جوزيه مورينيو

موقع سبورت 360 – رجل يجر نفسه مبتعداً عن دمار كبير خلفه .. لا شيء يمكن أن تشاهده سوى أكوام من الرماد والحطام، كل شيء جميل اختفى، كل ناطحات السحاب وكل الحدائق سُحقت .. لم يبقَ له سوى أن يمضي نحو مدينة جديدة، لعله يستطيع تصميم جنة جديدة داخلها، فما تحطم في المدن السابقة لن يستطيع بناؤه مجدداً.

يهمك أيضاً:

شمس ميسي تحرق بوروسيا دورتموند بلهيبها

نعم، هذا هو جوزيه مورينيو، رجل الكبرياء في عالم كرة القدم، النرجسي، المغرور، العبقري، المعطاء، والمحب للاعبيه، إنه مورينيو بكل اختصار، ها قد عاد لنا مجدداً مرتدياً معطف توتنهام، ويبدو أنه عاد للبناء هذه المرة، لا الهدم.

لم نعد نفهم جوزيه مورينيو في السنوات الأخيرة، لم نعد نعي ما الذي يريده أو ما الذي يحدث معه، المدرب الذي لطالما التف اللاعبون حوله، بل وقاتلوا بشكلٍ شرس في أرض الملعب بتوجيهات منه، أصبح من أكثر الأشخاص الذين يكرههم اللاعبون حول العالم، كل شيء حدث منذ موسمه الثالث في ريال مدريد، ولم ينتهِ حتى موعد رحيله عن مانشستر يونايتد.

لكن الآن فهمنا لماذا يعشقون مورينيو، استعدنا الذكريات، وعاد لنا الرجل الذي عرفناه في الماضي، الرجل الذي عشقه المحللون والصحفيون قبل الجماهير، مثلما كرهه المنافسون كما لم يكرهوا أحداً آخر.

مورينيو-ألي-أوريير

مورينيو الأب الحنون والقاسي على لاعبيه

حينما تولى جوزيه مورينيو تدريب تشيلسي صيف 2004 كان قادماً كبطل لأوروبا رفقة بورتو، فيما لم يكن البلوز قد نجحوا في تحقيق الألقاب الكبرى كما يريدون بعد، جوزيه كون فريقه الذي يريده تقريباً، وساعده في ذلك مكانته البارزة وشخصيته، والكاريزما التي امتلكها في ذلك الوقت.

لكن في الحقيقة هناك شيء آخر ميز مورينيو عن بقية المدربين في تلك الفترة، شخصيته اتسمت بالحب الشديد للاعبيه واستماتته في الدفاع عنهم، وأيضاً امتلاك القدرة على دفعهم للقتال من أجله في أرض الملعب، رغم أنه في ذات الوقت كان قاسياً في التعامل حينما يشعر بالتقصير.

ديديه دروجبا في سن 40 عاماً طلب منه في أحد البرامج التلفزيونية أن يوجه تحية لمورينيو فقال ببساطة “مرحباً بابا” ! ليس مرحباً معلمي، ولا أستاذي، ولا قائدي، بل والدي، لأن ببساطة جوزيه كان حنون على رجاله، لكنه قاسي في الوقت الذي يتطلب إظهار القسوة.

دروجبا قال في تصريح آخر عن الرسالة التي قالها مورينيو للاعبيه خلال موسم 2005\2006 “كنت أشعر بفقدان الرغبة، وأتساءل لماذا لا أعود لمارسيليا وأصبح المهاجم الرئيسي وانتهى الأمر، لكن في ذات الفترة جمعنا مورينيو وقال لنا: إن كان أياً منكم يريد أن يكون الملك الوحيد، فحينها عليه العودة للفريق الذي أتى منها، لأنه هنا في تشيلسي نحن 22 ملكاً، إما أن تقبل ذلك لنعمل ونقاتل سوياً، أو تعود إلى المكان الذي أتيت منه”.

دروجبا أكد أن هذه الرسالة أيقظته وساعدته على التحسن حقاً، ليصبح اللاعب الذي قدم أفضل المستويات لتشيلسي بعد ذلك.

