انتقال كريستيانو رونالدو .. خلاص كرة القدم الإيطالية والعالمية

لم يشهد تاريخ كرة القدم القديم منه والحديث قطبية وثنائية كثنائية ميسي ضد رونالدو وريال مدريد ضد برشلونة . خلالها تحطمت كل الأرقام وتدمرت كل الانجازات الفردية والجماعية أمام ما يحققه هذا الرباعي . فعلى الصعيد الأندية حقق برشلونة إنجازاً يعتبر حالياً في خانة الإعجاز لأنه لم يلامسه أحد حيث فاز بسداسية تاريخية (أي كل الألقاب الممكنة ) وفاز بعدها بخماسية مرتين . أما ريال مدريد فأحرز دوري أبطال أوروبا أربع مرات في خمس سنوات منها ثلاثة متتالية في إنجاز اعتبره محقق السداسية جواريولا أمراً غير ممكن الحدوث في المدى المنظور.

هذا الانجاز الذي حققه ريال مدريد وإحراز رونالدو للكرة الذهبية الخامسة كان قمة هذه القطبية والمركزية (بحسب ما وصفها لي النجم الهولندي السابق رونالد دي بور) التي سيطرت على كرة القدم في السنوات الأخيرة . قطبية بدأت تفقد بريقها وألقها مع رحيل صانع إنجاز ريال مدريد الأكبر زين الدين زيدان وخروج كل من البرتغال والأرجنتين من مولد المونديال بلا حمص والأهم اعتياد العالم عليها وملله منها . وفي عالم الترفيه والاستعراض الذي باتت كرة القدم جزءً أساسياً منه كان لابد من محرك لهذه المياه التي بدأت تدخل مرحلة الركود . من هنا جاءت أهمية هذه الصفقة التي كسرت اضلاع المربع  رونالدو – ميسي–  برشلونة – ريال مدريد وانهت القطبية الشديدة بينهم ونقلت  بعضاً من مراكز القوى من اسبانيا إلى دول أخرى منها إيطاليا (18 لقباً أوروبياً  من أصل الـ 19 الأخيرة كانت للأندية الاسبانية في دلالة واضحة على مدى مركزية القوة في عالم كرة القدم ).

نطلق عليها صفقة القرن لأنها نقلت واحداً من افضل لاعبين في العالم في السنوات العشر الاخيرة وصاحب آخر ثلاث كرات ذهبية من نادي القرن إلى ناد آخر . هي صفقة القرن لأنها سحبت اسطورة مدريدية إلى منافس أوروبي لدود هو اليوفنتوس . هي صفقة القرن لأنها نقلت لاعباً بعمر الـ 33 عاماً مقابل أكثر من مئة مليون دولار …هي صفقة القرن لأنها ستغير مشهد كرة القدم برمته وستفرز توزعاً جديداً للقوى فارضة  تغيراً كبيراً في  انتقالات اللاعبين الذين سيتساقطون كأحجار الدومينو كما قالت صحيفة الماركا .هي باختصار صفقة القرن لأنها نقلت كريستيانو رونالدو في قمة مجده من سيد أسبانيا وأوروبا التاريخي إلى سيد إيطاليا كروياً  وأكثر أنديتها قوة اقتصادية واستقراراً إدارياً ومالياً وهو اليوفنتوس.

كيف سيتغر المشهد الكروي بعد انتقال رونالدو

بداية رحيل رونالدو سينهي حقبة التنافس المباشر بينه وبين ليونيل ميسي وهو الذي كان محركاً للإثارة في عالم كرة القدم في السنوات الأخيرة. حيث أن عدم تواجدهما في دوري واحد سيجعل التنافس بينهما محصوراً بدوري الأبطال . كما أن لقائهما  المباشر لن يكون سوى مرتين في العام في الحد الأقصى في حال التقيا. ومن الطبيعي  أن يتم التركيز على ما يفعله ميسي في برشلونة وما يفعله رونالدو مع اليوفنتوس لكن ربطهما في منافسة مباشرة لن يكون ممكناً بعد الآن .

انتقال رونالدو إلى اليوفنتوس سيعني بالضرورة إعادة التركيز على إيطاليا وكرتها وأنديتها  بعد أن نسيها الزمن نتيجة  الأزمة الاقتصادية ورحيل النجوم بعد انهيار كبار الفرق إثر الكالشيو بولي. ففي كل لقاء سيلعبه اليوفي  سيتم التركيز على رونالدو وعلى غريم اليوفي ليتابعوا كيف سيتم إيقاف رونالدو. وبالتأكيد سيكون من المثير للاهتمام متابعة عدد الأهداف التي سيسجلها النجم البرتغالي في دوري تكتيكي يتميز بدافاعات منظمة وقوية .

