لا أحد، مهما كان عبقرياً، ينجح بمفرده. فخلف كل باتمان هناك ألفريد بينيورث يعينه ولكن في الظل. وكذلك هو الحال مع مدربي كرة القدم الذين يعتمدون على فريق كبير من المساعدين ومحللي الأداء والمعالجين الفيزيائين الذين يلعبون دوراً خفياً لا يقل أهمية عن دور المدرب. لكن في ليفربول فإن الرجل الخفي الذي يقف خلف أداء فريق كلوب الرائع ليس أحد مساعديه ولا يشارك في أي من حصص الفريق التدريبية بل يجلس أغلب اليوم في مكتبه خلف الشاشة يراقب ويحلل أداء لاعبين من مختلف أنحاء العالم باحثاً عن جوهرة جديدة يمكن ضمها للفريق. هذا الرجل هو مايكل ادواردز.

ادواردز يلعب دور الرجل الخفي بشكل كبير؛ فهو يفضل البقاء في الظل ولا يقوم بأي لقاءات صحفية ولا حتى مع قناة النادي ولذلك فإن أغلب المعلومات المتوفرة عنه تأتي عن لسان من عملوا معه. بعد مسيرة قصيرة في صفوف نادي بيتربوره لم تكلل بأي نجاح يذكر اتجه ادواردز إلى الجانب الأكاديمي من كرة القدم وبدء العمل كمحلل أداء في نادي بورتسموث عام 2003 إلى أن وصل إلى منصب رئيس محللي الأداء في النادي وهو نفس المنصب الذي شغله في توتنهام هوتسبيرز بين عامي 2009 و2011 قبل أن ينتقل إلى دور مماثل في ليفربول رفقة داميان كونولي والذي شغل منصب مدير كرة القدم في كلا الناديين وأصر على جلب إدواردز معه من السبيرز. في ليفربول عمل إدواردز تحت إمرة عدد من المدربين ككيني دالجليش وبراندن رودجرز الذي لم يكن راضياً عن وجود مدير لكرة القدم في الفريق وكان يرى أن المدير الفني للفريق الأول يجب أن يشغل ذلك المنصب وليس داميان كونولي.

وبالرغم من أن كونولي لم يدم طويلاً في ليفربول إلا أن إدواردز استمر في النادي لأنه، ومنذ اللحظة الأولى، حمل معه فكراً جديداً لم يكن شائعاً في انجلترا: الـ allB oneyM.

الـ allB oneyM هي طريقة لتحليل أداء اللاعبين في كرة القاعدة “البايسبول” طورها المدير العام لنادي أوكلاند أثليتيك بيلي بيين في محاولة للمنافسة مع الأندية الكبرى والتي تمتلك ميزانيات تفوق ميزانية فريقه بكثير. نظرية بيين تقوم على أن الإحصائيات التي كانت كل الفرق الاخرى تستخدمها منذ أوائل القرن الماضي لم تكن مفيدة ولكنها كانت مستخدمة لأنه كان من السهل تسجيلها وتحليلها ومقارنتها وشكلت لعقد طويلة أساسيات كرة القاعدة ولذلك كان استخدامها “عادة” أكثر من كونه خياراً واعياً. بيين، وبمساعدة عدد من المحللين الذين أتى بهم من خارج منظومة كرة القاعدة، طوروا إحصائيات جديدة مكنتهم من تحليل أداء لاعبيهم ولاعبي باقي الأندية بشكل أدق ولذلك كان بمقدورهم استقدام لاعبين مميزين بأسعار رخيصة وذلك لأنه لم يكن من السهل تقدير “تميزهم” بالإحصائيات الكلاسيكية. هذه الطريقة، التي صدر عنها كتاب وفيلم بطولة براد بيت يحملان اسمها، شكلت دوماً حجر الأساس في اسلوب إدواردز الذي يحاول دائماً إيجاد اللاعب المميز المقدر بسعر أقل من السعر الملائم لموهبة مماثلة. حيث من السهل دوماً دفع 150 مليون باوند مقابل لاعب بتألق فيليبي كوتينيو ولكن إدواردز يفضل أن يدفع 8 مليون باوند مقابل ظهير اسكتلندي هبط مع فريقه للبريميرليج بأسوأ رصيد دفاعي لأنه يعرف أن ذلك الظهير يملك الموهبة اللازمة للتحول إلى أندي روبيرتسون أحد أفضل الأظهرة في العالم.

