ما الذي يميز ليونيل ميسي عن بقية اللاعبين؟ السحر الذي أنقذ برشلونة

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • ليونيل ميسي

    موقع سبورت 360 – الساعة 11:45 ليلاً، ابتسامة يعلوها قليلٌ من الارتباك والقلق على شفاه المدريديستا في العاشر من مارس 2007، ريال مدريد يتقدم 3-2 على برشلونة في كامب نو، الانتصار يعني تقليص الريال للفارق إلى نقطتين مع المتصدر، وتكريس ثقافة الفوز عليه بعد التفوق ذهاباً 2-0.

    الريال في وضعية جيدة، 11 لاعباً ضد 10 لاعبين، رأسية سيرجيو راموس سكنت كالرصاصة في قلب فرانك رايكارد، لا يوجد شيء يستطيع فعله الآن، هو بحاجة لمعجزة حتى يعدل النتيجة في مثل هكذا وضعية.

    الدقيقة 90 من اللقاء، لم يتبقَ الكثير “فور انتهاء المباراة، سأصرخ، وأركض إلى خارج المنزل… سأذهب لصديقي البرشلوني لأحتفل أمامه: ها قد أنهينا حقبة رونالدينيو” هذا ما كنت أفكر به…

    “جووووووول” صوت قطع كل شيء، دمر كل شيء… لم نعد نميز ما الذي يحدث، معلق يصرخ كالطبل في أذنيّ، ممزوجاً بأصوات الصراخ الهيستيري فرحاً من منزل بعيد في آخر الحي.

    نعم، حدثت المعجزة، ليونيل ميسي تخطى إيفان هيليجيرا في الوقت بدل الضائع وقتل كاسياس بسهمٍ سكن شباكه محرزاً هدف التعادل، هو هدفه الثالث اليوم! لا يوجد كلام يقال الآن .. لا أريد أن أنام، لا أريد أن آكل، لا أريد أن أفعل شيئاً…

    “اللعنة عليك يا ميسي، من أين أتيت لنا؟ لم نهنأ بعد بتراجع رونالدينيو… ستكون سنوات كئيبة”.

    ليونيل ميسي هو السحر الذي أنقذ برشلونة

    في الحقيقة لم تكن تلك الليلة التي أخبرتنا أننا مقبلين على سنوات عظيمة لبرشلونة، الأمر سبق ذلك بقليل، فبعد تعادل برشلونة في 4 مباريات مع خسارته للقاء وحيد في أول 7 جولات من الدوري الإسباني 05\2006 ، استوعب فرانك رايكارد أنه لم يستخدم الموهبة الصاعدة بعد، إنه اليافع ليونيل ميسي إبن 18 عاماً، لذلك قرر استخدامه في مواجهة أوساسونا في الجولة الثامنة، وكان ما كان!

    إنه كالسحر، مشاركته في اللقاء أنهى الكابوس الذي يجثم على صدر رايكارد، البرسا تفوق بنتيجة 3-0 مقدماً أفضل مبارياته خلال الموسم، ورغم أن ليونيل لم يسجل لكنه استحق تصفيق جماهير كامب نو التي سبق وأن شاهدته في الموسم الذي سبق ذلك، لكن لم تشاهد كل هذه العظمة منه…

    النجم الأرجنتيني ظهر كالزئبق لا يستطيع أحد السيطرة عليه، بل لم تمنعه ركلات المدافعين من مواصلة المراوغة والاختراق، لدرجة أنهم أسقطوه أرضاً في إحدى الهجمات المرتدة، لكنه احتفظ بالكرة معه وقام مجدداً وانطلق بها واستمر بالمراوغة!

