ساديو ماني البطل المثابر في ليفربول .. لماذا نحبه كثيراً؟

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • ساديو ماني نجم ليفربول

    سبورت 360 – “قوة ليفربول تتمثل في الجماعية، نحن نفعل كل شيء سوياً، هذا هو سر قوتنا” هكذا كانت كلمات ساديو ماني قبل نهائي دوري أبطال أوروبا 2017 – 2018 حينما كان يستعد لمواجهة العملاق ريال مدريد، بطل المسابقة لعامين متتاليين حينها، السنغالي اختار كلماته بعناية، معبراً عن خصائص فريقه بكلمات قليلة ودقيقة.

    جميع اللاعبين يتحدثون بكلمات من هذا النوع بين الحين والآخر، كلمات أصبحت اعتيادية في الزمن الحالي، لكن قلة قليلة من يفهمونها، ومن يطبقونها حقاً في أرض الملعب كلما طُلب منهم ذلك.

    ساديو ماني أحد النجوم الذين كسبوا محبة الجماهير في السنوات الأخيرة، لاعب خطف الأضواء ونثر سحره الكروي في ملاعب أوروبا بقميص ليفربول الذي عاد إلى نهائي الأبطال مجدداً في الموسم التالي 2018 – 2019 لكن ليس من أجل المنافسة فقط هذه المرة، بل من أجل تحقيق اللقب.

    النجم السنغالي حصل على المديح والثناء من الجميع أمس بعد تتويجه بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا، حتى عشاق النجمين العربيين محمد صلاح ورياض محرز لم يبدوا انزعاجهم كثيراً من تتويج ماني بالجائزة، وهو الذي يجعلنا نتساءل، لماذا خطف ماني محبة الجميع مؤخراً؟

    ساديو ماني

    ماني المقاتل، المثابر .. إنه الرجل الذي يضحي من أجل ليفربول

    من أكثر الأمور التي تجعل ساديو ماني مختلفاً عن اللاعبين المهاريين والهدافين في الزمن الحالي هو تكيفه مع الأدوار التكتيكية التي يطلبها منه المدرب يورجن كلوب في وقت الحاجة، ماني لطالما ضحى بدنياً من أجل الفريق وشغل أدواراً لا يشغلها الكثير من النجوم المهاريين في الزمن الحالي.

    لنعد إلى نهائي دوري أبطال أوروبا 2017 – 2018 ، ليفربول يدخل المباراة كفريق يملك ثلاثي هجوم ناري لكن تنقصهم الخبرة، ضد ريال مدريد الخبير والمدجج بالنجوم، مما يعني بأن على بعض لاعبي ليفربول تقديم 200% من مجهودهم البدني، بل ويشغلوا مراكز مختلفة في الملعب ربما لا تناسب قدراتهم الفنية.

    كلوب كان يعلم بأن زيدان يجهز فريقه للسيطرة على وسط الملعب بأربعة نجوم من الطراز الأول (كاسيميرو، كروس، مودريتش، إيسكو) وهو ما يمنحهم القدرة على الاستحواذ، وإغلاق الأطراف دفاعياً، والسيطرة على منطقة المناورات، مقابل ثلاثي خط وسط من ليفربول ليسوا بنفس الجودة.

    المدرب الألماني بحث عن الحل الذي يُمكّنُه من خلق كثافة أكبر لفريقه في وسط الملعب، وبالتالي كسر تفوق ريال مدريد الكاسح (على الورق) في هذا الجانب. طبعاً لست بحاجة لتفكر طويلاً هنا، ساديو ماني كان هو الحل، اللاعب الذي يستطيع أن يلعب كجناح في خط الوسط، يساند الظهير في وقت الحاجة، ثم يتقدم ليساند الهجوم وينتقل بالفريق من خطة 4-4-2 إلى خطة 4-3-3، السنغالي كان اللاعب الذي يخدم المنظومة التكتيكية للمدرب الألماني.

    لو سألت أي لاعب في العالم عن أمانيه في اللعبة سيخبرك في إحداها عن حلم اللعب في نهائي دوري أبطال أوروبا، إنها الليلة التي يحلم بها الجميع، وإن كان اللاعب يشغل أحد مراكز خط الهجوم، فسوف يخبرك عن رغبته بالتسجيل، مواجهة المرمى كثيراً لتهديده.

    لكن ساديو ماني ضحى بكل ذلك، إنه رجل الفريق الذي توضح خرائطه الحرارية أنه لعب كظهير أكثر بكثير مما لعب كجناح هجومي، ورغم خروج محمد صلاح من أرض الملعب في الدقيقة 30، إلا أن المطلوب من النجم السنغالي لم يتغير بل أمره كلوب بمساندة المدافعين ولاعبي خط الوسط بشكلٍ أكبر، فيما سمح للالانا البديل بالتحرر أكثر والتقدم نحو خط الوسط.