إدواردز استفاد كثيراً من كون جون هنري، مالك نادي ليفربول، يملك كذلك نادي بوسطون ريد سوكس الشهير لكرة القاعدة وبالتالي فإنه لم يكن فقط مدركاً فقط لماهية الـ allBoneyM بل وكان من أشد مناصريها. لذلك فإن أهمية إدواردز في النادي ازدادت بسرعة: فمن مدير محللي الأداء، إلى مدير الأداء الفني والمدير التقني للنادي مروراً بعمله في لجنة الإنتقالات الشهيرة في ليفربول (وهي اللجنة التي تتمتع بسلطة شبه مطلقة على انتقالات الفريق) قبل أن يعين كأول مدير رياضي لليفربول في عام 2016 ويصبح المسؤول الأول للتعاقدات وتحديد استراتيجية كرة القدم في النادي.

828A4955-C159-4E9A-86DF-AF856718D71F

أثر إدواردز يبدو واضحاً جداً على التشكيلة الحالية فمعظم لاعبيها أتوا بتعاقدات أشرف عليها إدواردز سواء مباشرة بعد تنصيبه كمدير رياضي أو إبان عمله في لجنة الإنتقالات؛ أسماء كأندي روبيرتسون، فابينيو، نابي كيتا وثلاثي الهجوم الخطير فيرمينو صلاح وماني. إدواردز يملك أيضاً القدرة على إقناع كلوب برؤيته: حيث يؤكد الصحفي الألماني رافايل هونجستايان (والذي كتب السيرة الذاتية ليورجن كلوب) أن المدرب الألماني كان، رغم إعجابه بموهبة صلاح، يفضل جلب جوليان براندت جناح باير ليفركوزن لكن إصرار إدواردز على أفضلية صلاح كان العامل الحاسم في إقناع كلوب. نجاح هذه الأسماء رسخ ثقة ملاك النادي برأي إدواردز وجعلهم أكثر تقبلاً لفكرة صرف حوالي 75 مليون باوند لقاء كل من فان دايك واليسون.

لكن ذكاء إدواردز ليس فقط بالتعاقدات بل أيضاً في عمليات البيع. حيث تمكن الرجل الانجليزي من بيع العديد من لاعبي الفريق الذين لم يكونوا ضمن خطط كلوب بأسعار عالية نظراً لمستواهم. داني انجز تم بيعه إلى ساوثهمبتون مقابل 20 مليون باوند بعد أربع مواسم و3 أهداف فقط من شرائه بمبلغ 8 مليون باوند. كريستيان بينتيكي، الذي لم يكن يناسب اسلوب كلوب على الإطلاق، بيع بمبلغ 28 مليون باوند قبل أن ينضم إليه زميله السابق مامادو ساخو الذي أثار غضب كلوب بسبب سوء انضباطه بمبلغ 25 مليون باوند. بورنموث بمفرده أدخل أكثر من 35 مليون باوند إلى خزائن الأنفيلد مقابل 3 لاعبين هم سولانكي، جوردان أيب وبراد سميث (وحقيقة أنكم لم تسمعوا يوماً ببراد سميث تؤكد حنكة سميث). كل هذه الانتقالات مكنت ليفربول من بناء تشكيلة وصلت لنهائيين متاليين لدوري الأبطال بصافي صرف أقل من 70 مليون باوند منذ موسم 2016/17 (على سبيل المقارنة فإن صافي صرف مانشستر سيتي في نفس الفترة يبلغ 475 مليون باوند).

كل هذه المسؤوليات الملقاة على عاتق إدواردز قد تؤدي إلى توتر في العلاقة مع المدرب لكن يورجن كلوب، على عكس رودجرز، دائماً ما يتحدث عن علاقته “الممتازة” مع إدواردز بل أنه يفضل العمل تحت أمرة مدير رياضي بدلاً من التمتع بالمسؤولية المطلقة كما كان الحال في بروسيا دورتموند حيث عمل مع المدير الرياضي مايكل زورك.

2045EDEC-7090-4840-BC4D-92E2452B486E

في كل نادي يوجد “رجال خفيون” يعملون في الظل لتطوير استراتيجية النادي ولإكتشاف الجواهر المخفية لضمها لفريقهم. هؤلاء الأشخاص عادة ما يبقون حتى عندما يطرد المدرب ويشكلون الروح الحقيقية للفريق. هذه كانت قصة الرجل الخفي في ليفربول… فمن هم الرجال الخفيون في نواديكم؟

كلمات مفتاحية