لم آت إلى هنا من أجل السلام.. لما وصل جوارديولا ابن بلدة سانتبيدور شرق إسبانيا لتدريب فريق الشباب في برشلونة كان المنطقي فعلا اعتباره لاعب سابق جديد سيأخذ فرصته في التدريب، وهو أمر اعتيادي..ولكن بهذه السرعة يحصل على الفرصة؟.

كان أمر بعيد عن الفهم بالنسبة لكثير من خبراء وعارفي كرة القدم، كان البارسا وقتها قد فاز بثاني لقب لدوري الأبطال مع فرانك ريكارد، لماذا لم يمض برشلونة على نفس النسق؟.

لكن الآن ونحن نلقي نظرة على ما استجد في اللعبة..فإن جوارديولا كان أحد العارفين القليلين في العالم ببواطن الأمور في مستقبل كرة القدم، العارف الذي زلزل المكان الذي يستقي منه كل المدربين أفكارهم..إن كان هناك مكان كذلك.

لبيب ملامح الرجل الوسيم والهدوء الذي يكتسي محياه وكلماته خلفها الكثير من الشر الكروي إن جاز القول والذي يخفيه لمنافسه في الميدان، ولذا كان السلام البادي على بيب ظاهرياً مجرد خدعة فهو الرجل الذي جاء خصيصاً لهذا الزمن ليُقلق العالم وليُفسد نظام كرة القدم الذي وجدوا عليه آباءهم.

تلك الثورة في الفكر التي تعلمها من أبيه الروحي يوهان كرويف غيرت كرة القدم لتعتمد أكثر على الاستراتيجية، والأسلوب الذي تُنقل به الكرة..واللعب بطريقة ذكية على المساحات والتحولات أكثر من الاهتمام بالجزء التكتيكي المتعلق بكيفية تغطية المساحات والتمركز وواجبات ودور كل لاعب..أصبحت الاستراتيجية هي الأساس وهي التي تتفوق على التكتيك.

الكرة المثيرة أقلقت العالم

بعد أن وصلت كرة القدم لمرحلة تحتاج فيها إلى تغيير وتعديل الأسلوب والاستراتيجية..ذهب جوارديولا بعيداً عن كاتالونيا، ليتعلم ويجرب أفكار واستراتيجيات جديدة متطورة في بايرن ميونيخ و مانشستر سيتي..بينما بقى الجميع في كاتالونيا إلى الآن يبكون على النبي الخاص بهم..ويتذكرونه.

تصادف أن بيب وجد في البارسا بعضاً من التلاميذ المُخلصين، وعندما اعتزلوا كان لزاماً على الرجال الحاكمين في شأن البلاوجرانا تغيير أفكارهم..والتي يرى تلاميذ (تلاميذ) جوارديولا أن تلك الأفكار مازالت صالحة وسليمة.

FBL-EUR-C1-GER-ESP-BAYERN-BARCELONA

الدلائل أمامهم تجعلهم لديهم يقين تام في ذلك، ففي إنجلترا نجحت كرة القدم بأفكاره في حصد لقب الدوري الإنجليزي وقبلها في ألمانيا التي فازت بكأس العالم 2014 أثناء تدريبه لبايرن..بل أن بلد الدفاع إيطاليا نفسها ظهر بها جيل من المدربين لديهم نفس الفكر والمزاج الجوارديولي.

من ناحية أخرى، لم ينجح جوارديولا رغم أفكاره القوية تلك في الفوز في أوروبا بها..بل أن كل الفرق التي توجت بدوري الأبطال طيلة السنوات الماضية، ليست تحمل نفس الفكر..بل إنها أيضاً مع زين الدين زيدان في مدريد تبدلت وتغيرت ألوانها..فنجح زيزو بأفكار استراتيجية وتكتيكية مختلفة يبدلها من مباراة لأخرى في احتكار بطولة أوروبا، بل أن فرنسا فازت بكأس العالم مع ديشامب بأفكار متحفظة، ولذا فإن الجدل لم يخفت حتى يومنا هذا ولن، لقد كان العالم مستريحاً وآمنًا بأفكاره القديم، لماذا أصبته بهذا الانشقاق يا أخي؟.

