لماذا أصبحت الأندية ومنافساتها أكثر أهمية من المنتخبات الوطنية

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • بطاقة ميسي الحمراء (Getty Images)

    لم تعش كرة القدم الدولية أياماً أكثر سواداً من أيامنا الحالية ، فبعد أن كانت المنتخبات هي الهم والاهتمام وجميع اللاعبين يتراكضون لتمثيل فرقهم الوطنية والمنافسات الدولية كانت الرقم واحد في اجتذاب الجمهور . أصبحت المنتخبات كالبرازيل والأرجنتين وإيطاليا  عبئاً على النجوم الذين باتوا يتهربون منها في كثير من المناسبات، وباتت الجماهير تتمنى نهايتها حتى قبل أن تبدأ. أما الأندية كبرشلونة وريال مدريد وبايرن ميونخ وغيرها والتي كانت دائماً ضد منافسات المنتخبات لأنها تضر بمصالحها،أصبحت أقوى من أي وقت مضى في وقوفها ضد المشاركات الدولية.

    الشواهد على ذلك كثيرة جداً ، وآخرها بطاقة ميسي الحمراء وتصريحاته ضد اتحاد كرة القدم في أميركا الجنوبية والتي تحدث عنها الإعلام والجمهور أكثر بكثير من البطولة ذاتها ولقبها الذي ذهب للبرازيل . انتقال رونالدو إلى اليوفنتوس كان أهم من نصف نهائي كأس العالم بين فرنسا وبلجيكا. وباتت أهمية أي بطولة قارية تأتي من قدرة نجوم معينين على الفوز بها مع منتخباتهم أكثر من المنتخب ذاته. فمثلاً الجميع كان ينتظر كوبا أميركا ليرى إن كان ميسي سينجح في الفوز أخيراً بلقب قاري له . كما يعرف الجميع أن يورو 2016 اكتسبت أهمية مضاعفة لأن رونالدو تمكن من قيادة منتخبه إلى لقب أوروبي وتفوق في نزاله على ميسي . ويمكننا القول أن أهمية فوز صلاح بالكأس مع مصر مسألة تجذب الاهتمام أكثر من فوز مصر بكأس البطولة …وكأس العالم لم يختلف كثيراً وإن بقي الحدث الأكثر أهمية في عالم كرة القدم.

    لماذا تغيرت الأحوال

    نقطة البداية هي فهم تغير محتوى كرة القدم وشكل الاهتمام بها مع تطور الإعلام ووسائل الاتصال التي أصبحت أكثر شعبية وتداولاً في أيدي العامة. في الماضي كانت وئال الإعلام التقليدية المرئية والمسموعة والمقروءة هي مصدر كل معلومة عن عالم كرة القدم. فإن أردت مقالة مكتوبة عليك بالصحف والمجلات وإن أردت متابعة مباراة عليك بالتلفاز وإن أردت برنامجاً او تحليلاً عليك بانتظار ما تقدمه الإذاعة والتلفزيون. أي ما تقدمه لك هذه الوسائل عليك أن تستهلكه في أوقات تحددها هي لك.

    النقل التلفزيوني ( Getty Images)

    النقل التلفزيوني ( Getty Images)

    في عالمنا العربي كانت البطولات الدولية تعرض بالمجان في حين أن الدوريات بحاجة لحقوق نقل وهو ما لم يكن متداولاً كما اليوم . ومع الأخذ بعين الاعتبار أن منافسات المنتخبات كانت التجمع الأكبر والأوضح للجمهور فإنها وصلت إلى قلبه أولاً قبل الأندية التي احتاجت إلى وقت عندما أصبحت منافساته متاحة أكثر للجمهور العربي.