ستيفن سيدول، لاعب آرسنال وتشيلسي سابقاً، وضح بدوره مدى حب نجوم تشيلسي لمورينيو، هذه العلاقة الفريدة من نوعها، مسترجعاً ذكريات رحيل جوزيه عن البلوز عام 2007 “شهدت إقالة الكثير من المدربين، لكن أصعب حالة كانت حينما غادر مورينيو، كان الفريق كعائلة حقيقية لدرجة أن بعض اللاعبون بكوا حينما أبلغهم بالقرار”. سيدول قال الحقيقة، فهذا ما رأيناه حقاً أمام الكاميرات حينما ودع جوزيه مورينيو لاعبيه في إنتر ميلان.

هذه العاطفة التي أوجدها مورينيو مع لاعبيه سمحت له بتقديم أفكاره الكروية كما يريد في أرض الملعب، هي علاقة لا تكاد تفهمها إن كانت مقصودة من جوزيه أم أنها من سمات شخصيته، لكن ما هو واضح أنه يحاول استعادة ذلك الآن.

جوزيه حينما سؤل عن استبدال إريك داير خلال الشوط الأول من مواجهة أوليمبياكوس بعد التأخر 0-2 ، أجاب بشكلٍ واضح “اللحظة الأصعب بالنسبة لي كانت حينما استبدلت داير، وليس حينما تلقينا الهدفين. هذا الأمر يجرح اللاعب ويجرحني، لكني فعلت ذلك من أجل الفريق”.

إنه مورينيو، المدرب العاطفي، الحنون، والقاسي، واللاذع في الانتقاد، بدأ يستعيد سمات شخصيته التي تخلى عن معظمها ولم يبقَ منها سوى الانتقاد والانتقاد في السنوات الأخيرة، ليقدم لنا لمحة عن أسباب عشق الملايين له.

هاري كين بجانب مدربه مورينيو

مورينيو .. داهية التكتيك وعاشق كرة القدم

ربما تظنها مبالغة، لكنها ليست سوى الحقيقة، نعم جوزيه داهية في علم التكتيك الكروي، وإن كان الكثيرون يحصرون الجانب التكتيكي في مدرسة محددة خلال الزمن الحالي، لكن يجب التذكير بأن كرة القدم لم تكن كذلك في الماضي، ولن تكون كذلك في المستقبل.

ليس ذلك فقط، مورينيو أيضاً يعشق اللعبة، يعشق الانتصار، ولا يرضى بالهزيمة، كل هذه السمات هي التي جعلته ناجحاً، فلا يمكن أن يكون الجانب العاطفي هو وحده من يجلب النجاح.

مباراة توتنهام الأخيرة ضد أوليمبياكوس أعادت لنا ذكريات الماضي، أعادت لنا جوزيه المجنون، الجريء، المغامر، فمع تلقي هدفين في شباك فريقه، لم ينتظر حتى الشوط الثاني كما يفعل معظم المدربين، بل قرر إجراء التغيير مبكراً، فكل دقيقة مهمة في علم كرة القدم، والأفضل أن أستغلها، لذلك أخرج إريك داير لاعب الارتكاز الدفاعي في الدقيقة 29 وأشرك في مكانه كريستيان إريكسن لاعب خط الوسط الهجومي، ثم انتقل من خطة 4-2-3-1 إلى خطة 4-1-4-1.

هذه الجرأة الهجومية من جوزيه، واتخاذه القرار السريع والجريء في وقت قياسي، منحته الفرصة لرد اعتباره في المباراة ليقلب تأخره من 0-2 إلى فوز 4-2.

تاريخ جوزيه مورينيو لطالما كان مليئاً بهكذا تصرفات جريئة، وأفكار خارج النص، فمن ينسى قيامه بإشراك قلب الدفاع كيبلير بيبي كلاعب ارتكاز في تشكيلة ريال مدريد ضد برشلونة موسم 2010-2011 وهو ما منحه القدرة على تكسير رتم برشلونة في تناقل الكرة، تعطيل المثلاثات التي يخلقونها، والأهم إغلاق العمق تماماً والذي كان ينطلق فيه ليونيل ميسي نحو الصناعة أو التسجيل.

في السنوات الأخيرة افتقدنا هذا الرجل، أصبح خائف باستمرار من المغامرة، دائماً يلجأ للدفاع والدفاع فقط، لا يملك أية حلول لتصحيح مسار فريقه خلال المباراة، أو حتى قبل انطلاق مباراة هامة جداً لهم.

ربما يقول البعض “مورينيو مدرب دفاعي دائماً” والحقيقة ليست كذلك، مورينيو كان الرجل الذي يذهب للدفاع الصارم حينما يكون بحاجة له حتى يحقق الانتصار، لكنه كان يذهب للهجوم الهادر والجنوني حينما يكون بحاجة له.

