القط دياز وقصة أطول ركلة جزاء في العالم

  • Facebook
  • Twitter
  • Mail
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • Facebook
  • Twitter
  • WhatsApp
  • Pinterest
  • LinkedIn
  • حسين ممدوح – في الأرجنتين في عام 1958، حدثت قصة عجيبة، يحكيها لنا الروائي الأرجنتيني أوزفالدو سوريانو، وننقلها لكم باللغة العربية، حينما قرر مرتادو نادي استريلا بولار وهو نادي خاص بالبلياردو وألعاب القمار، المشاركة في بطولة أحد مقاطعات محافظة ريو نيجرو، لأنهم في يوم الأحد لم يكن لديهم شىء آخر يعملونه.

    وبدأ الناس في المنطقة، ينتظرون بعد ظهر كل أحد، لمتابعة المباراة المرتقبة في دوري المقاطعة، والذي يضم 16 ناديًا.

    كان اللاعبون في استريلا بولار من أعمار سنية مختلفة، فمنهم من يبلغ من العمر 15 عامًا ومن هم من كان ثلاثون عامًا ومنهم من كانوا كبار في السن للغاية، كان أحدهم يُسمى دياز، تخطى الأربعين وله شعر أبيض..

    لم يحظ هذا الفريق بنتائج جيدة، فغالبًا ما كان يحتل مرتبة أقل من العاشرة في جدول الترتيب، بل أنهم في عام 1957، كما يخبرنا أوزفالدو سوريانو، حققوا المركز الثالث عشر وعادوا إلى منازلهم وهم يغنون، كانوا يرتدون القميص الأحمر وكان لديهم دائمًا في الحقيبة، لأنه لم يكن لديهم سواه.

    وفي عام 1958، بدأوا البطولة بخسارة من فريق إيسكودو تشيلينو وهو نادٍ آخر بائس.

    لكنهم بعد ذلك حققوا 4 انتصارات على التوالي، وبعد أن كان الجميع يتجاهل هذا الشىء الذي يدعى بفريق كرة قدم في وادي استريلا بولار، أصبح هو حديث العامة في الـ 12 قرية في الوادي كله.

    Foto-Estrella-Polar-1ª-Medium

    حقق الفريق الانتصار تلو الآخر، صحيح، أن أغلب انتصاراته كانت بهدف نظيف مقابل لا شىء لكن ما حدث بالنسبة لهم كان معجزة، فهذا البؤس ينتهي أمام أعينهم، واعتلى الفريق بشكلٍ مفاجىء المركز الأول برصيد 22 نقطة، متفوقًا على البطل الأبدي (ديبورتيفو بيلجرانو) والذي يضم لاعبين كبار مثل باديني، كونستانت جونا وتاتا كارديليس، لقد كانوا جميعًا خلفه.

    أصبح استريلا بولار حديث المدرسة، الحافلة، في الميادين العامة والقهاوي، لم يكن يتخيل أحد أن يصلوا للنقطة رقم 22.

    يحكي أوزفالدو: “كان لاعبو استريلا بولار بطيئين وثقيلين، لكنهم كانوا متميزين في المواجهات المباشرة والقوة البدنية، وعندما يفقدون الكرة يصرخون مثل الخنازير، ترى المدرب ببدلته السوداء وشاربه العريض يسبهم بأقذع الألفاظ على خط التماس.

    بل أن المدرب أحيانًا كان يُمسك بعصا خشبية، ويضرب لاعبيه بها عندما يمرون بجانبه، وكان الجمهور مستمتعاً بهذا، ونحن كنا صغارًا ولم نكن نعرف أن لعبهم سىء لهذه الدرجة”.

    على الرغم من كرة القدم البشعة التي يقدمونها، كان لديهم إحساس عالٍ بالولاء لفريقهم وحماس كبير له يجعلهم يخرجون من أرضية الملعب وهم يتكئون على بعضهم البعض.مع تصفيق حار من الجمهور بينما يتلقى كل واحدٍ فيهم زجاجات منعشة من النبيذ، تكون ضرورية بعد العرق الذي بذلوه على تلك الأرض الرطبة. وفي الليل، يحتفلون في الملاهي الليلية ويعيثون في الأرض فسادا، الناس تقبلتهم بعد تلك الانتصارات ، لقد سمحوا لهم بكل شىء.