    وسائل الإعلام نفسها كانت محدودة بقدرتها على النقل إلى حد كبير ، وكم من اللقطات فشلت في رصدها لعدم تواجد كاميرا أو مراسل في مكان الحدث وقت حدوثه. وقتها ، كان العمل فيها محصوراً بعدد محدود من الكوادر والظهور على صفحاتها أو شاشاتها مسألة ذات قيمة كبيرة وهو ما منحها مصداقية عالية جداً لا لشيء إلا لعدم وجود مصادر أخرى. هذه المحدودية فرضت أيضاً مسألة المتابعة في أوقات تابعة لأحداث معينة ، فتعود الناس على اتباع هذه الأوقات وهذا المحتوى المفروض عليهم. مما أعطى الأحداث الكبرى التي تجري في أوقات معينة وفترات زمنية متباعدة أهمية كبيرة جداً لأنها تجمع الناس حولها . فكان كأس العالم والمنافسات القارية الذي تأتي كل أربعة سنوات المناسبة تجعل من الممكن استهلاك كرة القدم لمدة 24 ساعة وهو ما لا يتحقق في منافسات الأندية التي كان الوصول صعباً إليها في الأساس. الأمر ذاته ينطبق على النجوم الذين لا يمكن متابعة اخبارهم إلا وفق ما ينشر عنهم …لكن الوضع اختلف اليوم تماماً .

    إدمان الاستهلاك الدائم

    في عام 1998 ، اختلف صديقي مع والده حول مركز الكولومبي إسكوبار الذي قتلته العصابات بعد هدفه العكسي في مرمى فريقه في كأس العالم عام 1994 .والد صديقي كان مقتنعاً بأن إسكوبار حارس مرمى وليس مدافعاً. وعندما استعان بي صديقي لإثبات مركزه احتجت لأكثر من شهر حتى وجدت مقالاً في جريدة حول الكولومبي الآخر أسبريليا (الذي كان يلعب في بارما ) وفيه ذكر أن إسكوبار كان مدافعاً. هذه الحالة ما كانت لتتكرر اليوم لأن طباعة نصف كلمة إسكوبار على جوجل تأتيك بآلاف المقالات والفيديوهات . ومع امتلاك الناس للهواتف الذكية وتطور شبكات الاتصال بات بإمكانهم مشاهدة أي لقطة يريدونها وأي تحليل يرغبونه في أي وقت يشاؤون . ليس هذا وحسب بل أصبح بإمكان أي إنسان أن يرصد العديد من اللقطات دون انتظار أن تأتيه من وسائل الإعلام، ومعظم اللقطات المثيرة في عصرنا صوّرت بكاميرات الهواتف النقالة .

    وسائل التواصل الاجتماعي ( GettyImages)

    وسائل التواصل الاجتماعي ( GettyImages)

    سهولة الوصول إلى المعلومة وتداولها مكنت المستخدمين من الاستهلاك في أي وقت يرغبونه. فما عادوا مضطرين لانتظار مناسبات كبرى لمتابعة كرة القدم على مدار 24 ساعة وبالتالي قلت أهمية التجمعات الكبرى. وترافق ذلك مع سهولة الوصول لمنافسات الأندية مما قدّم زاداً يومياً لا يتوقف. تغير الأداوات التكنولوجية غيّر من نمط الاستهلاك وبالتالي توجه الاستثمار بشكل كبير إلى المنافسات السنوية المستمرة وهي منافسات الأندية فزادت الاموال الموضوعة فيها ووزادت قيمتها وقيمة لاعبيها ليزداد المحتوى الإعلامي الكروي كنتيجة طبيعية لهذا الأمر.

