ملفتة تلك الإحصائية التي أظهرت أن ليفربول هو أفضل صاحب مركز ثانٍ في تاريخ الدوريات الكبرى بـ 97 نقطة متفوقاً ريال مدريد موسم 2009/2010 والذي أحرز 96 نقطة وعلى نابولي موسم 2017/2018 مع ساري والذي أحرز 91 نقطة وعلى باريس سان جيرمان مع إيمري موسم 2016/2017 بـ 87 نقطة ودورتموند موسم 2015/2016 بـ 78 نقطة . والملفت ليس رقم ليفربول العالي فقط بل أيضاً أنه في ثلاث من المرات الخمس السابقة كان جوارديولا هو البطل، مع مانشستر سيتي و برشلونة وبايرن ميونخ.

أن يحرز صاحب المركز الثاني رقماً قياسياً بعدد النقاط فهذا يدلّ على قوة المنافسة وقوة صاحب المركز الأول كذلك . وعندما يكون مدرب صاحب المركز الأول هو نفسه في ثلاث مناسبات من خمس فهذا أيضاً يدلّ وبشكل قطعي على الدور الذي لعبه هذا المدرب في رفع مستوى الدوري …وهذا ما فعله الفيلسوف جوارديولا .

بيب أجبر كل من حاول منافسته والاقتراب منه على أن يقدم أفضل مستوى له. حتى ريال مدريد عندما نجح في كسر هيمنة برشلونة بيب مع مورينيو وفاز بلقب الدوري اضطر لتسجيل 100 نقطة لأن الكتلان سجلوا 91. ولم يقتصر الأمر على الأداء الهجومي بل إلى الدفاعي كذلك الأمر ، وجميعنا يذكر كيف اضطر الإنتر مع مورينيو نفسه إلى تقديم ما يمكن اعتباره أفضل أداء تكتيكي ودفاعي ربما في التاريخ ليوقف برشا بيب في نصف نهائي أبطال العام 2010 .

مع برشلونة انطلاقاً من العام 2009 أجبر أسلوب بيب مدربي العالم على شحذ عقولهم لإيجاد طريقة لإيقاف المد الهجومي الكتالوني. كما اضطر الجميع لمواجهة بايرن مختلف عندما انتقل إليه الفيلسوف وشاهد الألمان لأول مرة أسلوب الاستحواذ الممزوج مع الضغط العالي (الضغط عالي كانوا قد رأوه سابقاً مع كلوب) وهو ما أجبرهم أيضاً على تطوير كرة القدم التي يلعبونها. وبعد أن سخرت إنجلترا من أسلوب الاستحواذ والضغط العالي في الموسم الأول له مع السيتي واعتبرت أن أسلوبه لا يمكن أن ينجح في الدوري الإنجليزي الممتاز. أذعن الجميع لكرة القدم الرائعة التي يقدمها فريقه في الموسمين الثاني والثالث وبات الفوزعلى السيتي في مباراة واحدة إنجازاً كبيراً بحذ ذاته.

تأثير بيب امتد ليؤثر في كرة القدم التي تشتهر بها كل دولة درّب بها .فبعد أن أصبح منتخب اسبانياً نسخة شبه كلية عن برشلونة سواء على صعيد اللاعبين أو الأسلوب. لعبت ألمانيا في كأس العالم 2014 بتشكيلات جديدة تعتمد الاستحواذ أساساً وهذا الأمر بعيد كما هو معروف عن كرة القدم الألمانية . لكن تمرّس لاعبي البايرن وتطورهم على يدي الفيلسوف الكتالوني سمح ليواكيم لوف بتطبيق أمور جديدة لم تعهدها ألمانيا سابقاً. وأخيراً في أنجلترا بدأنا نرى أساليب هجومية جديدة ولعباً أرضياً أكثر وبسرعة وفنيات أعلى مع استحواذ أكثر سواء في الدوري الإنجليزي الممتاز أو مع المنتخب الإنجليزي مع ساوثجيت. وحتى خارج الدول التي درب بها جوارديولا بات العديدون يتبعون خطاه وأبرز الأمثلة طبعاً مدرب الأياكس إريك تين هاج الذي قّدم لنا فريقاً رائعاً بأسلوب هجومي مميز وحقق نتائج رائعة .

كرة القدم التي قدّمها لنا جوارديولا ليست جديدة ، فقد سبقه إليها رينوس ميتشيلز وساكي وطبعاً كرويف وغيره . لكن أهميتها تكمن في تطوير الشق الخاص بالضغط العالي وأيضاً في توقيت استعمالها لأول مرة عام 2009 . وقتها كانت السيطرة شبه مطلقة للكرة الدفاعية والتكتيكية . لكن جوارديولا عرف كيف يستشرف مؤشرات المستقبل ومتطلباته الفنية والبدنية وبنى فريقاً يلعب بأسلوب هائل أجبر الجميع على إعادة النظر بكرة القدم التي يلعبها . ولذلك فمن المنصف القول أن تأثير جوارديولا وصل إلى أبعد من الفرق التي درّبها بكثير …