    لذلك حصلوا على العديد من الهدايا من كبار السن والتجار ورجال السينما، إلا أنهم عندما كانوا يخرجون من بلدتهم لم يكن أحد من المراقبين يأخذهم على محمل الجد، حتى عندموا هزموا أتلتيكو سان مارتين بهدفين لهدف.

    وعاش سكان الوادي الهادىء الوهم، إلى أن فوجئوا بنبأ الخسارة من ديبورتيفو بيلجرانو بسبعة أهداف.

    إذن، بدأت الحياة تعود لطبيعتها وشعرنا -يقول سوريانو كاتب القصة- بأن هذا أمر مُقدر، كان ينبغي وقوعه، إلا أنهم فازوا في يوم الأحد الموالي بهدف نظيف، واستمروا في سلسلة من الانتصارات الشاقة والعمل الجاد حتى جاء الربيع وهم في المركز الثاني بفارق نقطة واحدة عن المتصدر، البطل الأبدي لدوري مقاطعة ريو نيجرو، ديبورتيفو بيلجرانو.

    osvaldo-soriano-64b0dce5-9cda-4654-a076-331e988131b-resize-750

    المواجهة الأخيرة من البطولة كانت تاريخية بسبب قصة ركلة الجزاء تلك. الملعب كان ممتلئًا عن آخره، وكذلك أسطح المنازل المجاورة له.

    توجس البعض خيفة من أن يكرر ديبورتيفو بيلجرانو سيناريو مباراة الذهاب، وأن يغدق مرمى استريلا بولار بالأهداف السبعة في الشوط الأول من المباراة.

    كان اليوم باردًا وبدأ شجر التفاح في الاكتمال والنمو، وتسلح فريق استريلا بولار بخمسمائة مشجع غاضب لإرهاب الخصم. واضطر بعض رجال الإطفاء القريبين من الملعب للتواجد بالقرب منه، وإخراج الخراطيم لكي يجعلوا الجميع يحافظون على هدوئهم.

    تقدم إستريا بولار بشكلٍ مفاجىء في النتيجة بهدفين لهدف، وأعتقد البعض أن المعجزة الإلهية سوف تتحقق.

    حكم المباراة هيرمينو سيلفا ظل حتى الدقيقة 42 من الشوط الثاني مجهولًا حتى أشار إلى نقطة وعلامة الجزاء محتسبًا ركلة جزاء للضيف، ديبورتيفو بيلجرانو.

    كان لاعبي ديبورتيفو بيلجرانو يرمون أنفسهم داخل منطقة الجزاء طوال الوقت ويقومون بالخدع والصراخ في وجهه لإقناعه، وحافظ هيرمينو سيلفا على هدوءه، ورفض احتساب ركلة جزاء لهم طوال هذا الوقت بسبب عدم وجود مخالفة.

    حتى جاءت الدقيقة 42 من الشوط الثاني، فوقع الحدث الذي تركنا جميعًا فاتحين لأفواهنا، عندما أشار بيده اليسرى لنقطة الجزاء.
    أطلق الحكم صافرته معلنًا احتساب ركلة الجزاء.لم يكن في هذا الوقت هناك علامة في منطقة الجزاء، فكان عليه أن يحتسب 12 خطوة من المرمى بنفسه ليشير لمكان التنفيذ.

    لكن هيرمينو سيلفا لم يتمكن من التقاط الكرة، حيث أخذها الظهير الأيمن لإستريلا بولار، كولو ريفيرو وبدأ الشجار على أرضية الملعب،وأُسقط في يد الحكم، فأشار إلى إيقاف المباراة.

    في تلك الليلة أصدرت القيادة العسكرية في المنطقة حالة الطوارىء وأمرت بتفتيش القطارات لطرد أي شخص لا يعيش داخل هذا الوادي.

    اجتمعت محكمة الاتحاد وقررت أن يتم إجراء الوقت المتبقي من المباراة في يوم الأحد التالي، على الرغم من أن كان المتبقي من الوقت فقط 20 ثانية.وكان هذا يعني أن يتواجد كونستانت جاونا لاعب ديبورتيفو بيليجرينو فقط في مواجهة حارس استريلا بولار وهو دياز المُلقب بالقط، وسيكون ذلك على نفس الملعب ولكن بدون حضور جمهور، وخلف أبواب مغلقة.