    هذه اللحظات كانت فارقة، فرانك رايكارد علم أن ميسي هو تميمة الحظ الخاصة به، لا يجوز بعد الآن إقصائه من قائمة الفريق، وهو ما كان بالفعل، ليونيل تواجد في قائمة الفريق ولعب كل المباريات التالية سواء كأساسي أو كبديل على أقل تقدير، لتنقلب الأمور رأساً على عقب ويحقق برشلونة 14 انتصاراً متتالياً في الدوري الإسباني… ألم أقل لكم إنه كالسحر؟

    الفكرة ليست مجرد مشاركة لاعب شاب أبهر الجميع بالمراوغة وقدرته بالحفاظ على الكرة مهما تعرض للركل والخشونة، ولا حتى في تحسن مستوى برشلونة بشكل واضح معه، لكن في الشخصية التي امتلكها ليونيل ميسي، شيء مفاجئ أن تشاهد لاعباً بسن 18 عاماً يلعب وكأنه لاعب خبرة، بل يقلق راحة أفضل مدافعي العالم ليجعلهم خائفين ومرعوبين منه، هو شيء لا يفعله سوى العظماء، وليونيل أظهر منذ نعومة أظافره أنه واحداً منهم.

    ربما سنفهم حجم الإبهار الذي خلقه ميسي في نفوس كل من يتابع اللعبة حينما نستمع لكلام أحد أبرز خبرائها على الإطلاق، الإيطالي فابيو كابيلو الذي كان يصنف ضمن قائمة أفضل مدربي العالم حينها “أبهرني منذ أول مرة شاهدته في كامب نو. إنه لاعب بهذا السن الصغير ويقدم كل هذا الأداء أمام 90 ألف متفرج، بل يعرف ما الذي يجب فعله بالكرة كلما استلمها، أسرني بسحره ومراوغاته وشخصيته. في ميسي شاهدت شيئاً مختلفاً عن كل اللاعبين الذين شاهدتهم لمدة طويلة”.

    فرانك رايكارد هو الآخر انبهر مما قدمه نجمه اليافع “لقد قدم أداءً في غاية الروعة، إنه يحمل جينات برشلونة في دمائه“.

    فرانك رايكارد يعانق ليونيل ميسي

    برشلونة ضد ريال مدريد .. أول كلاسيكو عرفنا فيه ميسي

    “لا يوجد حل لإيقافه! هل هذا بشر؟ أخرجوا هذه الآلة من الملعب” هذا ما قلته لأحد أصدقائي أثناء متابعة الكلاسيكو الأليم لريال مدريد، ليلة سوداء كسواد غيوم أواخر نوفمبر، شاب بسن 18 عاماً عاث في دفاعات الفريق الملكي الفساد وحولها لأضحوكة على مرأى من العالم أجمع.

    تلك الليلة لا تمحى من ذاكرتي للأبد، وكيف أنساها وقد شاهدت ميسي في الكلاسيكو لأول مرة يلعب بشكل أفضل من نجوم سبقوه في الملاعب بسنوات، بل يلعب بشكل أفضل من أي لاعب آخر شاهدته خلال تلك الحقبة… نعم، ميسي كان أفضل من رونالدينيو في ذلك اللقاء، على الأقل خلال الشوط الأول، قبل أن يخطف النجم البرازيلي الأضواء بتسجيله هدفين في الشوط الثاني أجبرت جماهير البرنابيو على التصفيق له.

    ميسي كان شيفرة ذلك اللقاء، اللاعب الذي فاجأ ريال مدريد ولم يجد الفريق له حلاً، كان ينسل بين صفوفهم ليدمرها مسقطاً بالتالي كل الحسابات التكتيكية للمدرب لوكسمبورجو الذي ظن أن إيقاف رونالدينيو في الشوط الأول سيساعده على لعب مباراة تكتيكية بنفسٍ طويل، فاكتشف أن قدرة فريقه على المقاومة أقصر مما توقع، فعند الدقيقة 15 قام ليونيل بمراوغة عدة لاعبين من الريال، قبل أن يخطف منه إيتو الكرة ويسددها داخل الشباك محرزاً هدف الافتتاح.

