كيكي سيتيين و ألفريد هيتشكوك

سبورت 360 – وصل كيكي سيتيين محلاً بأفكار المجد القديم وفُتحت الأبواب الكاتالونية له.. فـ”متى يُطلقون الصافرة؟” قالها أحد الكوليز القدامى المجانين ببرشلونة.. وهو يريد أن يسمع صافرة النهاية في كل مباراة، ليست كل مباراة تحديداً..ولكن صدقني كان يريد أن يستمع لصافرة نهاية المباراة في كل مرة كان فيها فالفيردي مدرباً لبرشلونة.

كان الأديب المصري نجيب محفوظ يقرأ 4 ساعات كل يوم لكي يسطع بقلمه.. لكي يكتب الروايات والقصص التي جعلته خالداً وألهمت أجيالاً من الكتاب من بعده، ولكنني لم أكن أحتاج لذلك لكي أكتب عن كيكي سيتيين، فكل الأحداث والروايات المختلفة عن سيرة ذلك المدرب وأسباب اختيار بارتوميو له كانت أمامي، لقد كان كل شىء يمر ببساطة وبسلاسة إعلاناً لانتهاء حقبة من التألم الكروي للمشجع البرشلوني..الذي رأى في أفكار فالفيردي عاراً على الكرة الكاتالونية.

كما أنني لم أحتاج أيضاً إلى صناعة مقدمة لافتة وجاذبة عن سيتيين، ابن مدينة سانتاندير، والرجل الذي يأتي إلى كامب نو وهو في مطلع الستينيات من عمره، لكنه يملك روحاً شابة، روحاً تعتقد أنها يُمكنها أن تخلق جمالاً حيوياً حتى وهو في المراحل الأخيرة من حياتها.


أدب كرة القدم ..مقال أسبوعي يربط عالم الرياضة وكرة القدم بلغة الأدب والفنون


وتناقلوا الخبر السعيد .. أطلقنا الصافرة على فالفيردي

بارتوميو رئيس برشلونة في المؤتمر الصحفي لتقديم سيتيين كمدرب بدلاً عن إرنيستو فالفيردي

بارتوميو رئيس برشلونة في المؤتمر الصحفي لتقديم سيتيين كمدرب بدلاً عن إرنيستو فالفيردي

أطلقوا الصافرة إعلاناً بنهاية لعبة فالفيردي معهم.. وكانت أولى الكلمات المطمئنة لقلوب الكتلان المجروحة هي ما قاله كيكي عن مدى غرامه وافتتانه بكرة القدم التي قدمها كرويف مع برشلونة لاعباً ومدرباً، وأنه تعلم بالفعل كيف تُلعب كرة القدم والمغزى منها عندما رأى وعاصر إجمالي تُحفة كرويف البهيجة في كاتالونيا.

كان بعضهم يموت مللاً من الروتين واللعب السىء الذي تقدمه منظومة فريق البلاوجرانا..بينما صمت الكثير، اقتناعاً منهم بأن ما يخرجه فالفيردي من نتائج مُقنع ويكفيه للاستمرار..بينما كان البعض الآخر، وربما بسبب الجُبن من التغيير والخوف من عواقبه..يفضلون تأجيل تلك الخطوة..ولكن مهما تعددت المواقف، فقد كانت هناك نتيجة واحدة.

كيكي سيتيين

كيكي سيتيين

وبعد أن تناولت في تقرير خاص أفكار ونظام اللعب التكتيكي لبطل مقالتنا اليوم، فإن هناك قصة قديمة تحضرني خارج عالم كرة القدم والتي تتمثل في المخرج الفرنسي فرانسوا تروفو، الذي لازمته لعنة كبيرة أولاً في حياته، وثانياً في افتتانه الكبير بالمخرجين الذين سبقوه، هؤلاء الصًناع الذي كان يهرب من المدرسة ليدخل إلى السينما يعيش في عوالم أفلامهم.

