أندريس إنيستا

ذات يوم، قرأت في الصحف أنّ النجم الأرجنتيني خوان رومان ريكلمي قد صرّح أنّ إنيستا أفضل من يلعب كرة القدم .. في هذا اليوم، عرفت أنّ كرة القدم ليست مجرّد أرقام وعدد أهداف أو تمريرات حاسمة .. تأكّدت من هذا عندما تابعت أندريس عن كثب مع منتخب إسبانيا، فحتى لو لم يسجل أو يصنع، هو أصل الإنجازات.

لطالما ارتبط اسم إنيستا ببطولات برشلونة والحقبة الذهبية بقيادة الثلاثي ميسي وإنيستا وتشافي، حتى أنّ الدون أندريس قال مرة انه يستطيع معرفة مكان تشافي في الملعب دون أن ينظر.. لعلّ هذا الثلاثي المدمّر يجسّد نجاح مدرسة “لاماسيا”.

كم من قلب توقّف عن الخفقان عندما سدّدت الكرة الصاروخية في مرمى تشيلسي حين كانت المباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة، لترسل الكتيبة الكتالونية إلى نهائي دوري الأبطال.

سأتذكّر حتى آخر يوم من حياتي أنني رأيت لاعبًا خلوقًا ومهذبًا وإنسانًا ليس له مثيل صمّم على إهداء بلاده أغلى فرحة في تاريخها، لكنه تذكّر قبل كل شيء أن يبعث بتحية إلى روح صديقه داني خاركيه الذي فارق الحياة باكرًا.

علّمنا يا أندريس التواضع، علّمنا حب العطاء والتفاني والجدية والأخلاق والإخلاص وغيرها من القيم التي لا يعرف سرّها سوى أندريس إنيستا، هذا الفتى القادم من قرية بعيدة والذي ترك عائلته عندما كان عمره 12 سنة على الرغم من تعلّقه الكبير بها، ليلحق أحلامه.. نعم، قالها أندريس “كنت أبكي كل ليلة لأنني بعيد عن عائلتي..”، لكن ّأندريس اختار أن يسلك الطريق الأصعب، طريق النجومية وعالم الاحتراف!

كم كان صغيرًا عندما ظهر بقميص الفريق الأول في برشلونة وسرعان ما فرض نفسه بقوّة ليصبح ابتداءً من موسم 2004-2005 من الركائز الأساسية في النادي الكتالوني.

أندريس لم يكتف بحصد الألقاب الجماعية، فقد حصل أيضًا على جائزة أفضل لاعب في أوروبا الممنوحة من قبل اليويفا عام 2012، إلا أنه لم يستطع الظفر بالكرة الذهبية حيث كان قاب قوسين أو أدنى من حصدها وكان من وجهة نظر الكثيرين الأجدر بها عام 2010، خصوصًا بعد تسجيله هدف العام وأهم هدف في تاريخ “بلاد سرفانتس”، دون أن ننسى مساهمته الكبيرة في انجازات برشلونة.

دمّر راوول الخصوم، متّع تشافي الجماهير، أبدع كاسياس في الذود عن مرماه، أمطر دافيد فيا شباك المنتخبات الأخرى بغزارة أهدافه…  لكنّ أفضل من مثّل إسبانيا على الإطلاق هو الرسام أندريس إنيستا، أفضل لاعب في يورو 2012 والذي أبهر العالم بأسره بفضل لمساته الساحرة ومراوغاته المرعبة… هذا الفتى الذي جعل جوارديولا يقول لتشافي لدى وصوله إلى النادي الكتالوني “أنت يا تشافي ستجعلني أعتزل كرة القدم وهذا الفتى الصغير (انيستا) سوف يجعلنا نعتزل جميعًا!” لقد كان جوارديولا على حق، فقد تفوّق إنيستا على جميع أسلافه وكسب قلوب كل عشاق الساحرة المستديرة فهو ينتمي إلى خانة هؤلاء اللاعبين الذين لا يمكن للمرء أن يكرههم.

لطالما أحبّ إنيستا الصمت، فهو يفضّل لغة الأقدام لأنه يتقنها بسلاسة قلّ نظيرها ويجعل كل من حوله مذهولا بروعة أقدامه وعبقرية تمريراته.

اعتقد البعض أنّ أيّام الرسام قد ولّت، ولم يتبقّ منه سوى الذكريات التي لا يمكن أن تمحى من ذاكرة عشاق إسبانيا وبرشلونة، إلا أنه أكّد أنّ بريقه لم يخفت بعد، وأظهر مدى علوّ كعبه في المواعيد الكبرى، ولعلّ أبرز دليل تألّقه اللافت في نهائي دوري الأبطال أمام اليوفي، فقد كان صانع الهدف الأول ليصبح أول لاعب في التاريخ يقدّم تمريرة حاسمة في ثلاث مباريات نهائية للمسابقة الأم، كما أنه تم اختياره نجم موقعة برلين.

بعد رحيل تشافي إلى قطر، أصبح إنيستا القائد الأول للكتيبة الكتالونية وهو يستحق ذلك نظرًا لما يملك من شعبية ولأنه أقدم لاعب في الفريق، وأفضل من يجسّد تاريخ برشلونة وقيم مدرسة  “لا ماسيا” والكرة الجماعية… واليوم، سيخلف ميسي أندريس في قيادة الكتيبة الكتالونية، لتنتهي قصة حب دامت 22 عامًا، قصة الولد الصغير الذي أتى إلى برشلونة في عام 1996 وها هو يغادر اليوم كبطل أسطوري ورجل عظيم كسب احترام الجميع.

في يوم من الأيام، سيسألني ولدي “من هو اللاعب الذي تريدني أن أعتبره مثلي الأعلى؟”، سأقول له حينها “بدون شك أندريس إنيستا، أندريس الفنان والإنسان…”

رالف شربل

يمكنكم قراءة مقالاتي والتواصل معي على صفحتي الخاصة

قبل كأس العالم.. كل ما تود معرفته عن منتخب الأرجنتين