    ميسي سيزيح رونالدينيو عن عرشه قريباً، تذكر كلامي” قال لي صديقي الذي يعشق برشلونة، فرددت عليه على الفور وأنا أضحك ساخراً “مستحيل.. احلموا” … عدت يومها إلى المنزل ولم تفارق مخيلتي تلك الجملة، إنها الحقيقة التي رفضت أن أعترف بها، أو ربما خفت منها!

    ما الذي يميز ليونيل ميسي عن بقية اللاعبين؟

    الإجابة على هكذا سؤال ليست سهلة، الأفكار ستعصف بنا ولن نستطيع ترتيبها بالشكل الذي يليق بأناقة أداء ليونيل على أرض الملعب، لكن سنحاول الاقتراب من ذلك، مثلما يحاول المدافعون جاهدين إيقافه، ربما نصف الأمر بأنه “يفعل كل شيء بشكلٍ أفضل من أي لاعب آخر”.

    أكثر ما يميز ليونيل هو قدرته على تحليل الملعب قبل أن تصله الكرة، يحدد بالضبط ما الذي يريده وما الذي سيفعله بالكرة بناءً على تمركز المنافس، بل وجودة لاعبيه، وتمركز زملائه، ليونيل يعالج الأمور بشكلٍ سريع في عقله، وهو ما يجعله دائماً متقدماً خطوة على منافسيه، فلا أحد يستطيع التفيكر بهذه السرعة مثله في أرض الملعب، حتى وإن لم يشعر ميسي بأنه يفعل ذلك!

    أيضاً، ليونيل يملك مرونة بجسده تساعده على خلق تحركات مفاجئة لا يستطيع المدافع التعامل معها، فعكس اتجاه الجسد بسرعة يخل بتوازن أي لاعب، لكن ليونيل لديه قدرة على ضبط تشريح جسده لكي يؤدي ذلك بسلاسة ودقة عالية مما يجعله متقدماً بخطوة على المدافعين.

    مثلاً، ليونيل يتوغل أحياناً من الجبهة اليمنى (سواء على الخط تماماً أو من يمين وسط الملعب) مراوغاً اللاعبين بشكل عامودي قطري تقريباً متجهاً للعمق، في هكذا حالة تتوقع أن يسدد اللاعب على الزاوية اليمنى البعيدة لحارس المرمى حينما يصل لمشارف منطقة الجزاء، تشريح الجسد للاعب يستخدم قدمه اليسرى يرجح هذا الاحتمال، لكن ليونيل ربما يفاجئك ليفعل عكس ما توقعته تماماً، فربما يأتيك بتسديدة على يسار حارس المرمى وبدقة عالية.

    في الماضي، سجل ليونيل ميسي هدفين إعجازيين ضد أتلتيك بيلباو خلال موسمين مختلفين، الأول (خلال موسم 2012-2013) راوغ وتعمق ثم سدد نحو الزاوية اليمنى، وفي الثاني (نهائي كأس الملك 2015) فعل أمر مشابه لكن حينما هم بالتسديد وجه الكرة نحو الزاوية اليسرى، رغم أن حارس المرمى أخذ خطوة للقفز نحو الزاوية اليمنى لأن حركة جسد ليونيل كانت توحي بذلك، لكن ميسي باغته بالغير متوقع!

    لمشاهدة الهدفين اضغط هنا ثم عد لقراءة المقال

    هذا التصرف من ليونيل يرتكز على عدة مهارات، فأولاً هو فكر بشكل سريع جداً فور استلامه الكرة، قرأ كيفية تمركز مدافعي المنافس، وبنا تصوراً في ذهنه كيف سينطلق بالكرة ويتوغل ثم يسدد، أي أن ليونيل يحلل ويدرس في ثواني أو حتى في أجزاء من الثانية، ثم يتخذ القرار المناسب.

    لكن التفكير ليس كافياً، فربما يكون لدينا القدرة على التفكير بأمور خارقة لكننا نعجز حتماً عن فعلها، المسألة تتطلب القدرة على تطبيق ما نفكر به، وهو ما يجيد ميسي فعله، فمن ناحية المرونة كما أسلفنا الذكر، هو يمتلك القدرة على مفاجأة المدافعين بتحركات غير متوقعة تفقدهم توازنهم مما يسقطهم أرضاً أو يجعلهم متأخرين عنه بخطوة.