    وسائل التواصل الاجتماعي وتعزيز الفردية 

    وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر نقلة أخرى في كيفية استهلاك كرة القدم كسلعة ترفيهية . فلكونها سهلت التواصل بين الناس وخلقت منابر لتبادل الآراء دون الحاجة لأي وسيط خصوصاً مع انتشار استخدام الهواتف الذكية المزودة بالتطبيقات اللازمة .ومع الأخذ بعين الاعتبار أن وسائل التواصل هي بالأساس منابر فردية،فقدت مكنت من التركيز على النجوم كأفراد وسهلت متابعتهم مع ناديهم مما رسخ ارتباطهم به أكثر من ارتباطهم بالمنتخبات التي ينضمون لها بشكل موسمي. ومع إدمان هؤلاء النجوم أنفسهم لوسائل التواصل الاجتماعي هذه وتفاعلهم مع محبيهم ازداد التركيز على مابعتهم لأن الوصول إليهم ورصد تحركاتهم بات أسهل وغير مقتصر فقط على تواجدهم مع النادي والمنتخب.

    جريزمان يلتقط السيلفي مع المعجبين (GettyImages)

    جريزمان يلتقط السيلفي مع المعجبين (GettyImages)

    أسبقية التقدم التكنولوجي وكرة القدم المتطورة 

    التقدم التكنولوجي سهّل كثيراً مسألة عولمة كرة القدم حيث باتت متابعة اللاعبين والمواهب ممكنة بسهولة في كامل اصقاع الأرض. وهو ـمع ازدياد الاستثمارات في كرة القدم ـ سمح باستكشاف أسواق جديدة ومنابع مختلفة للمواهب في أميركا الجنوبية وإفريقيا وأيضاً آسيا.

    القارة الأوروبية هي المكان الوحيد على سطح الأرض الذي يجمع بين التقدم التكنولوجي وكرة القدم المتطورة، فأميركا الجنوبية تفتقد التطور التكنولوجي والقوة الاقتصادية  أما الولايات المتحدة والصين واليابان فهي تفتقد لكرة القدم المتطورة . هذا الأمر أعطى أندية أوروبا الأسبقية في دمج التكنولوجيا بكرة القدم سواء عبر اكتشاف المواهب او دمجها في اللعبة ذاتها . وشيئاً فشيئاً انتقل الثقل الكروي بشكل شبه كلي إلى القارة الأوروبية التي باتت مهمينة على كرة القدم العالمية أكثر من أي وقت مضى مع توجه المواهب إليها وأيضاً انفتاح الأندية الكبرى على الأسواق الجديدة في الصين والولايات المتحدة وغيرها. والنتيجة كانت تجمعاً كبيراً للنجوم في القارة العجوز فباتت منافسات أنديتها سواء على صعيد الدوري المحلي أم البطولات الأوروبية تجمعاً استثنائياً للنجوم الذين يتنافسون بشكل دوري ومستمر . فلم يعد هناك حاجة للمنافسات الدولية التي في معظمها تكون مملة خصوصاً في مرحلة التصفيات (الأطول ) . وحتى النهائيات فهي تقام بعد نهاية الموسم فتكثر الإصابات ويسيطر الإرهاق ، ومع قلة الوقت المتاح للإعداد فإن مستوى كرة القدم فيها يصبح أقل من منافسات الأندية.

    اكتشاف المواهب (GettyImages)

    اكتشاف المواهب (GettyImages)

    لكن في النهاية تبقى كرة القدم على الصعيد الوطني جزءً لا يتجزأ من كرة القدم العالمية . ومهما علت سطوة الأندية فهم في خدمة كرة القدم في أي بلد من البلدان ولن يكونوا يوماً مستقلين عنه وبالتالي ستبقى منافسات المنتخبات مهمة جداً. لكن المطلوب في ظل عالمنا الحالي هو زيادة العائدات من منافسات المنتخبات وجعل منافساتها أكثر استمرارية حتى تبقى مصدر اهتمام للمستثمرين ومستهلكي كرة القدم . وأحدى الخطوات الجدية في هذا الأمر هي فكرة دوري أمم أوروبا الذي يعتبر خطوة جديدة ستلحق بها كل اتحادات العالم القارية ، لكنها حتى اللحظة غير كافية لمنافسة الأندية التي يبدو أن لها اليد العليا حالياً .