ميسي من على مدرجات لقاء اسبانيا

لا يمكن لأي شخص متابع أو غير متابع أن يتوقع أو يحسب أن لاعباً مثل ميسي يعيش أي نوع من أنواع المعاناة ، فهو أفضل لاعب في العالم وينال حب الجماهير من كل أصقاع الأرض ، ومن لا يحبه فهو بالتأكيد يحترمه أشد الاحترام ولو لم يعلن ذلك على الملأ. ومالياً هو الأعلى أجراً بين جميع لاعبي كرة القدم ودخله السنوي يقدر بالمئات الملايين مابين راتب وإعلانات وسواها، وعائلياً هو مستقر مع حب حياته ولديه ثلاثة أولاد جميلون . حتى معاناته مع هرمونات النمو في صغره كانت نعمة لأن قصر قامته جعله من أقل اللاعبين تعرضاً للإصابات (معروف طبياً أن طوال القامة معرضون لإصابات الأقدم أكثر بكثير من قصار القامة ) وبالتالي لم تعاني مسيرته المظفرة أي انقطاع كبير حتى اللحظة ونتمنى ان تستمر كذلك.

رغم إلا كل ذلك أن حياة ميسي ليست وردية بالكامل لانه يعاني من كابوس مؤرق يتجدد مع كل كأس عالم حيث يتحول منتخب الأرجنتين لمرشح فوق العادة بسبب وجوده ووجود العديد من النجوم الآخرين ضمن صفوف الفريق . لكن وفي كل مرة يفشل المنتخب في اللقب (أو أي لقب) يبدأ الكابوس من خلال تحميل ميسي النجم الأوحد مسؤولية عدم إحراز الكأس ، وتبدأ الاتهامات بافتقاره للكاريزما والقدرة على اللعب الجماعي مع الزملاء أو على الأقل تقديم نفس أدائه الذي يقدمه مع برشلونة. ويبدأ الحديث عن المنظومة وعدم قدرته على اللعب خارجها إلخ إلخ إلخ من كل الكلمات المسيئة التي سببت اعتزاله سابقاً وستتسبب في اعتزاله لاحقاً .

المعاناة الاكبر لليونيل ميسي أنه يحمل نفس جنسية الأسطورة دييغو مارادونا ويمتلك العديد من صفاته الجسدية والفنية ومن ضمنها القدرة على اجتراح المعجزات الكروية ، ومع إحراز مارادونا لكأس العالم _ الذي يبقى رغم كل الانحسار لأهمية المنتخبات مقارنة بالأندية اللقب الأهم والأكثر تأثيراً بين كل الألقاب على وجه المعمورة وهو لوحده قادر على تتويج اللاعب كالأفضل في العالم حتى لو لم يكن عامه مثالياً كما حدث مع الظاهرة رونالدو عام 2002_تصبح معاناة ميسي مضاعفة لأن الشعب الأرجنتيني لن يقبل سوى بكأس العالم من لاعب حقق من الألقاب والأمجاد على الصعيد الفردي والأندية أكثر من مارادونا بكثير. وبالتالي هو مطالب بنظرهم أن يجلب الكأس الغالية لبلاده كما جلب العديد من الكؤوس لناديه برشلونة .

قد يبدو الكلام السابق منطقياً إذا أخذنا الموضوع من زاوية وطنية حيث من الطبيعي أن يطالب الجمهور ميسي بالألقاب خصوصاً أنه السبب الأساسي لحصدها في برشلونة ، لكن ميسي نفسه لديه رأي آخر صرح به مؤخراً لقناة فوكس سبورت حيث قال : “كأس العالم ندين به لأنفسنا وليس للجماهير لأننا في كل مرة نقدم أفضل ما عندنا لنحصد الالقاب لكن التوفيق لا يقف بجانبنا ، وستكون هذه الفرصة الأخيرة لهذا الجيل لإحراز كأس العالم لأن معظمه سيغادر مع كأس العالم القادمة .”

كلام يحوي الكثير من الدلالة حول الممل الذي يعاني منه الليو من الضغوط الكبيرة التي تفرض عليه كل كأس العالم ورغبته في التخلص منها للأبد لأنه دائماً ما يكون أول المستهدفين مع كل إخفاق وبطريقة مهينة أحياناً كما حدث في كأس العالم 2014 .

المشكلة الحقيقية ربما تكمن في الشخصية ، فالكاريزما والقوة والجموح الذي يمتلكه مارادونا ولا يمتلكه ميسي الانطوائي والهادئ يعتبر من وجهة نظر الكثيرين “ حتى الأرجنتينين منهم “ السبب الرئيس في قدرة مارادونا على الارتقاء بمستوى مجموعة عادية لتنافس وتفوز في حين لا يستطيع ميسي رغم كل ما يمتلكه من قدرات من إلهام من حوله “ الأكثر نجومية “ ليصلوا على مستوى التنافس . لكن هذه الكاريزما والقوة والجموح حدت من انجازات مارادونا إلى حد كبير في حين أن الهدوء والتركيز والعمل المتواصل من ميسي جعله يقدم عدداً أداءً خيالياً لفترة اطول بكثير من مارادونا ،وهو فعلياً قاد الأرجنتين لبعد خطوة واحدة عن التتويج بعدة ألقاب وربما لو فاز بأحدها لما كان هذا الحديث بأكمله موجوداً .

من المفهوم أن ليونيل ميسي هو النجم الاوحد والأفضل ، وكونه كذلك يعني بالضرورة أنه الملوم الأول بالنسبة للجمهور ، لكن الحقيقة أن ميسي مظلوم جداً وفي كل مرة يبذل كل مافي وسعه لتحقيق اللقب حيث يقدم ما عليه من تهديف وصناعة فرص لكن قلة توفيق الزملاء او استهتارهم وأحياناً رغبتهم في الخروج من ظل ميسي ومنافسته بطريقة أو بأخرى تصعب الأمور على المنتخب ، وفي النهاية الملوم الأول هو ليو لأنه الثمن الطبيعي لأن يكون في الواجهة ، لكن من الطبيعي أيضاً أن يضيق ميسي ذرعاً بكل هذه الضغوط ويفكر دائماً في الرحيل عن المنتخب طالما أنه دائماً المستهدف الأول وسيكون دائماً بالنسبة لأبناء جلدته أقل من مارادونا رغم أنه الأكثر استمرارية وثباتاً في المستوى والذي يتحدث عنه الناس بسبب ما يقوم به داخل الملعب وليس بسبب فضائحه خارجه .

ربما تكون نتيجة لقاء اسبانيا الودي والأخير والذي انتهى بسداسية مذلة خير معين لميسي في مواجهة جمهور بلاده الذي ينبغي أن يعرف قيمته الآن ويتوقف عن وضع الضغوط عليه ومقارنته بمارادونا المختلف كلياً عنه ويدرك تماما انهم محظوظون لقدرتهم على استدعاء ميسي للعب مع المنتخب مجاناً ودون أن يضطروا لدفع الملايين من أجل ذلك ..وعندما سيتملك الجمهور الأرجنتيني هذه العقلية ستخف الضغوط على ميسي وسيضمنون بقاءه على الأقل حتى كأس عالم أخرى ،لأنه مع استمرار التعامل الحالي واستمرار التقليل من شأنه مقارنة بمارادونا فإن ميسي حتماً سيغادر بعد أي أخفاق قادم .

تابع الكاتب على فيسبوك وتويتر :