سبورت 360 – في كرة القدم مسلمات لا يمكن مناقشتها أبداً. فإن كنت تشجع ريال مدريد فأنت دون شك تكره برشلونة، وإن كنت تشجع ليفربول فأنت تكره ايفرتون وما دمت تشجع أي فريق في العالم فأنت تكره عدوه التقليدي. لكن هل سألتم أنفسكم يوماً لماذا علينا أن نربط حبنا لفريق ما بكرهنا للآخر وهل يمكن لفريق أن يوجد دون أن يكون له عدو؟

هذه الأسئلة ليست حديثة العهد، فمنذ أن وجد الإنسان فإنه دوماً ما امتلك عدواً وحتى عندما وجد البشر طرقاً للتعاون وتشكيل قبائل فإنهم وجدوا قبائل تعاديهم وأتت الرياضة كإمتداد طبيعي لطبيعة البشر “القبلية”. لذلك فإن أغلب الرياضات الجماعية تبدو، في أبسط أشكالها إذا تناسينا تفاصيل قوانينها، كصراع بين قبيلتين. لكننا دائماً نكره فريقاً معيناً أكثر من أي فريق آخر. سيغموند فرويد، وهو من أوائل من حاول دراسة هذه الظاهرة، كان يرى أن التقارب الجغرافي هو المحفز الرئيسي للعداوة وذلك لرغبة كل فريق (كما هي رغبة كل قبيلة) في فرض سيطرته على مدينته وبالتالي فإن وجود منافس في نفس المدينة يحرك الغريزة القبلية البدائية للإنسان وهذا ما يمكن ملاحظته حتى اليوم في رغبة كل فريق  “بصبغ” المدينة بألوانه، سواء كلامياً أو لفظياً، بعد فوزه بالديربي المحلي بعبارات كـ”مانشستر زرقاء” أو لندن “حمراء”.

لكن أكثر ما يثير الإهتمام في نظرية فرويد هو أننا في أغلب الأحيان نخشى الأشخاص/الفرق التي تشبهنا لحد كبير. فإذا نسينا أهوائنا الكروية للحظة  فسنجد أن أي فريقين ينتميان لنفس المدينة متشابهان أكثر من كونهما مختلفين. فهل يوجد اختلاف كبير ارسنال وتوتنهام أكثر من تواجد ملاعبهما في مناطق مختلفة من لندن؟ وهل هناك ما يفسر الكره المتبادل بين جماهير ليفربول وايفرتون وهم سكان نفس المدينة ولا يفصل بين ملعبي فريقهما سوى حديقة عامة صغيرة تدعى ستانلي بارك؟ وهناك حالات محيرة أكثر: فماذا عن جمهور ناديي مدينة ميلانو الذين يتشاركان نفس المدينة والملعب ولا يفصل بينهما سوى اللون المرافق للأسود على قمصانهم (الأحمر ضد الأزرق).

وهذه ليست ظاهرة رياضية فحسب بل بشرية بشكل عام. فنحن أيضاً نجد أنفسنا نخشى أي شيء يشبه الطبيعة البشرية؛ فبعد عقود من ترحبينا بالتطور التقني في عالم الذكاء الصناعي والروبوتات وما يمكن أن تقدمه للبشرية لكن هذا الحماس بدأ يتحول لخوف عندما أصبحت هذه الروبوتات تمتلك أشكالاً وأصواتاً بشرية ويمكنها أن تحاكي ذكاء البشر وأجبرنا على نؤكد لأنفسنا أن حقيقة البشر لا تكمن في وجوهههم وأصواتهم بل بقدرتهم على التعاطف مع غيرهم من البشر وهو ما لا يمكن لأي رجل آلي فعله. أي أننا كبشر لا نحدد قيمنا وأخلاقنا فقط لأننا نريد أن نكون شيئاً ما بل لأننا لا نريد أيضاً أن نكون شيئاً آخر.

كرة-القدم-لا-شيء-بدون-الجماهير

وكذلك هو الحال مع الأندية: فدائماً ما نجد النوادي المجاورة لبعضها البعض، التي تمتلك مشجعين يذهبون لنفس المدارس ويرتادون نفس المطاعم والمقاهي وفي عديد الأحيان ينتمون لنفس العائلات تحاول تمييز نفسها عن جيرانها من بأسباب معظمها أقرب للخيال، كتقديم نفسها على أنها “الممثل الحقيقي” للمدينة. جدران ملعب ايفرتون مازالت تحمل عبارة دايفيد مويس الشهيرة “نحن نادي الشعب” في إشارة إلى أن امتلاك جاره ليفربول مشجعين حول العالم على عكس فريقه الذي يمثل في رأيه شعب ليفربول الحقيقي وهو نفس الإتهام الذي يوجهه مشجعو مانشستر سيتي لجيرانهم “الحمر”.

كرة القدم تجاوزت اليوم المفهوم الجغرافي المحدود في العداوات فاصبحنا نجد عداوات كروية تتطور على أسسس مادية (الأندية المدعومة من قبل أثرياء أجانب ضد الأندية المملوكة محلياً) وسياسية (الأندية اليسارية والأندية اليمينية) وحتى اسلوب اللعب رغم أن معظم أندية كرة القدم هي شركات تجارية عملاقة تسعى لجني المال وتغير طريقة لعبها بشكل مستمر.

لكن هل يجب علينا أن نعمل على كبح طبيعتنا البشرية التي تقودنا لكره الفرق المنافسة لفريقنا المفضل أم أن هذا أمر يغني اللعبة؟ أحد أفضل المدربين في تاريخ اللعبة، أليكس فيرجسون، يرى أن الأندية بحاجة لمنافسيها. فخلال احدى مقابلاته عام 2012 أكد المدرب الاسطوري لمانشستر يونايتد لمحاوره الذي كان من مشجعي ليفربول بأن “كلا الناديين بحاجة للآخر” بإشارة إلى أن رغبة فيرجسون الكبيرة في “إزاحة ليفربول عن عرشهم” كانت احدى الدوافع الرئيسية وراء نجاحاته المتتالية مع اليونايتد. كما هو الحال ربما مع ميسي وكريستيانو رونالدو؛ فنجاح أحدهما أو تحطيمه لرقم قياسي ما يدفع الآخر لمواصلة اللعب بنفس الوتيرة والمستوى لكي يضاهي نجاح الآخر.

ورغم أن استخدامي المتكرر لكلمة “كره” قد يعطي الموضوع طابعاً عدوانياً أو لا أخلاقياُ، لكن معظم الفرق تدرك أنها بحاجة لمنافسيها بالرغم مما تحملها من كره لهم. وأبسط مثال على ذلك هو القرض الذي قدمه بايرن ميونخ لبروسيا دورتموند عندما كان الأخير على شفير الإفلاس عام 2004.

العداء، في حدود المعقول دون أن يتحول إلى عنصرية أو عنف، يغني كرة القدم ويدفع الأندية واللاعبين لمستويات لم يكونوا سيصلون لها دون أعدائهم. لكن علينا دائماً أن نتذكر أننا نختار أعدائنا لكونهم يشبهوننا.