    ماني-ريال-مدريد

    لم أشك أبداً في قدرتي على مساعدة الفريق، أنا أتدرب بشكلٍ شاق يومياً من أجل ذلك” هذا ما قاله ماني، وصدق أو لا تصدق، فهو في تلك الليلة كان أكثر لاعب من الفريقين ينجح بافتكاك الكرة بتدخلات مباشرة، حيث استطاع افتكاكها 6 مرات من لاعبي ريال مدريد، فيما أتى الكرواتي لوكا مودريتش خلفه بواقع 4 حالات، بمعنى أن ماني لم يكن يعود للخلف لمجرد “رفع العتب” بل كان محارباً ومقاتلاً شرساً، يؤدي الأدوار المطلوبة منه بشكل أفضل من لاعبي خط الوسط والمدافعين. طبعاً كل ذلك لم يمنعه من تسجيل هدف التعادل في الدقيقة 55.

    ربما نظن أن السبب في استخدام ماني لأداء هذه الأدوار يعود إلى تراجع مستواه تهديفياً موسم 2017 – 2018 ، لكن الحقيقة ليست كذلك، ففي الموسم التالي عاد ماني لتسجيل العديد من الأهداف، بل أضحى هداف الدوري الإنجليزي، ورغم ذلك شغل في نهائي الأبطال ضد توتنهام نفس الأدوار تقريباً، حيث كان المهاجم الوحيد من ليفربول الذي يعود لخط الوسط، ويغلق المنافذ على الجبهة اليسرى مساعداً الظهير روبيرتسون، ليسمح للثنائي فينالدوم وفابينيو بالتواجد أكثر في وسط الملعب، وبالتالي يسمح لهيندرسون بالتواجد كلاعب خط وسط أيمن لمنح الحرية لمحمد صلاح، وإعفائه من مسؤولية العودة للخلف لمساندة خط الوسط.

    ماني-توتنهام

    وجود ماني في تشكيلة كلوب يمنحه الحرية التكتيكية للتنقل بين استراتيجية 4-3-3 و 4-4-2 ، صحيح أن ذلك لا يحدث في جميع المباريات، لكن المدرب الألماني يستخدم هذه الأفكار لزيادة الكثافة في وسط الملعب وقت الحاجة، وهذه الأوقات تكون بكل تأكيد في المواعيد الكبرى والمباريات الحساسة والمصيرية التي لا يدخر فيها ماني أي مجهود للتضحية من أجل زملائه وفريقه.

    “لو سألتني هل  هو مهاجم؟ سأقول لك نعم، هو كذلك من حينٍ إلى آخر… ولو سألتني: هل هو لاعب خط وسط؟ سأقول لك نعم أيضاً. إنه لاعب قوي بدنياً، مهاري، سريع جداً، ويفكر بطريقة سريعة أيضاً، ويسدد بكلتا القدمين” هكذا وصف يورجن كلوب قدرات نجم السنغالي، إنه يملك شيئاً من كل شيء، إنه ساديو ماني ببساطة، نسخة واحدة لا تتكرر.

    ماني المفكر، الفنان، وقائد الهجمات

    خلال موسم 2018 – 2019 لطالما عانى ليفربول من تكتل المنافسين أمامه، إغلاقهم المنافذ أمام مرماهم، مما يصل بكلوب إلى نقطة “الانسداد” في أفكاره الكروية، فلم يعد يملك الحلول التي تستطيع مساعدة فريقه في أرض الملعب.

    ماني كان هو الشخص الذي يأتي بالحل الخارج عن المألوف تكتيكياً، الحل الفردي، فلم تمنعه كثافة المنافس عددياً من طلب الكرة على الجبهة اليسرى وسط التكتل، ليقوم بعدها بهوايته في تفكيك شيفرة خط دفاعهم.

    لقد أردت أن أكون رونالدينيو، لذلك قمت بدراسته بشكلٍ فائق، إنه بطلي المفضل” ربما نفهم الآن من أين أتى ماني بهذه القدرة على قيادة هجمات فريقه في الأوقات الصعبة والحساسة، في الأوقات التي تطلب لأكثر من الأفكار التكتيكية للمدرب، الأوقات التي تطلب لاعب ذكي، يحسن التصرف، ويجيد الخروج عن النص ليعزف لحنه الجميل الخاص.

    النجم السنغالي لم يستطع استنساخ رونالدينيو حرفياً، لأن ما قدمه النجم البرازيلي في بعض المواسم مع برشلونة لا يمكن استنساخه، لكنه استفاد من هذه الدراسة في قراءة الثلث الأخير من الملعب بشكلٍ جيد، فأصبح ماني قادراً على الخروج بتمريرات غير مألوفة لزملائه في خط الهجوم. كما استفاد منه في تقديم التوغلات الفردية التي تأتي لفريقه بحلٍ مناسب وسط التكتل، حيث يوفر نفسه كخيار جيد للتمرير أمام وبجانب لاعبي خط الوسط حينما يعجزون عن التقدم بالكرة للأمام، ليأخذ الأمور على عاتقه ويتقدم بها بمجهودٍ فردي.