    وليس المرونة والرشاقة والتوازن هي الصفات المطلوبة فقط للقيام بهكذا أهداف إعجازية، فالمسألة تتطلب السرعة الكافية لمفاجأة المدافعين، فالتحرك البطيء سواء بتغيير الاتجاه أو بالركض بالكرة لن يساعد اللاعب على تدمير مدافعين بجودة عالية.

    أيضاً القضية تتطلب قدرة على التحكم بالكرة وعدم فقدانها أثناء الجري، وهذه الدقة مطلوبة أيضاً لتوجيه الكرة نحو الزاوية أثناء التسديد. وبالنهاية كل ذلك يجب أن يرتكز على قدرات بدنية إيجابية، فاللاعب الذي يتعب سريعاً لن يكون بمقدوره وضع التركيز الكافي في التسديد حينما يصل للمرمى بعد المجهود الذي بذله في تخطي المدافعين.

    من هنا نعي بأن وصف “يفعل كل شيء بشكل أفضل من أي لاعب آخر” دقيق وغير مبالغ به، لا أقصد أن ليونيل يجيد كل فنون كرة القدم، فهو ربما ليس بارع جداً باستخدام قدمه اليمنى، أو رأسه، وليس مدافع ذكي يجيد استعادة الكرة من المنافس، لكنه يفعل “كل شيء” في مجال اختصاصه، في المجال المطلوب منه، وفي النطاق الذي يرجح من خلاله كفة فريقه لتحقيق الانتصار، ثم يفعله بشكل أفضل من أي لاعب آخر، وفي جميع المهارات التي يتطلبها هذا الأمر.

    بيب جوارديولا شرح لنا في إحدى المرات ما الذي يميز ليونيل ويجعله لاعباً خارقاً بالقول “تشاهد ميسي يحرك رأسه يميناً ويساراً بسرعة كبيرة، هو لا يكون مشتت حينها، لكنه يحاول استخدام حاسة الشم لكي يميز أي مدافع هو الأضعف بين الرباعي في الخلف”.

    “بعد 5-10 دقائق من بداية المباراة يكون الخريطة في رأسه، ويبدأ بالتفكير: إن تحركت هنا، أو هنا، سأمتلك مساحة أكبر للهجوم… إنه عبقري حقاً، إنه أمر لا يصدق! لا يوجد سوى ليونيل ميسي واحد فقط، لذلك استمتع به، فنحن معاصرون لهذا الرجل”.

    نعم، ميسي رجلٌ مفترس!

    جميعهم رائعون .. لكن ميسي هو الشيفرة السرية للنجاح

    ليس غريباً القول أن ليونيل ميسي هو جزء رئيسي من تفوق برشلونة في السنوات الماضية، فمنذ أن بزغ نجمه والفريق الكتالوني لم ينزل عن سدة المجد، نعم خسروا بعض المواسم بطريقة سيئة، لكنهم دائماً مرشحين لتحقيق كبرى الألقاب، وهو شيء لم يكن سيتحقق بدون النجم الأرجنتيني.

    برشلونة قبل ميسي كان يملك لقباً واحداً فقط في دوري أبطال أوروبا، والآن يملك 5 ألقاب، وكان يملك 17 لقب دوري إسباني، والآن يملك 26 لقباً. لا أقول هنا أنه لا يوجد برشلونة قبل ميسي، فهذا كذب ومنافي للحقيقة، لكن أقول بأن البرسا انتقل مع نجمه الأرجنتيني لمستوى أعلى بكثير.

    حتى في عهد بيب جوارديولا، الفريق الساحر والذي قدم لنا كرة قدم لا يمكن مضاهاتها، كان ليونيل ميسي هو الشيفرة السرية للنجاح، من عنده يبدأ العمل، وبه ينتهي نحو تحقيق المجد.

