضغوط حكومية من فرنسا وقطر، وأناشيد إعلامية فرنسية، وشعارات جماهيرية رنانة. قرر ملكنا الصغير الإخلاف بوعده مع الريال، ووقع على عقد جديد مع باريس لثلاثة أعوام، خبر نزل كالصاعقة على الجميع.

ورغم إصرار ناصر الخليفي رئيس باريس على أن عرض ريال مدريد المالي كان مشابه لعرض باريس، وربما أفضل أيضاً. لكننا نعرف جميعاً أن هذا كلام مجرد هراء. فالعرضين متشابهين من حيث مجموع الراتب مقسوم على مدة العقد. ولك أن تتخيل أن مبابي كان سيوقع مع الريال على عقد يمتد لستة أعوام، بينما وقع مع باريس على ثلاثة فقط. فنحن نتحدث عن ضعف الراتب تقريباً. عدا عن الامتيازات الأخرى مثل حقوق الصورة الكاملة والمكافآت التي تمنح بشروط غريبة.

ورغم كل هذا، لم تكن الأموال هي من أغرت مبابي صاحب 23 عاماً فقط، بل أيضاً الامتيازات المعنوية مثل مشاركته في صناعة القرار في سوق الانتقالات والقضايا الفنية، وحصوله على ركلات الجزاء بشكل مطلق، والمعاملة الخاصة التي سيحصل عليها داخل النادي بشكل عام. بل هذه الأشاء تحديداً من جعلته يفسخ خطوبته بريال مدريد، لأنه لن يحصل عليها هناك بلا ششك.

ماذا حدث بعد ذلك؟ مبابي مهووس السلطة

لا يمكننا إنكار أن كيليان مبابي مهووس بفكرة السلطة والسيطرة على كل شيء، وهذه صفة نراها في معظم النجوم المشاهير بطريقة مبالغ بها. لكن المشكلة في مبابي أنه شعر بقوة السلطة في سن مبكر جداً، وشخصيته النرجسية بطبعها فاقمت الأمور ليتحول الأمر إلى أشبه بالإدمان.

مبابي مثل الأشرار في معظم الأفلام السينمائية، يبحثون عن القوة المطلقة، وعندما وجد نادٍ مستعد لمنحه ما يريده دون اعتراض، وجعله لاعب بامتيازات رئيس، لم يتردد في ذلك، ولكن للقصة بقية.

مبابي وقّع على وهم مليء بالملايين

عندما وقّع مبابي على عقده الجديد مع باريس، لم يكن يعلم أنه بذلك فقد الهالة المجنونة التي كانت تحيطه، وخسر السيطرة والقوة التي كان يبحث عنها، واكتفى بأرصدة من ثمانية وتسعة أرقام في البنوك فقط.

القصة كلها أن الامتيازات المعنوية التي كشفتها وسائل الإعلام ما هي إلا وعوود شفهية، غير منصوص عليها في العقد. لأن عقود كرة القدم لا يمكن إدراج فيها بنود مثل أحقية اللاعب في اختيار اللاعبين أو التحكم بالخطة أو التشكيلة، أو طرد اللاعب الفلاني أو ضم لاعب يشعر بالمودة تجاهه. ربما حصل مبابي فقط على بنود مثل أنه يكون المنفذ الأول لركلات الجزاء، أو حصوله على شارة القيادة في وقت ما، ليس أكثر من ذلك.

والدة مبابي كانت تدرك هذه الحقيقة منذ البداية، وكذلك الأشخاص الذين يديرون أعماله. لكنهم لم يكترثوا للأمر، لأن الأهم هو الامتيازات المادية في نهاية المطاف. فهم بالنهاية يبحثون عن مصلحتهم ومصلحة مبابي نفسه، ولا يدركون الصراعات النفسية التي يعيشها اللاعب، والاحتياجات المعنوية التي أراد إشباعها.

مبابي أدرك الحقيقة متأخراً، متأخر جداً في الحقيقة. اليوم بات يعلم أن عقده لن يحميه بالشكل الكافي، والملايين التي يجنيها لن تجعله متصدر المشهد في الفريق بكل سهولة، وأن هناك لاعبين آخرين سينازعونه السلطة والنجومية وكل شيء.

مبابي كان يملك ورقة ضغط على باريس قبل التجديد، كان يحق له قول ما يريد وفعل ما يريد، كانت أحلامه تتحول لحقيقة بكل بساطة بوعود شفهية. لكن بمجرد أن وضع توقيعه على ورقة العقد، انتهى كل شيء، وعاد مجرد نجم في الفريق، أو حتى أسطورة. لكنه ليس رئيساً ولا مدرباً ولا حتى مديراً رياضياً. وكلمته ليست بالضرورة أن تكون الأولى داخل الملعب وفي غرفة خلع الملابس. تسعين دقيقة أمام مونبيلييه كانت كفيلة ليدرك هذه الحقيقة ويزول السراب عن عينيه. لهذا مبابي حزين اليوم أعزائي.

باريس ليس مجبراً الآن على تدليل مبابي كما في السابق، لان العقد يلزمه بالبقاء لمدة 3 سنوات على أقل تقدير، وهذا أكثر من كافي لناصر الخليفي والحكومتين الفرنسية والقطرية. ببساطة اللاعب لم يعد يملك أوراق رابحة ليواصل تغذية شهواته النرجسية. فعليه اليوم أن ينزل إلى أرض الواقع ويلعب كرة القدم بكل بساطة، ويتحمل نتيجة قراره مهما كانت نتائجه مستقبلاً. أحياناً يجب أن تتقبل منصب الأمير حتى لو شعرت بالملوكية في داخلك.