    ببساطة، ماني يؤدي أحياناً دور صانع الألعاب الذي يفتقر له يورجن كلوب في تشكيلته.

    ماني الهداف .. من أين لك هذا؟

    اخترت تأخير الأهداف للنقطة الثالثة حتى نفهم مدى صعوبة الأمر، فكما نعلم، اللاعب الذي يضحي بدنياً (أحياناً) لمساندة خط الوسط والمدافعين، والذي يوفر نفسه كحل فردي لقيادة هجمات الفريق في أحيانٍ أخرى، يصعب عليه امتلاك الطاقة الكافية للتركيز أمام المرمى.

    في الحقيقة، عانى ماني قليلاً في هذا الجانب موسم 2017 – 2018 ، لكن مع مرور الوقت تكيف أكثر مع الأدوار المتعددة التي يؤديها خلال الموسم، وأصبح أكثر قدرة على ضبط انفعالاته حينما يصل لمنطقة الجزاء، وساعده في ذلك التحسن البدني، فأكثر ما يعيق المهاجمين من التركيز أمام المرمى هو الإرهاق، لكن مع ساديو لم يكن ذلك عائقاً في الموسم الماضي حيث استطاع تسجيل 22 هدفاً في الدوري الإنجليزي الممتاز محتلاً صدارة الهدافين.

    ساديو يسجل الأهداف بكل الطرق، بالقدم اليمنى أو اليسرى، من حالات انفراد تام، أو تسديدات بعيدة المدى، كما يسدد بشكلٍ دقيق أثناء الجري أو من حالة الثبات، لذلك نستطيع القول أن ليفربول يملك هدافاً بارعاً رغم أنه ليس رأس حربة، ولا حتى يتواجد دائماً في خط الهجوم.

    أهداف ماني كانت وما زالت مؤثرة جداً في منافسة ليفربول على لقب الدوري الإنجليزي في الموسمين الأخيرين، وهي من العوامل التي ترجح كفته على المنافسين باستمرار.

    ماني المتواضع .. رجلٌ عظيم خارج الملعب

    لم يخلو تصريح واحد من تصريحات المدرب الألماني يورجن كلوب عن ساديو ماني إلا وقال في نهايته “إنه شخص عظيم خارج الملعب” وهو الذي يجعلنا ننتقل من حالة التعامل معه كتصريح روتيني، إلى مرحلة البحث عن أسباب كل ذلك.

    كثيرون هم الذين يقومون بأعمال خيرية، وتصرفات تدل على كرم أخلاقهم، وهي أمور تحسب لهم بالفعل ويستحقون المديح عليها، لكن الذي يجعلنا نحب ماني أكثر أننا نلمس العفوية في بعض تصرفاته، وكأنها نابعة من شخصيته فقط، ولا يرافقها حفل أو “شو” أو كاميرات تصرد ما يحدث.

    في سبتمبر 2018 التقط أحد الأشخاص فيديو للنجم السنغالي وهو يقوم بتنظيف حمامات أحد المساجد بعد ساعة واحدة فقط من تسجيله هدفاً لليفربول في شباك ليستر سيتي، وهو تصرف غريب لا يصدر من أشخاص عاديين، لكن لم يكن لأحد أشهر نجوم كرة القدم في العالم (ماني) أي مشكلة في ذلك.

    كما قلت، تصرفات ساديو ماني العفوية لا يرافقها الشو، حيث أن تصوير اللقطة حصل بدون أن يلاحظه النجم السنغالي نفسه، وأتى عبر أحد الأشخاص الذي تفاجأ مثلنا بما يقوم به، بل أن ماني ابتعد عن الكاميرا حينما لاحظ أنهم يقومون بتصويره.

    هذه الحادثة تكررت بطريقة مختلفة بعد عام تقريباً، ففي نوفمبر 2019 كان أحد المساعدين في منتخب السنغال يقوم بنقل صناديق المياه إلى داخل الملعب، وهو ما دفع ماني فور تنبهه إلى حمل صندوقين من المياه معه، رغم أن زملائه في المنتخب سبق لهم المرور بجانب الصناديق بدون أن يبدوا الرغبة في المساعدة.

    ربما يقول البعض أن هذه مجرد تصرفات عادية ولا تستحق الذكر، لكن الحقيقة أننا في زمن يُظهر فيه نجوم كرة القدم الكثير من الغرور والتعجرف، كما يهيم البشر جميعاً بهوس توثيق اللحظة أمام عدسات الكاميرات، ووسط هذا كله يأتي لنا ماني سابحاً عكس التيار ببعض اللفتات اللطيفة، حينها حتماً سنقدره بل ونحبه.

    هذا هو ساديو ماني لمن لا يعرفه، المقاتل، الفنان، الهداف، والخلوق… إنه أفضل لاعب في أفريقيا