ليس ذلك فقط، جوزيه حينما كان يدافع بعشرة لاعبين كان دائماً لديه نهج واضح لكيفية سحب البساط من تحت أقدام المنافس في الوقت المناسب، كيف يستغل أخطائه ثم يدمره بأفكار محددة يستغلها لتسجيل الأهداف، بل وتقديم المتعة للجماهير وتكريس التفوق على أرض الملعب.

مثال على ذلك مباراة برشلونة وإنتر ميلان في ذهاب نصف نهائي دوري الأبطال 2009-2010 ، الإنتر في تلك الليلة لم يكن الأكثر استحواذاً، لكنه كان الطرف الأفضل في كل شيء، هو الفريق الذي يدافع ليمنعك من شن الهجمات بأريحية، وهو الفريق الذي يعرف ما الذي يجب فعله بالكرة حين امتلاكها، لذلك تفوق بشكل واضح بالأداء والنتيجة 3-1.

مباراة توتنهام وأوليمبياكوس أعادت لنا هذه الذكريات، أعادت لنا مورينيو الحقيقي، وقامت بتذكيرنا بالسبب الذي دفع عشاقه لأن يحبوه من الأساس.

جوزيه مورينيو مدرب توتنهام

مورينيو صاحب الكاريزما أمام وسائل الإعلام والهادئ خلال المؤتمرات

لطالما كان مورينيو استفزازياً لمنافسيه، يطلق تصريحات رنانة بين الحين والآخر، لكنه كان يعرف جيداً كيف يستخدم هذه التصريحات لخدمة فريقه، وكيف يبعد نفسه عن الضغوط أيضاً حينما يدلي بأي تصريح.

بمعنى أصح، جوزيه لم يكن يوماً متوتراً، أو غاضباً حينما يقول أن تصريح مستفز للمنافس، كان الطرف الذي يعرف كيف يضبط انفعالاته، وهو ما يجعل كلامه مدروس بعناية لتحقيق هدف ما.

لكن ما حصل في السنوات الأخيرة أن مورينيو أصبح “مُستفز” دائماً، غاضب، متوتر، ومستعد لإطلاق أي تصريح قاسي في أي وقت يريد، حتى لو كان التصريح الذي يطلقه يضر بفريقه، بلاعبيه، وبالجماهير التي تدعم فريقه.

هذه الأمور خلقت جواً من التوتر المبالغ به داخل غرفة خلع الملابس في الفرق التي يدربها جوزيه مورينيو، البرتغالي أصبح مكروه أيضاً من جماهير فريقه، وهو شيء لم يكن سيتخيل أحد حدوثه قبل 7 سنوات من الآن، حيث كان أكثر شخص محبوب على الإطلاق من جماهير تشيلسي، إنتر ميلان، وريال مدريد، لأنه ببساطة كان أول من “يحرق نفسه” من أجل الجماهير ومن أجل النادي، ثم أصبح أول من يهين كل من حوله، أو حتى يحرق كل من حوله من أجل إنقاذ نفسه أو الهروب من الأخطاء.

في الأيام الأخيرة عاد لنا جوزيه الهادئ في المؤتمرات، المبتسم، والذكي بكلامه. ورغم أن مورينيو أظهر شخصية القط الأليف في الكثير من الكلام الذي قاله، لكن كان له بعض المناوشات الذكية ضد بيب جوارديولا وفيلمه في أمازن. أما حينما يتعلق المسألة بتوتنهام، وجماهيره، ولاعبيه، فكانت كلماته منتقاة بعناية لكسب ثقتهم ومحبتهم.

ليس هذا فقط، بل حتى حينما سؤل عن خيانته لتشيلسي، كان كلامه هادئاً وبسيطاً، لم يفتعل مشكلة، ولم يهن أحد وبرر موقفه بشكل ذكي ولطيف وواضح، وهي أمور ما كان سيفعلها لو وجه له نفس السؤال قبل عام أو اثنين في حال وضع بنفس الموقف.

جوزيه عاد لنا بالذكريات إلى شخصيته القديمة، ربما فترة التوقف ساعدته على ذلك لإعادة ترتيب أوراقه، لكن الأهم أنه جعلنا نفهم مجدداً لماذا بنى كل هذه الشعبية حول العالم.

نعم، إنه الفريد من نوعه، السبيشل ون.