هرب تروفو من حياته الشقية داخل المنزل الذي شهد عراكاً دائماً بين أمه وأبيه، ووجد خلاصه وشغفه الخاص في غواية الفن السابع، فأحب روسيليني الإيطالي وكان مهووساً بأعمال المخرج الفرنسي الكبير جان رينوار والسويدي بيرجمان وبعظمة صنعة البريطاني هيشتكوك ومؤثراته التي خلقت من أفلامه نموذجاً عالمياً لأفلام المغامرة والإثارة.

تلميذ هيتشكوك في برشلونة .. أم هيتشكوك نفسه

يوهان كرويف .. أسطورة برشلونة والكرة الهولندية الشاملة

يوهان كرويف .. أسطورة برشلونة والكرة الهولندية الشاملة

وكما لو أنني أرى الآن سيتيين في ثوب تروفو، وهو يًخلص لأفكار وعمل كرويف الذي كما لو أنه “هيتشكوك الخاص بكيكي سيتيين”، الرجل الذي ألهمه ويسير دائماً على دربه..ويريد أن يُعيد بعثه من جديد ممثلاً في أفكاره التي عاشت طويلاً في الكرة الإسبانية.. تلك الأفكار التي كانت الوقود الوحيد لمنافسة الملكي ريال مدريد في السنوات العشرين الأخيرة.

فهذا الرجل صاحب القمصان الضيقة والملابس التي تكاد تحاول أن تكون أنيقة ليس من كاتالونيا ولم يلعب في برشلونة، لكنه كان أوفى وأكثر عشقاً لمآثر الفكرة الرئيسية للتيكي تاكا والكرة الشاملة مقارنةً بكثير من المدربين الذين دربوا برشلونة نظراً لأنهم ارتدوا قميصه من قبل.

لكننا دائماً ما نستيقظ من الأحلام القديمة لنعيش واقعاً قد تكون به الكثير من العقبات الشديدة التي تحول دون أن يتحول فكرنا ونوايانا النظرية إلى عمل حقيقي ومكتمل.

الحقيقة عظيمة .. كرة كاتالونيا تعود لحقيقتها..ولكن!

ليونيل ميسي ..بطل الفيلم مجدداً

ليونيل ميسي ..بطل الفيلم مجدداً

لقد كان الجميع سعيداً في كاتالونيا خلال الأسبوع الماضي لأن البارسا تخلص من وهم الفكر الواقعي لدى فالفيردي حتى وإن كان قد حقق لقبين لليجا..وفي الفترة القادمة سيكون عليهم أن يعيشوا حتمية الواقع والتي تقول بأن المدرب الجديد سيبذل كثير من الجهد المضني حتى يتخلص من تلك العقبات، والتي ما قد يكون منها في غرف الملابس، أو في عدم قدرة بعض اللاعبين على تنفيذ أدوارهم التي رسمها لهم.

والحقيقة المتمثلة في ضرورة رؤية برشلونة يلعب كرة قدم جميلة في آخر سنوات الأسطورة ليونيل ميسي..قد تحتاج لضحايا، فالحقيقة عظيمة ولكن على سيتيين أن يصل إليها عبر الطريق الشاق..وأن لا يتجنب أي قرارات مصيرية.

فنحن ننتظر إما فيلماً شيقاً تجتمع فيه مآثر الماضي بإبداع وحقائق الواقع، وقد نشاهد به كرة ساحرة كالتي قدمها السيد الحالم كيكي مع الكناري الجميل لاس بالماس أو مع بيتيس.

أما السيناريو الآخر.. فهو أننا قد نشهد فيلماً هيتشكوكاً تدور فيه الأحداث وتنقلب بين ليلة وضحاها، فيلماً به تشويق مع مرارة المغامرة ورعب التحولات التي غالباً ما كنّا نشهدها في أفلام المخرج البريطاني الكبير..الذي كان يعشقه الفرنسي تروفو..وربما حاول أن يصبح تلميذه وفشل..لكن سيتيين مُصر على أن يبعث كرويف حياً..من جديد.