لم تعد تلك الثورة مثيرة ولا في القمة..ثورة التيكي تاكا التي قادت إسبانيا لتسيد أوروبا لسنوات..والفوز بكأس العالم وبلقبين لبطولة الأمم الأوروبية..لم تعد بنفس الحال، حتى في بلاده نفسها..لم يعد فكر التيكي تاكا وحده هو الحل والطريق.

Barcelona's coach Pep Guardiola (L) catc

وفي وطنه الأعمق..برشلونة وأكاديمية اللا ماسيا وأيامها وذكرياتها ولاعبيها الأفذاذ..نجد تغير عميق حدث بجلب المدرب إرنيستو فالفيردي، كان عليهم مسايرة الموضة، ففي سنوات سابقة كان الكل يحاول استنتاخ روح البارسا ولكن الآن البارسا نفسه يبتعد عن روحه.

مازال النبي الكروي ذلك حتى اليوم..محل اهتمام وإثارة جدل كل يوم، بين الهاتفين والمعتنقين لأفكاره وبين من يروا في كرة القدم المتلونة وحتى كرة القدم القديمة هي الشىء الأكثر أماناً والأفضل لتحقيق النتائج، وتبقى تلك المعضلة التي لا تنتهي..وهي مُعضلة جدلية للغاية ولذيذة أيضاً.

لما؟ لأن جوارديولا جلب القلق والجدل لعالم المدربين والأفكار الكروية، هذا الشىء الذي جعلت النظرة تتبدل للغاية..وزاد من جماهيرية الكرة..فالبعض يرى أن هذه النقلة الفكرية جعلت الكرة قريبة من الفلسفة واستراتيجيات الحروب..أصبحت ساحة كذلك لتمرين العقل وتجربة الجديد من الألعاب والحركات الشبيهة بصناعة عمل فني تجريبي مختلف..وكان هذا تعويض مناسب على تقلص عدد اللاعبين أصحاب الفنيات والمهارات الفذة..

جلسة مع بيب لإفساد الإنجليز

ختاماً، قامت شبكة سي إن إن  بإجراء جلسة فلسفة كروية مع جوارديولا، وأخذت منه بضعة سويعات قضاها بيب مع فريق عمل الشبكة ليحظى بتجربة مع أحد الفرق المحلية في مدينة إبسويتش جنوب شرق إنجلترا، وهم مجرد مجموعة من الهواة.

الفيلسوف الإسباني الفائز بـ27 بطولة ليس بينهم بطولة أوروبية منذ عام 2011، عمل معهم بأسلوبه وأفكاره حول حيازة الكرة من الخلف واللعب الاستحواذي وكانت النتائج طيبة وحينها قال بيب كلمة فارقة وكاشفة: “عندما تكون الكرة في الهواء فأنا لديّ فرصة 50% لأحصل عليها وأنت لديك فرصة 50%، أما الكرة على الأرض وفي وجود أريحية للمدافع لبناء اللعب فأنا أضمن أن الكرة لي”.

في كثير من الأحيان تكون الكرة لك لكنك لا تضمن الانتصار، ومع ذلك فإن ما زال جوارديولا يُغري الكل بما يقدمه في السيتي في آخر موسمين ويريد مواصلة العروض الخاصة به في مانشستر خاصة مع عودة دي بروينه وانضمام شبيه سيرخيو بوسكيتس “رودري”، وهذا العرض والإغراء لن يكون بنفس اللذة والإثارة إلا عندما نراه هذا الموسم مع السيتيزينس في دوري أبطال أوروبا، وهذا الأمر لا يعد هدفاً لبيب بحد ذاته بل من ملايين من الـ “بيب” حول العالم.