    يحكي أوزفالدو سوريانو : “وهكذا انتظرنا أسبوعاً حتى يأتي موعد ركلة الجزاء، وكانت، إن لم يبلغني أحد غير ذلك، أطول ركلة جزاء يتم تنفيذها في التاريخ. وفي يوم الأربعاء، لم نذهب للمدرسة وذهبنا بالقرب من النادي لمراقبة الأوضاع هناك ووجدنا أن النادي تم إغلاقه وحوصر من قبل الشرطة”.
    وجرى حوار ما بين دياز، حارس بولار في أحد الحانات إلى جانب رئيس النادي وآخرين جاء فيه:

    دياز: إنه يسدد الكرة دائمًا على اليمين.

    رئيس النادي: “نعم، دائمًا”.

    دياز: لكنه يعرف أنني أعرف.

    الرئيس: أنت ثمل.

    دياز: نعم، ولكني أعلم أنه يعرف ذلك.

    قال أحد الأشخاص الموجودين حول الطاولة: “انعطف يسارًا وكن جاهزًا للقفز”.

    دياز: لا، إنه يعلم أنه يعرف أنه يعرف ذلك.

    بعد ذلك غط دياز في النوم، ثم استفاق بعد دقائق وغادر، وعلق رئيس النادي: “القط يزداد غرابة”.

    بدأ الناس في البلدة غاضبين من تصرفات الحارس القط، حتى أن البعض اعتدى عليه، وألقوه بالأحذية قبل أن ينقذه أحد الجنود وذلك في محاولة لإفاقته، خاصة وأنه لم يذهب للتدريبات لثلاثة أيام على التوالي. و وجدوه إلى جانب مسارات القطار وهو يتحدث إلى نفسه ومعه كلب مقطوع الذيل.

    تغيرت معاملتهم له لأنهم أرادوا له أن يكون جاهزًا وخاصة ان موعد ركلة الجزاء قد اقترب، فكرسوا أنفسهم جميعا لإرضاءه.

    فذهب له رئيس البلدة يوم الجمعة مع باقة من الزهور وبطيخة وقابله بابتسامه عريضة، واستمر يناديه باسم “صديقي”، كما جلست معه أحد الحسناوات.

    وكذلك ذهبوا في الليل إلى السينما وفي فترة الاستراحة، قام القط دياز للتدخين ثم غادر وترك الفتاة التي معه بمفردها.

    وفي ظهر يوم السبت، استعار القط دياز دراجتين وذهب في نزهة على ضفاف النهر مع الفتاة ودار بينهما كذلك حوار طويل حول الوجهة التي سيسدد فيها لاعب ديبورتيفو بيليجرينو الكرة.

    قالت له الحسناء: “في هذه الحياة لا تعرف أبدًا من الذي يغش، عليك أن تركز”.

    أجابها دياز: “وكيف أعرف إذا ما كان سيسدد على الجانب الأيمن من المرمى، وماذا لو لم أتصدى لها؟”.
    ردت عليه: ” هذا يعني أنك لا تحبني”.
    وجاء يوم الأحد، تم منع فيه العديد من الحافلات القادمة من خارج المدينة من الدخول إليها، واضطروا جميعًا للانتظار في الشمس، وفي هذا الوقت لم تكن هناك محطات إذاعية ولم تكن هناك طريقة لمعرفة ما سيحصل في هذا الملعب المغلق، وماذا إذا تم تسجيل ركلة الجزاء وخسر بولار اللقب الذي لن يتكرر.

    لكن نجح أحد الموظفين في الصعود إلى سطح أحد المنازل القريبة من الملعب، وأصبح بإمكانه رؤية المرمى الذي سيقف فيه القط دياز، وبهذا سيتمكن من إبلاغ أحد الأطفال الواقفين على الطريق ما الذي يمكن أن حدث، وعلى طول الطريق كان مشجعو بولار ينتظرون.

    وفي الساعة الثالثة بعد الظهر، بدأ لاعبو الفريقين يتوافدون للملعب، وهم يرتدون ملابس اللعب وكأنهم سيلعبون. وكان الحكم هيرمينو سيلفا يرتدي زيه الأسود المعتاد.

    تجمع الجميع في وسط الملعب ثم أخذ الحكم الكرة وذهب مباشرة إلى كولو ريفيرو الظهير الأيمن الذي أثار الشعب وطرده من الملعب.

