لو سألتك هنا، من هو المدرب الأكثر تشابهاً مع ثانوس؟ الجواب على هكذا سؤال ليس بالأمر الهين، بل من الصعب جداً أن تجد تشابهاً بين مدرب كرة قدم يعمل على إرضاء عشاق ناديه وعشاق اللعبة حول العالم، مع بطل خارق يتمحور الظلام والموت والدمار حول شخصيته! لذلك ربما ترد على السؤال بسؤال آخر: لماذا تفترض أنه يجب أن يكون هناك تشابهاً؟

حسناً، لنقف هنا دقيقة ونفكر قليلاً، هل ثانوس شخصية “كوميكس” أم فكرة وفلسفة؟ لمن لا يعرفه (أو لمن يعرفه) ثانوس هو أحد الأبطال الخارقين في عالم مارفيل سواء في الكتب المصورة أو في العالم السينمائي، تعرفنا عليه بشكل دقيق العام الماضي في فيلم Avengers: Infinity War والذي يعقبه فيلم Avengers: EndGame ، وفلسفته عن الحياة تتلخص بإيمانه بأن الموارد في هذا الكون محدودة وستنضب قريباً إن استمرت الكائنات الحية بالتكاثر، لذلك لا بد اتخاذ قرار قاسي بأن يتم إبادة نصف الكائنات الحية حتى يعيش النصف الآخر برخاء.

إذاً هنا نحن أمام فلسفة وتصور عن الحياة، وهو تصور خاطئ وسخيف بالمناسبة، إلا أنه يبقى فلسفة قائمة ربما تجد من يناصرها، ومن هنا ربما نجد تشبيهاً لهذه الفلسفة في عالم كرة القدم.

الآن، لو أردت العودة إلى السؤال الذي بدأنا به المقال ربما ستجيب: جوزيه مورينيو، أو أنطونيو كونتي، وربما السير أليكس فيرجسون…

اعتبار هؤولاء المدربين أقرب لفلسفة ثانوس ناجم من قوة شخصياتهم، وشراستهم في التعامل مع النجوم إن صح التعبير، لكني أؤمن بعكس ذلك، فما أراه أقرب لثانوس هو بيب جوارديولا مدرب مانشستر سيتي حالياً، ملك المتعة والإبداع في عالم كرة القدم!

إن قلنا بأن فلسفة ثانوس سخيفة، لا نستطيع قول نفس الشيء على فلسفة بيب جوارديولا، فالأخير رجل نجاح وإبداع وإنجازات بل ومتعة فنية، ومن الطبيعي أن تكون فلسفته في عالم كرة القدم مثالية.

بداية جوارديولا تشبه فلسفة ثانوس

حينما نعود إلى صيف 2008 فور تعيين بيب جوارديولا كمدرب لنادي برشلونة الإسباني، نجد أن هذا الرجل أقدم على أهم وأخطر قرار يمكن أن يتخذه أي مدرب شاب وصاعد، قرار غير مجرى التاريخ بعد ذلك لكن في وقتها لم يفهمه أحد، بل لا يمكن استيعاب كيف أقدم عليه هذا الشاب.

بيب جوارديولا امتلك فلسفة محددة: يجب التخلي عن أبرز نجوم الفريق حتى يستطيع النصف الآخر أن يتطور، يزدهر، وبالتالي يتكيف مع فلسفتي.

ليست مبالغة قول ذلك، هذا ما فعله بيب جوارديولا، فهو أقصى ديكو الذي كان يصنف من ضمن أفضل لاعبي خط الوسط من أجل منح تشافي هيرنانديز وربما إنييستا أدواراً أكبر في الملعب، وطالب بإقصاء صامويل إيتو من أجل تيري هنري (إيتو أصر على البقاء لموسم إضافي)، والأهم والأكثر خطورة أنه طالب ببيع رونالدينيو أفضل لاعب في العالم مرتين، من أجل نقل ليونيل ميسي إلى المرحلة التالية في مسيرته حتى يصبح الأفضل في العالم.

GettyImages-136620290 (1)

طلب بيب جوارديولا نفهمه بمعايير الزمن الحالي، فالواقع يدل على أن برشلونة حقق لقب الدوري الإسباني 8 مرات منذ هذه الثورة، كما استطاع إثبات نفسه كأقوى فريق في العالم مع جوارديولا لمدة 3 مواسم متتالية مقدماً كرة قدم لا تضاهى ويعتبرها الكثيرون أجمل ما رأوه، لكن القبول بذلك قبل 11 عاماً كان أمراً صعباً وتكلفته باهظة، فالنجوم الذين يريد بيب منحهم الدور الريادي في الملعب تواجدوا بالفعل كأساسيين إلى جانب الأسماء التي يطالب برحيلها، ولم يغيروا من الواقع شيئاً.

جوارديولا آمن بأنه لو منح المزيد من المساحة لتشافي لكي يسيطر على خط الوسط، ولإنييستا لكي يكون العقل المدبر للفريق في الثلث الأخير من الملعب، ولميسي لكي يصبح أفضل نجوم الفريق وأكثرهم قدرة على الحسم والإبداع، حينها سيترجمون مهاراتهم بشكل أفضل على أرض الواقع. نعم، مثلما يفكر ثانوس “عليك بتدمير نصف الكائنات الحية حتى ينتعش النصف الآخر” .

وحتى أكون صادقاً هنا، فهذه الفكرة ليست السبب الوحيد الذي جعل بيب يتخلى عن رونالدينيو وديكو ثم إيتو، فالمسألة تتعلق أيضاً بعدم قدرة هذا الثلاثي على الإيفاء بالمتطلبات البدنية التي يريدها بيب من لاعبي فريقه لأداء فلسفة التيكي تاكا خصوصاً من ناحية الضغط العالي (الجنوني) على المنافس لاستعادة الكرة سريعاً، ثم التحرك حول حامل الكرة باستمرار من أجل الاحتفاظ بها. رونالدينيو مثلاً كان ثقيلاً حينها ولم يكن يؤدي أي دور بدني في الملعب، وهو ما لا يخدم فلسفة بيب.

جوارديولا تصرف كثانوس في مواقع أخرى

صحيح أن أبرز حالات التشابه بين فكرة جوارديولا وثانوس حصلت في برشلونة، لكن لا نستطيع القول بأن بيب لم يكرر هذه الفكرة لاحقاً، فحينما جاء إلى مانشستر سيتي حاول في موسمه الأول التخلص من سيرجيو أجويرو حتى يمنح المساحة لجابرييل جيسوس بالتطور بعد انضمامه لصفوف الفريق في يناير 2017 لكن هذه الفكرة توقفت بسبب إدارة مانشستر سيتي، ثم لأن سيرجيو أظهر تجاوباً مع أفكار بيب بمرور الوقت.

كما فعل ذلك في برشلونة أيضاً حينما طالب برحيل يايا توريه رغم تقديمه مستوى إيجابي، وذلك لإيمانه بأن سيرجيو بوسكيتس سيتمكن من التطور بشكل أسرع بهذا القرار. بل ربما أن هذه الفكرة أيضاً كانت من أسباب رحيل توني كروس عن بايرن ميونخ (رغم تألقه هو الآخر) من أجل تياجو ألكانتارا.

نعم، ربما يوجد تشابه بين فلسفة جوارديولا وفلسفة ثانوس، لكن شتان بين النتيجتين، فالأول يقدم السعادة والمتعة من خلال ذلك، والثاني لا يترك خلفه سوى الحسرة والدمار.