    ليست مبالغة على الإطلاق، بيب جوارديولا قال بنفسه هذا الكلام، صارح الجميع بشكل لم نتوقعه “كل من يقول أنني بدون ميسي لم أكن سأحقق كل ما حققته مع برشلونة صادق تماماً، ولن أجادله لثانية واحدة في ذلك. في بايرن ميونخ ومانشستر سيتي قمت بنفس العمل، لكن في برشلونة كنت الرجل المحظوظ لأن لدي ميسي”.

    جوارديولا لم يخجل من تكرار هذا الكلام في تصريحٍ آخر “كان لدينا العديد من النجوم الرائعين في ذلك الجيل، لكن بدون ميسي لم نكن سنحقق الكثير من الأشياء. تيتو قال لي في إحدى المرات: ميسي مثل الطالب الذي يذهب إلى الدرس ليصاب بالملل لأنه يعرف كل شيء مسبقاً” كلام صريح من مدرب عظيم اتجاه لاعب أسطوري يجبرنا على الانحناء احتراماً لهما، لا تمجيداً.

    ليو ميسي

    رغم ذلك .. بدون برشلونة ربما لم يكن هناك ” ليونيل ميسي “

    نعم، بدون ميسي ربما لم يكن سيفعل برشلونة كل ما فعله في السنوات الماضية، لكن المعادلة صحيحة بالعكس أيضاً، فبدون برشلونة ربما لم يكن سيصل ميسي إلى القمة.

    لن أحدثكم عن مرض ليونيل ميسي في طفولته والذي تسبب برحيله عن الأرجنتين بحثاً عن نادي يأويه ويوفر له العلاج المناسب، فكان هذا النادي هو برشلونة الذي آمن بموهبته مبكراً، ووفر له كل الرعاية اللازمة ليتخطى مرضه قبل أن يحصد ثمار ما أنفقه عليه في سنٍ لاحق، بل سأحدثكم بأمور أخرى، ربما تغافلنا عنها، أو قصدنا التغافل عنها.

    لا تستطيع السيطرة على ليونيل ميسي، إنه لاعب متفجر، لكن لديه مشاكل واضحة في إنهاء الهجمات والتعاون مع الزملاء، إن أتقن ذلك فسيدمرنا للأبد” هذا ما قلته لصديقي وقريبي عاشق ريال مدريد، فرغم روعة ليونيل في صغره، لكنه كان يهدر العديد من الفرص أمام المرمى، كما كان يميل أكثر للعب بشكل فردي من اللعب مع الفريق.

    نعم، كنا نتمنى أن لا يتطور ميسي، لكنه فاجأنا بأنه تطور بشكل أسرع مما كنا نتخيله، لدرجة أنه تفوق على أفضل المهاجمين في العالم بوقتٍ قصير، مثلما أصبح لاعب يجيد التمرير بدقة متناهية مقدماً حلولاً سحرية لفريقه.

    حتى لا أكذب عليكم، يجب الإقرار بأنه من الطبيعي أن يتطور اللاعب الذكي والذي يملك الشخصية المناسبة سريعاً، هذه المعادلة شاهدناها مع العديد من النجوم الآخرين، لكن في حالة ميسي حدثت بعض الأمور التي تؤكد لنا أن هناك عمل كبير تم من برشلونة لإيصال ميسي إلى هذه المكانة التي هو عليها الآن.

    لنعد خطوة إلى الخلف، وبالتحديد لما بدأنا به المقال، كلاسيكو إياب الدوري الإسباني 2006-2007 حينما سجل ليونيل ميسي الهاتريك منقذاً برشلونة من الهزيمة، النجم الأرجنتيني نفذ أيضاً مهمة إعجازية في تلك الأسابيع بتسجيله هدفاً “كوبي” عن هدف مارادونا في شباك إنجلترا خلال مونديال 1986، وهو ما جعله محط اهتمام العالم أجمع، فلم يعد أحد يحب كرة القدم إلا وأصبح يتحدث عن ليونيل كلما ذكر اسم اللعبة.