    لم تكن البطاقة الحمراء قد اخترعت بعد، فأشار هيرمينو إلى النفق المؤدي للخارج بيده المرتعشة التي بها صافرته.

    دخل فيريرو في شجار آخر لإصراره على البقاء ومشاهدة ركلة الجزاء، وفي نفس الوقت كان جميع الناس في الشارع يتراهنون فيما بينهم على المكان الذي سيسدد فيه كونستانت جاونا الكرة.

    تواجد أهل البلدة بكثافة على طول الطريق القريب من الملعب، حتى امتلأت 3 كيلو مترات بالناس، أوصلوا خبر ركلة الجزاء بأنفسهم من فم إلى فم.

    وفي تمام الساعة الثالثة والنصف وبعد أن تمكن الحكم من إقناع قادة الناديين والمدربين وقوات التأمين بمغادرة الملعب، اقترب كونستانت جاونا من منطقة الجزاء، ووضع الكرة.

    كان جاونا نحيفًا وحواجبه كثقة جدا، وكان متخصصاً في تسديد ركلات الجزاء فهو يتمتع بتركيز عالي ومتيقظ.

    وفي الرابعة إلا ربع عصرًا، وضع الحكم هيرمينو سيلفا الصافرة في فمه وأطلقها وهو في حالة إعياء تامة.

    penal2
    تقدم الحارس دياز إلى الأمام ورمى بنفسه على اليمين،وعلى ما يبدو فإن كونستانت كان يعرف، بأن الحارس القط، سيرمي نفسه بالتأكيد نحو زاوية ما، ولكن القط دياز فكر حينها في أن يرمي بنفسه على جانب ويرمي بقدمه نحو المنتصف لكي يتصدى لها، وبالفعل تصدى لها، لكن كانت المفاجأة في أن الحكم قد سقط مغشيًا عليه ولم يرى ركلة الجزاء.

    نقل الموظف الموجود فوق أسطح أحد المنازل الخبر للطفل، ثم تناقل الجميع الخبر وبدأوا في الاحتفال، لكنهم لم يكونوا يعرفون بأن هذا لا قيمة له.

    حيث أصابهم الذهول عندما عرفوا أن الحكم سيلفا، قرر إعادة ركلة الجزاء بعد أن أفاق.

    حينها أصاب اللاعب جاونا الشك ولم يكن مؤمنّا بالدخول مرة أخرى لتسديد ركلة الجزاء حيث حاول إقناع زميله باديني بتسديدها، ولكنه بعد قليل ذهب لتسديدها.

    سدد جاونا الكرة هذه المرة على اليسار وذهب الحارس القط دياز إلى نفس الجانب بكل أناقة وبراعة، نعم لقد أمسك دياز، الرجل العجوز، الكبير بها، ونظر إلى الكرة بين يديه وكأنه حقق كل المجد، كل المجد الذي يمكن لإستريلا بولار قاطبةً أن تُحققه، بينما انفجر جاونا لاعب ديبورتيفو وانخرط في البكاء.

    penal3

    يختم أوزفالدو سوريانو قصته الواقعية: “بعد ذلك بعامين، عندما أصبح دياز في مرحلة الشيخوخة التقيته وأنا شاب وقح مرة أخرى. وكان على مقربة مني بـ12 خطوة، رأيته بجسد هائل وبأصابع كبيرة، وفي إحدى يديه كان يرتدي خاتم زواج. لم يتزوج من الحسناء فيريرا، ولكن من شقيقة كولو ريفيرو ظهير بولار الأيمن، والذي كان هنديًا.
    طلبت منه تسديد ركلة جزاء عليه، فوافق، ذهبنا إلى أحد الملاعب القريبة، تجنبت النظر إلى عين دياز، ولكني اقتربت من نقطة الجزاء وسددت الكرة إلى اليسار وإلى أسفل، وسددتها بكل قوة ولم يستطع بسبب سنه أن يجاري قوة الضربة، وذهبت وأنا أجري للاحتفال برؤية الكرة داخل المرمى، ورأيت دياز يستيقظ وهو مهزوم ومغتاظ”.

    قال لي القط دياز: “حسنًا أيها الطفل، في يوم من الأيام، عندما تبلغ من العمر أرذله، ستتجول في المدينة وتخبرهم بأنك سجلت هدفًا في مرمى القط دياز، لكن وحتى يأتي هذا الوقت، لن يتذكرني أحد، لن يعرفوا من هو القط.