لكن الاختبار الأكبر بطبيعة الحال سيكون قدرة رونالدو على قيادة اليوفي للقب دوري أبطال أوروبا بعد أن لامسها لسنوات عديدة وفقدها بسبب لمسات رونالدو نفسه أو النجم  النظير له وهو ليونيل ميسي . ولطالما امتلك اليوفي لاعبين بشخصية عظيمة على مستوى الدفاع لكنه لم يملك يوماً لاعباً بهذا المستوى من الشخصية والعقلية  على الصعيد الهجومي وهو ما سمح له بالذود عن مرماه بقوة لكنه لم يشفع له في تسجيل الأهداف في اللحظات الحاسمة التي تهدي الفريق البطولات …واليوم بات اليوفي مالكاً لأفضل مهاجمي العالم وأقواهم شخصية فهل يسمح له ذلك بالفوز بالكأس ذات الاذنين الكبيرتين أخيراً ؟

رحيل رونالدو سيفرض على ريال مدريد تعويضه بلاعب أو أكثر علماً أنه ليس هناك من يعوض نجماً بهذا الحجم . وبالتالي فإننا سنرى حركة كبيرة في سوق الانتقالات وأموالاً كثيرة ستنفق سواء في سبيل تعويض رونالدو أو استغلال حاجة ريال مدريد لتعويضه. وهو ما يعني حركة متغيرة  لأموال ولاعبين قد نجد على إثرها هازراد أو مبابي أو نيمار في ريال مدريد وآخرين في  تشلسي والسان جيرمان أو غيرهم لتعويضهم .

أخيراً وليس آخراً ريال مدريد نفسه سيتغير وسنرى كيف سيدير لوبتيجي الأمور في ظل رحيل أفضل لاعبي الفريق . فمن جهة سيخسر أقوى أسلحته في السنوات الأخيرة وهناك ضرورة لإيجاد بديل تكتيكي أو بشري وفني ومن جهة أخرى سيتحرر الفريق من أسلوب لعب يناسب رونالدو وسيكون امامه خيارات كثيرة في التشكيل وكيفية الحركة في أرضية الملعب .

لماذا اختار رونالدو تغيير الاجواء والانتقال إلى اليوفي تحديداً

بعد تسعة أعوام من العمل المتواصل في القمة مع ريال مدريد وإحراز كل شيء ممكن وتحطيم كل الأرقام القياسية العادي منها والإعجازي لم يعد لدى رونالدو من جديد يقدمه لريال مدريد ولم يعد لدى ريال مدريد شيء ليقدمه لرونالدو على صعيد المسيرة . وكما أسلفنا وصل الفريق إلى القمة بإحراز الأبطال لثلاث مرات على التوالي وهو الأمر الصعب تكراره أو تجاوزه  . كما أن ثنائية ميسي رونالدو قد بلغت مداها وباتت رتبيه جداً  وستنتهي عاجلاً كان أم آجلاً (ربما ستنتهي بعد كأس العالم ) لذلك من الأفضل الخروج من هذه الثنائية قبل أن يخف بريقها ، ومن المهم أيضاً إيجاد بعد رياضي وتجاري جديد لمسيرة النجم البرتغالي خصوصاً مع تقدمه في العمر .

اختيار  اليوفنتوس تحديداً وليس  باريس سان جيرمان أو مانشستر يونايتد أصحاب  القوة المالية الكبيرة جاء عن عمد وليس عن عبث.  فالانتقال لليونايتد مثلاً سيكون مجرد إعادة لانطلاقة رونالدو الكروية والتي قد لا تكون ناجحة كما سبق  مما سيدمر الحاضر والماضي على حد سواء . كما أن البرتغالي  يعرف تماماً متطلبات عمره وجسده وبالتالي انتقل إلى دوري أقل سرعة من الاسباني والانجليزي . اما الدوري الفرنسي أو الألماني فلا يناسبان رونالدو لا فنياً (يمتاز الدوري الألماني أيضاً بالسرعة الكبيرة ) أو جماهيرياً وتاريخياً (الدوري الفرنسي أقل مستوى من الدوريات الكبرى) . والنقطة الأخيرة والهامة جداً كون رونالدو يحب اليوفنتوس وهو ما أعلن عنه منذ أكثر من ثلاثة أعوام وأبدى رغبته في اللعب معه وهي الرغبة التي تعززت بعد لقاء الفريقين الأخير في الأبطال ورحيل زيدان وربما بنصيحة منه وهو يعرف اليوفي ودواخله .

أخيراً ..لماذا ستكون هذه الصفقة خلاصاً  لإيطاليا ولكرة القدم بأسرها

مع قدوم رونالدو إلى إيطاليا سيعود الاهتمام بكرتها عالمياً أكثر فأكثر وستصبح جاذبة لرؤوس الأموال الإعلانية والرعاة  وهو ما يعني تدفقاً للأموال كالدماء في الشرايين مما سيقوي القدرة الشرائية للأندية التي ستحاول إنهاء هيمنة اليوفي المستمرة قبل رونالدو .والآن مع رونالدو بات لابد من حلول تكتيكية جديدة وبالتالي فإن المستوى سيرتفع حتماً . ولا ننسى أن مدرب رونالدو سابقاً وأحد أفضل مدربي إيطاليا كارلو أنشيلوتي متواجد حالياً  الدوري الإيطالي مع المنافس الأقوى وهو نابولي وهو ما سيرفع من حدة المنافسة.

على الصعيد العالمي ستتحرك المياه الراكدة وستتغير موازين القوى وسنرى نفساً جديداً في كرة القدم العالمية بعيداً عن مركزية برشلونة ريال مدريد وميسي رونالدو . وهو ما سيعطي إثارة أكبر من السابق وكرة قدم عالمية مختلفة عما عهدناه في السنوات الماضية …وبالانتظار لنرى انطلاقة رونالدو مع اليوفي وهل ستتحقق تحليلاتنا أم لا.