    وسط هذا الصخب كله، خرج لنا يوهان كرويف بتصريحٍ مفاجئ، المدرب الهولندي الراحل سبح عكس التيار بالقول “ميسي موهوب، لكنه بحاجة لأن يتعلم ويتحسن، هو يريد كل الكرات لنفسه، يجب أن تمرر 9 كرات للزملاء، وتحتفظ بواحدة أو اثنتان فقط لنفسك. يجب أن يتعلم كيف يساعد كل من حوله”.

    لا أستطيع أن أجزم 100% أن كرويف قال هذا الكلام لمساعدة ميسي، لكني أعرف جيداً بأن كرويف كان له تأثير مباشر على 3 أشخاص لديهم اتصال رئيسي بليونيل ميسي داخل برشلونة، الأول هو الرئيس خوان لابورتا، والثاني هو فرانك رايكارد، والثالث هو بيب جوارديولا. والأهم من هذا كله، أن هناك من داخل الصف الكتالوني من كان جريئاً لقول كلام لا يريد أي شخص في العالم سماعه.

    كرويف أعاد الجميع إلى الواقع بكلامه عن ليونيل، وهو ما كان له أثرٌ واضح على تطور ميسي بعد ذلك، سواء مع رايكارد، أو مع بيب جوارديولا.

    النجم الأرجنتيني اعترف بعد سنوات بسلبياته موضحاً دور رايكارد وجواريدولا في توجيهه “بالنسبة لي، كان من الصعب تمرير الكرة للزملاء. كنت أنسى أن أفعل ذلك باستمرار. لكني بشكل تدريجي تعلمت كيف ألعب من أجل الفريق، ولم يحدث كل ذلك بعملٍ سهل من المدربين”.

    أليكس جارسيا مدرب اليافعين في برشلونة خلال موسم 2002 – 2003 قال عن هذا الجانب في ميسي “تعود أن يلعب كرة الشوارع (يقصد التي تميل للاستعراض) لذلك حاولنا كثيراً أن ندخله أكثر في منظومتنا، أن نعلمه كيف يمنح الكرة كثيراً لزملائه، أن نلعب بأقصى طاقتنا ونتجه للمرمى بلمستين أو ثلاث لمسات”.

    برشلونة لقن ميسي كيف يتحرك في المساحات الضيقة بدون كرة، أين يقف وأين يتمركز، كيف يتواصل مع زملائه في الملعب بنظرة بدون أي إشارة، علموه كيف يقرأ تحركات زملائه، وهو ما استخدمه ليونيل لاحقاً لقراءة تحركات المنافس.

    نعم ميسي كان ظاهرة، يتعلم كل شيء بشكل سريع وبإتقان عالي جداً، إلا أن فلسفة برشلونة ساهمت بشكل واضح في تغيير طريقة تعامله مع لعبة كرة القدم، مثلما أن تواجد كرويف بالقرب من الأشخاص المؤثرين في برشلونة ساعد بذلك أيضاً.

    مع مرور السنوات ميسي أصبح قاتلاً، طور من مهاراته بالتمرير حتى أضحى أشهر صانع ألعاب في العالم، نجم يلعب كثيراً للزملاء، يمرر ويصنع الكثير من الأهداف، ميسي أضحى لاعباً يحرك المنظومة بأكملها ويشرك جميع زملائه في اللعب، ولا يعتمد فقط على مهاراته بالمراوغة لتدمير المنافسين.

    لو بقي ميسي عند مهارة المراوغة وطورها بالعمل البدني فقط، أو طور مثلاً اللمسة الأخيرة أمام المرمى ونسي باقي الأمور، حينها كنا سنمتلك لاعب رائع، لكنا لن نحصل بذلك على الفنان، المهندس، القاتل، العبقري في ذات الوقت… ببساطة، لم نكن سنحصل على “ليونيل ميسي” كما نحب أن نراه اليوم.

    لذلك نقول: شكراً برشلونة .. شكراً ليونيل ميسي